جريدة الجرائد

«القاعدة» تجند أطباء «تشي غيفارا» لزعزعة الأمن في بريطانيا

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

سليم نصّار

قبل أن يتسلم غوردون براون مسؤولية رئاسة الوزراء من سلفه توني بلير، سلمته شعبة مكافحة الإرهاب في بريطانيا، ملفاً يتضمن سلسلة سيناريوهات حول عمليات إرهابية متوقعة الحدوث.

وذكر رئيس شعبة مكافحة الإرهاب بيتر كلارك في تقريره ان الصفقة السياسية التي عُقدت مع الجيش الجمهوري الايرلندي، قد ألغت الاجراءات الأمنية المتعلقة بحماية المواطنين من هذه المجموعة. ولكنه حذر من احتمال تكرار احداث 7/7/2005 التي شهدت تفجيرات انتحاريين أودت بحياة 52 ضحية.

وأشار التقرير أيضاً الى تحديد توقيت التفجيرات بالتزامن مع موعد ابتعاد توني بلير عن السلطة، لعل العنف يدفع خلفه براون الى استعجال سحب القوات البريطانية من افغانستان والعراق. وهكذا ركّز التقرير على مناطق الازدحام كالمطارات ومحطات السكك الحديد والجامعات. وطلب من المواطنين التعاون لحماية المجتمع من 1600 عنصر ثبت ارتباطهم بتنظيم شبكة "القاعدة". وقد استندت هذه التوقعات الى الانذار الذي وجهه الرجل الثاني في تنظيم "القاعدة" الدكتور أيمن الظواهري، وما عكسته رسالته من استنفار لعملائه المنتشرين في أوروبا. وربما تكون بريطانيا هي الدولة الأسهل استهدافاً لأكثر من سبب: أولاً، وجود القيادة المركزية لـ "القاعدة" عند حدود باكستان، الأمر الذي يوفر لآلاف الاتباع "البريطانيين" من أصول باكستانية، سهولة زيارة الدولة الأم. ثانياً، تورط بريطانيا كحليف للولايات المتحدة في حربي افغانستان والعراق، اضافة الى انحيازها الأعمى لجانب اسرائيل في قضية فلسطين.

الاسبوع الماضي حققت إحدى الخلايا النائمة توقعات وزارة الداخلية البريطانية، علماً بأن عناصرها لا تنتمي الى الفئة التي رصدتها أجهزة الاستخبارات (أم اي 5 - وأم اي 6) واسكتلنديارد. ذلك أن رقابة الأجهزة تركزت على الفئة الفقيرة العاطلة عن العمل، لاعتقادها بأنه من السهل استمالتها وتوظيف أحقادها بهدف إلحاق الضرر بنمط عيش البريطانيين. وعلى عكس هذا الاعتقاد، فإن "القاعدة" اختارت المنفذين هذه المرة، من طبقة فاعلة ومؤثرة لا تنطبق عليها مواصفات الإرهابيين، ولا تنضمن اسماءها سجلات الأشخاص المعروفين في عالم العنف. فالاختيار وقع على الأطباء الذين يمثلون شريحة اجتماعية راقية يصعب التكهن بنياتها، خصوصاً ان وظيفتها الأساسية تنحصر في العمل الانساني وفي انقاذ الناس من الموت. أما ان تتحول مهمتها الى قتل الأبرياء، فهذا أمر توقفت أمامه الصحافة البريطانية طويلاً، وخصصت له عناوين بارزة مثل عنوان جريدة "التايمز" يوم الاربعاء الماضي: "المداوي هو القاتل".

واستندت "التايمز" في انتقائها هذا العنوان الى كلام نقله القس اندرو هوايت بعد زيارته الأخيرة لبغداد وعمان. وقال انه نقل الى أجهزة الأمن تحذيراً سمعه من ممثل لـ "القاعدة" التقاه أثناء اجتماع مغلق لأصحاب الآراء المتطرفة. وادعى القس ان محدثه أنذره بدنو هزيمة أميركا وبريطانيا في العراق، وبأن المجتمع البريطاني سيدمر من الداخل بواسطة مجموعات تتولى معالجته. وصرح القس للجريدة بأنه لم يفهم فحوى هذه التعابير الغامضة في حينه، وبأنه اكتشف مضمونها بعدما بلغه خبر تورط الأطباء في تفجير سيارتين مفخختين في لندن وغلاسكو.

بلغ عدد المتهمين بالمتفجرات الأخيرة في بريطانيا ثمانية أطباء بينهم: اردنيان وهنديان وعراقيان وعربيان آخران من بلدين لم يعلن عنهما حتى الآن. وقد اقترح معظم المعلقين فكرة الغاء قسم "ابقراط" واستبداله بالقسم على القرآن الكريم. والمعروف أن "يمين أبقراط" هو القسم الذي يؤديه الأطباء في حفلة التخرج، وينص على التالي: "سوف أتذكر ان أظل عضواً في المجتمع، مع التزامات خاصة نحو كل اخواني في البشرية، لا فرق أكانوا سليمي العقل والجسد، أم كانوا عجزة ومرضى".

تميل الأجهزة البريطانية الى اتهام الدكتور ايمن الظواهري بتحقيق اختراق داخل الجسم الطبي بسبب ادراكه لنزعة التمرد التي تتميز بها هذه الفئة. وهي ترى أن تجربته في مصر أثبتت له أن الفئات المتعلمة والمستنيرة تظل أكثر اهتماماً بالقضايا الوطنية من الفئات المهمشة والفقيرة. وعليه يرى الظواهري أن الطبيب تشي غيفارا أصبح رمزاً عالمياً لكل العصاة والمتمردين في العالم. ومع أن كاسترو انفصل عنه في بداية الثورة، إلا أن الاستخبارات الأميركية ظلت تتعقبه الى أن اغتالته آخر الأمر. والسبب انها اعتبرته المحرك والمحرض على تدمير النظام العالمي، بدءاً من الثورات التي أشعلها في أميركا اللاتينية وافريقيا... وانتهاء بالمقاومة الصلبة التي حملها أنصاره في دول العالم الثالث. لذلك استمر مؤيدو شعاراته في رفع صوره أمام تظاهرات الغضب. كما استمر شبان دول العالم الثالث في ارتداء القمصان التي تحمل رسمه كمعبود ايقوني.

يذكر المحلل السياسي البريطاني مايكل بنيون، ان الانتلجنسيا العربية ارتبطت بكل حركات التغيير والعنف في المنطقة. وكانت تتألف من أطباء ومهندسين ومحامين. وأشار في مقالته الى المهندس اسامة بن لادن، وإلى الطبيب جورج حبش، مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. والمعروف ان "الجبهة" استخدمت العنف وسيلة لتحقيق أهدافها السياسية. كذلك دشنت عمليات خطف الطائرات التي تحولت الى ظاهرة متبعة لدى الحركات الثورية الأخرى. ولكنها امتنعت عن إرهاب المدنيين، بل حصرت أهدافها بمن تعتبرهم من أعداء فلسطين.

على مستوى حركات الاصلاح والتغيير لعب الأطباء في العالم العربي دوراً بارزاً، خصوصاً في سورية ولبنان حيث انتسب بعضهم الى أحزاب راديكالية مثل حزب البعث الاشتراكي والحزب السوري القومي الاجتماعي. واشتهر منهم في الستينات والسبعينات الدكتور نور الدين الاتاسي والدكتور يوسف زعيّن والدكتور ابراهيم ماخوس والدكتور عبدالمجيد الرافعي والدكتور عبدالله سعادة.

ويعزو علماء النفس الأسباب العميقة لإقدام الأطباء على دخول المعترك السياسي، الى شعورهم الدائم بأن معالجة الشأن الاجتماعي، ولو بواسطة العنف، لا يقل أهمية عن دورهم الطبي. أي الدور الذي يقضي أحياناً بإجبار المريض على الخضوع للجراحة في سبيل الشفاء من المرض، اضافة الى هذا الشعور، فإن غضب الأطباء على السلطة، كثيراً ما يكون حصيلة الاهمال والفقر وكل ما يعانيه المرضى في العالم الثالث.

ولكن هذا الأمر لا ينطبق على الأطباء الثمانية المتهمين بالانتساب الى "القاعدة"، وبالتخطيط للقيام بأعمال إرهابية تسيء الى صورة زملائهم في المهنة بقدر ما تسيء الى المهاجرين عموماً. وتقدر وزارة الصحة في بريطانيا ان عدد الأطباء المسجلين في المستشفيات الرسمية يصل الى 1985 طبيباً عراقياً و184 طبيباً أردنياً.

الجاليات الإسلامية في أوروبا تعاملت مع عمليات الإرهاب الأخيرة في بريطانيا مثلما تعاملت مع أحداث مماثلة جرت في اسبانيا والمانيا وفرنسا وهولندا. أي بتكرار السؤال المطروح منذ أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001: هل يستطيع المسلمون أن يصبحوا جزءاً من المجتمعات الغربية التي يقطنونها... أم انهم يرفضون الدخول في مؤسساتها، ويفضلون البقاء على الهامش؟

مقابل هذا السؤال كرر البريطانيون اعلان تحفظهم الحذر تجاه المهاجرين الذين يطمحون الى فرض معاييرهم وأنظمة حياتهم على التركيبة السكانية. وترى غالبيتهم ان تعايش العقليتين أمر محكوم بالفشل لأنه لا يخضع لمبدأ فصل الدين عن الدولة. أي المبدأ الذي اختاره الأوروبيون بعد حروب المئة سنة بحيث برئت القارة من أمراض الطائفية وما انتجه الخلاف الديني من كوارث وويلات.

بعض زعماء الجاليات المسلمة يرفض هذا المنطق، ويؤكد ان ابراز الهويات الثقافية كالموسيقى واللباس الخاص، لا يعني الاعتراض على مبدأ الانصهار أو الاندماج. كما ان الحفاظ على الصلات الوثيقة مع الوطن الأم، لا يعني التمرد على المجتمعات المضيفة. من هنا القول إن حفاظ الأقليات على ثقافتها، يغني المجتمع بالتعددية الثقافية، ويترك آثاراً ايجابية على علاقة المهاجرين بالسكان الأصليين. وهذا ما توخاه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من وراء تعيين سيدتين عربيتين مسلمتين في حكومته. بل هذا ما توخته الحكومة الهولندية من وراء تعيين المغربي أحمد ابو طالب نائباً لوزير الشؤون الاجتماعية، والمحامي التركي نبهت البيرق نائباً لوزير العدل. علما بأن هذا التعيين تم في أعقاب اغتيال المخرج الهولندي ثيو فان غوغ على يدي متشدد اسلامي هولندي المولد.

في كلمة ألقاها جورج بوش لمناسبة الذكرى الخمسين لإنشاء المركز الإسلامي في واشنطن، وعد الرئيس الأميركي بتبديد التساؤلات الغامضة حيال سياسة بلاده تجاه الشرق الأوسط. وطالب المسلمين المعتدلين بضرورة رفع أصواتهم في منطقة أصبحت حاضنة لليأس والإرهاب. وأشار في كلمته الى أن المتطرفين الاسلاميين يدّعون خطأ ان أميركا هي في حالة حرب مع المسلمين، في حين أنهم يمثلون العدو الحقيقي للإسلام. وكان بالطبع يؤشر في كلمته الى اسامة بن لادن وأيمن الظواهري وأتباعهما ممن أعلنوا الحرب على كل الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا.

ويستدل من مضمون هذه الكلمة أن الرئيس بوش يعرف جيداً أن خلاف بعض المسلمين معه ومع توني بلير، هو خلاف سياسي ليس له علاقة بالدين. كما يعرف أيضاً أن تعيين مبعوث أميركي للعالم الإسلامي لن يبدل نظرة المسلمين تجاه العمليات التي تقوم بها القوات الحليفة في افغانستان والعراق... أو القوات الاسرائيلية في غزة والضفة. وكل ما يحتاجه بوش وبراون في هذه المرحلة من أجل بناء جسور الثقة، هو اجتراح سياسة متوازنة وعادلة لا تعطي "القاعدة" فرصة اقتناص الأخطاء المتراكمة بهدف افتعال أحداث إرهابية باسم الاسلام والمسلمين!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف