براون والعراق: تركة بلير وإرث تشرشل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
دrlm;.rlm; وحيد عبد المجيد
العراق هو الاختبار الأول لرئيس الوزراء البريطاني الجديد جوردون براونrlm;,rlm; الذي حل فيrlm;(10rlm; داوننج ستريتrlm;)rlm; منذ الأربعاء الماضيrlm;.rlm; ولذلك فقد حرصrlm;,rlm; في إشاراته الأولي ذات المغزيrlm;,rlm; علي أن يحاول طمئنة القلقين من استمرار تورط بريطانيا في رمال العراق المتحركةrlm;,rlm; التي ابتلعت إنجازات بلير الداخلية والخارجية علي حد سواءrlm;.rlm; لم تكن هذه الإنجازات قليلةrlm;,rlm; سواء علي مستوي التحسن الملموس في الوضع الاقتصاديrlm;,rlm; أو علي صعيد قضية أيرلندا التي حقق اختراقا تاريخيا فيها عبرrlm;(rlm; اتفاقية الجمعة الحزينةrlm;)rlm; التي أسدلت الستار فيrlm;10rlm; أبريلrlm;1998rlm; علي صراع تاريخي مديد ومريرrlm;.rlm;
ولكن هذا لم يغفر له ليس فقط بسبب هول خطيئته في العراقrlm;,rlm; ولكن أيضا لأنه لم يقرأ تاريخ بريطانيا العظمي وسيرتها الأولي في إحدي مستعمراتها السابقةrlm;.rlm; وربما يتوقف أداء براون في الاختبار الأول الذي يخوضه علي مدي استيعابه لهذا التاريخ ودروسه التي فاتت علي بلير فكان سقوطه مدوياrlm;.rlm;
فلو كان بلير مطلعا بدقة علي هذا التاريخrlm;,rlm; لما اندفع وراءrlm;'rlm; المحافظين الجددrlm;'rlm; الأمريكيينrlm;.rlm; كان لويد جورج هو رئيس وزراء بريطانيا عندما سقطت بغداد في أيدي قواتها في مارسrlm;1917.rlm; ولكن ونستون تشرشل كان هو وزير المستعمراتrlm;,rlm; والمسئول بالتالي عن هندسة السياسة البريطانية في العراقrlm;,rlm; بالتعاون مع وزير الخارجية اللورد كورزونrlm;.rlm;
وقد ارتكبت بريطانيا في ذلك الوقت أخطاء هائلة كررتها الولايات المتحدة كما لو أنها تستنسخ بعضها علي الأقلrlm;.rlm; ومع ذلك اندفع بلير وراء الأمريكيين كما لو أن بريطانيا التي صنعت الجزء الأكبر من تاريخ العالم الحديث هي بلد بلا تاريخrlm;.rlm;
لم يدرك بلير أن التاريخ يعيد نفسه في صورة أكثر مأساويةrlm;.rlm; فهو لم يعرف مثلا أن فكرة تغيير الشرق الأوسط وإعادة ترتيبه انطلاقا من غزو العراق داعبت خيال بريطانيا العظمي قبل أكثر من ثمانين عاماrlm;.rlm;
كان لدي اللورد كورزون اعتقاد قوي في أن بلاد ما بين النهرين هي المدخل الأفضل لتحقيق ما سماه تحويل منطقة الشرق الأوسط بأسرهاrlm;.rlm;
ولم يكن هذا هو وجه الشبه الوحيد بين الغزوة البريطانيةrlm;1917rlm; والغزوة الأمريكية البريطانيةrlm;2003.rlm; فما أشبه حديث الأمريكيين الآن عن ورطة أمريكية في العراق بحديث البريطانيين حينذاك عن فخ وقعوا فيهrlm;.rlm; فلم تمض أعوام ثلاثة علي سقوط بغداد الأول حتي بدأت الشكوي من الوقوع في فخ وضرورة الخروج منه مبكراrlm;,rlm; مثلما حدث بعد سقوط بغداد الثانيrlm;.rlm;
ولم تكن ثورة العشرين والمقاومة التي أعقبتها أقل عنفا مما يحدث في العراق الآنrlm;,rlm; ولكن بدون الإرهاب الذي لم يكن العالم قد عرفه بعدrlm;.rlm; وكما حدث بعد غزوةrlm;2003rlm; تقريباrlm;,rlm; بدأت المقاومة في غرب ووسط العراق حيث اندلعت ثورة العشرينrlm;,rlm; ثم امتدت إلي جنوب الفراتrlm;.rlm;
ومثلما يجري الآن ضد إدارة بوشrlm;,rlm; توالت الانتقادات ضد حكومة بريطانيا وتساءل البريطانيون عن مغزي موت أبنائهم في بلاد ما بين النهرينrlm;.rlm;
وبالرغم من أن تشرشل كان متشددا ومطالبا بقمع المقاومة العراقية بلا هوادةrlm;,rlm; إلا أنه راجع موقفه في الوقت المناسب مما ساهم في تغيير السياسة البريطانية باتجاه التسليم بالأمر الواقع وتولية الملك فيصل عبر استفتاء شعبي عامrlm;1921,rlm; أي بعد عام واحد علي اندلاع الثورةrlm;.rlm; وبالرغم من أن وجود قوات بريطانية في العراق بعد ذلك ظل مصدرا لانتقادات ضد حكومتهاrlm;,rlm; فقد تجنبت خسائر كانت مرشحة للازديادrlm;.rlm;
وما كان لها أن تنجو من موقف أسوأ إلا أن تشرشل نجح في ترتيب الأوضاع علي نحو أدي إلي إقامة العراق الذي نعرفه حتي الآنrlm;.rlm; وأنقذrlm;,rlm; بذلكrlm;,rlm; بريطانيا من مستنقع كان يمكن أن تغوص فيه بأكثر مما غرقت أمريكا ـ ومعها بلير ـ بعد أكثر من ثمانية عقودrlm;.rlm;
فما أبعد الفرق بين بلير الذي خرج من الحكم يجر أذيال الخيبة في العراقrlm;,rlm; وتشرشل الذي كان نجاحه في الإفلات من الفخ العراقي أحد العوامل التي مهدت له الطريق إليrlm;10rlm; دواننج ستريت بعد ما يقرب من عقدينrlm;.rlm;
لم يكابر تشرشل ويصر علي القتال في العراق في مطلع العشرينياتrlm;,rlm; بخلاف ما فعله إزاء التهديد النازي الذي اجتاح أوروبا واقترب من بريطانيا حين حارب معركة كبري من معارك الحريةrlm;,rlm; بخلاف بلير الذي أصر علي مواصلة معركة من أخطر معارك الهيمنة والطغيانrlm;.rlm; فيا له من فرق هائل يتجاوز بكثير الفاصل الزمني الممتد بين عصرينrlm;,rlm; والتفاوت العمري الشديد الذي يصل إلي حد أن بلير ترك رئاسة الحكومة وهو أصغر بأحد عشر عاما كاملة من تشرشل حين تولي هذا المنصب للمرة الأوليrlm;.rlm;
فالفرق بينهما أبعد من هذا وذاك بكثيرrlm;.rlm; إنه الفرق بين سياسي محترف تسكن السياسة أعماقهrlm;,rlm; ومحب للسلطة بطريقة الهواة تفلت السياسة من بين أصابعهrlm;.rlm;
ولذلك حجز تشرشل مكانا معتبرا وفسيحا في التاريخ البريطانيrlm;,rlm; كما في تاريخ العالم وخصوصا تاريخ منطقة الشرق الأوسط التي لعب دورا رئيسيا في رسم خريطتها التي مازالت قائمة بعد أن أخفق بوش في إعادة رسمهاrlm;,rlm; وفشل بلير من ورائهrlm;.rlm;
ويشمل ذلك خريطة العراق الموحدrlm;,rlm; التي كان لتشرشل دور رئيسي في رسمها كدولة جديدة تجمع شتات ما كان يطلق عليه بلاد الرافدين المقسمة إلي ثلاث ولاياتrlm;.rlm; فإذا تدهور الوضع في العراق أكثر وانتهي إلي التقسيمrlm;,rlm; فسيكون بلير قد ساهم في تفريق ما كان تشرشل قد شارك في توحيدهrlm;.rlm;
وهكذا يحق للتاريخ أن يضع كلا من بلير وتشرشل في قائمتين مختلفتين تماما لحكام بريطانيا من زاوية الإخفاق والإنجازrlm;,rlm; أو الفشل والنجاحrlm;.rlm; وربما يكون تشرشل علي رأس قائمة الشرفrlm;,rlm; بينما يجد بلير مكانه في قائمة يتصدرها أنتوني إيدن الذي قضي عليه فشله في العدوان علي مصر عامrlm;1956.rlm;
فأين سيكون مكان براون بين القائمتين؟ ربما تتوقف الإجابة علي مدي قدرته علي أن يعالج تركة بلير الثقيلة اعتمادا علي خبرة تشرشل الناجحةrlm;.rlm;