المنشآت النووية الأميركية وخطورة المبالغة في السرية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ماثيو وولد ـ نيويورك تايمز
حدث تسربٌ خطير العام الماضي في مصنعٍ لإنتاج وقود اليورانيوم الخاص بالمفاعلات النووية الأميركية، لدرجة أن المصنع أضطر إلى الإغلاق سبعة أشهر، ليكون بذلك واحداً من ثلاث حالات خطيرة في عام 2006 إلى درجة أن "اللجنة النووية المنظمة"، وهي الجهة المسؤولة عن رصد هذه الحوادث، ضمّنته في تقريرها السنوي الذي ترفعه إلى الكونجرس.
بعد تحقيق فُتح في الموضوع، قامت اللجنة بتغيير شروط الترخيص لهذا المصنع، وأعلنت أن أمام الجمهور 20 يوماً للمطالبة بتحقيق حول هذه التغييرات. غير أن أي أحد من الجمهور لم يفعل. أما السبب، فيتمثل في أن لا أحد من الجمهور كان قادراً على معرفة هذه التغييرات لسبب بسيط،يتمثل في أن الوثيقة التي كانت تضم هذه التغييرات، بما في ذلك المهلة أمام أي شخص يشعر بأنه متضرر من هذه التغييرات للمطالبة بقضية، كانت مختومة عليها عبارة "للاستعمال الرسمي فقط"، بمعنى أنها لم تكن متاحة للجمهور.
الجدير بالذكر هنا أن "للاستعمال الرسمي فقط" هي فئة للتصنيف من دون "سري" أي أقل من درجة "السرية"؛ ولكن على الرغم من أن الوثائق التي تقع ضمن هذه الفئة ليست سرية الطابع، فإنها تُحجب عن الجمهور. والواقع أن الوكالة ما كانت حتى لتخبر الجمهور باسم المصنع لولا جهود "جريجوري جازكو"، وهو أحد أعضاء اللجنة الخمسة، حيث أشار هذا الأخير إلى اسم الشركة، وتدعى "خدمات الوقود النووي في إيروين، تينيسي"، ضمن مذكرة جاء فيها أن من شأن وثائق عمومية أخرى أن تسمح لشخص مطلع بأن يخلص إلى أن المصنع تابع لشركة "خدمات الوقود النووي".
اليوم، أصبحت هذه السرية التي تعتمدها "اللجنة النووية المنظمة" محط انتقادات أعضاء نافذين في الكونجرس؛ إذ يجادل هؤلاء المشرعون بأن الوكالة تحجب وثائق عديدة بخصوص المنشآت النووية باسم الأمن القومي؛ والحال أن العديد من الوثائق التي يتم حجبها ليست وثائق حساسة. كما يرى المشرعون أن على الوكالة أن تعيد إحداث التوازن بين ميلها إلى السرية، من جهة، وحق الجمهور في المشاركة في عملية الترخيص وحقه في معرفة الأخطار الممكنة، من جهة ثانية.
ويدخل المزيد من التفاصيل حول حادث 2006 دائرة الضوء بسبب رسالة بعثت بها "لجنة الطاقة والتجارة" التابعة لمجلس النواب يوم الثلاثاء إلى الوكالة النووية. يقول فيها رئيس اللجنة النائب جون دينجل، ورئيس اللجنة الفرعية للمراقبة النائب "بارت ستوباك"، وكلاهما "ديمقراطيان" من ولاية متشجين، إن اللجنة "تجاوزت كثيراً" الحاجة إلى حماية المعلومات الأمنية عبر حجبها وثائق حول شركة "خدمات الوقود النووي" عن الجمهور. ويضيف عضوا الكونجرس إن الوكالة "أزالت المئات من الوثائق غير الحساسة والمرتبطة بمصنع شركة "خدمات الوقود النووي" عن نظر الجمهور".
وفي هذا الإطار، يقول "جازكو" في حوار معه عبر الهاتف: "في نهاية المطاف، نحن نشرف على القطاع باسم الجمهور؛ وبالتالي، فمن المهم أن يكون له دور"، مضيفاً أن معلومات أخرى حول شركة "خدمات الوقود النووي" يفترض أن تكون علنية كانت تحمل ختم "للاستعمال الرسمي فقط".
وفي ظل توقع استئناف إنشاء مزيد من المحطات النووية في الولايات المتحدة بعد توقف دام ثلاثين سنة، يقول مسؤولو الوكالة مراراً إنهم يحاولون التوفيق بين الفوز بثقة الجمهور عبر تنظيم القطاع بشكل علني وواضح، وحماية المعلومات الحساسة. وفي هذا الإطار، أفاد المتحدث باسم اللجنة، "سكوت بورنيل"، بأن فئة ختم "للاستعمال الرسمي فقط" باتت موضوع بحث ومراجعة.
مثلما يوضح ذلك التقرير الذي رفعته اللجنة إلى الكونجرس ووجهات أخرى، فإن الحادث في مصنع شركة "خدمات الوقود النووي" اكتشف عندما لاحظ أحد المشرفين سائلاً أصفر يسيل تحت أحد الأبواب في طريقه نحو الممر. والواقع أن الأمر يتعلق هنا بيورانيوم عالي التخصيب أُعلن فائضاً عن الحاجة حسب جرد لوزارة الطاقة، ثم أُرسل إلى المصنع للتخفيف من قوته إلى مستوى يجعله مناسباً للاستعمال في مفاعل نووي مدني.
وحسب الرسالة التي بعث بها المشرعان، فإن بقعة اليورانيوم (تسعة غالونات) لم تكن تبعد عن المصعد سوى أربعة أقدام. ولو وصلت إلى المصعد وبلغت عمقاً لا يتعدى بضع بوصات، لكانت قد اتخذت شكلاً يمكن أن يسمح بحدوث سلسلة من ردات الفعل الكيميائية الخطيرة. وفي هذا السياق، تقول رسالة عضوي الكونجرس إن تقرير الوكالة يشير إلى أن "عدم وقوع حادث خطير لم يكن سوى مسألة حظ". ومن جانبه، يرى عضو اللجنة أنه في حال أصبحت المادة خطيرة "فمن المرجح أن عاملاً واحداً على الأقل كان سيتعرض لإشعاع كاف للتسبب في تأثيرات خطيرة على الصحة أو الوفاة".
الواقع أن "اللجنة النووية المنظمة" تصف عادة الحوادث النووية وتعلن عنها. غير أنه بحسب رسالة اللجنة، فإن "مكتب المفاعلات البحرية" التابع لوزارة الطاقة توصل في 2004 إلى اتفاق مع اللجنة يقضي بختم جميع المراسلات مع شركة "خدمات الوقود النووي" بعبارة "للاستعمال الرسمي فقط".
الجدير بالذكر هنا أن المذكرة التي أعلنت مثل هذه المراسلات من فئة ختم "للاستعمال الرسمي فقط" كانت هي نفسها تحمل ختم "للاستعمال الرسمي فقط".
كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية