عينُ الأسد على أميركا.. وحسابات الحقل تختلف عن حسابات البيدر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يقف وراء فشل مهمّة عمرو موسى لأنه يراهنُ على بيع بضاعته الإرهابية في لبنان والعراق..
وعلى حرب "محدودة" مع إسرائيل
نصير الأسعد
"الذي أنهى مهمة الوفد العربي في بيروت بالفشل هو من جعل مهمة عمرو موسى في دمشق تنتهي الى النتيجة نفسها".
بهذه الكلمات علّق وزير بارز أول من أمس على تصريحات الأمين العام للجامعة العربية في العاصمة السورية، وعلى معلومات وردته عن حصيلة لقاءات المسؤول العربي مع الرئيس السوري بشار الأسد وأركان نظامه.
النظام السوري "يريد" المملكة ومصر.. وأميركا
إنه النظام السوري يفشّل المسعى العربي لحلّ الأزمة اللبنانية.
في بيروت، كان "همّ" هذا النظام توجيه رسالة الى وفد الجامعة بأن التفاوض بشأن لبنان يكون معه مباشرةً لا مع الفرقاء اللبنانيين بمن فيهم حلفاؤه. وفي دمشق كان "همّه" توجيه رسالةٍ بأن التفاوض العربي "يجب" أن يكون من جانب المملكة العربية السعودية وقيادتها أو عبر قمة ثلاثية سعودية ـ مصرية ـ سورية، وفي جميع الأحوال يريد نظام الأسد "الوصول" الى الولايات المتحدة وإدارتها. لماذا؟
لأن النظام السوري يريد فكّ عزلته العربية من جهة ولأنه يريد العودة الى الظهور بـ"مظهر" العضو في نادي الكبار العرب عبر استعادة صور اللقاءات الثلاثية لمرحلة سابقة من العمل العربي من جهة أخرى.
ولأنه يريد أن يبيع بضاعته الى جهات عربية ودولية قادرة على شرائها، على افتراضٍ منه أن البضاعة ـ أي أدواره التخريبية في لبنان والعراق وفلسطين ـ قابلةٌ للشراء فعلاً.
ولأنه يريد تأسيساً على معادلة "البيع والشراء" الدخول في "بازار" حول المحكمة الدولية وحول مستقبل لبنان السياسي، الأمر الذي يَفترض النظام السوري أنه يحتاجُ الى "ضمانات" لا تتوافر إلاّ عبر التفاوض مع أركان النظام العربي والقوة الدولية الكبرى.
قام النظام السوري بإفشال الوفد العربي في بيروت وعمرو موسى في دمشق اعتقاداً منه إذاً أن ذلك يفتحُ أمامَه سبيل التفاوض مع مركز القرار العربي ومع مركز القرار الدولي، واعتقاداً منه أن بضاعته التخريبية في "المثلّث" اللبناني ـ الفلسطيني ـ العراقي ناجحة.
المملكة ومصر: لا جدوى من التحدّث مباشرة إليه
غير أن حساباته وتقديراته خاطئة كالعادة.
فثمّة قرارٌ سعودي وآخر مصري بعدم التحدث الى نظام الأسد مباشرةً. وبحسب مصادر ديبلوماسية مطّلعة فإن للقرارين السعودي والمصري أسباباً عدة أهمها:
إن المملكة ومصر سعتَا بكل جهد في فترةٍ امتدّت حتى ما قبل حرب تموز 2006، الى تجنيب النظام في سوريا التعرّض لضغوط دولية قاسية، وخطر السقوط. كان ذلك من منطلق الحرص على ما يسمى الاستقرار في المنطقة، وعلى تجنّب الفوضى الإقليمية الواسعة. وكان ذلك على أساس نوع من الموازنة بين تغيير النظام السوري وسلوكه في لبنان وفلسطين والعراق من ناحية، وبينَ بقائه من ناحية ثانية.
الأسد من عدم الصدق الى الاستقواء فعدم الصدق
كانت النتيجة أن الأسد خرج بعد حرب تموز ليُعلن انتصاره ـ هو الآخر ـ وليهاجم القادة العرب ويتوعّدهم. وإذا كان الأسد استعان خلال الفترة السابقة على حرب تموز بـ"عدم الصدق" مع القادة العرب لتقطيع هذه الفترة، فإنه بعد حرب تموز انتقل الى العدائية المباشرة.
إستغرقت مرحلة الاستقواء بحرب تموز بضعة أشهر. وكان واضحاً خلالها أن نظام الأسد مقيمٌ على قناعة تامة بقدرته على إسقاط المحكمة الدولية. فخلالها نظّم الانقلاب في لبنان عبر حلفائه وأدواته، وضغط في كل الاتجاهات من أجل إسقاط الحكومة والدولة اللبنانيّتين، ولم يتورّع عن الدفع باتجاه فتنة شيعية ـ سنيّة. وأُجهضت محاولاته كافة لعوامل عدة منها صمود حركة 14 آذار والحكومة والوضع الشعبي لبنانياً ومنها الاتصالات السعودية ـ الإيرانية إقليمياً، التي توصّلت الى نتيجة "وحيدة" هي منع الفتنة المذهبية.
عند هذا الحد، أي مع فشل الانقلاب المستقوي بحرب تموز، كانت القمة العربية في الرياض نهاية آذار الماضي. وفي هذه القمة التي أعادت إطلاق النظام العربي على أساس العلاقات المتكافئة بين دوله المستقلّة، ورسمت استراتيجية السلام العربي على أساس كونها استراتيجية "مركزية"، تظاهر نظام الأسد بالموافقة وسعى الى استدعاء بحث عربي معه حول لبنان.. والمحكمة. لكن ما إن انتهت القمة حتى عاودَ النظام السوري التخريب على النظام العربي واستراتيجيّته، فأطلق مرحلة أخرى من الانقلاب في لبنان.. وصولاً الى استخدام كل وسائل التخريب دفعة واحدة من المجموعة الإرهابية في مخيم نهر البارد الى التفجيرات في المناطق كافة الى الاغتيالات، الى الاعتداء على "اليونيفيل". وبالتزامن، لعب دوراً في محاولة إسقاط اتفاق مكة الفلسطيني. أما في العراق، فإنه أعطى لنفسه فرصةً علّ مقايضةً تنجح بينه وبين الولايات المتحدة، تنطلق ـ أي المقايضة ـ من وقفه الإرهاب في بلاد الرافدين ومن التعاون مع الحكومة العراقية، لتتجاوز المسألة العراقية. وعندما لم تحصل المقايضة، عاد النظام في سوريا الى التخريب الإرهابي في العراق، كما تدلّ على ذلك التفجيرات وصولاً الى كركوك مؤخراً.
إذاً، في أسباب القرارين السعودي والمصري عدم التحدث الى النظام السوري مباشرة، لا سيما في ما يتعلق بلبنان، انّ هذا النظام سلك مع الرياض والقاهرة طريق عدم الصدق ثم الهجوم المستقوي بحرب تموز فعدم الصدق والتخريب مجدداً.
سوريا حُوّلت مركزاً إقليمياً للإرهاب
غير انّ ثمة سبباً اضافياً ينبغي الا يغيب عن التحليل وتقدير الموقف. فقد حوّل نظام الأسد سوريا إلى "مركز إقليمي" لكل المجموعات الإرهابية ومن كل الجنسيات مستقطباً مجموعات يصدّرها في كل الاتجاهات. وبهذا المعنى، صارت الأنظمة العربية ـ كل الأنظمة ـ التي حاولت "حماية" بقاء النظام السوري تعتبر انه خطر على المنطقة ودولها وأنظمتها كافة وانه "مركز" لتصدير الإرهاب.
الآن، بالعودة الى نقطة البداية، لا بدّ من القول انّ النظام السوري جعل مهمة عمرو موسى تنتهي الى الفشل "على أمل" إستدعاء تفاوض عربي سعودي ـ ومصري ـ يمهّد لتفاوض أميركي معه. بيد انه من الواضح انّ "حسابات الحقل لا تنطبق على حسابات البيدر". كان ثمة رفض للتحدّث المباشر إليه، وللرفض أسباب "مستمرة"، ذلك انه من غير المقبول عربياً أن يتحدّى نظام الأسد وبالوسائل الإرهابية النظام العربي وإرادته واستراتيجيته. ويقيناً لو انّ النظام السوري غيّر "سلوكه" لما تردّدت الدول العربية في البحث معه في سبل ضمان "مستقبله" أو "مصيره".
بكلامٍ آخر، نجح النظام السوري في جعل المسعى العربي حول لبنان يفشل.. حتى الآن. لكن أهدافه الكامنة وراء ذلك ليست مرشّحة للنجاح في المقابل.
تخريب نظام الأسد في لبنان والعراق
ماذا يعني هذا الاستنتاج؟
بداية، لا شك انه يعني انّ "الأزمة اللبنانية" المتأتية في جانبها الرئيسي عن الدور التعطيلي ـ التخريبي للنظام السوري، ليست بأفق حلّ قريب.
لكنه يعني أيضاً انّ نظام الأسد، بالرغم من الفشل في تحقيق نتائج سياسية من التخريب، وبالرغم من اعتقاده العكس على الأرجح، سيواصل تخريبه في لبنان وفي العراق في المدى المباشر.
بالأمس، كان مراقبون يلفتون إلى "النشاط" الإرهابي المتصاعد للنظام السوري في العراق في الأسابيع والأيام الماضية. بعض هؤلاء المراقبين "أمِل" أن يكون نظام الأسد "حادَ" نسبياً عن لبنان. غير انّ البعض الآخر سارع الى القول: لا يخطئن أحد فـ"اللوجستية" الإرهابية لديه تكفي لبلدين ويزيد وفي وقت واحد.. أما تركيزه على العراق في الفترة القريبة الماضية فمن أجل أن يقول بطريقة مدوّية وبتحدٍ انه "عاد" باندفاعة إرهابية كبيرة لانه لم يوقف "نشاطه العراقي" في الأصل.
أولمرت والأسد
على انّ مصادر سياسية مطلعة ومتابعة دعت، فيما الأنظار مشدودة إلى "الخطّين" العراقي واللبناني، الى مراقبة "العلاقة" بين النظام السوري وإسرائيل.
أول من أمس، وفي مقابلةٍ مع احدى المحطات العربية، "كشف" رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت انّ رئيس النظام السوري بشار الأسد يريد مفاوضة الولايات المتحدة ولا يريد التفاوض مع إسرائيل. وطبعاً أضاف أولمرت انه يدعو الأسد الى التفاوض وانّ السلام يمكن أن يصنعه الجانبان.
"الوصول" الى واشنطن
المهمّ في ما قاله أولمرت انّ الأسد طرق أبواب "البحث" مع إسرائيل لكن عينه على واشنطن. وبهذا المعنى فانّ البحث مع إسرائيل يُفترض أن يفتح طريق البحث مع أميركا من وجهة نظر الأسد. وعلى أي حال، فقد جرت مفاوضات سورية ـ إسرائيلية شبه مباشرة خلال حرب تموز 2006 وبعدها. لكن الولايات المتحدة طلبت من إسرائيل أن يقتصر التفاوض على الجولان وألا يتوسّع الى عناوين أخرى. وإذا كان النظام السوري رفض استكمال التفاوض مع إسرائيل بعد ذلك، فلأن أولويته ليست الجولان، بل هي حماية النظام نفسه.
هذا يعني بوضوح انّ هدف النظام السوري هو "الوصول" إلى أميركا ولو عبر إسرائيل لعقد تسوية مع واشنطن. غير انّ معلومات يتكرّر ورودها منذ مدة تفيد انّ هذا النظام يستعد لحرب مع إسرائيل. فهل ثمة تناقض بين التفاوض "السابق" مع إسرائيل وبين الاستعداد لحرب معها في الوقت نفسه؟
سيناريو "الحرب المحدودة"
طبعاً لا، تجيب المصادر السياسية نفسها. ذلك انّ نظام الأسد الذي لم "يصل" إلى أميركا من خلال المفاوضات مع إسرائيل، يراهن على أن "يصل" اليها بواسطة الحرب. وعلى هذا الأساس، تعربُ المصادر المطلعة عن اعتقادها انّ الأسد يراهن على حرب "محدودة" تكون بمثابة حرب "تحريك" لخط التفاوض مع واشنطن، أي أن تؤدي هكذا حرب الى خلق وضع جديد يتوّج بتسوية ما مع أميركا، في ما يبدو انه محاولة من النظام السوري لتكرار سيناريو حرب تشرين 1973.
..لكن إيران بـ"المرصاد"!
بناء عليه، من الواضح انّ رهان الأسد يتوقف على "حجم" النتيجة التي ستقدّرها واشنطن في حال اندلاع الحرب. لكن ما يجب الانتباه إليه يتعلق بالجانب الإيراني. وهنا، تؤكد مصادر ديبلوماسية انّ إيران التي نشرت في سوريا قواعد صاروخية، فعلت ذلك لسببين رئيسيين: الأول هو تحقيق نوع من توسيع لـ"الجبهات" مع إسرائيل تحسباً لمواجهة إيرانية ـ أميركية، وفي إطار التحالف الإيراني ـ السوري. أما الثاني فهو انّ إيران التي لم تكن مسرورة من المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية "المنفردة" في مرحلة سابقة، تريد "الإمساك" بالحليف السوري وقراره العسكري ـ والسياسي ـ لضمان خدمته لمصالحها.
هكذا إذاً، وبتلخيص يحاول تركيب مجمل الصورة، يمكن القول انّ النظام السوري الذي يفشّل عمرو موسي والمسعى العربي لحل الأزمة اللبنانية، وإذ يشتغل على خطوط تفجيرية متوازية، يراهن ليس فقط على الوقت، بل على تطوّرات تبدو غير مرشّحة للحصول فعلياً، مراهناً على تقاطعات مستبعدة.