بوش وبوتين: قمة بلا آمال كبيرة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
فلاديمير فردلوف - كي آر تي
تنعقد قمة الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين والاميركي جورج بوش في المنتجع الصيفي لعائلة بوش في كينيبنكفورت على شاطئ المحيط في ولاية مين. ويوحي المكان بجو يبعث على الاسترخاء، تمكن فيه ممارسة رياضة ركوب القوارب والصيد في المياه العميقة، وهو ما يجعل من المكان مناسبا تماما لإجراء مباحثات غير رسمية تتم خلالها مناقشة الشؤون العالمية. ومن الطبيعي ان يعمد جورج بوش إلى الخوض في حديث أمام الموقد مع اقوى رجلين في العالم، احدهما نجله الاكبر.
ومن غير المقرر ان يتم التوصل في كينيبنكفورت الى أي اتفاقيات محددة. وليس ذلك شيئا عرضيا، اذ سيجد الرئيسان القليل من المواضيع الجوهرية للاتفاق عليها، فهما سيجتمعان من أجل التنفيس عن أحزانهما، وسيخفيان تحت قناع من حس الرفقة شقة الخلافات المتسعة بينهما.
وكان بوش قد وجه الدعوة إلى بوتين لزيارة منزله العائلي في اوائل حزيران - يونيو عندما كانت موسكو وواشنطن منخرطتين في حرب خطابية، والتي كانت تحدث ضرراً كبيراً في علاقاتهما الثنائية. وكان القصد من الدعوة هو التغيير من طبيعة نبرة الخطاب، وربما احراز بعض التقدم حول واحدة أو اثنتين من القضايا الشائكة، مثل كوسوفو او شبكة الدفاع الصاروخي الاميركية في اوروبا الشرقية.
ثم، بعد قمة مجموعة الثماني في المانيا والتي تقدم خلالها بوتين بعرضه المفاجئ المتمثل باقتراح استخدام مشترك لمحطة الرادار الروسية الخاصة بالصواريخ الباليستية ABM في اذربيجان، بدا لوهلة ان اتجاه التيار قد تحول، وان روسيا والولايات المتحدة باتتا في طريقهما إلى مزاج يتسم بقدر أكبر من التعاون.
لكن ذلك الانفراج في مشكلة الدفاعات الصاروخية يبدو وأنه يصيبه الوهن، حيث قال مسؤولون اميركيون كبار، بمن فيهم وزير الدفاع روبرت غيتس بوضوح تام انهم يريدون استخدام رادار "غابالا" على اساس انه تكميلي، وليس كبديل عن الأنظمة المعدة للنشر في كل من بولندا وجمهورية التشيك.
تبدو حسابات موسكو القائمة على أنها قد تعيق كلية، من خلال عرضها استخدام رادار غابالا، إقامة أنظمة الدفاعات الصاروخية في اوروبا وأنها غير دقيقة. وتعكس تصريحات المسؤولين الروس هذا الادراك المتنامي بأن الامور لا تسير طبقا للخطة. فقد تحدث وزير الخارجية سيرجي لافروف ثانية عن "رد تقوم به موسكو على المستوى الاستراتيجي" اذا ما تم نشر الدفاعات الصاروخية الاميركية في اوروبا.
وثمة فكرة اخرى تبدو موسكو وأنها تدفع بها، وهي تحويل فكرة الدفاع الصاروخي المفترضة الى مشروع دولي متعدد الاطراف، يتصدى لتهديدات الصواريخ إذا ما ظهرت مثل تلك التهديدات أو أصبحت حقيقة. وقد اوضح رئيس هيئة الاركان العامة في القوات الروسية المسلحة الجنرال يوري باليوفيسكي ونائب وزير الخارجية سيرجي كيسلياك في مؤتمرها الصحفي المشترك الذي عقداه مؤخراً أن روسيا لا ترى في الحديث عن تهديد صاروخي من طرف إيران شيئاً واقعياً، وأنها تستمر في الامل بأن يفضي استخدام رادار غابالا إلى إقناع واشنطن بانتفاء الحاجة إلى نشر رادار وصواريخ اعتراضية في اوروبا. وأنا اخشى شخصياً من أن لا يشكل هذا الطرح اساسا لتسوية استراتيجية في كينيبنكبورت.
لعل اكثر شيء يمكن توقعه من القمة حول الدفاع الصاروخي هو قرار لتشكيل قوة مهام تقوم بمناقشة الموضوع. وستكون استراتيجية موسكو حينئذ تعطيل عمل قوة المهام الى حين تغير الحكومة في واشنطن، والتي ما تزل على بعد 20 شهرا من المغادرة، في حين ستركز استراتيجية الولايات المتحدة على الاسراع بنشر النظام في اوروبا بالسرعة الممكنة لتلافي احتمال ان تعمد الادارة الاميركية المقبلة الى الغاء مشروع الدفاع الصاروخي المعني برمته. فهو بعد كل شيء نظام تقدر قيمته بعدة بلايين من الدولارات، وذو فعالية مشكوك بها. لكن ذلك إذا ما حدث، فإنه سيحدث لاسباب لا تتصل في جزء كبير منها بالتصرفات الروسية.
اما بالنسبة لكوسوفو، فيجب توقع احراز تقدم أقل من ذلك. فلفترة من الوقت، كان هناك بعض الامل في اقتراح تقدم به الرئيس الفرنسي المنتخب نيكولا ساركوزي لاعطاء الصرب وألبان كوسوفو بعض الوقت الإضافي للتوصل الى طلاق متفاوض عليه قبل دخول خطة اتيساري حيز التنفيذ بموجب قرار لمجلس الأمن الدولي التابع للامم المتحدة. لكن روسيا هددت عندئذ علانية باللجوء الى استخدام الفيتو ضد مسودة مشروع القرار الذي ضم خطة ساركوزي، نظرا لان موسكو ارتأت وضع خطة اتيساري حيز التنفيذ في حال فشل الجانبان في التوصل الى اتفاقية مباشرة حسب الفترة الزمنية المحددة مسبقاً. وخلال زيارته لالبانيا بعد اجتماع مجموعة الثماني، لم يضع بوش الكثير من الوقت حتى يعلن أن "استقلال (كوسوفو) هو الغاية والهدف".
ما يزال من المحتمل أن يأتي بوتين الى الولايات المتحدة وهو يحمل اقتراحا مفاجئا آخر. لكن هذا الاحتمال يبدو غير مرجح. والتنازل فيما يتعلق بكوسوفو الان في الوقت الذي يبذل فيه الغرب القليل من الجهد لاخذ اهتمامات روسيا بعين الاعتبار ليس له معنى. ولعل الاستراتيجية التي ستكون أكثر تفضيلاً لدى بوتين ستكون "الاتفاق على عدم الاتفاق"، تماما مثلما فعل حول مسألة العراق في عام 2003 عندما أبلغ بوش بأن الغزو كان خطأ.
لعل مما يثير الاهتمام ان بوتين يحاول كسب بعض الحلفاء غير الاعتياديين لدعم موقفه. وكان قد قال للرئيس الجيورجي ميخائيل ساسكاشفيلي الذي ما فتئ يسعى منذ فترة الى إعادة فرض السيطرة على المناطق الانفصالية في بلاده، انه من غير المقبول اقتطاع قطعة من منطقة ذات سيادة عن طريق القوة من بلد ما، وإضفاء الشرعية على ضم تلك الارض عن طريق استصدار قرار من مجلس الامن. ولم يجد ساسكاشفيلي اي شيء للاعتراض عليه. ولعل من المعقول تماما بالنسبة لبوتين أن لا يساوم على موضوع كوسوفو. ذلك أن أي شيء قد يفعله غالباً ما سيعمل ضده. فعلى الصعيد المحلي، لا يستطيع ان يقدم اي تنازل حول كوسوفو خشية ان يظهر ضعيفا وغير ثابت على الموقف. أما على الصعيد الدولي، فهو يعرف ان اي حل وسط حول كوسوفو سيوضع في الجيب حتى دون تقديم الشكر، لكنه سيربح كل شيء عبر الانتظار حتى ينحرف مشروع كوسوفو عن مساره.
ثمة بالطبع مناطق مهمة يمكن فيها للتعاون الاميركي الروسي ان ينمو ويحرز تقدما. فقد ظلت روسيا فعالة في ممارسة الضغط على ايران لحملها على وقف برنامجها النووي، حيث تخلت موسكو عن متابعة العمل في انشاء محطة الكهرباء النووية في مفاعل بوشهر الايراني متذرعة بعدم تسديد ايران لدفعات مستحقة عليها. كما ساعدت روسيا في تحويل الاموال الكورية الشمالية عبر بنك روسي، وهو مطلب كوري شمالي رئيسي قبل ان تشرع بيونغ يانغ بوقف واقفال برنامجها النووي. كما تم التوصل مؤخراً الى اتفاقية لتمديد برنامج مشترك لخفض التهديد المشترك حتى عام 2013.
ومع ذلك فإن العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا ما تزال متجهة إلى الجنوب، فيما يستمر السباق الخطابي نحو القاع على قدم وساق. وقد وجه الرئيس بوتين ضربة اخرى الى الولايات المتحدة خلال اجتماع عقده أخيراً مع اساتذة التاريخ حين قال: "نحن لم نستخدم اسلحة نووية ضد مواطنين مدنيين، ولم نرش آلاف الكيلو مترات بالكيماويات (او) نسقط على بلد صغير قنابل بلغ كمها سبعة اضعاف ما استخدم في (الحرب) الوطنية الكبرى". لكن نقطة بوتين لا تفرض علينا إحساساً بعقدة النقص أو مشاعر بالذنب.
وكان الرئيس بوش اثناء افتتاحه صرح ضحايا الشيوعية في واشنطن قد ساوى بين الشيوعية والنازية، وهو ما دفع موسكو الى اصدار رد غاضب فوري. كما ان رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس النواب الاميركي توم لانتوس (ديمقراطي عن كاليفورنيا) ساوى بين بوتين وباباي، بوصفهما آكلي "سبانخ" العوائد النفطية، حيث يبرز بوتين عضلاته الكبيرة المنتفخة إلى حد يكفي لتهديد جيرانه. وكان مساعد وزير الخارجية الاميركية دانيال فرايد قد قال في جلسة استماع في مجلس الشيوخ الاميركي: "ان الوضع السياسي الحالي لروسيا يتأثر بسبب الافتقار الى وجود اعلام حر او معارضة قوية تنتقد وتحلل بشكل نقدي اداء الحكومة. وعلى المواطنين الروس الذين يريدون إبداء وجهة نظر أكثر وضوحاً نشر مثل هذه الآراء في بقايا الصحافة الحرة ووسائل الاعلام الالكترونية المحلية او على الانترنت". ومن الواضح ان كل هذا لا يساعد كثيراً، لكنه يشكل الواقع الذي يترتب على الرئيسين ان يتعاملا معه.
يجتمع بوتين وبوش في ظروف سياسية مختلفة جدا، اذ لا يتمتع الرئيس بوش بشعبية واسعة بعد ان وصلت نسبة التأييد الشعبي له الى اقل من 30% في بلد غارق في حرب لا يستطيع تحقيق الانتصار فيها.
أما بوتين، فهو الزعيم الأوحد في دولة منبعثة مجددا، تصل نسبة التأييد الشعبي له الى حوالي 70%. ولن يكون بوش قادراً على وضع خليفة له يواصل سياساته، خاصة وان الطامحين كافة إلى خوض الانتخابات الرئاسية الاميركية المقبلة نيابة عن الحزب الجمهوري ينأون بأنفسهم عن بوش وحربه في العراق قدر الإمكان، في وقت لن يكون فيه بوش رئيسا لاميركا مرة اخرى. اما بوتين فيملك الخيار اذا ما اراد ذلك. وهو منغمس حاليا في غمار عملية تشكيل نظام يواصل انتهاج سياساته بعد ان يغادر الكرملين.
نظرا إلى أنه لن يكون هناك سوى القليل من العمل لبحثه في قمة كينيبنكبورت، فإن بوتين وبوش قد يجدان الكثير من الوقت للحديث عن ارثيهما.