تعاظم حاجة الأسد الى حسم سريع للملف اللبناني
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بعد اكتشاف "طالبانية" نظامه وثبوت الهوية الاستخباراتية ليكن والانتصارات اللبنانية على الغرائز وثبوت تأثيرات قرار بوش
فارس خشّان
للمرة الثالثة، في اقل من ثلاثة أشهر، أثبت لبنان أنه دولة جديرة بالإستقلال والسيادة والقرار الحر. الأولى كانت في انتصار شعب طرابلس ـ قبل قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني ـ على مؤامرة آصف شوكت ـ فتحي يكن في اقتطاع الشمال وجعله "إمارة إسلامية". الثانية كانت عندما دخل قائد الجيش العماد ميشال سليمان الى قريطم، وسط عاصفة من التصفيق الى قريطم للتعزية باستشها النائب وليد عيدو، في وقفة تقديرية للمؤسسة العسكرية التي تبذل الغالي والنفيس في مواجهة لا هوادة فيها مع "عصابة العبسي"في مخيم نهر البارد. أما المرة الثالثة فكانت عندما تمكنت القيادة السياسية والروحية للطائفة السنية في لبنان من تجاوز تهمة أسلمة لبنان، ونجحت في الإبتعاد عن "فخ المواجهة" موفرة الغطاء لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة لشرح خطواتها ولوزارة الداخلية في تنظيم "حوار واعٍ"مع الجهة الشاكية.
ثلاثة انتصارات غلّبت الوطن على الطائفية، قدّمت السيادة على الغرائزية وأظهرت أن لبنان ليس متروكا لقدره بل فيه قيادات لا تملك القدرة على صناعة هذا القدر فحسب، بل لديها أيضا الإستعداد لتخسر من ذاتها لئلا يخسر الوطن.
لا بد من تسليط الضوء على هذه الانتصارات. تحويل النظر عنها جريمة، لأن فيه إضافة الى تقديم مساهمة مجانية لإطالة أمد المؤامرة على البلاد، تيئيسا للبنانيين من مستقبل وطنهم وتعميق شعورهم بالحاجة الى استكمال توضيب حقائب الهجرة، بدل مواصلة مسيرة المواجهة.
هي انتصارات تخلق حالة جنونية في دوائر النظام السوري. ليس هناك مسؤول واحد يتحكم بسوريا إلا ومصاب بذهول. لم يكن اي منهم يعتقد ان في لبنان هذه القدرة الصلبة على الصمود. ظاهريا هم ينسبون الأمر الى دعم أميركي كبير، لكنهم في عمقهم يعرفون ان إرادة الحياة الوطنية الحرة عند قيادات الرابع عشر من آذار هي السبب الجوهري.
دمشق وأبوة "القاعدة" الجديدة
بفعل هذه الانتصارات اللبنانية، بدأ النظام الأسدي يتحسس رأسه. الصمود اللبناني في مواجهة المؤامرة التي حبكها آصف شوكت تكاد تعرّيه أمام مجتمع مكافحة الإرهاب. الأدلة بدأت تتكدس ضده. اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، على ضخامته، يبدو كأنه أصغر ملف بحقه، لأن "تنظيم القاعدة في بلاد الشام" يكاد ينطق بأبوة النظام السوري له.
في لبنان يمكن التلهي بتهم مزوّرة تتولى تسويقها "المنار" وأخواتها ويتولى النطق بها أحمد جبريل ونظرائه في الخيانة من أمثال ميشال سماحة وألبير منصور ومن هم على هذا "الحجم الكشتباني"، كما يمكن إثارة عاصفة من انحراف عابر عن الخط الإستقلالي الى الإستثارة الطائفية، ولكن في أروقة القرار الدولي كل ذلك يمر من دون أن يلتفت اليه أحد على اعتبار أن العين هي على رعاة الإرهاب، أي على "طالبان" الجديدة التي تحتضن "أسامة بن لادن" الجديد.
النظام السوري يعرف ان استمرار لبنان في الصمود من خلال حصد الانتصارات سوف يطرح جدوى استمراره على "جدول الأعمال"، ففيما المملكة العربية السعودية تنجح في تجفيف بؤر الإرهاب والمملكة الهاشمية الأردنية تنتصر على هذه الآفة الخطرة فإن بشار الأسد يحوّل سوريا الى "مزرعة إرهابية".
قبل الانتصارات اللبنانية المتتالية، كانت "صلة الأبوة" بين "تنظيم القاعدة" ـ بطبعته الجديدة ـ وبين النظام السوري مجرد نظرية، وفي افضل الأحوال نتاج يقين تحليلي. بعد هذه الانتصارات بدأت الأدلة على هذه الحقيقة تتكدس.
إكتشاف "لوفيغارو" الفرنسية
صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، في عددها الصادر يوم الجمعة الماضي، أكدت أن النظام السوري بات يشكل "القاعدة الخلفية" لـ"تنظيم القاعدة". التحقيق المثير للإهتمام، مرّ بطبيعة الحال على حالة "فتح الإسلام" في لبنان، وركّز على إرهابي مرّ من دمشق الى عمّان حاملا معه العدة التنفيذية لمحاولة تفجير مطارها، على الرغم من أن السلطات الأمنية الأردنية سبق وأبلغت السلطات السورية أن محمد الدارسي الذي خرج من ليبيا الى سوريا هو كادر إرهابي خطير يجب اعتقاله وتسليمها إياه. دمشق تجاهلت التحذير الأردني وعبر الدارسي اليها لتفجير المطار، تماما كما عبر زميله شاكر العبسي من سوريا ـ تحت نظر مخابراتها ـ الى لبنان حاملا معه العدة التنفيذية لتفجير البلاد، في حين أنه كان مطلوبا للأردن بسبب ما اقترفه على اراضيها من جرائم إرهابية.
حقيقة فتحي يكن
الإنجاز الأمني الكبير الذي تمثّل بضبط المديرية العامة لأمن الدولة بعض ذخائر الفتنة، في أحد منازل فتحي يكن في طرابلس، ليس تفصيلا عابرا في هذا السياق. يكن، في السجلات الموثقة، ليس سوى العميل المعروف لآصف شوكت والجاذب الأول لـ"تنظيم القاعدة" الى لبنان والحليف الأساسي لـ"حزب الله" في الحركة الإنقلابية.
دمشق وشراء الوقت
الأدلة على إرهاب النظام السوري تتراكم. هي بالتأكيد درب لن توصله إلا الى جهنم.
هو يكسب الوقت. هذا صحيح يبيع الى لندن خدمات في غزة، ولعدد من عواصم العالم "مساعدة حزب الله" لحماية قواتها المنتشرة في الجنوب تحت لواء "اليونيفيل"، ويُهدي فرنسا قبول قوى الثامن من آذار الإلتقاء على اراضيها مع قوى الرابع عشر من آذار بعدما منع حصول ذلك في لبنان بشفاعة جامعة الدول العربية، لكن الصحيح أكثر أنه اقحم نفسه في دائرة "الإرهاب" التي إن لم تكن الظروف مؤاتية لاقتلاعها، فإنها تحتم تطبيق "استراتيجية الحجر".
استراتيجية الحجر والركاب المرتجفة
وحدها "استرتيجية الحجر" تفسر الحاجة البراغماتية الدولية ـ وليس الأخلاقية ـ إلى استقلال لبنان. قرار الرئيس الأميركي جورج بوش الذي ترجمته وزارة خارجيته بدفعة أولى من الممنوع دخولهم وعائلاتهم الى الولايات المتحدة الأميركية يقع تحديدا في هذا السياق. الدفعة الثانية على الطريق. معها ايضا خطوات تنفيذية ذات طبيعة مالية سوف تكون على "القاعدة الإيرانية"، أي ان وزارتي الخارجية والخزانة الأميركيتين سوف تتحركان في اوروبا لمنع "الشينغن" عن هؤلاء ولمنع التعامل المالي معهم. سلوكية جمدت أعمال شركة "توتال" في ايران بعدما اقتنعت المصارف الاوربية بعدم تمويل عملياتها هناك وخلقت أزمة سيولة في طهران تجري الآن محاولة التعويض عنها باستقطاب ليبيا لتمويل المحور السوري ـ الإيراني.
دمشق بدأت تتلمس خطر هذا القرار الأميركي عليها. اصحاب الملايين من حلفائها اللبنانيين خائفون، وبعض من تتكل عليهم لديهم مصالح معروفة في الولايات المتحدة الأميركية.
إذا، الملف اللبناني يضغط على دمشق لذلك هي بحاجة الى ان تحسم سريعا لتخلق أمرا واقعا يُعينها على رمي كرة النار الإرهابية المكشوفة.
الفريق الإستقلالي: المهمة الأخيرة
حاجة دمشق الى الحسم تستدعي من الفريق الإستقلالي أكبر استنفار مبني على رصيد الانتصارات الوطنية. "الكلام المعسول" لا قيمة له في هذه الايام، فوجهته قد تكون لها صلة بالركاب المرتجفة من لائحة جورج بوش. والموافقة على "مؤتمر سان كلو" قد لا يعدو كونه تحضيرا لعملية كبرى.
الفريق الإستقلالي يحتاج الى انتصار جديد قوامه الإنتباه الكبير على كل شاردة وواردة، وليس معرفة جنس الملائكة.