جريدة الجرائد

من الصراع الإيديولوجي إلي دوائر المجال الحيوي‏!‏

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

السيد يسين

الحرب الباردة التي بدأت مباشرة عقب نهاية الحرب العالمية الثانية عامrlm;1945rlm; بين الحلفاء الذين نجحوا في هزيمة دول المحورrlm;(rlm; ألمانيا وإيطاليا واليابانrlm;),rlm; كان محورها الأساسي الصراع الأيديولوجي بين الرأسمالية ممثلة أساسا في الولايات المتحدة الأمريكيةrlm;,rlm; والشيوعية ورمزها البارز الاتحاد السوفيتيrlm;.rlm; ومعني ذلك أن الحلفاء في فترة الحرب العالمية الثانية انقلبوا ضد بعضهم البعض بعد نهاية الحربrlm;,rlm; خوفا من ظاهرة الغزو الإيديولوجي الشيوعي من ناحيةrlm;,rlm; والرأسمالي من ناحية أخريrlm;.rlm;

لقد أسقطت الهزيمة التي لحقت بألمانيا النازية نظرية المجال الحيوي التي تبناها هتلرrlm;,rlm; والتي كان مفادها أن لألمانيا مجالا حيويا لابد لها أن تسيطر عليه إن لم يكن بممارسة النفوذ السياسي فبالغزو المسلح للأقاليم والدول التي اعتبرتها ألمانيا مجالها الحيويrlm;.rlm;

وتبدو خطورة هذه النظرية في أن تعريف المجال الحيوي لقوة عظمي محددة يعتمد علي إدراك النخبة السياسية الحاكمة لحدود هذا المجالrlm;,rlm; وقد تؤدي الأطماع الاستعمارية إلي توسيع هذا المجال من خلال غزو أقطار مجاورةrlm;,rlm; وضمها إلي أراضي القوة العظميrlm;.rlm;

وقد أدت الهزيمة الساحقة التي لحقت بألمانيا النازية إلي خفوت صوت أنصار نظرية المجال الحيويrlm;,rlm; والتي هي من الأفكار الأساسية لعلم الجغرافيا السياسية التقليديrlm;.rlm;

وإذا طبقنا منهجيات علم اجتماع المعرفة لعرفنا أن انصراف اهتمام علماء السياسة بالجغرافيا السياسية مرده إلي سقوط نظرية المجال الحيوي في سياق هزيمة ألمانيا النازيةrlm;.rlm; غير أن الولايات المتحدة الأمريكية التي خرجت هي وحلفاؤها منتصرة في الحرب العالمية الثانيةrlm;,rlm; ابتدعت نظرية جديدة هي مذهبrlm;'rlm; الاحتواءrlm;'Containmentrlm; الذي صاغه الدبلوماسي الأمريكيrlm;'rlm; جورج كينانrlm;'rlm; باعتباره سياسة وقائية ضد احتمالات الغزو الشيوعي الإيديولوجي السوفيتيrlm;.rlm; وذلك لأن الاتحاد السوفيتي وإن لم يرفع راية المجال الحيويrlm;,rlm; كانت سياسته تقوم علي تصدير الثورة البلشفية إلي مختلف بلاد العالمrlm;,rlm; ومحاصرة الرأسمالية في معاقلها التقليديةrlm;.rlm; ويشهد علي نجاح هذه السياسة النظم الماركسية التي قامت في أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا وحتي في العالم العربيrlm;,rlm; مطبقة عديدا من الأفكار السياسية والاقتصادية التي قام علي أساسها الاتحاد السوفيتيrlm;.rlm; وقد أدت سياسة الاحتواء الأمريكية إلي اشتعال حرب باردة فكرية عنيفة بين دعاة الشيوعية وأنصار الرأسماليةrlm;.rlm;

وكانت النهاية الدرامية للاتحاد السوفيتي بانهياره حوالي عامrlm;1990rlm; وتفكك دول أوروبا الشرقية التابعة لهrlm;,rlm; إيذانا بنهاية حقبة الصراع الإيديولوجي بين الشيوعية والرأسماليةrlm;,rlm; وهي التي دشنها فكريا المفكر الأمريكي الياباني الأصلrlm;'rlm; فوكوياماrlm;'rlm; بكتابه الشهيرrlm;'rlm; نهاية التاريخrlm;'.rlm;

انتهي الصراع الإيديولوجي إذنrlm;,rlm; غير أننا شهدنا كباحثين في العلم الاجتماعي عدة ظواهر مترابطة تحتاج إلي تفسيرrlm;.rlm;

أولي هذه الظواهر بروز نظرية صراع الحضارات التي روج لها صمويل هنتنجتونrlm;,rlm; والتي زعم فيها أن القرن العشرين سيشهد بداية الحروب الثقافية والتي رشح لها الحضارة الغربية في مواجهة الحضارة الإسلامية والكونفشيوسيةrlm;.rlm; وبغض النظر عن هذه النظرية وما آلت إليه من الدعوة إلي حوار الثقافات بدلا من الصراع بين الحضاراتrlm;,rlm; لاحظنا باعتبارنا من المهتمين بسوسيولوجيا المعرفةrlm;(rlm; علم اجتماع المعرفةrlm;)rlm; صعودا جديدا لعلم الجغرافيا السياسيةrlm;,rlm; وإحياء لنظرية المجال الحيوي التي كنا ظننا أنها انتهت بهزيمة ألمانيا النازيةrlm;.rlm;

ما الذي يدعو إلي صعود هذه النظرية من جديد؟
هذا سؤال بالغ الأهمية لأن الإجابة عليه ستفسر عديدا من الظواهر الدولية التي برزت في العقود الأخيرةrlm;.rlm;

ولعل الإجابة تكمن في الحقيقة التي مؤداها أنه مادام أن الصراع الإيديولوجي بين الشيوعية والرأسمالية قد انتهي بسقوط الاتحاد السوفيتيrlm;,rlm; وتحول العالم كله في الشرق والغرب إلي نموذج العولمة الرأسماليةrlm;,rlm; فإن الدول وخصوصا الدول الكبري أصبحت تهتم اهتماما شديداrlm;_rlm; في إطار المنافسة العالمية في مجالات الأسواق والطاقة علي وجه الخصوص ـ بتحديد وتوسيع مجالها الحيوي كلما استطاعت إلي ذلك سبيلاrlm;.rlm;

روسيا لم تدخل في هذا المجال لأنها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي سقطت في وهدة الفوضي العارمة والانهيار الاقتصادي والتدهور السياسيrlm;,rlm; ولذلك انكفأت علي نفسها لكي تلملم جروحها العميقةrlm;.rlm; لم تعد لها مكانة مرموقة في النظام الدوليrlm;,rlm; ولم يعد أحد يحسب حسابا لقوتها العسكرية ولنفوذها السياسيrlm;.rlm; ولذلك اندفعت الولايات المتحدة الأمريكية بدلا من سياسةrlm;'rlm; الاحتواءrlm;'rlm; القديمة إلي تطبيق كوني غير مسبوق لنظرية المجال الحيوي التي تم إحياؤها في العقود الأخيرةrlm;.rlm; غير أن المفهوم الأمريكي لمجالها الحيوي ـ ويحدث ذلك لأول مرة في التاريخ ـ ينبسط ليشمل الكون كلهrlm;!rlm;

ويشهد علي ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية قسمت العالم إلي مناطق عسكرية ولكل منطقة قيادة محددةrlm;,rlm; تحت إمرتها أساطيل وطائرات وقوات عسكريةrlm;.rlm;

وقد أرادت الولايات المتحدة الأمريكية أن تنتهز فرصة الضعف التي تمر بها روسيا فمدت مجالها الحيوي إلي حدودها من خلال استقطاب دول أوروبا الاشتراكية السابقة لتصبح تابعة لها سياسيا بضمها إلي حلف الأطلنطيrlm;,rlm; واقتصاديا من خلال مدها بالمساعداتrlm;,rlm; غير أنه أخطر من ذلك كله إقامة شبكة متكاملة من الصواريخ بعيدة المدي تحاصر بها استراتيجيا روسياrlm;,rlm; بزعم أنها موجهة ضد إيرانrlm;,rlm; وذلك بالرغم من الاعتراض الشديد لروسيا علي أساس أن ذلك يهدد أمنها القوميrlm;.rlm;

ولم يلتفت صقور إدارة الرئيس بوش من المحافظين الجدد إلي أن روسيا في عهد بوتين بدأت نهضة شاملةrlm;,rlm; سياسية واقتصادية وعسكريةrlm;.rlm; وأساء خبراء هذه الإدارة الاستعمارية التي بلغ من طموحها أنها تريد استعمار الكون كلهrlm;,rlm; قراءة التحولات الكبري في المجتمع الروسيrlm;,rlm; وبروز اتجاهات وطنية وقومية عبرت عنها أحزاب روسية متعددةrlm;.rlm; وقد أتيح لي أن أطلع بالتفصيل علي خريطة هذه التحولات في كتاب بالغ الأهمية صدر باللغة الفرنسية هذا العامrlm;(2008)rlm; عن الأكاديمية الأوروبية للجغرافيا السياسية بعنوان روسياrlm;:rlm; حرب باردة جديدة وهو يضم مجموعة متنوعة من الأبحاث المتعمقة التي تكشف عن ملامح الخريطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الروسيةrlm;.rlm;

في بداية الكتاب يتساءل مايكل كورتيمان متعقبا تاريخ الإمبراطوريات الروسيةrlm;,rlm; هل روسيا تحت قيادة بوتين في طريقها لتأسيس إمبراطورية خامسة من خلال توسيع مجالها الحيوي؟

وهناك دراسة أخري لكاتيا كليكوفا الباحثة بجامعة السوربون بعنوانrlm;'rlm; الجغرافيا السياسية في روسيا منذ عامrlm;1991'.rlm; تتحدث فيه عن إحياء علم الجغرافيا السياسية في روسياrlm;,rlm; وتصف فيه التيارات السياسية الروسية الأساسية فيما يتعلق بالتصورات المختلفة لمجالها الحيويrlm;.rlm;

والكتاب حافل بالدراسات الأصيلة التي تطبق بشكل إبداعي النظريات الحديثة للجغرافيا السياسيةrlm;,rlm; والتي تشير إلي أننا في الحقبة التاريخية القادمة سنشهد تطبيقات مختلفة تمارسها الدول الكبري في ميدات تحديد مجالها الحيويrlm;,rlm; مما يشي بقيام صدامات سياسية كبريrlm;,rlm; قد تتحول إلي مواجهات عسكرية مباشرةrlm;.rlm; ولعل الحملة العسكرية الروسية التي وجهت إلي جورجيا عقابا لها علي تدخلها العسكري الفظ في أوستيا الجنوبيةrlm;,rlm; وما أدت إليه من مواجهة سياسية كبري بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبيrlm;,rlm; دليل علي ما نقولrlm;.rlm;

فقد أعلن بوتين بعد إعلان استقلال كل من أوستيا الجنوبية وأبخازيا أن روسيا تعترف بهذا الاستقلالrlm;,rlm; وستعقد مع البلدين اتفاقات أمنية وعسكريةrlm;.rlm; ومن ناحية أخري كانت التصريحات الروسية بالغة الصراحة في مجال حرص القادة الروس وعلي رأسهم بوتين علي الدفاع عن المجال الحيوي الروسيrlm;,rlm; والذي يشمل دول أوروبا الاشتراكية السابقة بالرغم من كل المحاولات الأمريكية النفاذ إليهاrlm;.rlm; كما حدث في الاتفاق الذي عقدته مع أوكرانيا لإقامة شبكة الصواريخrlm;.rlm;

ومما يشهد علي صدق مقولتنا في إحياء نظرية المجال الحيوي أن الولايات المتحدة الأمريكية اعتبرت أن غزوها العسكري للعراق ـ وإن لم تصرح بذلك ـ دفاع عن مجالها الحيويrlm;,rlm; بحكم أن العراق يمتلك مخزونا هائلا للنفط تريد أن تقوم بحراسته مباشرة لضمان تدفقهrlm;,rlm; وذلك من خلال إنشاء قواعد عسكرية دائمة في العراقrlm;.rlm;

وهذه القواعد العسكرية يدور حولها خلاف شديد بين القيادة السياسية العراقية والولايات المتحدة الأمريكية لأنها جزء من اتفاقية أمنية مختلف بشأن نصوصها المجحفة والتي تريد منها أمريكا استعمار العراق إلي الأبدrlm;!rlm;

بعبارة موجزة يتوقع في الحقبة القادمة أن نشهد سعي عديد من الدول العظمي والدول الإقليمية الكبري في الشرق الأوسط مثل إيرانrlm;,rlm; أن تحاول توسيع إطار نفوذها السياسي من خلال مد دوائر مجالها الحيوي حتي لو كان ذلك بعيدا عن حدودها الجغرافية المباشرةrlm;.rlm;

فإيران مدت نفوذها إلي سوريا وهي حليفة لحزب الله في لبنانrlm;,rlm; ولحماس في فلسطينrlm;,rlm; وتريد أن توسع من خلال الغزو الشيعي المنظم للمجتمعات العربية السنية مجالها الحيوي استعدادا لتكون هي وليس غيرها القوة الإقليمية الكبري في منطقة الشرق الأوسطrlm;,rlm; وخصوصا بعد سعيها لتصنيع قنبلة ذريةrlm;.rlm; غير أن هذه قصة أخري تستحق أن تتابع من وجهة النظر الجيوبوليتيكيةrlm;!rlm;

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف