14 آذار: لن يكون لبنان غزة ثانية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سيناريوات "جريصاتيّة" للانقلاب وسطَ سؤال عمّا إذا كانت إيران أسقطت "الخط الأحمر" المتفق عليه مع السعودية
نصير الأسعد
في الأيام القليلة الماضية، اكتشف اللبنانيون فتحاً جديداً في علم السياسة. فقادةُ بعض ما يسمى "المعارضة" يعلنون رفضهم قيام "حكومة ثانية". يلتبسُ الأمر قليلاً في البداية. لكن سرعان ما يوضح هؤلاء ما يقصدون: حكومة الرئيس فؤاد السنيورة هي الحكومة الثانية، وعندما تقوم "حكومة الإنقاذ" تصبح هي الحكومة (!).
إذاً لم يتغيّر شيء. لا يريدون حكومة ثانية ـ أي جديدة ـ مع الأكثرية وقد رفضوا في الأصل عرضاً تقدّم به رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري باسم هذه الأكثرية بحكومة وحدة وطنية في صيغة 19+11. باختصار يريدون حكومة انقلابية تحت أي مسمى.
جريصاتي وبقاء لحود في بعبدا
أُعدّت في المطابخ المخابراتية السورية سيناريوات عدة لـ"إتمام" الانقلاب.
السيناريو الأول، هو بقاء رئيس التمديد السوري إميل لحود في منصبه. أعدّ له "القاضي" سليم جريصاتي "دراسةً" قانونية ـ دستورية تنتهي الى خلاصة "مبتكرة" تفيد أن الرئيس، في حال عدم حصول انتخابات رئاسية، يؤمن "الاستمرارية"!.
"حكومة طوارئ" في الأيام العشرة الأخيرة
والسيناريو الثاني، هو أن يُقدم لحود خلال الأيام العشرة الأخيرة التي تسبق انتهاء ولايته على تشكيل "حكومة طوارئ". قال له المفسّرون "الجريصاتيّون" أن المجلس النيابي خلال هذه الأيام العشرة يُصبح هيئة انتخابية في حال انعقاد دائم و"لا يحقّ" له الاضطلاع بأي دور آخر. وقالوا له إن في وسعه خلال هذه الأيام أن يشكل حكومة بدون استشارات نيابية ملزمة. وعندما تقوم "حكومة الطوارئ" بناء على هذه "الاستشارة"، تحلّ المجلس النيابي. وسوّغ له بعض "السياسيين" هذا السيناريو على أساس "سياسي": فحكومة "طوارئ" تحلّ المجلس النيابي "جيّدة" لأنها تُعفي "حزب الله" من عبء "الانزلاق" الى مواجهة شيعية ـ سنية، وتخفّف عن الجنرال البرتقالي عبء الوضع المسيحي، وتحلّ الرئيس نبيه بري من "الحرج".. وكل ذلك على اعتبار أن "حكومة الطوارئ" ستكون في توقيت مربك، وستأخذ الزمام بـ"ضربة صاعقة"!
والسيناريو الثالث، هو إصدار لحود مرسوماً باعتبار الحكومة الحالية غير قائمة. يدعو الى استشارات نيابية لا يحضرها نواب الأكثرية، فيُكلّف رئيس للحكومة بمن حضر ولا تمثُل أمام المجلس النيابي لأنه مستمرّ في الإقفال.. أو تُدعى الى المثول في ظروف من الشغب والفوضى حول المجلس تمنع نواب الأكثرية من الحضور.
بطبيعة الحال، إن التعامل مع هذه السيناريوات لا يمكن أن يكون بمقاييس دستورية فقط. فكلّها مهما كان رأي "الجريصاتيين" خارج الدستور وخارج الميثاق. والمسألة تتعلّق بانقلاب موصوف، على مشارف أحد أشدّ فصوله خطورةً.
"الجماعة الإسلامية" ونصرالله
وقبل "التوغّل" كثيراً في أبعاد هذا الانقلاب ونتائجه المتوقعة، لا بد من فتح قوسين لتناول حادثة تروى.
في الفترة ما بين إقرار المحكمة الدولية تحت الفصل السابع في مجلس الأمن ومجيء الوفد العربي برئاسة عمرو موسى الى لبنان، أطلق سعد الحريري دعوته المعروفة الى الحوار، مُعلناً "سياسة اليد الممدودة"، وخصّ الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله برغبته في اللقاء معه.
في هذه الأجواء، زار وفدٌ قيادي من "الجماعة الإسلامية" نصرالله في مسعى لجمعه بالحريري. و"الجماعة" تنطلق دائماً على هذا الصعيد من قناعة بأن الحوار ـ والتفاهم ـ بين قوّتَي التمثيل السني والشيعي الرئيسيّتين، من شأنه أن يجنّب البلاد "المكروه" وأن يُبقي الصراع في حدوده السياسية.
سمعَ وفد "الجماعة" من نصرالله رفضاً قاطعاً لفكرة اللقاء بالحريري. وعزا رفضه الى ما سمّاه "تجربة" اللقاءات السابقة وفشلها، معطياً أمثلةً و"شواهد". فهمَ الوفد أن لا سبيل في الظرف الراهن الى تحقيق هذه الخطوة. لكنه ـ أي الوفد ـ لم يخرج مقتنعاً بالأسباب، فبالنسبة إليه، لا شيء في السياسة يفسّر عدم اللقاء، ولا شيء في السياسة إسمه القطيعة التامة، خصوصاً بين طرفَين يتوقّف على التقائهما مصير السلم الأهلي.
سُئل قيادي في "الجماعة": إذاً ما الأسباب الفعلية وراء رفض السيد؟ لم يشأ القياديّ الجواب.
رفض نصرالله لقاء الحريري: الأجندة الإقليمية
هنا، يتوقّف الكلام عن مسعى "الجماعة"، لكن لا يتوقّف التدقيق في حيثيّات رفض نصرالله.
في هذا المجال، لا يمكن أن يكون خافياً ـ بالمنطق ـ أنه عندما يرفض طرف سياسي الحوار مع طرف سياسي آخر، فذلك معناه أن اللقاء مع الطرف الآخر ليس في برنامجه أو أنه ليس على "أجندته"، ومعناه أن اللقاء يشكّل "اقتحاماً" لهذه "الأجندة".
ولم يتأخّر المعنى في مضمونه "العميق" عن الاتضاح. فـ"المعارضة" بقيادة "حزب الله" تصرّفت مع الوفد العربي بوصفها امتداداً إقليمياً ـ سورياً وإيرانياً ـ في لبنان، وقالت بوضوح أن "وكيلها" نظامان في دمشق وطهران. وبكلامٍ آخر، فإن "المعارضة" غير مستعدّة لتسوية لبنانية ـ لبنانية وغير قادرة عليها، وتريد لأي حل أن يمرّ بالعاصمتين المذكورتين، وتراهنُ إمّا على تسوية إقليمية ـ دولية تلبّي شروط العاصمتَين أو على مواجهة "تحسّن" الشروط.
من هنا، فإن رفض نصرالله لقاء الحريري، يتعلّق بـ"الأجندة". وعليها مشروع سوري ـ وإيراني ـ إنقلابي في لبنان بالتوازي مع الانقلاب في فلسطين. ورفض اللقاء يعني المضيّ في الانقلاب.
متّكي مكان لاريجاني
يتزامنُ ذلك مع معلومات من طهران تفيد أن ملفات عدة، لا سيما ملف العلاقة الإيرانية ـ السورية، والعلاقة الإيرانية بدول عربية نافذة، باتت بـ"الكامل" في يد وزير الخارجية منوشهر متّكي، وأنه لم تعد ثمّة صلة لرئيس "مجلس الأمن القومي" علي لاريجاني بالموضوع. ومعلومٌ هنا أن لاريجاني كان الشخصية الإيرانية الأبرز على خطّ الاتصالات مع المملكة العربية السعودية بخصوص الأزمة اللبنانية وبشأن إطفاء نيران الفتنة المذهبية. ومعلومٌ أيضاً أن لاريجاني الذي زار دمشق أكثر من مرة بشأن لبنان، أبدى ـ بحسب معلومات صحافية ـ إنزعاجه من أداء نظام الأسد ومن إغلاقه أفق الحل في لبنان.
هل عادت إيران الى المرور "الإجباري" بدمشق؟
طبعاً، يجب ألاّ يعني الحديث "الإيجابي" عن لاريجاني أن الرجل كان يمثّل استراتيجية إيرانية خاصة. لكنه "على ما يبدو" كان يمثّل سياسةً تقوم على اعتبار أن علاقة إيران بـ"المسألة اللبنانية" لا تمرّ بدمشق حصراً، وأن العلاقة الإيرانية والسورية بالموضوع اللبناني متكافئة.
أما متّكي فلَه مع لبنان محطّات من الصدام. هكذا كان خلال حرب تموز 2006 عندما زار البلد وحاول إملاء بعض المواقف على الحكومة. وفيما تقاطع الخارجية الإيرانية الرئيس فؤاد السنيورة، أكدت معلوماتٌ أن لاريجاني تحدّث مع بشار الأسد في تصحيح العلاقة بين سوريا والرئيس السنيورة.
ومع ذلك، فخلال زيارة أخيرة له الى العاصمة السورية، سمع متّكي من قيادة النظام السوري نوعاً من الاحتجاج على "الخط الأحمر" الذي اتفقت عليه إيران مع المملكة العربية السعودية في لبنان، أي منع الفتنة السنية ـ الشيعية. وقيل آنذاك أن الوزير الإيراني شرح لنظام دمشق عواقب اللعب على وتر الفتنة في لبنان.
لذا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه في ضوء استلام متّكي للملف بـ"الكامل" على ما تقول المعلومات هو الآتي: هل يشكّل هذا "التطوّر" عودةً بالعلاقة الإيرانية ـ السورية الى مرحلة سابقة، أي مرحلة المرور الإيراني الإجباري بدمشق والوقوف وراءها؟
.. وهل أسقطت الخط الأحمر؟
وهذا السؤال أكثر من "مشروع". ذلك أن متابعة الحركة الإيرانية في الآونة الأخيرة تكشف أن إيران لا تمنع النظام السوري عن أي "شيء". وأكثر من ذلك، لا مفرّ من استنتاج أن اتفاق "المعارضة" في لبنان على تعطيل مهمّة الوفد العربي أخيراً، هو بالمعنى الإقليمي اتفاق إيراني ـ سوري.
والأجوبة عن هذا السؤال "المركزي" مهمة جداً. ذلك أنه ـ أي السؤال ـ يستدعي سؤالاً آخر كبيراً جداً: هل تُسقط إيران بمواكبتها الانقلاب في لبنان وبتغطيتها له الخط الأحمر الذي اتفقت عليه مع المملكة في كانون الثاني الماضي، أي الخط الأحمر في وجه الفتنة المذهبية؟
الانقلاب تحريكٌ لخطوط الفتنة
إذاً، بالعودة الى السيناريوات، وأياً يكن السيناريو الذي ستعتمده المطابخ المخابراتية السورية، فإن ما يجب قوله في هذا المجال، هو أن ثمة إنقلاباً سورياً ـ إيرانياً قيد الاستكمال من جهة وإن هذا الانقلاب أياً تكن صيغُه يشكّل تحريكاً متجدّداً لخطوط الفتنة من جهة أخرى. ولا يعود ـ والحالة هذه ـ أي معنى لكلام "حزب الله" عن الالتزام بمنع حدوث الفتنة.
فوفقاً لكل السيناريوات، فإن التخطيط يقضي بأن يكون الانقلاب مواكباً على الأرض. وعلى الأرض، يعني أن "حزب الله" سيضطلع بـ"لوجيستية" الانقلاب. و"لوجيستية" الانقلاب تعني إطلاق شرارة الفتنة.
14 آذار: المواجهة
على خلفيّة ما تقدّم، تؤكد مصادر قياديّة في 14 آذار على عدد من الأمور.
تؤكد أولاً أنها على معرفة دقيقة بما يُحاك في إطار إنقلابي موصوف.
وتؤكّد ثانياً أنها أعدّت لكل سيناريو الجواب عليه.
وتشدّد ثالثاً على أن لا مهادنة في المعركة السياسية ـ الوطنية التي تخوضها 14 آذار، وهي سوف تواجه.
وتقول رابعاً بالفم الملآن أن "غزّة ثانية" لن تمرّ في لبنان، ولن تسمح بقيام "جمهورية إسلامية" أو "دويلة إسلامية" أو "إمارة إسلامية" على أرض لبنانية، لأن في هذا "المشروع" ضرباً للكيان والعيش المشترك والدولة.
وتؤكد خامساً أنها إذ تعتبر الانقلاب سورياً ـ إيرانياً، لن تتردّد في التعامل معه بوصفه حرباً سورية ـ إيرانية تشنّ على البلد. وستُطالب النظام العربي بترجمة شعاره القائل أن لبنان مسؤولية عربية.
إذاً، لا يقولنّ أحدٌ من قوى الانقلاب أنه لا يثير الفتنة أو أنه لا يشعل نيرانها.