تركيا: مع اقتراب موعد الانتخابات.. هل يتدخل الجيش؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أمير طاهري
بينما تقترب حملة الانتخابات التركية من نهايتها يعتقد كثير من الأتراك ان ما يواجهونه هو، في أحسن الأحوال، خيار هوبسون. فمن المحتمل ان ينتهوا الى سنوات خمس أخرى من حكم حزب العدالة والتنمية. وذلك يعني، بالمقابل، خمس سنوات من التوتر في مجتمع غير واثق، على نحو متزايد، من هويته السياسية والثقافية.
ومنذ ان تولى السلطة قبل اربع سنوات عمل حزب العدالة والتنمية على نحو افضل، في الحقيقة، من معظم الحكومات التركية منذ الحرب العالمية الثانية. فالاقتصاد يزدهر باستثمار أجنبي مباشر في اعلى المستويات والتضخم، وهو مصدر مصائب بالنسبة للحياة التركية على مدى أجيال، تحت السيطرة أخيرا. وحتى سوق العمل تحسن الى حد انه للمرة الأولى منذ خمسينات القرن الماضي توقفت تركيا عن تصدير اعداد كبيرة من العمال الى اوروبا والشرق الأوسط.
غير أن أغلبية من الأتراك ربما تصل الى الثلثين من غير المحتمل ان يصوتوا لصالح حزب العدالة والتنمية بسبب شكوك في أن لديه أجندة مخفية للاستمرار في المظهر العلماني للدولة والعمل التدريجي على أسلمة المجتمع التركي. وتشير استطلاعات الرأي الى أن حزب العدالة والتنمية يتقدم بنسبة تصل الى 40 في المائة من الناخبين. وبسبب من النظام الانتخابي الخاص في تركيا فان حزب العدالة والتنمية يمكن أن ينتهي الى الاستيلاء على ثلثي مقاعد الجمعية الوطنية، وبالتالي السيطرة على برلمان البلاد المشكل من مجلس واحد بثلث واحد من أصوات الناخبين، وبذلك النمط من الأغلبية يمكن أن يكون الحزب قادرا على تعديل الدستور ليمدد امساكه بالسلطة.
وجاء حزب العدالة والتنمية الى السلطة قبل أربع سنوات عبر الفوز بنسبة 34 في المائة من أصوات الناخبين، ومنعت سنوات أربع من الازدهار الاقتصادي، وهي الأطول في التاريخ التركي، وطائفة من الاصلاحات الشعبية، خصوم حزب العدالة والتنمية من دفعه الى موقف الدفاع.
ومع ذلك فانه حتى بعض أولئك الذين يعبرون عن التعاطف مع حزب العدالة والتنمية يعترفون بأنهم لا يمكن أن يكونوا واثقين من أن الحزب لا يمتلك اجندة مخفية. ومثل هذه الشكوك تثيرها حقيقة ان معظم الجماعات الـ 17 التي تشكل حزب العدالة والتنمية، سوية مع كثير من زعمائه البارزين، لديهم تاريخ من التورط مع الجماعات الاسلامية المتطرفة التي تكرس جهودها لاستعادة الخلافة وتحويل تركيا الى جمهورية اسلامية.
ومن المؤكد أن زعماء حزب العدالة والتنمية يواصلون تكرار انهم ملتزمون بنظام تركيا العلماني ولا يميلون الى ربط الدين بالسياسة، غير أن خصومهم يخشون من ان حزب العدالة والتنمية ربما يكون ذئبا مخفيا كحمل لتشويش خصومه بينما ينتظر القيام بخطوته المهلكة الأخيرة. وعلى الرغم من وجود أدلة قليلة على ان الحزب متورط في عملية تطهير صامت لخصومه السياسيين، ووضع كوادره في مواقع السيطرة على ماكينة الدولة والقطاع العام الذي تسيطر عليه الدولة. وخلال السنوات الأربع الماضية دفع كثير من القضاة من ذوي التوجهات العلمانية الى التقاعد او تخفيض درجاتهم الوظيفية ليحل محلهم متعاطفون مع حزب العدالة والتنمية.
كما أن تطهيرا بطيئا يتجه الى الجهاز التعليمي للبلاد حيث عدد غير معروف من المعلمين ممن يوصفون باعتبارهم "ليسوا اسلاميين على نحو كاف" يجري استبدالهم بأفراد مرتبطين بالحزب. ويجري ايضا تغيير مماثل في اطار العاملين داخل القوات المسلحة التي ظلت على الدوام تتصرف باعتبارها حامية الجمهورية العلمانية. وبقدر تعلق الأمر بالتعيينات في وظائف أساسية في القطاع العام للاقتصاد فان حزب العدالة والتنمية تجاوز حدود المألوف ولجأ الى المحسوبية.
أنشأ حزب العدالة والتنمية ايضا قاعدة أعمال تجارية قوية وذلك من خلال تشكيله طبقة جديدة من اصحاب الأعمال والمستثمرين الذين يظهرون ارتباطهم بالإسلام ويساهمون بسخاء في مالية الحزب. غالبية هؤلاء كونوا ثرواتهم الهائلة تحت ظل حكم حزب العدالة والتنمية بفضل عقود الحكومة والحصص في مجال الاستيراد والتصدير.
النكتة الشائعة في انقرة هي ان صندوق النقد الدولي يحدد السياسات التي تحقق الازدهار في تركيا وحزب العدالة والتنمية هو الذي يوزع ثمار هذا الازدهار.
تمكن الحزب ايضا من تخفيف حدة بعض القيود التي ظلت مفروضة منذ عام 1924 بشأن بعض المظاهر الدينية، إذ ان زوجات شخصيات قيادية في حزب العدالة والتنمية يرتدين غطاء الرأس "كابالي"، وهو رمز ديني ـ سياسي، للتعبير عن رغبتهن في إقامة "مجتمع اسلامي نقي".
يضاف الى ذلك ان بعض قنوات التلفزيون الخاصة التي جرى التصريح لها بالعمل بواسطة حزب العدالة والتنمية دخلت السوق من خلال برامج ثقافية ومسلسلات تنطوي على رسائل دينية وتؤجج نيران معاداة الولايات المتحدة ومعاداة السامية، من ضمن هذه المسلسلات "وادي الذئاب"، الذي تتضمن قصته أطباء يهود يأخذون اعضاء بشرية لمسلمين لبيعها بواسطة رجال أعمال اميركيين لهم صلة بوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي أيه).
الأمر الأكثر اهمية ان المواضيع ذات الصبغة الدينية وجدت طريقها الى المناهج الدراسية في المدارس التركية بعدة طرق، فيما تدعم الحكومة النشاطات الثقافية الدينية داخل وخارج تركيا من خلال مكتب المنح والأعمال التجارية التي تديرها.
إلا ان قادة حزب العدالة والتنمية وصفوا كل ذلك كونه "بارانويا سياسية" من معارضيهم العلمانيين، وزعموا ايضا ان عمليات التطهير ضد العلمانيين في الخدمة المدنية والقضاء وقطاع التعليم والقوات المسلحة ليست سوى تصحيح اوضاع غير عادلة ظلت مستمرة على مدى عقود استبعد خلالها "المسلمون الاتقياء".
رغم ذلك يبدو كل ذلك لدى بعض الأتراك اشبه بانقلاب تدريجي من جانب حزب يؤيده ثلث الناخبين بغرض السيطرة على جهاز الدولة. لم يخف حزب العدالة والتنمية تصميمه على تعيين الرئيس المقبل للجمهورية ليتخلص بذلك من الرقابة الاساسية على ممارسة السلطة.
ومن المحتمل ان تكون لحزب العدالة والتنمية خلال اربع او خمس سنوات غالبية في المحكمة العليا مع ترقية الموالين للحزب في مختلف الرتب بهدف السيطرة على القوات المسلحة.
ومع اقتراب موعد الاقتراع تدور احاديث بوتائر متزايدة حول انقلاب آخر، من جانب القوات المسلحة هذه المرة. وعلى الرغم من اربع سنوات من المفاوضات فشلت الأحزاب العلمانية في اتخاذ موقف موحد لمعارضة حزب العدالة والتنمية، وبذلك يبدو ان حزبي العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري (يسار وسط) وحدهما اللذان سيحصلان على مقاعد في البرلمان من جملة 21 حزبا سياسيا.
يعتقد كثير من الأتراك ان القوات المسلحة ستتدخل للحيلولة دون استخدام حزب العدالة والتنمية لأغلبيته الجديدة بهدف السيطرة على أجهزة اخرى في الدولة، خصوصا رئاسة الجمهورية.
ظل الجيش التركي منذ عام 1960 يقوم بانقلاب كل 10 سنوات، اما بهدف لجم اليسار المتطرف او لمنع اليمين الاسلامي من السيطرة على الدولة. ومن المحتمل ان يتسبب أي انقلاب جديد في اندلاع صراع مرير على السلطة ودفع المزيد من الاسلاميين المتطرفين نحو العنف، وحتى نحو استخدام وسائل ارهابية، وهذا اخر ما تحتاجه منطقة الشرق الاوسط، التي تعاني اصلا من العنف.
السيطرة على الرغبة الجامحة في السلطة هي الوسيلة الوحيدة التي يمكن ان تساعد حزب العدالة والتنمية على الاحتفاظ بالحكومة من دون إثارة أي تدخل عسكري جديد. ومع اقتراب موعد الاقتراع، ليس هناك ما يمكن اعتباره دليلا على احتمال ممارسة حزب العدالة والتنمية لهذا النوع من ضبط النفس.