جريدة الجرائد

هذه شروط بشّار الأسد للسماح بانتخابات رئاسية في لبنان

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الثلث المعطل قبل الاستحقاق الرئاسي يُنهي المحكمة ويُعيد الوصاية
وانتقاد بكركي للحكومة ولو ظالماً يقطع الطريق على تخريب لحود

فارس خشّان

يوماً بعد يوم تترسّخ الاقتناعات بالأسباب التي دفعت بشار الأسد إلى أن يدفع ثمن التمديد لأميل لحود في رئاسة الجمهورية، فمن يطمح إلى السيطرة على بلد أو يتطلع إلى رؤية وطن مشلّع الأوصال أو يريد الانتقام من الطائفة المارونية، يستحيل عليه أن يقبل برئيس مختلف عن أميل لحود.
كثيرة هي ابتكارات لحود في استقطاب السخرية لنفسه، لكن ليس بينها ما يساوي الأخيرة منها، وتحديداً عندما سارع "جنرال بعبدا" إلى استغلال البيان الأخير لمجلس المطارنة الموارنة في محاولة منه هدفها توجيه ضربة إلى "الحكومة المنعدمة الوجود".
مثير للسخرية هذا اللحود. أنانيته تفوق حاجته إلى العقل. لم ينتبه إلى ان مجلس المطارنة الموارنة يتجادل مع حكومة مكتملة الوجود، أي أن "قيادة الكنيسة المارونية" التي سبق لها مراراً وتكراراً أن طلبت منه "تحكيم ضميره" بتقديم استقالته من منصب الرئاسة بعدما أصابها ما أصابها بسبب وجوده فيها، تتعاطى مع الحكومة على قاعدة أنها موجودة فعلاً ولقراراتها تأثيرات تنفيذية، وتالياً فالبلد ليس محكوماً بفراغ حكومي على الإطلاق، بل فيه سلطة تنفيذية دستورية يمكن أن تخطئ ولكن يستحيل تجاوزها أياً كانت الاعتبارات.
على هذا الأساس، فإن على لحود في حال كان يوحي بأنه يحترم مواقف بكركي، أن يُقدّم المثل الصالح كماروني ويلتزم بها، فيبدأ بتقديم استقالته ويرحل من رئاسة الجمهورية ـ وهي الحق الأسمى للموارنة ـ بعدما أفقدها دورها ووقارها، واستطراداً ـ هذه الكلمة يُمكن أن يجيد سليم جريصاتي شرحها له من دون "لوفكات دستورية" ـ أن يتعاطى مع الحكومة وفق معادلة الكنيسة، أي مع حكومة موجودة وصاحبة قرارات معدّة للتنفيذ ومؤهلة لاستلام صلاحيات رئاسة الجمهورية في حال طرأ ما يمنع حصولها في موعدها الدستوري.


مالكو الإعلام
لكن لحود لن يفعل، لأنه من أولئك الذين يكذبون الكذبة ويصدقونها. أليس هو من قال قبل أيام إنه لن يكشف الخطة التي سيُنفذها ليحول دون تسليم البلاد إلى حكومة منعدمة الوجود، لئلا يطلقوا عليها النار "وأنتم تعرفون من يملك وسائل الإعلام في لبنان؟".
أولئك الذين كانوا في بعبدا ونطق لحود أمامهم بدرّته الإحصائية الجديدة بدا أنهم عرفوا، لأن خلاصة رفيق شلالا لم تُظهر أنهم احتاجوا إلى تفصيل، لكن باقي اللبنانيين لا يعرفون أن مالكي الإعلام في لبنان هم غير صحب أميل لحود، ذلك أن هؤلاء اللبنانيين إذا ظلموا "أل.بي.سي" ووضعوها كـ"تلفزيون المستقبل" في خانة قوى الرابع عشر من آذار، فإنهم يعرفون ان "المنار" و"أن.بي.أن" و"نيو.تي.في" و"آ.أن.ب" و"أو.تي.في"، التي نشّطتها زيارة العماد عون الأخيرة إلى قطر، والتلفزيون السوري ومعه تلفزيون "العالم" الإيراني وقناة "الجزيرة"، هي كلها في خدمة لحود وصحبه.


الأسد ـ لحود والحاجة إلى لغة الضغط
ولكن فاقد الشيء لا يُعطيه. لحود لا يفتش عن صدقية يُقدمها إلى ناسه. يعرف أن أوراقه محروقة، ولكنه لن يتردد في حرق البلاد بها، وفق مشيئة آمره المقيم في قصر المهاجرين الذي أثبت أن ليس لديه من الصفات ما تجعله أرقى درجة من نسخته المتروكة في قصر بعبدا.
وعلى قاعدة صفات هذا الثنائي، مسكين لبنان بكل دولة أو مجموعة تحسب نفسها قادرة، سواء بالحوار أو بالتنازل الشكلي، أن تسمح باستيلاد حل. وحدها لغة الضغط الحقيقي هي التي تنفع مع لحود ـ الأسد.
في هذا السياق، وعلى سبيل القياس، ماذا حققت سيادياً زيارة البطريرك الماروني الكاردينال نصر الله صفير للقصر الجمهوري؟ لا شيء. استغلها "الفريق السوري" لضرب الفريق الاستقلالي. أخذ منها لحود صدقية، وراح يتفنّن في إخراج خطوات تخريب لبنان، وفق إرادة بشار الأسد. في المقابل، هل من ينسى كيف تهاوى لحود بعد انتصار تظاهرة الرابع عشر من آذار؟، هل من ينسى كيف قايض التهديد بالزحف على بعبدا بإعلان موافقته على مجيء لجنة تحقيق دولية إلى لبنان وإنجاز انتخابات نيابية تحت الرقابة الاوروبية والدولية، وكيف كبّ ناسه عند العماد ميشال عون الذي كان يُطلق عليه لقب المجنون؟، وكيف وافق على التخلي عن قادة الأجهزة الأمنية مستثنياً مصطفى حمدان على أساس ان التوصيف القانوني للواء الحرس الجمهوري يُخرجه من دائرة الأجهزة الأمنية؟.
بالمعنى نفسه، ماذا قدّمت إيجاباً تلك الزيارات الرسمية الأممية والأوروبية والعربية وكذلك البرلمانية الأميركية لدمشق؟، لا شيء. تعنت ومزيد من الاغتيالات وإرسال الأسلحة والإرهابيين وإيواء المجرمين والإمعان في التخريب في لبنان وفلسطين والعراق. بالمقابل، وعلى سبيل التذكير، هل من ينسى كيف سحب النظام السوري جيشه من لبنان إنفاذاً للقرار 1559 بفعل ضربات الضغط العربي والدولي على إثر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري؟، وهل من يغفل عن ان هذا النظام سارع إلى فتح المعابر الحدودية مع لبنان بمجرد ان بدأ التضييق على الشاحنات السورية في النقاط الحدودية العراقية والاردنية؟، وهل يُعقل ان يتم تجاوز خضوع بشار الأسد لمطلب لجنة التحقيق الدولية ومثوله شاهداً أمامها، بعد رفض طويل وحملة إعلامية حامية، بمجرد أن أصبح التحقيق تحت الفصل السابع بموجب القرار 1636 الذي يعود فضله حصراً إلى السلوكية الضاغطة للمحقق الألماني ديتليف ميليس؟.


بشار واستراتيجية إفراغ الرئاسة
وحدها لغة الضغط تنفع وتُنقذ رئاسة الجمهورية ومن خلالها لبنان، لأن بشار الأسد لن يسمح ـ حبياً ـ بوصول رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، ليس من 14 آذار فحسب بل حتى لو كان من آل الأسد أيضاً.
بالمعطى الموضوعي الاستقرار في لبنان هو العدو الأول للأسد.
بالمعطى المنطقي أي رئيس جديد للجمهورية محكوم بتوفير الاستقرار، ليس لأنه لم يعد بين الموارنة من يمكن أن يكون أسوأ من أميل لحود فحسب، بل لأن اي رئيس جديد للجمهورية ـ مهما كان سيئاً ـ لن يأتي من خارج تصويت قوى الرابع عشر من آذار، أي من خارج التوافق معها على الحد الأدنى، وهذا من شأنه أن يوفر الحد الأدنى من التهدئة في الشارع والحد الأدنى من عودة الحياة إلى المؤسسات الدستورية، والحد الأدنى من الراحة التي سوف تُعطي زخماً استثنائياً للمحكمة الدولية التي أصبحت خارج دائرة التعطيل اللبناني.
ولأن المسألة كذلك، فإن الاقتناع بأن بشار الأسد صاحب نهج تخريبي في لبنان يحتّم الاقتناع بأن بشار الأسد لن يسمح بالحوار الودّي معه، بانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية.


التخريب الاسدي = الثلث المعطّل
= السلطة للفريق السوري
وهذا بالتحديد ما يُترجم "النظرية الخنفشارية" لقوى الثامن من آذار، أي أن الطريق إلى احتمال انتخاب رئيس جديد للجمهورية يجب أن يمر حتماً بحكومة وحدة وطنية اي حكومة الثلث المعطل. هذه النظرية تعني في ضوء القراءة الدقيقة لهدف الأسد التخريبي، أن قوى الثامن من آذار تبلغ اللبنانيين والعالم بالآتي: "لن نقبل بانتخاب رئاسي في موعده الدستوري أو في أي موعد آخر إلا إذا أذعنتم لشروطنا أي إقناع مجلس الأمن بالتراجع عن المحكمة الدولية وإدخال مجموعة من السياديين إلى السجن بتهمة الخيانة وإخراج الجنرالات الأربعة إلى الحرية خروج الأبطال الظافرين والانفتاح على دمشق بحيث تستعيد نفوذها المفقود على الساحة اللبنانية والتسليم لطهران ببرنامجها النووي ونقل مركز الثقل العربي من الرياض والقاهرة إلى الدوحة. وفي حال رفضتم ذلك نحن قادرون ومستعدون لإقحام البلاد في فراغ دستوري شامل، اي مجلس نواب مشلول وحكومة ساقطة ورئاسة "امر واقع"، لا بل إننا بمجرد أن نأخذ الثلث المعطل ونكتشف أنكم لن تذعنوا لإرادتنا، وقبل ان تنتهي ولاية لحود، نسارع إلى فرط الحكومة، مما يُمكّن لحود آنذاك من تسليمنا السلطة من خلال تشكيل الحكومة التي تناسبنا، وبذلك نحقق من خلال تسليمكم لنا بالثلث المعطل غير المشروط ما حققته حماس في غزّة بعد استفادتها من هامش المشاركة للانقلاب في اللحظة المؤاتية على اتفاق مكة".
أمام هكذا معطيات، ليس ثمة مخرج أمام الساعين إلى حل للإشكالية اللبنانية سوى التكلم مع الأسد باللغة التي يفهمها، فمن يتجرّأ على توجيه تحذير أخير بأن الاستقرار في لبنان خط أحمر والمس به له ثمن وحيد هو رأس نظام الأسد؟.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف