براون يتعلم من تجربة ساركوزي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
فيليب ستيفنز - الفايننشال تايمز
فرضت الحوادث وجودها على رئاسة غوردون براون للحكومة في المملكة المتحدة في وقت ربما يكون أبكر مما يأمله. وكانت حصيلة أيامه الأولى في 10 داوننغ ستريت تخصيص يوم بعينه لإطلاق بعض الأفكار الجديدة للإصلاح الدستوري، غير أن ذلك تأجل أسبوعاً عقب حوادث السيارات الملغومة في شوارع لندن وغلاسكو التي سرقت الزخم السياسي من اقتراحات رئيس الوزراء الجديد، والرامية إلى تعديل امتيازات الملكية.
رغم كل الأسباب التي ربما تدعو إلى رؤية الأمور على غير ذلك، فان رؤساء الوزارات يغدون بلا حول ولا قوة عند لحظات كهذه. إن بإمكانهم أن يقدموا التطمينات للشعب وأن يعدوا بالتصميم على إنهاء الخطر، وأن يوجهوا الدعوات إلى التزام الهدوء، كما أن باستطاعتهم ملء 10 داوننغ ستريت بمسؤولي الاستخبارات وبخبراء مكافحة الإرهاب بحيث يكسبون المديح على بطولتهم في تفعيل خدمات الطوارئ. أما ما وراء ذلك، وكما قال لي وزير داخلية سابق ذات مرة، فإن أفضل شيء يستطيع الساسة فعله هو الحفاظ على رباطة جأشهم وشد قبضاتهم.
إن السيد براون، رغم أنه يبدو من الغريب قول ذلك، هو رجل محظوظ: ذلك أن عدم انفجار القنابل في لندن، إلى جانب عدم وقوع إصابات في غلاسكو، قد أتاحا له وقتا للتفكير والتشاور حول كيفية التصدي للتهديد الجديد. ولو أفلح الجناة في التسبب بالمجزرة المبتغاة لكان قد تم دفعه بقوة للانجرار إلى أفعال متسرعة تحت ضغط المطالبة باتخاذ إجراء متشدد.
كما كان حالها، كانت الهجمات بمثابة تذكرة بكم هي مضللة تلك الاتهامات التي كثيراً ما تسمع بأن سياسة توني بلير الخارجية هي التي جعلت من بريطانيا هدفا للجهاديين. فقد ذهب السيد بلير، وغيّر السيد براون أصلاً من نغمة الخطاب حول العراق. لكن ذلك لم يجعل الإرهابيين يتغيرون أبداً، وإنما العكس تماما، حيث جاء تزامن هذه المخططات الأخيرة مع خلافة السيد براون بالكاد من قبيل الصدفة.
لقد أصاب رئيس الوزراء الجديد عندما قال إن التهديد الموجه إلى بريطانيا سيصبح مستداماً وسيكون طويل الأمد. اليوم، العراق هو الذريعة. وسيكون هناك شيء آخر في حال تمت استعادة السلام في ذلك البلد غدا، وانسحبت قوات الناتو بشكل متزامن من أفغانستان. ذلك أن موضوع الغرب وعلاقته مع المتشددين الإسلاميين يذهب فيما وراء أي نزاع أو مظلمة فردية.
وهكذا، وعندما يتحدث السيد براون - كما ينبغي له ويجب عليه- عن الحاجة إلى كسب القلوب والعقول في المواجهة مع الإسلاميين، فإن عليه الحذر حتى لا يخلط ذلك بإمكانية فقدان الأرضية على صعيد السياسة الخارجية؛ إذ لا يُعنى الجهاديون بالفارق الدقيق الذي أوحى به تعيين براون مؤخراً لمنتقد لحرب العراق في منصب وزير الخارجية، كما أنهم لن يعبأوا أيضا بالبرود الطفيف الذي طرأ على علاقات بريطانيا مع إدارة بوش في واشنطن، ولا يبدو أنهم سيقنعون بأقل من الاستسلام الكامل.
ومع ذلك، فإن السيد براون سيأمل في الوقت الراهن بأن يتيح له نجاح الشرطة في اعتقال عدة مفجرين مزعومين مجالاً للعودة إلى بحث موضوعات السياسة المحلية، حيث تمت إعادة جدولة بيانه حول الإصلاح الدستوري، وسيتبع ذلك في وقت لاحق جرد لواقع الخدمات الصحية الوطنية. وثمة الكثير من التصريحات السياسة التي تحتاج إلى الإيضاح في شبكة رئاسة الوزراء المتصالبة والمشتبكة.
تبدو الاستراتيجية السياسية واضحة المعالم: فقد تم مسح آثار عقد بلير بلطف من لوحة التاريخ. وسيستمر السيد بروان عموماً، غير متنصل من المسؤولية، بالوقوف على أرضية الوسط السياسي التي حددها السيد بلير- ولو أنه سيجنج إلى الجانب بهدوء. وتماما مثلما خاض نيكولا ساركوزي بنجاح سباق الرئاسة الفرنسية ضد إدارة لطالما كان عضوا مرموقا فيها، فإن السيد براون يريد أن يرمي وراء ظهره السنوات العشر الماضية. وسيعتمد نجاحه بنفس القدر على جهود المعارضة من المحافظين، كما وعلى جهوده الخاصة لتقديم نفسه للناخبين بوصفه أكثر عامل معقول لإحداث التغيير السياسي. وقد دأب ديفيد كاميرون طيلة السنتين الماضيتين على جر حزبه إلى الاتجاه السياسي السائد، وأفلح في تحقيق نجاح كبير بهذا الصدد.
لقد بدأ المحافظون في الظهور كحزب يشارك، بدل أن يزدري، ببحث الاهتمامات اليومية للناخبين. وقد ركز السيد كاميرون طاقاته، انطلاقا من وازع الضمير الذاتي، على موضوعات مثل التعليم والخدمات الصحية والانهيار الاجتماعي والبيئة. وهو ما يزال يكافأ على ذلك بصعود ثابت في شعبيته وفق استطلاعات الرأي العام الأخيرة.
ومع ذلك، أظهر حزبه مؤخراً علامات على نفاد صبره بنفس القدر الذي أبداه الاشتراكيون الفرنسيون خلال السباق إلى الرئاسة مع ساركوزي. وفي الغضون، يواجه السيد كاميرون دعوات من اليمين داخل حزبه للعودة إلى أرضية سياسية تبدو مألوفة أكثر: مثل خفض الضرائب ومحاربة الجريمة ووضع قيود على الهجرة والتحفظ على الأوروبة. وقد بدا الزعيم نفسه أكثر من مرة وكأنه لا يحكم سيطرته على الحزب بالكامل.
في الأثناء لا تبدو النذر مشجعة. ذلك أن كلا من أسلاف كاميرون الثلاثة منذ عام 1997 قد استهلوا زعامتهم للحزب بالتعهد باستعادة ولاء الوسط في بريطانيا، لكنهم أذعنوا لاحقا لضغوط يمين المحافظين. ولتأمين أي فرصة بإزاحة السيد براون، فإن على السيد كاميرون أن يزيل مخلفات ذلك الاتجاه. ويعني الإقدام على غير ذلك أن يمنى بهزيمة مؤكدة.
للحظة، تبدو استطلاعات الرأي العام وأنها تعاضد السيد براون، إذ انه انتقل على جناح السرعة إلى إرساء دعائم سيطرته وقيادته لآلية عمل الحكومة. وقد عززت عملية تعيينه لمجلس وزاري يضم وجوها جديدة في الحال انطباع التغيير، وضمنت لرئيس الوزراء الجديد سلطة مطلقة. أما الأشياء العصية على التنبؤ، وكما تؤكد الحوادث الأخيرة، فإن بإمكانها أن تقلب رأساً على عقب حتى أفضل الخطط إعداداً. ومع ذلك، ليس على السيد كاميرون أن يعول كثيراً على الحوادث غير المتوقعة.