حرية الراقصة والطبّال
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
داود الشريان
قرار محكمة جنايات القاهرة حظر نشر اخبار مجريات محاكمة محسن السكري وهشام طلعت مصطفى بتهمة قتل المطربة اللبنانية سوزان تميم اسعدنا وأثلج صدورنا. ورغم ان القرار يستند الى فعل "منع"، وهو فعل مكروه عند الصحافيين والكتّاب، الا أنه هذه المرة جاء بمعنى مختلف. فهو صار فعلاً لحماية كرامة الحرية. لكن التبريرات التي ساقتها المحكمة لقرار المنع عكرت صفو فرحتنا بالقرار الشجاع.
لم يكن رئيس المحكمة مضطراً الى الحديث عن مبررات مثل توجيه الرأي العام والتدخل فى شؤون القضاء، والاجابة نيابة عن المحكمة. فكل هذه الاسباب على اهميتها لا تساوي شيئاً امام العبثية التي مارسها الاعلام العربي في هذه القضية التي صارت موضوعاً للحوارات، وقضية في التحليلات الاخبارية على مدار الساعة.
كنا نتمنى لو ان رئيس المحكمة قال للصحافة العربية إن القرار هدفه ليس منعكم فحسب، بل تعليمكم دروساً في الحياء والشعور بالمسؤولية، ومعاودة النظر في المعايير المهنية والاخلاقية في نقل الاخبار ومساحة الاهتمام بها وترتيبها. فالقضية تتعلق بجريمة قتل، لا تختلف عن أي جريمة مماثلة تمت، او ستتم، في قصص الافلام التي تنقل حياة عالم الفساد وبنات الليل والمخدرات. صحيح انه من حق وسائل الاعلام ملاحقة الاخبار التي تتناول المرأة والسياسة والجنس، فضلاً عن ان خبر سوزان اضاف عنصرين آخرين هما الجريمة والمخدرات، لكن ليس بالطريقة السمجة التي تصرفت بها وسائلكم.
ليت رئيس المحكمة قال للصحافيين الذين وقفوا 3 دقائق احتجاجاً على القرار، ثم توجهوا سيراً إلى نقابة الصحافيين لتقديم شكوى، "الطريق اللي تودي"، ليته قال لهم: "صحيح اللي اختشوا ماتو"، نحن لم نمنعكم من تغطية اخبار المجاعة والموت الجماعي الذي يتم في غزة منذ شهور، ولم يرف لكم جفن. ولم نصدر عقوبات على نسيان اخبار أهالي الدويقة الذين تعفنت اجسادهم تحت صخور جبل المقطم، ولم نطالب بمحاكمتكم على العبث والخلط الذي تمارسونه في تحديد صفات الشهيد والقتيل والارهابي. نحن صابرون على استبدادكم تحت مبررات حرية التعبير والموضوعية والحياد، رغم ادراكنا انكم تكذبون على انفسكم وعلينا. لكن تغطيتكم لهذه القضية تجاوز كل القيم والتقاليد المهنية. فضمائركم لا تتحرك الا بموت الراقصات وبنات الليل، ولا يثير نخوتكم الا حكاية الراقصة والطبّال. تباً لكم وللحرية التي تؤمنون بها، او على رأي المصريين "جتكو البلاوي"!