جريدة الجرائد

الانتخابات الامريكية: المقاومة فرضت التغيير

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عبد الباري عطوان

سنتعرف في الساعات الأولى من فجر هذا اليوم على هوية الساكن الجديد للبيت الأبيض، حيث ترجّح جميع استطلاعات الرأي انه سيكون باراك أوباما. ولا نبالغ إذا قلنا، اننا كعرب ومسلمين، كنا الناخب الرئيسي الخفي الذي حسم نتيجة هذه الانتخابات، مثلما سيحدد ملامح سياسات الادارة الأمريكية الجديدة، حتى لو جاءت النتائج عكس جميع التوقعات.
وعندما أقول العرب والمسلمين، فإنني لا اقصد انظمة الحكم، وانما الشعوب المغلوبة على أمرها، والمحكومة بالاستبداد والقمع، وبالتحديد المجموعات الحية التي قررت شق عصا الطاعة على الهيمنة الأمريكية، وحملت سلاح المقاومة ضد مشاريعها الاستعمارية في العراق وافغانستان وجنوب لبنان وفلسطين المحتلة.
التغيير الذي سيبدأ في أمريكا اعتباراً من اليوم على الصعد كافة، السياسية والاقتصادية والعسكرية، والاجتماعية، ربما كان سيتأجل لعقود قادمة، لو أن القرن الأمريكي الجديد تكلل بالانتصار، وسارت الأمور بالطريقة التي أرادها المحافظون الجدد في العراق وافغانستان، أي استقرار سياسي وازدهار اقتصادي، وخنوع كامل لمواطني البلدين المستهدفين من قبل المشروع الأمريكي.
حرب الاستنزاف التي شنتها جماعات المقاومة في البلدين، والانتصار الكبير الذي تحقق ضد الآلة العسكرية الاسرائيلية الجبارة في لبنان، وصمود أهل الأرض المحتلة في مواجهة خطط التجويع والحصار، كلها عوامل أدت منفردة، أو مجتمعة، الى افلاس الولايات المتحدة اقتصادياً بعد افلاسها عسكرياً وسياسياً، الأمر الذي دفع بالشعب الأمريكي إلى البحث عن عجلة انقاذ تخرجه من أزماته الحالية، وتقوده إلى بر الأمان الذي يتطلع إليه.
إذا فاز أوباما اليوم، فإن كاريزمته السياسية، وبلاغته الخطابية، وذكاءه الفطري الحاد، ليست كلها او وحدها التي أدت إلى فوزه، ووصوله إلى أقوى زعامة في العالم، بل زعامة العالم بأسره، بل هي الهزيمة الساحقة التي الحقها العرب والمسلمون بالادارة الأمريكية السابقة، وجعلها مكروهة أمام مواطنيها اولاً، وأمام العالم بأسره.
فلو سارت الأمور بالطريقة التي أرادها، وخطط لها جورج بوش، وديك تشيني والمحافظون الجدد في كل من العراق وافغانستان، وأقاموا دولة فلسطينية مسخا بشروطهم، لما تقدم أوباما في استطلاعات الرأي بأكثر من سبع نقاط على الأقل، ولما اتيحت له فرصة الاقتراب من البيت الأبيض.
وحتى إذا افترضنا ان الشعب الأمريكي، أو قطاعاً كبيراً منه، قرر أن ينحاز إلى جذوره العنصرية، وصوّت في الاقتراع السري بطريقة مختلفة، وللشخص الذي لم يصوت له في استطلاعات الرأي العلنية، أي لصالح جون ماكين، الجمهوري اليميني المتطرف، فإن هذا الخيار سيعني استمرار المأزق، وتفاقم المخاطر، وانهيار الولايات المتحدة الأمريكية، وان كنا، وما زلنا نعتقد بأن الشعب الأمريكي لن ينحرف إلى هذا الخيار، بعد أن اكتوى بنيران الجمهوريين ومحافظيهم الجدد وسياساتهم الدموية لأكثر من ثماني سنوات.

أيا كان الرئيس الأمريكي الجديد، فإنه سيجد نفسه في مواجهة مع العرب والمسلمين، فإذا أرادها مواجهة عسكرية، فهذا يعني استمرار الأوضاع على حالها، أي المزيد من الخسائر، وإذا أرادها مواجهة سلمية تقوم على الحوار والتفاهم، والاعتراف بالأخطاء واظهار كل جوانب الاستعداد لاصلاحها وبما يرضي جميع الاطراف، ويحفظ مصالحهم، فإنه سينقذ نفسه، وينقذ بلاده، وينقذ العالم بأسره من شرور الادارة السابقة.
صحيح أن الرئيس الأمريكي الجديد سيكون مشغولاً في سنواته الأولى بالأوضاع الداخلية الأمريكية، والاقتصادية منها على وجه الخصوص، واصلاح ما افسدته الادارة السابقة، واعادة الهيبة والاحترام لزعامة البيت الأبيض، ولكن حتى هذه المهمة تحتاج إلى تعاون قوي، وعلى أسس جديدة مع العرب والمسلمين وشعوبهم على وجه التحديد.
بمعنى آخر، سيحتاج الرئيس الأمريكي الجديد الى مخزون الثروة العربي الهائل الناجم عن عوائد النفط ، لاخراج الاقتصاد الأمريكي من عثراته، كما سيحتاج الى نفوذهم واحتياطاتهم النفطية الهائلة لتخفيض اسعار الطاقة، وفق معدلات معقولة، تساعد على عودة الحياة الى شرايين الانتاج الصناعي المتيبسة، واسواق المال التي تعاني من سكرات الموت البطيء بعد ازمة الرهونات، وتحويل اقتصاد العالم وبورصاته الى كازينوهات للمقامرين، الأثرياء والفقراء في آن.
غوردون براون رئيس وزراء بريطانيا، ووزير خزانتها لأكثر من عشر سنوات كان اول من اعترف بهذه الحقيقة، وشدّ الرحال الى عواصم الثروة العربية في الوقت الراهن، اي المملكة العربية السعودية وقطر ودولة الامارات العربية المتحدة، مستجديا مساعدتها، من حيث توظيف فوائضها المالية الهائلة في الاسواق الغربية، وصندوق النقد الدولي لتوفير السيولة اللازمة لتخفيف حدة الانهيارات الاقتصادية الحالية، وتخفيف آثار الانكماش الاقتصادي في العالم الرأسمالي الغربي.

الرئيس الامريكي الجديد سيحذو حذو الحليف البريطاني حتما، فلا خيار آخر امامه، وسيدرك جيدا ان اسرائيل التي ابتزت امريكا والغرب لأكثر من ستة عقود هي اساس معظم العلل والمصائب التي يعيشها الغرب حاليا بسبب سياساتها الاستفزازية الدموية، وان مصلحة بلاده ليست في شن الحروب لاذلال العرب والمسلمين في حروب صليبية باهظة التكلفة، وانما بمواجهة صريحة مع الاسرائيليين في الارض المحتلة، يقول لهم فيها 'كفى' كبيرة مدوية، كفى احتلالا، كفى اغتصابا، كفى قتلا، كفى استهتارا بالشرعية الدولية وقوانينها، كفى تعطيلا لعمليات السلام، كفى استيطانا في اراضي الغير، كفى عدوانا على الجيران.
العرب الرسميون يجب ان تكون مساعدتهم للرئيس الامريكي مشروطة بحدوث تغيير في سياساته في المنطقة، وإلاّ فإنهم سيخسرون مثلما سيخسر هو في نهاية المطاف، لان القوى التي هزمت المشروعين الامريكي والاسرائيلي ما زالت موجودة، بل وتزداد قوة وانتشارا.
التغيير الذي سيجتاح امريكا وسياساتها وهويتها المستقبلية لن يتوقف عند الحدود الامريكية، وانما سيتعداها الى الخارج، وسيصل حتما الى المنطقة العربية التي ظلت عصية عليه،ومغلقة بإحكام امام كل عواصف الديمقراطية والاصلاحات السياسية والاقتصادية. فالذي منع وصول التغيير الى هذه المنطقة دون بقاع العالم الاخرى، هي الإدارات الامريكية المتعاقبة المتحالفة مع انظمة الفساد والقمع، والآن نحن امام ادارة امريكية جديدة تريد انقاذ نفسها، والتعلم من اخطاء سابقاتها لانقاذ بلادها وشعبها.
نحن الآن لا نقف امام رئيس جديد، وإنما امام امريكا جديدة، وعالم جديد مختلف تماما، عالم لم تعد تسيطر عليه امريكا، عالم يشهد نمو اقطاب جديدة، ونمور اكثر شراسة وتعطشا للصعود. عالم تنتصر فيه جماعات مقاومة صغيرة، بأيديولوجية قوية متطرفة في ايمانها، على قوى عظمى، وتقودها الى الافلاس الكامل.
العالم يتغير بسرعة، وحقائق جديدة بدأت تطل برأسها، وتفرض نفسها على معادلات القوة والثروة فيه، والفضل في ذلك يعود جزئيا، ان لم يكن كليا، الى من هزموا مشاريع الهيمنة الامريكية ومحافظيها الجدد والقدامى على حد سواء.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لا تتأملوا كثيرا
السيلاوي -

من سمع خطاب أوباما أمام منظمة الإيباك يدرك تماما أنه يفهم اللعبة السياسية وأن بقاءه مرهون برضا اليهود وقد قال على الملأ: ستبقى القدس عاصمة إسرائيل الأبدية، في المحصلة أمريكا لا يحكمها الرئيس فقط وإنما سياسات ترسمها قوى التأثير (اللوبي) والمعروف أن اللوبي اليهودي هو المسيطر. والرئيس الذي يريد أن يغير سياسته نحو العرب إلى الأفضل، عليه أن يتخلص من تأثيرات اللوبي الصهيوني أولا.... وإلا فإننا نبيع الوهم لأنفسنا ولشعوبنا

يا داره دوري بينا
عراقي بغدادي -

عزيزي أستاذ عبد الباري ,هذه هي السياسة الامريكية منذ قرن و اكثر .ثماني سنوات للجمهوريين و ثمانية سنين للديمقراطيين. سنوات الجمهوريين حروب و سنوات الديمقراطيين ألتقاط أنفاس .وكان الله يحب المسنين.

مقاومة وجود فلسطين!
محمد -

نعم ما يسميها عبد الباري عطوان مقاومة ومن ثم الانظمة القمعية في سوري وايران كانوا سببا بفوز اوباما ولكن على الاقل جورج بوش طالب بدولة فلسطينية وقفت حركة حماس واسرائيل والانظمة القمعية في وجهها ، فكيف سيتصرف الرئيس اوباما في مواجهة هذا الملف؟

أية مقاومة بالعراق ؟
عراقي - كندا -

أية مقاومة تلك التي تقصدها ياسيد عطوان , هل هي المقاومة الشريفة التي زرعت القتل والدمار بالعراق لمدة تزيد عن 4 سنين , مرتزقة القاعدة الإرهابيين وغيرهم الذين إستهدفوا المدنيين الآبرياء بالتفخيخ والتقتيل في شوارع بغداد , هل هذه المقاومة التي تقصدها ؟؟ ثم أين هي الآن , إنها مثخنة بجراحها وتعاني من ذل الهزيمة والإنكسار , كنت أتمنى ياأخ (عطوان) أن تكف عن مقالاتك التي تمجد فيها قتلة العراقيين , ولكن يبدو , لاحياة لمن تنادي .

OBAMA
Abu Ari -

الفضل للامريكيين الجمهوريين بتحالف سوريا و مصر والسعودية والاخرين لتحرير الكويت وثم الفضل للديمقراطيين لاصدار قانون تحرير العراق وبعدها الجمهوريين تنفيذ عملية تحرير العراق من صدام وثم الان السيد اوبامااعترف قدس عاصمة اسرائيل ونائبه اقتراح تقسيم العراق، وانت يا عطوان اذا نائم اصحى.

كاتب يقرأ نفسه فقط
محمد عمر -

يعني الأستاذ عبدالباري لم يقرأ ما هي اهتمامات الشعب الأمريكي ولذلك ننصحه هو وكل من يلوي الحقائق لوياً غصباً عن كل منطق بمراجعة الإحصاءات الأمريكية حيث جاء الإقتصاد في المرتبة الأولى بحوالي 60% بينما حلت حرب العراق والصحة في المركز الثاني ب13% فقط نعم فقط والإرهاب حوالي 10% فهل نصدق الكاتب أم نصدق العلم الإحصائي الذي أعطانا نتائج قريبة جداً من النتائج الفعلية.

منطق اعوج افلج
حسن الوزان -

لو أن القرن الأمريكي الجديد تكلل بالانتصار، وسارت الأمور بالطريقة التي أرادها المحافظون الجدد في العراق وافغانستان، أي استقرار سياسي وازدهار اقتصادي، وخنوع كامل لمواطني البلدين المستهدفين من قبل المشروع الأمريكي.

مبروك فوز اوباما
م.ابو ميار -

تحية اولا للكاتب الفذ عبد الباري عطوان لوقوفه المشرف مع قضايا الامة العربية من المحيط للخليج.وبحسه المرهف الدقيق في تفنيد الوقائع.وثانيا نمني النفس بفوز اوباما بأن يعيد الحقوق العربية لاصحابها.

غريب
محمود عبدالكريم -

يقول الكاتب ;الهزيمة الساحقة التي الحقها العرب والمسلمون بالادارة الأمريكية السابقة ونتسآل دائما: لماذا لا نتطور؟