جريدة الجرائد

بعد أخطائنا السياسية هناك، لماذا نندهش مما حدث في غزة؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك



روجر كوهين - انترناشيونال هيرالد تريبيون

مع كل هذا الحديث الذي ظهر فجأة عن استراتيجية "الضفة الغربية أولاً" وتبني الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورمي غزة التي تسيطر عليها حماس الى الكلاب، فإنه يبدو في منتهى السهولة نسيان أننا بلغنا الآن أكثر من سنتين من السير في طريق نهج "غزة اولا" الذي كانت إدارة بوش قد طرحته مع شعور بالإثارة.

من أجل إعادة تعريف نفسي بهذه الحقيقة، اتصلت بجيمس وولفنسون، الرئيس السابق للبنك الدولي الذي كانت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس قد عينته في نيسان - ابريل من عام 2005 مبعوثا خاصا لمتابعة شأن فك الارتباط الإسرائيلي مع غزة.

كان أمراً حاسماً، كما قالت رايس في حينه "أن ننتهز لحظة" الانسحاب الاسرائيلي من غزة، لأن "لدينا الفرصة في الوقت الحاضر لمساعدة الاسرائيليين والفلسطينيين على بناء الثقة ببعضهما بعضا وتحقيق السلام والأمن اللذين يتطلعان كلاهما إلى تحقيقهما". وهي كلمات جميلة متساوقة كصحف الأمس. وقد حاول وولفنسون المفاوض المتعقل، حتى جمع حوالي 15 مليون دولار، بما في ذلك 10 ملايين دولار من مانح أميركي واحد -من أجل الحصول على البيوتات المحمية التي أخلاها المستوطنون الاسرائيليون في صيف عام 2005.

وعندما تحاجج الحكومة الاسرائيلية في فشل تجربة غزة، اصبحت اللازمة التي تداوم اسرائيل على تكرارها هي القول: "لقد اعطيناهم حتى البيوت المحمية"، وهو ما لم يفض إلى تكون جنين لدولة فلسطينية ديمقراطية، وإنما إلى "عش للإرهاب" بقيادة حماس.

وتتجاوز اللازمة التي تكررها إسرائيل دور وولفنسون والاموال النقدية التي دفعت. والاهم من كل شيء انها تتجاوز حقيقة ان البيوتات المحمية المعنية بدت وأنها قد هيئت لان تكون صناعة غزية مربحة قبل ان تعمد اسرائيل الى اغلاق الحدود، وبالتالي تعفن المنتجات الزراعية وتلفها.

قال لي وولفنسون: "ذات مرة، بدا واضحاً أن الأعمال كانت قابلة للحياة وان التهديدات توقفت، وشعر المجتمع باعتزاز كبير بمنجزه في زراعة الورود والفواكه والخضراوات للتصدير الى اسرائيل". واضاف "وكانت المأساة الطامة انه خلال أشهر من الشروع بذلك النشاط، أفضت موضوعات الأمن على الحدود، بعضها بداع وآخر بلا داع، إلى اقفال الحدود وإلى إهدار كل شيء". وشدد وولفنسون على القول: "ثمة حقيقة حتمية واحدة في الشرق الاوسط: إنك ما لم توفر نشاطا اقتصاديا لفئة الشباب الذين يشكلون 70% من السكان، فإن نزاعاً سينفجر هناك. وسيشرع هؤلاء بإطلاق النار على من يحملونهم المسؤولية في استمرار الوضع. وسينتهي بهم المطاف إلى إطلاق النار بعضهم على بعض".

لقد نهضت حماس في غزة بالطبع. فقد فازت في انتخابات اوائل عام 2006 التي كان الغرب قد دعا الى اجرائها. لكن ذلك أنتح أمراً إشكاليا، فقد كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد صنفا حماس على انها تنظيم ارهابي. وهي رفضت دعوات وجهت اليها للاعتراف باسرائيل والتخلي عن العنف بكل أشكاله والاعتراف بالاتفاقيات الاسرائيلية الفلسطينية السابقة.

لكن "انتهاز اللحظة" كما قالت رايس ينطوي على مجازفات، وهي أمر لا يمكن التوصل اليه من دون شيء من شراكة قائمة على نوايا طيبة. ولم يكن هناك من طريقة لأن تفرز غزة، وهي شريط من ارض فقيرة يعج بحوالي 1,3 مليون فلسطيني، التي هبطت إلى الحضيض على يد حكم فتح الفاسد، لأن تفرز اعتدالا على الطراز السويسري في أول انتخاب لها.

ان الاعتقاد بوجود شيء مختلف عن ذلك إنما يعني العيش في شرق اوسط خيالي -منطقة انتقالية خضراء-. ولا يمكن ان يتم حل أي شيء في عالم الخيال. إن حماس تمثل الآن عددا ضخما من الفلسطينيين، شئنا ذلك أم أبينا. أما القول بفكرة "الضفة الغربية أولاً"، فإنه لن يغير تلك الحقيقة.

يقول وولفنسون غير الحالم "استطيع أن أقول لك فقط إن الاغلاق الاسرائيلي لحدود غزة قد تم بدون التمعن والتمحيص اللتين كانت الحاجة إليهما ملحة. فبعيداً عن التحليل العسكري، عليك ان تنظر في التبعات على المجتمع، لان الضياع الاجتماعي يمكن أن يفضي الى توليد الغضب وتفجر العنف".

بعد سنة من اضطلاعه بالمهمة، انسحب وولفنسون وقد أصبح مهمشاً، وقال: "كانت وجهة نظر الجانب الاميركي والاسرائيلي هي أنه لا يمكنك الوثوق بالفلسطينيين. ولم تكن النتيجة تفعيل المزيد من النشاط الاقتصادي، وإنما إقامة المزيد من الحواجز.. وانا شخصيا لم أومن بان تلك كانت هي الطريقة للتقدم الى الامام".

أنا لا أعتقد ذلك بدوري. وقد انبجست فكرة "غزة أولاً" لانه كان قد تم عزل غزة، وتبع ذلك انفجار ذلك الجنون الفلسطيني الداخلي. وربما تنطوي حماس على عناصر ارهابية، لكنها تظل حركة وطنية فلسطينية اكثر منها حركة جهادية عالمية. وثمة اعضاء في حماس يمكن الحوار معهم. ولصنع السلام، فإن عليك ان تجلب العدو الى طاولة الحوار.

تنهال الاموال الاميركية والاوروبية الآن على عباس وحكومة الطوارئ التي شكلها في الضفة الغربية. وقد وصف الرئيس جورج بوش الذي اجتمع مؤخراً مع رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت في واشنطن الرئيس عباس بانه "رئيس كل الفلسطينيين".

اما الدولة الفلسطينية المستقلة التي يستطيع عباس حكمها يوما ما، فهي مسألة أخرى. وما لم يشعر العالم بأن "غزة أولا"، والآن "الضفة الغربية أولاً" سيمهدان الطريق أمام "رام الله أولاً"، فإن فلسطين المفترضة والمتخيلة ستفنى قبل أن تخلق. ويقول وولفنسون "لقد كان هذا مثالاً مريعاً بالنسبة لي على كيفية تحويل الامل إلى مأساة حقيقية".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف