حول اللقاء القطري السعودي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
سعد بن طفلة العجمي
لم يكن حدثاً عادياً ذاك اللقاء الذي تم في جدة الأسبوع الماضي بين ولي العهد السعودي والرجل الثاني في المملكة العربية السعودية الأمير سلطان بين عبدالعزيز آل سعود، وبين رئيس الوزراء القطري والرجل الثاني في قطر الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية (مع حفظ باقي الألقاب).
أهمية اللقاء تكمن في أنه جرى في وقت تشهد فيه العلاقات بين البلدين خلافات لم تعد خافية على أحد. بدأت الخلافات حدودية ثم أخذت أشكالاً إعلامية في الغالب حتى وصلت إلى سحب السفير السعودي من الدوحة عام 2002. ويأتي اللقاء على مستوى عالٍ بين البلدين وبشكل ثنائي. معروف أن العلاقات بين البلدين لم تتوقف على مستوى قيادة البلدين، واستمرت في أروقة مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية دون انقطاع. يذكر أن التمديد لأمين مجلس التعاون الخليجي- القطري عبدالرحمن العطية- تم في قمة الرياض الأخيرة بطلب من الملك عبدالله حتى قبل أن تنتهي مدته المقررة.
اللقاء الهام استمر ساعات، وأخذ الطابع الودي كما هو السائد في الاجتماعات الخليجية عموماً.
تنفس كثير من المثقفين الخليجيين الصعداء حين شاهدوا اللقاء المفاجئ على شاشات التلفزيون، لكن لم تظهر مقالات وكتابات كثيرة حول مغزى اللقاء وطبيعته وفحواه. المثقفون الخليجيون عموماً تحاشوا ولا زالوا الخوض في الخلافات الخليجية وتجنبوا أكثر التطرق للخلاف السعودي-القطري تحديداً، وهم يرددون: "إن رفعتها للشارب، وإن طمنتها للحية".
الخلافات الخليجية كانت دوماً مرتعاً للمرتزقة والمستكتبة الذين يجدون فيها مصدراً لاسترزاقهم، فهذا يكتب شاتماً هذا الطرف، وذاك ينفث قلمه سموماً على ذاك الطرف، وهكذا دواليك. والحق أن قلة من الأقلام الخليجية شاركت في حفلة التخندق استرزاقاً أحياناً وقصر نظر أحياناً أخرى.
المثقف الخليجي الملتزم وجد نفسه أسير هموم التطرق للخلافات الخليجية وهو يدرك أن لها طبيعتها المختلفة عن الخلافات العربية-العربية.
أولها أن ما بين دول الخليج وقياداتها أكبر من عارض في المواقف هنا، أو اختلاف حول معطى جديد هناك، فالمواقف الخليجية مهما تباعدت- مآلها إلى التقارب والتلاحم، ولنا في احتلال الكويت عام 90 خير دليل. كما أن من يعود بالذاكرة إلى الوراء قليلاً يشهد خلافاً بحرينيا-قطرياً سرعان ما أصبح من الماضي وتم تلافيه بجسور المحبة بين البلدين.
وثانياً، تراكمت حساسية مفرطة في دهاليز اتخاذ القرار في العواصم الخليجية تجاه الآراء حول الخلافات ما لم تكن متوافقة مع رأي تلك العاصمة، ولرواة الأخبار آفات في نقل الأكاذيب عن هذا الرأي أو ذاك، واختزاله بطريقة مشوهة لا تعكس الرأي الحقيقي للمثقف الصادق. ولعل هؤلاء لا يبتعدون كثيراً عن أقلام الاسترزاق والاستكتاب. ولذلك يؤثر كثير من مثقفي الخليج الصمت على قول الحقيقة التي سرعان ما تتلاشى تحت ضربات الوشاة مراهنين على أن الزمن كفيل بإزالة الخلافات، فلماذا أكسب عداوة هذا الطرف أو ذاك، والقيادات في نهاية المطاف ستتصالح، طال الزمان أو قصر، فالَبَلدان مثلما يقول المثل البدوي: "الخشم والعين: لو لطم الخشم، دمعت العين".
لعل لقاء جدة الأسبوع الماضي يعكس شعور القيادتين بالمسؤولية تجاه ما يجري من حولهما من تطورات تدفع نحو تجاوز الخلافات والتعاون في مواجهة التحديات، خصوصاً مع تصاعد التصريحات الإيرانية التوسعية تجاه الجزر الإماراتية، بل ترديد الكلام الصدامي حول تبعية البحرين لإيران، واستمرار التوتر في المنطقة الذي طرفاه طهران والمجتمع الدولي حول البرنامج النووي الإيراني.