الحوار في فرنسا بين «البارد» والقاعدة!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
طلال سلمان
مع الترحيب بالمبادرة الفرنسية لإعادة الاطراف اللبنانيين إلى طاولة الحوار، ولو في البعيد، وعلى مستوى "الممثلين المعتمدين" بدلاً من القيادات العليا، فإن المناخ السائد في لبنان، هذه اللحظة، ونتيجة التطورات الأمنية ذات الأبعاد السياسية المتشابكة، والتي جسّم من خطورتها التقرير الأخير للجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري... كل ذلك يحتاج إلى ما يتجاوز الجهد الفرنسي للمساعدة في محاولة العثور على الحل السحري.
لقد ذهب المدعوون إلى الضاحية الباريسية الجميلة، سان كلو، مثقلين بهواجسهم الأمنية المرشحة لأن تزداد حدة، كانعكاس للأزمة السياسية الخانقة التي تعيش البلاد في ظلها نتيجة لاختلال السلطة، وهو اختلال يعكس نفسه عجزاً فاضحاً في مواجهة المخاطر المتعددة المصادر، والتي قد تكون ذروتها "الحرب" التي يخوضها الجيش وحيداً في مواجهة "فتح الإسلام" المتحصنة في مخيم نهر البارد، ولكن لها تشعبات أخرى لا تقل خطورة قد يكون أكثرها خطورة الاعتداء على دورية للجنود الاسبان الآتين إلينا في إطار قوات "اليونيفيل"، ولكنه لم يكن ولن يكون الوحيد...
ولعل ما أشار إليه رئيس لجنة التحقيق الدولية في تقريره الصادر أمس الأول يلخص مجمل المخاوف، لا سيما انه قال ما مفاده ان هذا الجو السائد في لبنان ينذر بمخاطر غير محدودة، مما قد يعطل عمل اللجنة، فضلاً عن تأثيراته المخيفة على اوضاع لبنان عموماً.
لقد باتت "القاعدة" في لبنان. لم يعد أحد يكابر في إنكار هذا الواقع، لا في بيروت ولا في عواصم "الدول" التي طالما حرّضت فمنعت التوافق الداخلي، ولو على قاعدة الحد الأدنى (حكومة الوحدة الوطنية)..
وإذا كان التغيير في قمة السلطة في فرنسا قد سمح بتعديل طيب في موقفها، يمكن اعتبار استضافة مؤتمر الحوار بين اللبنانيين عنواناً له، فإن الإدارة الأميركية لا تظهر استعداداً للتعديل، بل هي تستمر في تحريض، من يسمع لها لرفض الحوار والمشاركة ولو تهدم لبنان على رؤوس أبنائه.
إن الرئيس الفرنسي الجديد لا يملك تصوراً لحل، بل هو كاد يتسبب في فرط المؤتمر عشية انعقاده، بسبب من تكرار تصريحاته "الانتخابية"... لكن التدخل الفوري لوزير خارجيته الذي لم يعرف لبنان إلا في "حروبه" (ابتداء من النبعة ـ برج حمود ـ تل الزعتر في العام 1976 وحتى الحرب الإسرائيلية 2006)، أنقذ الموقف وإلا لكانت المبادرة الفرنسية ماتت في مهدها.
إن مخاوف اللبنانيين على دولتهم وعلى مستقبل أبنائهم في وطنهم تتعاظم، وخصوصاً أن الخلافات السياسية قد حرمت الجيش من "وحدة الموقف" التي لا تصنعها التصريحات والاعلانات التلفزيونية التي تكاد تقول له: "اذهب أنت وربك فقاتلا".. بينما
الكل يلقي بثقله فوق ظهر هذا الجيش الذي فرضت عليه "حرب" لم تكن في حسابه، ولم يكن مستعداً لها، وتبدى ان اعظم ما يعيقه أن "الدولة" أو ما تبقى منها تقبع فوق ظهره، بدل ان يكون هو سيفها.. مجرد سيفها.
إن المشكلة في بيروت. المشكلة في هذا الصراع الذي بات "دولياً" حول السلطة البتراء والعاجزة وأساساً بسبب النقص البنيوي فيها.
إن المشكلة في ان من تصدوا لإدارة السلطة منفردين قد أعماهم الغرض عن رؤية المخاطر، فحولوا شركاءهم إلى خصوم ثم إلى أعداء، في حين ان "الأعداء الفعليين" للجميع يدورون في أنحاء البلاد بالتفجيرات القاتلة والتي تصل إلى حد "الحرب" كما مع عصابة "فتح الإسلام" في مخيم نهر البارد.
وليس لهذه المشكلة، من أسف، حل في باريس، وإن كانت تقدر على المساعدة بأن تمنح السلطة البتراء منظاراً مكبراً لعلها ترى أنها قد اقتربت بالبلاد من حافة الكارثة... وأن "القاعدة" ومشتقاتها قد باتت في "الداخل" وليست مجرد احتمال!