جريدة الجرائد

من لندن إلى غلاسغو

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

عبد الرحمن الراشد

لو أن سيارة اسطوانات الغاز والبنزين والمسامير انفجرت في مكانها في اكثر احياء لندن ازدحاما لكانت الكارثة مفجعة بمقاييس الحادي عشر من سبتمبر الاميركية، لأن توقعات الشرطة البريطانية قدرتها بألف وسبعمائة. ومن المؤكد ان الذين دبروا المؤامرة كانوا يريدون إلحاق الأذى بأكبر عدد من الناس. والشيء نفسه يمكن ان يقال عن السيارات الملغمة الأخرى مثل التي حاولت الدخول عنوة الى مكان المسافرين في مطار غلاسغو، ولا ندري ان كانت هناك متفجرات أخرى مخبأة لكن من المؤكد ان في بريطانيا ارهابيين، وآخرين محتملين على حافة الالتحاق بالجماعات الارهابية. وأخطر من هؤلاء جميعا هناك رموز الارهاب الهاربة من الدول الاسلامية تقيم وتسكن وتأكل بكرم الحكومة البريطانية وحماية أمنها، حتى هذا اليوم. وطالما ان هذه الجماعات المتطرفة باقية في بريطانيا فإن الإرهاب سينتشر اكثر عددا، وبشكل أعظم عنفا.

وبكل أسف فإن رئيس الوزراء المستقيل توني بلير رغم انه تحدث كثيرا عن مواجهة التطرف ومحاربة الارهاب داخليا فانه لم يسلم ارهابيا، ولم يعتقل إلا بضعة على اصابع اليدين من مئات المشبوهين، وخوف احدهم الذي فر الى الخارج. ما عدا هذه الاجراءات المحدودة لم نر او نسمع شيئا يستحق القول إن السلطات البريطانية تعالج المشكلة جذرا او سطحا، حيث بقي زعماء ومنظرو التطرف والارهاب ينعمون بالعيش في لندن وبقية المملكة المتحدة.

وقد سألت أحد كبار المسؤولين السعوديين عن طبيعة المشكلة، لأن الاعلام البريطاني يشير بأصبع الاتهام الى السعودية والعالم الاسلامي كمصدر للإرهاب الذي فتح النار على الجزيرة البريطانية. قال: كنا معهم واضحين وصريحين في تحذيرهم من مغبة استضافة المتطرفين لكنهم لم يستمعوا الينا. وقال ايضا: قابلت وزراء وسفراء ومبعوثين وفي كل مرة كنا نتحدث عن المشكلة كنت اوضح لهم ان استضافة المتطرفين ستلحق الأذى بكم وبالجالية المسلمة في بريطانيا وستقولون غدا ان التطرف إسلامي والإرهاب إسلامي. وقال أيضا: انظر الى كثير من الفارين من الدول الاسلامية من الجماعات المتطرفة، بل وبعضها صريح في دعوته الى الارهاب وممارسته، يقيمون اليوم في بريطانيا، في حين انظر الينا نحاربه بلا كلل.

ولعل الكشف أمس عن هويات المقبوض عليهم من المغرب العربي، وقبلهم من الجالية الباكستانية او من أصولها يفسر طبيعة المشكلة. بريطانيا مكتظة بالمتطرفين الذين اعطتهم السلطات البريطانية الاقامة والحماية والمعونة المالية، من الجزائر وتونس والسعودية ومصر والباكستان وغيرها. وفي الوقت الذي تطالب بريطانيا الدول الاسلامية بملاحقة المتطرفين والجمعيات التي تمول بعضهم، تترك هؤلاء بما يملكون ويجمعون، حتى صار بعضهم يمتلكون أموالا مكنتهم من إطلاق محطات تلفزيونية واذاعية فضائية وإصدار منشورات وكتب ومواقع الكترونية وغيرها. ومع هذا لا يزال الاعلام البريطاني، واحيانا المسؤولون البريطانيون، يجادلون في مصدر الارهاب ويطالبون بملاحقته. جوردن براون، رئيس الوزراء الجديد، يرث نفس الأزمة وبريطانيا مقبلة على كارثة امنية واجتماعية وسياسية. عليه ان يظهر عزيمة جادة في محاربة الارهاب المحلي، ويرسل أولا رسالة تعبر عن جدية حكومته بملاحقة او تسليم المطلوبين من ارهابيي الشرق الاوسط الى بلدانهم او طردهم الى اي بلد مستعد لاستضافتهم، حتى يعرف الجميع ان الارهاب ثمنه غال. هذه الرسالة ستصل سريعا الى قيادات التطرف ومرشديها ومموليها والحكومات التي يمكن ان تكون خلفها. هذه الرسالة يريدها ابناء الجالية المسلمة قبل غيرهم، لانهم اول من يدفع الثمن على الجانبين، جانب الارهابيين الذين يسيئون اليهم، وجانب الحكومة التي تركت المتطرفين المستوردين يعيثون في المجتمع البريطاني فسادا.

alrashed@asharqalawsat.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف