جريدة الجرائد

رغم جهود ناشطي الإصلاح.. ديات بملايين الريالات ترهق كاهل أسر الجناة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

العبيكان لـ"الشرق الأوسط": المبالغة بالتعويض تقاليد سلبية لا علاقة لها بالدين

الرياض - عبد الإله الخليفي

لم تيأس مسنةٌ سعودية أرملة، من انتظار إطلاق سراح نجلها المسجون على خلفية تورطه في قضية "قتل" ارتكبها قبل 6 أعوام، إثر خلاف نشب بينه وبين شاب آخر، ولكنها شعرت هي وبناتها بالعجز الشديد، أمام تأمين 12 مليون ريال، وهو المبلغ الذي طالبت به أسرة القتيل للتنازل عن حد "القصاص" الصادر بحق "القاتل" العائل لوالدته وشقيقاته، فيما قد ينفذ الحكم في غضون الأشهر القادمة ما لم يتقدم ذوو المجني عليه بالتنازل عن التنفيذ.

"قضايا القصاص" والتنازلات، أحداثٌ ليست جديدة وتتداولها وسائل الإعلام من وقت لآخر، ولكن بالرغم من جهود الحكومة والناشطين في مجال الإصلاح الأسري والاجتماعي، حيال قضايا القتل التي تقع بين أفراد في البلاد ما زالت ثمة إشكالات تبرز في السعودية وتحيط بقضايا "القصاص" وتتركز حول مبدأ التنازل وقضايا الديات.

ونشرت صحيفة سعودية الأسبوع المنصرم آمال شابٍ قتل "آخر" ولكنه يأمل ويتطلع إلى "العفو" ويتمنى العودة إلى حضن والدته وهي العاجزة عن تأمين ملايين الريالات لإطلاق سراحه من السجن، إلا أن آراء شرعية تذهب إلى أن أمر المطالبة بالمبلغ يقع ضمن دائرة الحقوق الممكنة لذوي المجني عليه.

وتقوم لجانٌ حكومية في السعودية تسمى "إصلاح ذات البين" تضم مسؤولين ومشايخ وباحثين ومتخصصين في الأسرة والمجتمع بالنظر في قضايا القصاص من جانب إصلاحي، ومحاولة الإصلاح بين المتخاصمين وردم فجوة الخلاف بينهم، وسجلت نجاحات كبيرة في هذا الجانب. وكان دعاة سعوديون قد طالبوا في مارس (آذار) الماضي بضرورة وضع حد لقيم الدية التي يدفعها ذوو القاتل إلى ورثة المقتول بهدف اعتاق رقبة قريبهم من حكم القصاص، مستندين في مطالبهم الى التضخم الكبير في قيم الديات خلال الفترة الماضية. حيث شهدت السعودية خلال الأعوام الماضية، ارتفاعا في قيم الديات التي تشترطها عائلات المقتولين، لامست بعضها الـ 10 ملايين ريال.

ورغم كونها "حقاً" من حقوق ذوي المجني عليه، إلا أن عدداً من مبالغ "الديات" الباهظة تعمل على وضع أسر وعائلات على خط "الفقر" بسبب الديون والسؤال ومحاولة جمع الأموال من هنا وهناك، إلى جانب ما يصيب بعض أفراد الأسرة من الأمراض والآلام النفسية التي يتخللها زمن محاولة جمع الأموال والتطلع إلى عفو أو مبادرة بالصفح.

وحول رأيه عن المبالغة في المطالبة بـ "الديات" وبمبالغ طائلة، أوضح لـ "الشرق الأوسط" الشيخ الدكتور عبد المحسن العبيكان بأن الحق المعطى لذوي المجني عليه بالمطالبة في مبلغ الدية يحتل موقعاً ما بين "العفو" كفضل، وإقامة حد القصاص كـ "عدل"، ولكنه قال: "نذكر الناس بأن العفو أفضل من منطلق: (وإن تعفوا أقرب للتقوى..)".

وذهب العبيكان إلى أن المبالغة في مبالغ "الدية" التي تحصل في المجتمع السعودي ليست ناتجة عن "الطمع" المادي، مؤكداً بأن الظاهرة لها علاقة بعاداتٍ وتقاليد ليست من الدين الإسلامي في شيء، مشيراً إلى أن المبالغة في طلب الدية والتنازل المشروط بمبالغ كبرى، يرتبط بتقاليد اجتماعية لا علاقة لها بالدين. وسبق للداعية السعودي الدكتور عائض القرني أن طرح رأيه حول الديات إذ قال: "إن الدية مقدرة ومحددة بحسب حال العصر الذي يعيش فيه القاتل والمقتول، ولكن في الآونة الأخيرة انفتحت شهية بعض أهل الدم على المال حتى أصبح الأمر كالمتاجرة، وهو أمر لا تحبذه الشريعة ولا يبشر بالخير".

وكانت السعودية قد شهدت في فبراير (شباط) 2004 صدور أمر سامٍ يحث على العفو والصلح بشأن انتشار ظاهرة المطالبة بمبالغ باهظة لقاء التنازل عن القصاص استناداً لما ورد في القرآن والسنة، وفضل اعتاق "رقبة".

والأمر السامي الذي جاء وسط ما كان يحصل من أحاديث شهدتها أنحاء من البلاد من مطالبات بديات بملايين الريالات، كان قد حمّل في بيان أرفق به،مسؤولية الدعوة والتوجيه والتعليم والإرشاد إلى حملة العلم، بتناول هذه القضية بالبيان والإيضاح لملابساتها وسلبياتها وآثارها وأن يكون لهم دور فاعل في التقليل من لوثاتها ومفاسدها، كما تحدث البيان عن أن "على أمراء المناطق ووجهاء المجتمع وشيوخ القبائل وأهل الكلمة النافذة واجب كبير في كبح جماح من تحت أيديهم عن الاستطالة في هذا الأمر وكفهم وأخذهم إلى الاعتدال وترك المبالغة".

واستحسن البيان، بحسب وكالة الأنباء السعودية، مبدأ السعي إلى درء القصاص في الدماء بين الناس واللجوء إلى بديل من المال يصطلح عليه المتخاصمون لتعتق نفس الجاني ويضمن أولياء المجني عليه حقهم بمال يستفيدون منه في استرضاء النفوس وسد خلة الحاجة، إلا أنه أشار إلى أن هذه الظاهرة "الطيبة" التي دلت بواقع عملي على سمو النفوس وشيوع المحبة "كدر صفوها" قيام بعض ضعاف النفوس بالمبالغة غير المعقولة في طلب مبالغ باهظة وأموال طائلة يدفعها الجاني وأولياؤه مقابل تنازلهم عن القصاص وعفوهم عنه "حتى بلغ الأمر حداً لا يمكن قبوله". وذكر بأن ثمة تفاخراً وتسابق برز في ذلك المشهد وأدى إلى استذلال ذوي الجاني وعصبته وأرهقهم وأقلقهم وأوقعهم في باب الاستجداء والمسألة رجاء اعتاق صاحبهم، وكان من تراكم المبالغ الباهظة المطلوبة منهم لأولياء المجني عليه تجرع كأس المرارة والمسألة والكلفة واستجماع القوم سعاتهم وذوي المكانة فيهم ليطوفوا بأبواب الوجهاء والتجار وأهل الجدة والمعروف ليمدوا لهم يد العون والمساعدة والإحسان.

وشرح أن الشريعة قررت في أحكامها القواطع "القصاص" في القتلى إلا أنه ذكر أنه مع إقرار الشريعة لهذا الحكم "العظيم" وما فيه من المصالح فقد حضت على العفو والإحسان فيه ونبهت إلى فضيلة ذلك وعظيم منزلته داعية أهل المعروف والجود والإحسان إلى المسارعة إليه والمسابقة في الحث عليه والبذل والإعانة في تحقيقه واشاعته لترتقي النفوس من مقام الاقتصاص ومجازاة السيئة بمثلها إلى منزلة أعلى وأكمل في الصفح والعفو والتجاوز. وخلص البيان إلى القول: "إن الشريعة الغراء قد كفلت كرامة الإنسان وحفظت قيمته وصانت حقوقه ونأت به من مقامات الذل والمسكنة كما أنها حددت الدية بحد معروف ولم تتركها بدون تقدير، لمراعاة وضع حد لاستطراد الناس في المغالاة في ضماناتها واستثمارهم ذلك للمزايدة والتنافس والمبالغة للحصول على أكبر قدر من المال وانتقالهم من مقام العفو والإحسان إلى المساومة والابتزاز والاثراء الفاحش على حساب كرامة الآخرين وصدقات المحسنين".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف