قراءة في الخطة الإيرانية السورية في لبنان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
مايكل يونغ - الديلي ستار
ما يزال العديد من اللبنانيين، خاصة في معسكر الأغلبية، منشغلين بأمر المحكمة التي يجري التحضير لها لمحاكمة المشتبه في ضلوعهم في اغتيال الراحل رفيق الحريري. وتوحي استقالة سيرجي براميرتز من محكمة الجنايات الدولية لتكريس كل وقته للمحكمة الخاصة بقضية الحريري بأن ثمة شيئاً ما يتطلعون إليه من هذه المحاكمة. ومع ذلك، فإنهم يفقدون رؤية الصورة الأكبر، ذلك أن المحاكمة أصبحت أداة واحدة فحسب في أزمة أوسع بكثير لتقرير مستقبل لبنان والمشرق بعامة، في سياق صراع إقليمي على النفوذ، والذي يجري بين إيران وسورية وحليفيهما حزب الله وحماس من جهة، وبين كل أولئك الذين ينكرون عليهم المزايا التي يسعون إليها من جهة أخرى.
في الفترة الأخيرة، قال البعض إن حزب الله ينوي أن يصنع في لبنان، أو في جزء من لبنان، أو فيما يلي أحد التأويلات. إن الهدف هو إضعاف حكومة السنيورة، سواء عبر السيطرة على قراراتها أو عبر خلق حكومة موازية لها بواسطة سورية.
وفي هذا الإطار، فان دعوات المعارضة لتشكيل حكومة وحدة وطنية لا تحبذ الوحدة على الإطلاق، إذ ستدخل أحزاب المعارضة فقط مجلساً وزارياً تستطيع السيطرة عليه وإسقاطه. ونحن نعرف ذلك لأنها كانت قد رفضت صيغة 19-10-1 التي اقترحها رئيس الوزراء فؤاد السنيورة، والتي كان من شأنها أن تعطي لأحزاب المعارضة الوسائل لقطع الطريق على القرارات التي لا تعجبها. لكن إصرار المعارضة على تقسيمة 19-11 لا يكون صالحاً سوى لنسف أي حكومة من خلال استقالة 11 وزيراً من وزرائها. والهدف واضح: وهو تنصيب رئيس للبلاد متعاطف مع سورية.
إذا ما استمر رفض شروطها لتشكيل حكومة وحدة من قبل الأغلبية، فان المعارضة قد تشكل حكومة موازية، أو تهندس وضعاً يسمح للرئيس إميل
"ايران وسورية وحزب الله تهدف إلى إفراغ القرار 1701 من محتواه"
في جزء من لبنان، ما كانت حماس قد فعلته في غزة. وقد يكون الواقع أسوأ إن لم يكن أكثر غموضاً ومخاتلة. وتمكن قراءة التصريح الذي أدلى به نبيل قاووق من حزب الله مؤخراً على أنه بمثابة إخطار بأن الحزب قد يدافع عما اسماه "وحدة لبنان" بالقوة، وهو ما يمكن اعتباره اختزالاً لفكرة الانقلاب العسكري. إن تحذير قاووق من نشر مراقبين أجانب على الحدود اللبنانية السورية، ووصفه مثل هذا المشروع بأنه "إسرائيلي" وافتراضه المسبق بان لديه الحق بفرض "خط أحمر" جديد على الدولة، كل ذلك يشير إلى مزاج جديد تولد لدى حزب الله، وهو مزاج خطر.
يمكن تفسير موقف حزب الله بشكل مفهوم فقط في سياق قيام إيران وسورية بتنفيذ مشروع لاستعادة لبنان. وربما يكون الأكثر أهمية هو إجهاض إمكانية التدخل الدولي، خاصة الغربي، في المشرق. وبعد تحقيق الكسب في غزة، تمضي طهران ودمشق قدماً في جنوب لبنان.. ولعل هدفهما المشترك، بغض النظر عن اولوياتهما فيما يتعلق بمسائل أخرى، يبدو وانه يتمثل في إسقاط حكومة السنيورة، وإجهاض قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، وخلق وضع يقبل معه المجتمع الدولي عودة سورية إلى لبنان، وهو ما يعني في تبعاته، إحداث ثغرة في مسألة محكمة الحريري.
كيف يمكن لهذا المشروع أن ينفذ؟ فيما يلي أحد التأويلات. إن الهدف هو إضعاف حكومة السنيورة، سواء عبر السيطرة على قراراتها أو عبر خلق حكومة موازية لها بواسطة سورية. وفي هذا الإطار، فان دعوات المعارضة لتشكيل حكومة وحدة وطنية لا تحبذ الوحدة على الإطلاق، إذ ستدخل أحزاب المعارضة فقط مجلساً وزارياً تستطيع السيطرة عليه وإسقاطه. ونحن نعرف ذلك لأنها كانت قد رفضت صيغة 19-10-1 التي اقترحها رئيس الوزراء فؤاد السنيورة، والتي كان من شأنها أن تعطي لأحزاب المعارضة الوسائل لقطع الطريق على القرارات التي لا تعجبها. لكن إصرار المعارضة على تقسيمة 19-11 لا يكون صالحاً سوى لنسف أي حكومة من خلال استقالة 11 وزيراً من وزرائها. والهدف واضح: وهو تنصيب رئيس للبلاد متعاطف مع سورية.
إذا ما استمر رفض شروطها لتشكيل حكومة وحدة من قبل الأغلبية، فان المعارضة قد تشكل حكومة موازية، أو تهندس وضعاً يسمح للرئيس إميل لحود بالبقاء في قصر بعبدا. ولا شك في أن هناك مشكلات ستعتور الحكومة الثانية، ليس اقلها أن التمثيل السني فيها محكوم بأن يكون ضعيفاً وطفيلياً. وهو ما قد يخلق إحساسا إشكاليا بان حكومة السنيورة التي يهيمن عليها السنة تقف في مواجهة حكومة يسيطر عليها الشيعة، وتكون مؤيدة لسورية، وهو ما قد يفضي إلى آثار ارتدادية على الصعيد الإقليمي ضد حزب الله وإيران. كما هناك ايضاً حقيقة أن تكتل ميشيل عون ربما يشرع في التصدع إذا ما دخل الجنرال في حكومة.
فماذا سيكون الهدف من هذه الحكومة الثانية، فيما وراء خلق الفوضى في البلاد وممارسة مزيد من الضغط على حكومة السنيورة؟ ببساطة. تحييد فعالية الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل في الجنوب من خلال جعل أدوارهم في الدولة غير واضحة.. وقد رأي الكثيرون أن قتال مخيم نهر البارد ربما كان مجرد طور في سياق عملية ترمي لجعل الجيش اقل فعالية في جنوب لبنان، حيث كانت عدة وحدات من الجيش اللبناني قد سحبت من الجنوب في الأشهر الستة الماضية، أولاً للحيلولة دون اندلاع اشتباكات طائفية في بيروت بعد أن بنت المعارضة مدينة خيامها في وسط بيروت في كانون الأول-ديسمبر الماضي، ثم للانخراط في قتال الشمال. وقد أعطى ذلك لحزب الله مساحة أعرض للمناورة في منطقة أوسع، مفسحاً أيضاً مساحة أوسع لجماعات تعمل انطلاقاً من سورية. وحتى لو لم يكن حزب الله هو الذي أطلق صواريخ الكاتيوشا على مستوطنة كريات شمونة أخيرا، وربما يكون من فعل ذلك ميليشيات فلسطينية موالية لسورية، فانه كان بشكل شبه مؤكد على علم بالهجوم ولم يعارض شنه.
إن غاية إيران وسورية وحزب الله من وراء إعادة فتح جبهة شمالية ضد إسرائيل، بعيداً عن إعادة بعث حزب الله كقوة عسكرية (وهو أمر ضروري لبقائه الخاص)، هي إفراغ القرار 1701 من مضمونه. وسيكون من الأفضل مع ذلك، وإذا ما تواصلت هجمات الصواريخ عبد عبر الحدود، أن تشرع إسرائيل، لا حزب الله، في إلقاء الشكوك على فضائل قرار الأمم المتحدة المذكور.
لعل إصرار حزب الله الأخير على أن يعود المجلس الوزاري إلى بيانه السياسي للعام 2005 كشرط لإنهاء الأزمة الحكومية، إنما يظهر فقط نوايا الحزب الفعلية إزاء القرار 1701. حيث يدافع البيان السياسي المذكور عن الحق في المقاومة المسلحة على عكس قرار الأمم المتحدة الأخير.
أما بالنسبة لسورية وإيران، كما ولحزب الله، فان القرار 1701 يعتبر البوابة التي دخلت من خلالها المجموعة الدولية إلى لبنان بالقوة بعد القرار 1559 وموضوع محكمة قضية الحريري. وذلك هو السبب الذي يدفع بطهران ودمشق إلى جعل قوات اليونيفيل بلا حول، حتى مع وجود حمقى مفيدين في أوروبا ممن لا يزالون يعتقدون بأنه يمكن التوصل إلى تفاهم مع النظام السوري لحماية قوات الأمم المتحدة. ليست لسورية أي مصلحة في هذا لأنها اتخذت على الأرجح قراراً استراتيجياً مع إيران بإزالة أي اثر للنفوذ الدولي في لبنان -كما فعلت في غزة- بهدف إعادة بعث هيمنتها على البلد.
في هذا السياق، فإنه يمكن حتى لوجود حكومة غير شرعية موازية لحكومة فؤاد السنيورة أن يبرهن على أنه غير مفيد على المدى البعيد. انظر إلى ما فعله الاتحاد السوفياتي في بولندا خلال الحرب العالمية الثانية: لقد صنع ما يدعى لجنة لوبلين، التي كانت لها هالة اقل بكثير من الحكومة البولندية في المنفى، والتي كانت تتخذ من لندن مقراً لها. ومع ذلك، وعندما انقلب الميزان على الأرض في بولندا، فقد كانت دمى موسكو هي التي حظيت بالاعتراف بهم كقوة في وارسو.
ربما يكون السوريون والإيرانيون يفكرون على نفس هذا المنوال في لبنان، أي خلق حكومة موازية، وإنهاء فعالية اليونيفيل، في نفس الوقت الذي يجري فيه إجبار الجيش اللبناني على التعامل مع مكامن نيران أمنية من صنع سورية، وتقوم بعدئذ بالضغط بميزاتك ضد الاميركيين المنهكين والأوروبيين الرخوين والعرب الموهنين. ثم عندما تصبح المجموعة الدولية، بما فيها الدول العربية ضائعة فعلاً، اضرب مستخدماً حزب الله، ووجه انقلابك باتجاه وجهته المنطقية: سورية أيقونية جديدة في لبنان، مدعومة من إيران.
يمكن لمثل هذا المشروع الطموح أن يفشل كما كان حال العديد من المشاريع في لبنان. أما السؤال الحقيقي فهو ما إذا كان بامكان البلد أن يتجنب الوقوع في أتون حرب أهلية، وهل نسي أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله أن العديدين من المشيعين السنة قد هتفوا بشكل استفزازي خلال جنازة الوزير المغتال وليد عيدو مؤخراً "أميركا.. أميركا"..؟ وهل نسي الحزب أن حديثاً دار عن اندلاع حرب أهلية في أعقاب الاقتتال بين السنة والشيعة في طريق الجديدة في بيروت الغربية في كانون الثاني-يناير الماضي؟ إن هذه كلها اتجاهات طاردة للهدوء في وقت لا يملك فيه نصر الله إمكانيات لتحدي أوامر الزعيم الروحي الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية علي خامنئي -كما يذكرنا أعضاء الحزب باستمرار- وهو ما يقول فحسب إننا قد ندفع قريبا ثمن عدم انخداع قيادة إيرانية ذات معرفة قليلة جداً بطبيعة العلاقات اللبنانية الداخلية.
ثمة عدة إجراءات يمكن لها أن تحبط الخطط الإيرانية السورية. أولها: أن يصدر الجيش اللبناني بياناً يرفض فيه تشكيل حكومة موازية، ويقول فيه ايضاً انه لن يعود باستطاعته حماية لحّود عندما تنتهي ولايته، لأسباب دستورية. وليست هذه المهمة بالسهولة التي تبدو عليها لان ثمة ولاءات متضاربة في الجسم العسكري. ومع ذلك، فانه لم يسبق للجيش أن كان موحداً مثل ما هو عليه الآن، وهو ما يعود الفضل فيه لمخيم نهر البارد.. ولن يكون هناك أي شيء غير ملائم لقائد الجيش ميشيل سليمان مثل التحذير من أن تشكيل حكومة موازية أو حتى أي تمديد آخر للحود سيفضي إلى سوق لبنان نحو المجهول، وان القوات المسلحة ربما لن تقوى عندها على إدارة التبعات. مثل ذلك التصريح ربما لن يلجم سورية، لكنه قد يحمل الساسة اللبنانيين المتذبذبين على إعادة النظر في المشاركة في المخطط.
ثانياً: يجب على البطريرك الماروني مار نصر الله صفير أن يتخذ موقفاً أكثر حزماً إزاء المشاركة في حكومة موازية. ومع أنه كان قد أعلن أصلا معارضته لتحرك من هذا النوع، إلا أن الوقت قد حان الآن لتسمية الأشياء بأسمائها. إن ميشيل عون في موقف هش حالياً، وبينما يكون من اليائس توقع شيء من رجل يلعب الآن اللعبة السورية، فإن تحذيراً مباشراً يتوجه إلى الجنرال من بكركي، حتى ولو أغضب أساقفة عون، يمكن أن يعيق بشكل جدي تحضيراته لدخول مثل هذه الحكومة. ويمكن لصفير أن يردف ذلك بالنفوذ الذي يتمتع به لدى العديدين من البرلمانيين العونيين، ويمكن أن يلعب على تردد ميشيل المر في أن يقف معارضاً للرأي العام الماروني ولعائلة الجميل في منطقة المتن.
ثالثاً: إن على السعوديين والمصريين أن يبدوا مزيداً من الجسارة. ذلك أن إيران وسورية قد أهانتاهما من خلال وأد اتفاق مكة في غزة. فما الذي فعله العرب في المقابل؟ لا شيء تقريباً، ولو أن مصر قالت إنها ستقطع صلاتها بحماس ما لم تعد غزة إلى السلطة الفلسطينية. كما يشكل تمدد القوة الإيرانية تهديداً وجودياً للأنظمة في الرياض والقاهرة.. وتمس الحاجة في الغضون إلى بذل مزيد من الجهود لفرض إجماع يفضي إلى عزل إيران، ويضع سورية على الجانب الدفاعي. ويمتلك السعوديون طائفة من الوسائل التي يستطيعون استخدامها في لبنان، بما في ذلك مساعدة فتح مالياً في مخيمات اللاجئين، وإعطاء الجيش اللبناني تسليحاً أفضل، والعمل بنشاط أكبر في العالم العربي لإجهاض ولادة حكومة لبنانية موازية.
رابعاً: على الأمم المتحدة أن تتحمل تبعات تقاريرها الخاصة، والقائلة بأن سورية تقوم بإرسال الأسلحة عبر الحدود اللبنانية، في انتهاك مباشر للقرار 1701. وعلى بعض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي لها قوات في الجنوب اللبناني أن توقف السعي إلى عقد صفقات مع دمشق بهدف حماية قواتها الخاصة. فالذي يحدث اليوم يهدد قوات اليونيفيل عن بكرة أبيها. إن إيران وسورية لم تقبلا أبداً بالقرار 1701، وهكذا، فان الجهود الرامية لتقديم "حوافز" إلى سورية إنما تغفل حقيقة أن سورية تنوي، مع إيران إعادة كسب كامل الوعاء اللبناني متى ما تم تدجين القوات الدولية. وعلى الإيطاليين على وجه الخصوص أن يكونوا اقل ارتجافاً. ذلك أن وزير الخارجية ماسيمو دي-أليما لن يحصل من الرئيس السوري بشار الأسد على ما لم يستطع السعوديون والاميركيون الحصول عليه. وسواء أحبت الأمم المتحدة ذلك أم لا، فإنها تقف في مركز معركة إقليمية، ولا تستطيع قواتها تحمل أن تكون جبانة كما كان حالها في سريبرينشيا.
في الأشهر القادمة، ستكون المهمة هي إجهاض مغامرة سورية وإيران المتهورة، وتجنب الانجراف إلى شفير الوقوع في مذبحة طائفية في الوقت ذاته. وهو أمر يمكن إنجازه، ولكن فقط في حال أدرك الجميع طبيعة المخاطر المحدقة.