تحليل أمريكي: القاعدة ستَضرِب أمريكا مُجدداً
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تقرير واشنطن - شيرين حامد فهمي
"بدلاً من القضاء على أسامة بن لادن، سارعت واشنطن باختراق العراق؛ وهو الأمر الذي ساعد تنظيم القاعدة على كسب العديد من النقاط: فالقاعدة لديها اليوم من القواعد والشركاء والتابعين ما يفوق ما كان لديها ليلة الحادي عشر من سبتمبر. إن القاعدة تسعى حالياً نحو تدشين شبكاتٍ جديدة لها في الشرق الأوسط وأوروبا، وإفريقيا، بل إنها تسعى نحو جر الولايات المتحدة إلى حربٍ ضروس ٍمع إيران. ومن ثم، فإنه يجب على واشنطن التركيز على مهاجمة زعماء القاعدة وأفكارهم، وكذلك تغيير الظروف المحلية التي تسمح لهم بالنمو والتكاثر".
هذا المقطع هو خُلاصة التحليل السياسي الذي كتبه "بروس ريديل" - الباحث بمركز سابان لسياسة الشرق الأوسط بمعهد "بروكينجز" - تحت عنوان "القاعدة تضرب مُجدداً" أو Al Qaeda Strikes Back؛ المنشور في مجلة "فورين آفيرز"، في عددها الأخير الصادر مايو/يونيو 2007.
ولا تقتصر خبرة "ريديل" على عمله البحثي فقط؛ بل إن له تاريخاً طويلاً في خدمة الإدارة الأمريكية. فقد عمل 29 عاماً بالوكالة المركزية للاستخبارات الأمريكية؛ كما عمل كمساعد متخصص للرئيس، وكمدير مشرف على شئون الشرق الأدنى بمجلس الأمن القومي، في الفترة ما بين 1997 و2002.
واشنطن أعانت القاعدة على الانتشار
إن إصرار واشنطن على غزو العراق - وهو ما يؤسف "ريديل" عليه- أفضى إلى تعاظم أثر تنظيم القاعدة، في كلٍ من باكستان وغربي العراق. ففي هاتين المنطقتين بالذات، يمتلك التنظيم - حالياً - قاعدتين راسختين لانطلاق عملياته. وبالنسبة للعراق مثلاً، فقد أسرعت القاعدة نحو تطوير قدراتها في بلدٍ لم يكن يحتوي على تواجدٍ حقيقي لها، اللهم إلا تواجداً طفيفاً جداً. لقد هرع آلاف المتطوعين العرب إلى العراق بعد احتلاله من قبل القوات الأمريكية، وبعد تأثرهم بكلمات "بن لادن". البعض منهم التحق بدائرة "أبو مصعب الزرقاوي" الذي كان قد فر من أفغانستان إلى العراق في عام 2002، ليُعد مُخططه ضد الغزو الأمريكي.
كما أسفرت نجاحات شركاء القاعدة في العراق عن تقوية شوكتها وشوكة حلفائها - القُدامى والجُدد - في باكستان. فبفضل تمويلات القاعدة وإرشاداتها التكتيكية، تمكنت "طالبان" من إعادة حشد جماعاتها في عام 2004. كذلك أسفرت تلك النجاحات في إقدام القاعدة على التقرب أكثر نحو الجماعات الكشميرية - التي يعتبرها "ريديل" إرهابية - مثل جماعة "جيش محمد".
هذا فضلاً عن انتشار الأثر "القاعدي" في مختلف ربوع العالم الإسلامي، حيث تم تجنيد عدد كبير من الكوادر المستعدة لتنفيذ العمليات. أما في أوروبا، فلم يعجز التنظيم عن استمالة بعض المسلمين المقيمين، وكذلك بعض اللاجئين من العرب والآسيويين، وأثبتت أحداث لندن الشهر الماضي هذه المقولات.
لقد أعانت واشنطن القاعدة على التقدم في تنفيذ مخططها الذي يستهدف "إراقة الدم الأمريكي" في دول العالم الإسلامي التي تعتبرها القاعدة "العدو الأبعد". لقد نجح "أسامة بن لادن"، كما يؤكد "ريديل"، في حفر فخٍ لواشنطن؛ بل إن الفخ الأكبر الحالي يتمثل في محاولته إغراء الإدارة الأمريكية بالدخول في حربٍ ضارية مع إيران.
ولا يُنكر "ريديل" تعاظم خطر القاعدة، ومن ثم تعاظم التحدي الذي فُرض وما زال يُفرض على الولايات المتحدة. إلا أنه يرى الأمل في مخرجٍ واحد، ألا وهو وضع إستراتيجية أمريكية شاملة، ترتكز على ركنين أساسيين:
1 مهاجمة القاعدة بزعمائها وأفكارها.
2 تغيير الأوضاع المحلية التي تسمح لمثل هذا التنظيم بالترعرع والانتشار؛ على أن يُساهم شركاء الولايات المتحدة في وضع تلك الإستراتيجية.
أما دون ذلك، كما يحذر "ريديل"، فإن الأمر سيتحول إلى مسألة وقت قبل إقدام القاعدة على ضربةٍ ثانية للولايات المتحدة.
مُجمل القول، لقد فتحت الإدارة الأمريكية - باحتلالها العراق - باباً جديداً بل أبواب جديدة لتنظيم القاعدة في الشرق الأوسط وفي أوروبا. بل إنها أكدت وروجت "مزاعم" القاعدة التي تقول إن الولايات المتحدة قوة إمبريالية؛ مما ساعد القاعدة على تكوين شبكة كبيرة من التحالفات المحلية.
القاعدة تنتشر عبر "النت" وباكستان
لم تكتف القاعدة، كما يشير الباحث بمعهد "بروكينجز"، بترسيخ وتثبيت قواعدها الجديدة في باكستان والعراق؛ ولم تكتف بدعم تحالفاتها المحلية، بل ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك؛ ذهبت إلى الانتشار عبر "الانترنت" أو "أون لاين". فقد أضحت القاعدة تُسجل جزءاً كبيراً من عملياتها على الفيديو، لكي تنقله بعد ذلك إلى المواقع الجهادية الإلكترونية، المُسجلة في أنحاء العالم.
استطاعت القاعدة أن تحتل مصداقية عاليةً في داخل الثقافة الجهادية العالمية. صحيح أنها فشلت في تحقيق خططها الكبرى المتمثلة في إسقاط حكومات مصر والأردن والسعودية، إلا أن هجماتها ضد تلك الدول عكست تعاظم طموحاتها، واتساع تداعياتها في داخل الشرق الأوسط.
إن إعادة تمركز القاعدة في داخل باكستان منح التنظيم فرصاً جديدة لتوسيع نفوذه في الغرب، خاصةً في بريطانيا... الزاخرة باللاجئين الباكستانيين. هذا إضافةً إلى الزائرين القادمين من باكستان، الذين يتمتعون بعلاقات وطيدة مع المجتمع الباكستاني الذي يعيش في داخل بريطانيا. هذا فضلاً عن البريطانيين ذوي الأصل الباكستاني، الذين لديهم فرصة الذهاب إلى باكستان والعودة منها إلى بريطانيا دون صعوبات أو تعقيدات؛ وهو الأمر الذي يُسهل - على الجانب المناقض - تعبئة وتدريب الجهاديين.
وقد أدى تغلغل في القاعدة أوروبا إلى تعريض الولايات المتحدة لأخطارٍ أكبر عن ذي قبل. وأكبر دليل على ذلك، ما حدث في أغسطس 2006، حينما خُطط لضرب عشر طائرات تجارية، في طريقها من بريطانيا إلى الولايات المتحدة؛ حيث ذهب بعض المحللين إلى ربط الشبكة الباكستانية - البريطانية بتلك الخطة التي كان توقيتها قريباً من الذكرى الخامسة لحادث الحادي عشر من سبتمبر.
القاعدة واقتناص أجواء الفشل والصدام
تعتبر القاعدة اليوم منظمة ذات تواجد عالمي، ومن ثم مهددة للأمن العالمي في المستقبل القريب. ولأنها تتغذى وتتقوى على أشلاء الحكومات الفاشلة، فإنه سيكون لديها فرص مُشرقة للتخطيط لعمليات جديدة؛ لاسيما في ظل الحكومات العربية الضعيفة. فها هي الحكومة اللبنانية الضعيفة التي قد تفضي بضعفها إلى اندلاع حرب أهلية عارمة. وها هي الحكومة الفلسطينية المُنتزعة بين حماس وفتح؛ وما تتناقله الأنباء حول بداية تشكيل جهاز "قاعدي" صغير في داخل الأراضي الفلسطينية؛ وهو ما يثير توجسات وتخوفات وزارة الدفاع الإسرائيلي.
وها هي الحكومة الصومالية التي فشلت في دعم استقرارها على مدى عقدين، والتي كونت علاقة تاريخية مع القاعدة. ففي نوفمبر 2002، كانت الصومال قاعدة انطلاق لهجمات "القاعدة" ضد سائحين إسرائيليين في كينيا.
وأما أكثر خطط "بن لادن" حيوية، كما يقول الباحث، هو سعيه نحو استغلال العلاقة المتدهورة بين واشنطن وطهران، ومن ثم إذكاء الحرب بينهما للقضاء عليهما سوياً. وهناك بعض الأدلة التي تقول إن تخوف القاعدة من هيمنة إيران على العراق قد تفوق تخوفها من استمرار الاحتلال الأمريكي. بمعنى آخر، إن كره القاعدة لإيران الشيعة وإيران "الصفويين" لا يقل عن كرهها للولايات المتحدة، إن لم يكن أكثر. "إن حرباً بين الصليبيين والصفويين سوف تُفيد عملية الجهاد ضد العدوين: وذلك عبر ضرب أشر الأعداء بعضهم ببعض، أو ضرب عصفورين بحجر". ومن ثم، ينصح "ريديل" واشنطن من خدعة القاعدة، أو من ذلك المطب الذي تريد حفره تحت شعارٍ زائف اسمه "محاربة إيران".
خطوات القضاء على القاعدة تبدأ من أفغانستان
أثبتت الخمس سنوات الماضية فشل المنهج العسكري الأمريكي الذي لا يقوم على إستراتيجية كبرى وشاملة. وأول خطوة للقضاء على القاعدة - حسب رأي الباحث - قيام واشنطن بالتأكيد على التزامها نحو أفغانستان. إن هزيمة "طالبان" تتطلب أكثر مما تعهد به "بوش" في فبراير الماضي؛ إن الأمر يتطلب زيادةً في قوات الحلف الأطلسي (الناتو) التي تتطلب بدورها قيادة الولايات المتحدة.هذا فضلاً عن ضرورة قيام واشنطن بتدشين برنامج شامل لإعادة إعمار أفغانستان.
أما على الصعيد الباكستاني، فعلى واشنطن - وشركائها بما فيهم قوات الناتو - الأخذ بخطوةٍ أكثر جدية في مساعدة الحكومة الباكستانية على إجهاض زعماء القاعدة. ويحض "ريديل" إدارة "بوش" على إفساح الطريق لانتخابات برلمانية نزيهة في باكستان هذا العام، وإتاحة الفرصة لزعماء المعارضة الباكستانية، كما أتيحت الفرصة من قبل لزعماء المعارضة الأفغانية.
وانتقالاً من الصعيدين الأفغاني والباكستاني إلى الصعيد العراقي، ينصح "ريديل" الإدارة الأمريكية بالتخلص سريعاً من العراق. فالقاعدة وإيران سواء يريدان بقاء الولايات المتحدة في المستنقع العراقي. ومن ثم، فإن الهدف الأمريكي لابد أن يتوجه نحو تخليص الأيادي الأمريكية من الحرب الأهلية العراقية، عبر انسحاب شامل مُنظم للقوات الأمريكية، مما يسمح بمكافأة الحكومة العراقية على مثل هذا الصنيع، ومن ثم دعم شرعيتها.
لا شك أن القاعدة سوف تتحدث عن انتصارها بعد انسحاب الولايات المتحدة عن العراق؛ إلا أن "ريديل" لا يفترض قيام دولة إسلامية في العراق، فور انتهاء الاحتلال. وحُجته في ذلك، افتقاد الأقاليم السُنية في العراق إلى موارد طبيعية كثيرة، اللهم إلا قدراً قليلاً من الماء، وقدراً أقل من بعض الثروات الطبيعية. هذا إضافةً إلى الميليشيات الكردية والشيعية التي ستقف بالمرصاد لوجود دولةٍ سُنيةٍ إسلاميةٍ بالعراق.
ومن أهم خطوات القضاء على القاعدة، بحسب رأي "ريديل"، حرب الأفكار. باختصار، على الولايات المتحدة أن تتعلم كيفية سرد القصص المُقنعة التي تساند ممارساتها. لابد أن تقوم واشنطن بأخذ خطواتٍ جريئة نحو رأب الصدع بين الإسلام والغرب؛ وهو ما قد يتطلب قدوم زعماء جدد (في واشنطن ولندن)؛ زعماء غير متأثرين أو مُسيرين من قبل أحداث الأعوام الأخيرة.إن حرب الأفكار، كما يؤكد "ريديل"، تستلزم مخاطبة القضايا التي تثيرها القاعدة لكسب المُجندين، خاصةً فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، وكذلك الصراع في كشمير.
إخفاق أمريكا سيؤدي إلى ضربها ثانيةً
إن تدمير تنظيم القاعدة يمكن أن يتم عبر ممارسات مُحددة في مجالات رئيسية، وعبر إستراتيجية محددة أيضاً، إلا أن الإخفاق في ضبط تلك الإستراتيجية، كما يشير "ريديل" سيؤدي حتماً إلى ازدياد التهديد "القاعدي"، ومن ثم ازدياد فرصة "ضرب" الولايات المتحدة للمرة الثانية، ربما هذه المرة عبر أسلحة الدمار الشامل. فإذا كانت القاعدة تُركز - في غضون الأعوام القليلة الماضية - على إراقة الدماء الأمريكية في كلٍ من العراق وأفغانستان؛ وإذا كانت القاعدة تولي الأراضي الأمريكية اهتماماً أقل، فإن بقاءها واستمرارها حتى هذه اللحظة قد يؤدي إلى توجيه تركيزها نحو الأراضي الأمريكية، ومهاجمتها آجلاً أو عاجلاً.
وفي نهاية تحليله، يخلص "ريديل" قائلاً: على الرغم من نجاحات القاعدة على الأصعدة الأفغانية والباكستانية والعراقية والأوروبية، إلا أنها ما زالت ضعيفة في قلب الحكومات القوية، المُجهزة بأحدث الخدمات الأمنية. فهي لم تفلح في قلب الحكومات العربية (مصر، السعودية، الأردن) التي تعتبرها مواليةً لواشنطن. ومن ثم، فإن القاعدة تنتعش فقط في أجواء الحكومات الضعيفة المتهالكة، المُشرفة على السقوط...أو التي سقطت بالفعل. إلا أنه أيضا لا يستبعد احتمال استمرار محاولاتها ضد الحكومات العربية القوية، ويبله إلى ضرورة أخذ هذا التهديدات بجدية كبيرة.