جريدة الجرائد

إدارة بوش بين الضربة الايرانية و «الخريف» الفلسطيني

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

راغدة درغام

نيويورك

تحيك الإدارة الأميركية سياسات متوازية نحو العراق وفلسطين ولبنان في الوقت الذي تزداد فيه كثافة المؤشرات على ضربة جوية قاسية ومؤذية ضد مواقع حيوية في ايران يرافقها إنذار قاطع لسورية يغيّر نوعياً المعادلات والتوازنات الموجودة حالياً. المطلعون على تفكير كبار أقطاب الإدارة الأميركية يقولون إن القرار قد اتُخذ بمنع ايران من امتلاك السلاح النووي منعاً باتاً وبأي وسيلة كانت. يقولون إن الغارة الاسرائيلية على مواقع سورية دمرت منشآت أسلحة متطورة يدخل جزء منها في خانة الأسلحة المحظورة وأن هذه الغارة شكلت منعطفاً مهماً في العلاقة الاسرائيلية - السورية. ما زال هناك في القيادتين الأميركية والاسرائيلية من يعتقد بأن تلك الغارة ستساعد في سلخ سورية عن ايران، وأن فصل دمشق عن طهران ما زال هدفاً يمكن تحقيقه. انما هناك ايضاً من يشير الى عمق العلاقة الايرانية - السورية في مجال الصواريخ المتوجهة الى "حزب الله" في لبنان، ويقول إن المعطيات الجديدة ذات العلاقة بتطوير أسلحة محظورة بمساعدة من كوريا الشمالية أدخلت سورية في خانة التهديد الاستراتيجي لاسرائيل، فانتقلت العلاقة من التهادنية الى مرتبة جديدة.

ما تحرص عليه إدارة جورج دبليو بوش في هذا المنعطف هو إعادة صوغ وتنظيم الوجود الأميركي في العراق والعلاقة الأميركية - العراقية الثنائية التي تتحرر من القيود الدولية الناتجة عن قرارات لمجلس الأمن بموجب الفصل السابع من الميثاق. تريد لمؤتمر الخريف الذي تعده أن يطلق قطاراً جديداً في العلاقة الفلسطينية - الاسرائيلية يؤدي الى محطة جديدة في علاقة العرب بالإدارة الأميركية. وتعتزم هذه الإدارة حشد المواقف الدولية والاقليمية للتصدي لجهود منع الانتخابات الرئاسية في لبنان إما عبر تعطيل العملية الدستورية أو عبر اغتيالات تقتل ايضاً الأكثرية في البرلمان. ما يجب على الإدارة الأميركية أن تتنبه له هو ضرورة عدم استخدام أي من هذه الأهداف كمجرد غطاء لما تعتزم أن تفعله في ايران. هذه قضايا مهمة بحد ذاتها وتستحق العمل الدؤوب. "مؤتمر الخريف" الذي سيركز على إنشاء الدولة الفلسطينية سينتج نتائج عكسية وخطيرة إذا كان لقاء سطحياً أو اجتماعاً تجميلياً خالياً من الفحوى. لبنان مفتوح على الانفجار بقرار ايراني مسبق أو عبر ضربات انتقام استباقية، ولذلك فإنه لا يتحمل الاستخدام في مغامرات. العراق ما زال الساحة المفتوحة الأفق على المفاجآت المؤلمة له وللقوات الأميركية، ولذلك يجب التحسب للحذاقة كما للحنكة الانتقامية الايرانية.

مطلعون على ما في ذهن القيادة الأميركية يقولون ان المواجهة مع ايران باتت "حتمية" وأن القرار شق طريقه الى التنفيذ وبدأ الإعداد له عسكرياً ونفسياً وشعبياً وإعلامياً وقد وصل نقطة لا عودة عنها. يقولون إن الفترة الزمنية ضيقة وتفرض تنفيذ المواجهة العسكرية في غضون شهور قليلة. أحد هؤلاء المطلعين تحدث عن شهر آذار (مارس) كتاريخ منطقي يعطي الديبلوماسية المهلة ويعطي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي يترأسها محمد البرادعي الفرصة. ويشير هؤلاء الى عنصر الانتخابات في ايران كجزء من العناصر التي تؤخذ في الحساب.

الذين نقلوا عن المسؤولين الأميركيين ما في ذهنهم قالوا إن هؤلاء اتخذوا القرار: لن نسمح لايران أبداً واطلاقاً بامتلاك القدرة النووية العسكرية. وأشاروا الى العلاقة القوية جداً بين الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وتوافق آرائهما وآراء معظم الدول الأوروبية على ضرورة منع ايران من امتلاك السلاح النووي. أشاروا ايضاً الى الاساطيل الثلاثة زائداً التحشدات في دول الخليج على مستوى الخبراء العسكريين زائداً التحرك داخل العراق لاستهداف ايران بضباطها وغير ذلك من اتهامات تصب في خانة استهداف ايران القوات الاميركية. قالوا إن هذا التصعيد في العراق ضد الايرانيين يعني أن المواجهة آتية.

هذه المواجهة ليست أرضية وانما ستكون حسب العارفين، صاروخية. صاروخية ليس بمعنى غارة هنا وهناك وانما ستكون إمطاراً صاروخياً على المنشآت الحيوية ومحطات الوقود والكهرباء الى جانب أهداف محددة ذات علاقة بالمؤسسة النووية.

أحد المراقبين أشار الى أن بوش لم يتطرق أثناء مخاطبته الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثلثاء الى المسألة النووية الايرانية، لا من قريب ولا من بعيد. هذا المراقب الذي له تجربة في فهم السيكولوجية الأميركية أثناء العد العكسي للمواجهة العسكرية في العراق وصف تعالي بوش عن ذكر الرئيس الايراني احمدي نجاد أو ذكر الأزمة النووية بأنه "مؤشر على أن المواجهة وشيكة". متى؟ العام 2008 هو العام المرجح.

بين المؤشرات الأخرى على جدية امكانية المواجهة تأتي هذه الأيام من الايرانيين أنفسهم. يقول أحد المقربين والمطلعين على التفكير الايراني: إنهم قلقون وخائفون. يتظاهرون بالقوة بالصواريخ والسلاح الجديد، لكنهم في العمق قلقون وقلقون جداً. انهم خائفون من عدم تمكنهم من السيطرة على الوضع الأمني ولا على وضع الأقليات داخل ايران، بلوشيين كانوا أو عرباً.

بالطبع، يدرك المسؤولون الأميركيون أن أمام ايران خيارات تمتد من استخدام "حزب الله" في لبنان ضد اسرائيل، الى اطلاق ايدي "حماس". لديها أصابع في الدول الخليجية كما في الخليج نفسه. وبالطبع العراق ساحة مفتوحة لها. استراتيجياً يحسبون حساب ردود الفعل بالذات في العراق والخليج ولبنان.

انما "لجم" ايران يبدو الخيار الذي وقعت عليه الاستراتيجية الأميركية. لجمها بتوجيه ضربة مدمرة. لجمها عبر تكرار نموذج سلوبودان ميلوشوفيتش، حسب تعبير أحد الخبراء. وما يساعد جداً في تهيئة الرأي العام الأميركي وإقناعه بالموافقة على عملية عسكرية ضد مواقع ايرانية هو الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد. "انه الهدية التي لا تتوقف عن العطاء". هكذا وصفته وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس في إحدى اجتماعاتها المغلقة في نيويورك في أعقاب زيارة صاخبة للرئيس الثوري الى نيويورك للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة. فشخصيته تجعل منه النموذج المؤهل لضرورة ردعه وردع ايران عن امتلاك الأسلحة النووية. وهو لا يتوقف عن تقديم المبررات بتجاوزاته البهلوانية. انما في نهاية المطاف، إن قرار رفض تنفيذ المطالب الدولية والموافقة على "تعليق" تخصيب اليورانيوم كما طالب مجلس الأمن بالاجماع ليس قرار محمود أحمدي نجاد وحده. انه قرار النظام الايراني أجمع، بشقيه المدني والعسكري.

لذلك، ليس محسوماً بصورة قاطعة ان تكون المواجهة العسكرية حتمية إذا ما قررت المؤسسة الحاكمة في ايران الاستغناء عن أحمدي نجاد الذي "يفضح" ما في ذهنها ويخلع عنها ابتسامة التظاهر والتحايل لسحب المبررات. انه الوجه الحقيقي للنظام وقد يقرر النظام أن الاطاحة بمحمود أحمدي نجاد ضرورية إذا ما استنتج أن الإدارة الأميركية عازمة على إيقاف ايران عن طموحاتها النووية، عسكرياً. فالعلاقة الأساسية بين واشنطن وطهران، على رغم التوترات فيها، ليست من خامة العداء بين البلدين، والعلاقة بين ايران واسرائيل لطالما تميزت، في صميمها، بالتهادنية. وقد يقرر "حكماء" النظام الايراني أو السياسيون "المخضرمون" فيه خلع ذلك الوجه المبتسم بسخرية وتحد عن نظام الملالي الذي تباهى بإخفاء ألوانه الحقيقية وراء العباءات ونفذ المقولة الايرانية القائمة على شق جرح عميق بمجرد قطن أبيض.

أما إذا استمر محمود احمدي نجاد في مسيرته ولم يُلجم ايرانياً، فإنه يشق طريقه ليأخذ مكان الرئيس العراقي السابق صدام حسين، كصورة وكهدف وكمصير. فلقد بات مؤهلاً لدب الرعب في الرأي العام العالمي من شخصيته وتأبطه ايران نحو امتلاك الأسلحة النووية وهو يضرب المطالب الدولية بعرض الحائط. انه اليوم فتى الملصق poster boy الجاهز لتبرير المواجهة العسكرية.

أقطاب الادارة الأميركية الذين يصرون على الخيار العسكري يجدون فيه ايضاً رسالة مهمة لدمشق. يريدون للضربة على ايران أن تشكل اما ضغطاً على سورية للانفصال عن طهران أو ردعاً لها لتكف عن مسارها وتفهم التحذير بأنها ليست فوق المحاسبة. بعضهم ما زال مقتنعاً بفكرة إحداث الانفصال. وبعضهم يقول ان سورية ستخاف وتخاف جداً وترتدع. انما هناك من يحسب حسابات الانتقام وبدأ الإعداد لها.

الرئيس السوري بشار الأسد، حدّث شخصية سياسية كبيرة زارته أخيراً عن العلاقة القطرية - الاسرائيلية التي لا تخفيها قطر بل ان قياداتها تبرز تلك العلاقة المميزة في المحافل الدولية المغلقة وتعتبرها الوحيدة والفريدة مع أي دولة عربية. سأل الرئيس السوري تلك الشخصية عن أحوال العلاقة التجارية والسياسية بين قطر واسرائيل ليطمئن عليها وبصورة توحي برغبة بمثلها. قطر لعبت دوراً في إنشاء قناة خلفية بين سورية واسرائيل، وما زالت. وهي تعتبر نفسها "حاذقة" في التلاعب على التحالفات بينها وبين اسرائيل والولايات المتحدة من جهة وبينها وبين محور ايران - سورية - "حزب الله" - "حماس" من جهة أخرى. انها تقدم النصائح الى القيادة السورية وتنقل اليها الانطباعات والرسائل من اسرائيل ومن أقطاب اميركيين. وكثير من القرارات السورية يأخذ مؤشره من الرادار والبوصلة القطرية.

أحياناً عدة تخرج الحسابات من الأيادي القطرية وكذلك الاسرائيلية وبالذات في المسألة اللبنانية. فهذا الاسبوع، مثلاً، انطلقت دول عربية مهمة نحو شراكة عربية - دولية في إسال رسائل الى كل من يعنيه الأمر في الاغتيالات السياسية الرامية الى قتل الأكثرية النيابية لمنع الانتخابات الرئاسية في لبنان. المملكة العربية السعودية ومصر والأردن ودول خليجية رئيسية اتخذت مواقف قوية وعلنية فحواها: كفى. لا غطاء عربياً على أي دولة أو أطراف تعتقد بأن الاغتيالات ستمر بلا محاسبة عربية.

النصيحة التي تتلقاها سورية الآن من شقيقتها قطر هي نصيحة الغياب عن "لقاء الخريف" الذي دعا إليه الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش ليركز على المسار الفلسطيني - الاسرائيلي من النزاع. الادارة الاميركية ستوجه الدعوات الى سورية وقطر بصفتهما عضوين في لجنة متابعة المبادرة العربية للسلام.

قطر بعثت ورقة نعي مسبقة لمؤتمر الخريف وهي تقول على أعلى المستويات إن علاقتها الثنائية مع اسرائيل تضعها في موقف مميز ولا حاجة بها لحضور تجمع عربي للدفع الى الأمام بسلام فلسطيني - اسرائيلي. تقول إن على الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن يتوجه الى "حماس" لمصالحتها كشرط مسبق لأن المشكلة، في رأيها، ليست بين الاسرائيليين والفلسطينيين وانما هي مشكلة نزاعات داخلية في ما بين الفلسطينيين أنفسهم.

بهذه المواقف، تسعى قطر وراء تحجيم القضية الفلسطينية واختزال العنصر الاسرائيلي منها. تدعم "حماس" وتقلل من شأن وصلاحية رئيس السلطة الفلسطينية لأنه "يرفض" أن "يلبي" طلب قطر بالتحدث مع "حماس" الآن كشرط مسبق قبل محادثاته مع اسرائيل للاتفاق على أسس حل النزاع بالتفاوض. بهذه المواقف، يقطع حليف الإدارة الاميركية الذي يستضيف أكبر قاعدة عسكرية للولايات المتحدة في المنطقة، يقطع الطريق على الرئيس الأميركي الذي دعا الى هذا المؤتمر. بهذه المواقف، تقدم قطر هدية ثمينة لاسرائيل تتمثل بإنقاذها من أي ضغوط اميركية للتقدم بالتزامات زمنية وجوهرية حول شكل ومقومات وفحوى وشروط إنهاء الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية وغزة.

ذلك اللقاء أو المؤتمر أو الاجتماع الذي تعد له وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس بأمل انعقاده في الاسبوع الأخير من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) هو مؤتمر يهدف الى تجنب الانهيار التام في الساحة الفلسطينية.

لا مانع أبداً، بل من الضروري جداً، الاصرار على بوش ورايس ألا يكون المؤتمر عبارة عن "ادارة توقعات" ومجرد زفة عابرة للعروس الفلسطينية على العريس الاسرائيلي فيما هما في عداء. ضروري أن تتمسك الأطراف العربية بالاصرار على جداول زمنية للالتزامات الاسرائيلية بخطوات قيام الدولة الفلسطينية. أما وان تشترط دولة عربية حواراً مسبقاً بين السلطة الفلسطينية و "حماس" التي شنت انقلاباً على السلطة، فإن في ذلك خدمة للتملص الاسرائيلي من استحقاقات هذا اللقاء الذي دعا اليه الرئيس الأميركي، وفيه ذرائع مسبقة تقدمها لاسرائيل على حساب الفلسطينيين كافة. فقطر وسورية و "حماس" واسرائيل والجميع يدرك استحالة خيار الدولتين اذا كانت "حماس" جزءاً من المفاوضات. فهي، سياسة وايديولوجية ومساراً وقراراً، ضد هذا الخيار. فإذا كانت اسرائيل حقاً وصدقاً مع خيار الدولتين، يجب أن تلتزم بجداول زمنية، ويجب على ادارة بوش أن تضمن ذلك الالتزام قبل لقاء الخريف. والا الأفضل من دونه.

فإسقاط المؤتمر وفشله يحمل في طياته قتل السلطة الفلسطينية وتدمير رؤية الدولتين. لن يتم في اللقاء تتويج اتفاقيات توضح معالم الدولة الفلسطينية، انما في الامكان جعله بداية جدية لإنجاز حقيقي يتناول القضية المحورية - وهي انهاء الاحتلال الاسرائيلي - في وثيقة رسمية ويبدأ العد العكسي الى تنفيذ الالتزامات. يمكن للقاء الخريف أن يجعل من الربيع موعداً لمؤتمر يقوّم ما أنجزته المفاوضات الثنائية الفلسطينية - الاسرائيلية، بأمل تتويجها باتفاقيات.

فإذا غامرت الادارة الأميركية بلقاء فاشل حو المسألة المحورية، أي فلسطين، في الوقت الذي تعد فيه لضربة عسكرية على ايران، فإنها بذلك تغامر بإطلاق نقمة عليها من العالم الاسلامي. أما إذا حرصت على ابلاغ جميع المعنيين، وبالذات حليفها الاسرائيلي بالذات وصديقتها قطر وعبرها سورية، ان المصلحة الوطنية الاميركية تقتضي تحولاً نوعياً في التعاطي مع فلسطين، فإنها ستتجنب بذلك تكرار أحد الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها في حرب العراق.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف