جريدة الجرائد

الربعي .. سمى «العربية» ورحل

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

وليد آل براهيم

تذكرني حياة الفيلسوف والمناضل والكاتب والنائب والوزير الصديق الراحل أحمد الربعي بحياة الكبار في تاريخنا، ولعل تخصصه في الفلسفة ودخوله غمار السياسة والكتابة والأدب والإعلام والفن، يسمحان لي بتشبيهه بالفيلسوف والطبيب والعالم أبو بكر الرازي، فهو يشبهه إلى حد بعيد في مهارة التجريب والإبداع، والسعي إلى زرع الفضيلة وحسن الخلق في نفوس تلاميذه ومجايليه، فضلاً عن اشتراك الاثنين في قصر الحياة مع عظمة حصيلتهما، فمن صدف التشابه بينهما أن الرازي كان دائماً يردد "اللهم ارزقني حياة عريضة، ولا ترزقني حياة طويلة" وقد استجاب الله له فمات وهو لم يكمل الستين من عمره تاركاً خلفه تراثاً علمياً وطبياً عظيماً، وأحسب أن أحمد الربعي كان يردد الدعوة ذاتها فمات وهو لم يكمل عقده السادس، لكنه عاش حياة تشبه سير أبطال الروايات السياسية، فعلاوة على شدة ذكائه وسرعة بديهته، وقدرته على العمل بلا كلل، استطاع أن يجعل سيرة حياته جزءا من سيرة وطنه الكويت، فمن يقرأ حياة "أبو قتيبة" التي بدأت في الخمسينات من القرن الماضي، يجد أنها تسجيل دقيق للحياة السياسية والثقافية والفكرية والإعلامية في الكويت، وهذا الامتزاج بين الوطني والذاتي عند الربعي لا يقوى على فعله إلا القلائل من الرجال وأحمد الربعي واحد من أبرزهم في تاريخ هذه المنطقة.

تفتق وعي الربعي وبلاده تخرج للتو من الاستعمار وسط المد الناصري والقومي، فكانت أروقة جامعة الكويت تضج بشعارات التحرر والوحدة والثأر من الاستعمار، وكانت التنظيمات القومية واليسارية العربية تنشط في الكويت، وفي تلك الفترة شهدت الكويت ولادة منظمة التحرير الفلسطينية، فانخرط الربعي في النضال السياسي، وتعرض للاعتقال في غير بلد عربي، ومارس المقاومة على الأرض، فحارب في صفوف الرفاق في فتح، وكان اسماً مهماً في مؤتمرات وندوات الناصريين والقوميين واليساريين.

في أواخر السبعينات من القرن الماضي بدأ الفصل الثاني من حياة بطل الرواية الكويتية فسافر إلى الولايات المتحدة، وعاش في مجتمع صفوة الليبراليين في جامعة هارفارد، وفي منتصف الثمانينات عاد "بطل الرواية الكويتية الحديثة" إلى الوطن. كان هذه المرة أكثر تنظيماً وتحديداً ووعياً، فدخل مجلس الأمة الكويتي ليعبر عن آرائه من منبر سياسي وطني، وبدأ الدكتور أحمد الربعي هذه المرة أكثر قرباً من المناخ السياسي في بلده من حيث الإطار واللغة والتوجهات، فلفت إليه نظر القيادة السياسية، فترك كرسي المعارضة إلى منصب الوزارة، فأحدث نقلة في مفهوم شخصية الوزير وعمله، لكنه لم يستمر طويلاً فهو اعتاد أن يكتب ويفكر على نحو مستقل، وبرغم أن الربعي يصنف على التيار الليبرالي في الكويت إلا انه يحسب ألف حساب لجذوره المحافظة، ويرفض التغيير بتهميش الآخرين أو القفز على ثوابت الناس وتقاليدهم، فضلاً عن رفضه المطلق لممارسة العنف ضدهم، آيا كانت درجة هذا العنف، وكان لا يفتأ يردد أننا مجتمعات محافظة، ويجب أن نمنح الآخرين فرصة للتعبير عن أنفسهم، فالمجتمعات لا تتغير بالرعونة والقسرية.

في الفصل الثالث من حياة الربعي استيقظ الكويتيون على مدافع جيش صدام حسين تدك كل جزء من مدينة الكويت الوادعة، فوجد فقيدنا نفسه في إشكالية تجعل الحكيم حيرانا، فهذا الغزو البربري دخل الكويت تحت شعارات طالما حارب من أجلها الربعي، ومعه كل بلاده وصحافتها ومثقفيها.. ها هم الرفاق الذين قاتل الى جانبهم فقيدنا يرفعون شعارات النصر باحتلال الكويت، وها هو الراحل ياسر عرفات الذي احتضنته الكويت، وسهلت له إطلاق حلم المقاومة، وقاتل معه الربعي وسجن من أجله، يردد على الملأ: "استمر يا صدام.. و يا جبل ما يهزك ريح"... يا إلهي، أي شعور هذا الذي أحسه الربعي ومعه ملايين الكويتيين في تلك اللحظات العصيبة.

لكن الربعي مثقف من طراز خاص ولا تشوب وطنيته شائبة.. فانطلق المناضل القديم بصوته وقلمه وعلاقاته من جدة إلى القاهرة ودمشق، وعواصم الشرق والغرب، يدافع عن وطنه فصار أمة في رجل. وحين تحررت الكويت عاد الربعي الى سيرته الأولى، يقيم حواراً مع العراقيين والفلسطينيين والمناضلين القدامى، فبقي وفياً لسعيه في زرع الفضيلة وحسن الخلق، وعاد يكتب عن قضايا الأمة وهمومها، وكان بحق من أكثر المثقفين الكويتيين قدرة على تجاوز الشرخ الذي أحدثه الغزو.

في عام 2003 كنت أخطط لإطلاق قناة "العربية"، وكان الصديق الراحل احمد الربعي من اقرب المثقفين العرب مني شخصياً، وكنت أستشيره، واستفيد من خبرته السياسية والإعلامية، واذكر في احد اجتماعات البحث عن اسم للقناة الوليدة، طرح الزملاء أسماء كثيرة، لكنها لم تلفت نظري، وكان احمد الربعي صامتاً، ثم التفت إلي وقال: يا أبو خالد الان هناك قناة إخبارية اسمها "الجزيرة"، هي الجزيرة ونحن "العربية".. قناتنا اسمها "العربية".. قلت له: يا أبا قتيبة هذا الاسم يليق فعلاً بالجهد الذي بذلناه في الإعداد.. على بركة الله.. اسمها "العربية" وأنت من سماها.

وبعد، فإن شعارات العروبة التي ناضل من أجلها أحمد الربعي واحتلت وطنه يوماً ما، لم تغير من معدنه العربي الأصيل، فكان على الدوام مثل وطنه اكبر من أصحاب الشعارات، ففصل العروبة عن أهل الشعارات، وتمسك بها، وحين فكر في اطلاق اسم على قناة إخبارية تخاطب العرب فكر بعروبته التي لم تتغير يوماً.. فجسد حبه للعرب والعروبة باسم "العربية".. رحمك الله يا ابا قتيبة.. سنبقى نتذكرك يا صاحب الاسم الجميل والأصيل.
* رئيس مجلس إدارة مجموعة mbc

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الشرفاء يخلدون
عبدالوهاب العربي -

كلماته الصادقه وواقعيته الملتزمة وعروبته المخلصة حفرت في الوجدان صورة لن تنسى.رحمك الله وعوض الأمة بميراثك الطاهر ما يرشدها الى سبل التقدم والأزدهار.

احمد الربعي.
ماجنوم. -

رحمك الله يا ابا قتيبة.. سنبقى نتذكرك يا صاحب الاسم الجميل والأصيل.

كبير وسامي
salem mohamed -

صدقت، عرفته عبر الأقنية الفضائية وكانت حكمته في تسامحه وتجاوزه لمناكفات النكايات السياسية فحين يتسامى كويتي عن غزو بلاده بدلا من أن يعمم الذنب على كل الفلسطينيين والعراقيين فهو لا يغفل حقيقة تفرد القادة المستبدين بالذنب. ورغم أنه هناك من تخدر في تقديس صدام وعرفات إلا أن تجاوز العداء نحو الحوار ومن خلاله هو كفيل بتنقية الأجواء، رحم الله الربعي فرغم معرفتي العابرة به إلا أن نزاهته وراجحة فكره لا تحتاج لجهد لاكتشافها، فهو وأمثاله تحتاجهم الكويت والأمة العربية في هذا الزمن المتصدع.

أحببته لعراقيته
علي المدني -

احببته لدفاعه عن العراقيين ومعاناتهم ومالاقوه من صدام والبعث فكان شريفا بأمتياز وشجاعا بأمتياز فرحمك الله بقدر ماأحببت العراق؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

الكويت
الحر -

شكرا اخ وليد الابراهيم كلماتك جميله وفاءا لصديق طالما كان وفيا ومحبا لاصدقائه.

رأي
شامل -

ليته ما سماها بقناة العربية

كفو ياوليد
kanz -

شكرا لك ياوليد لان ذكرت فقيدنا الغالى بالخير في وقت كثر فيه الجحود لكن هذاالرجا فيك ومنين يجيك الردى وانت نسل الطيبيين

الحقيقة المعروفة
رشيد راشدي -

قال الكاتب إن أحمد الربعي يرحمه الله ( كان بحق من أكثر المثقفين الكويتيين قدرة على تجاوز الشرخ الذي أحدثه الغزو). من خلال قراءة ما كان يكتب المرحوم، يصعب تصديق هذا القول. فلقد كان الربعي واحدا ممن ظلوا يحرضون على غزو العراق واحتلاله، وعندما تم تدمير دولة العراق وتسليمها في طبق من ذهب لإيران، كان في جل مقالاته يشمت وبتشفى في العراقيين. هذه حقيقة راسخة لدى كل القراء، فإننا لا نملك إلا أن ندعو للراحل بالرحمة والمغفرة، فهو الآن بين يدي الله تبارك وتعالى الذي وسعت رحمته كل شيء. إنا لله وإنا إليه راجعون.

كلمات رائعه
حسن الفضلي -

كلمات رائعة بحق شخص رائع وكأن الكاتب شخص آخر فهذا السمو الكتابي الذي خطته أيادي السيد وليد الابراهيم ماهو الا نتاج فكر واعي ولغوية ناضجة.شكراً لوليد الابراهيم وحرم الله فقيدنا ابوقتيبه

دعوا النفاق
سارة -

غالب التعليقات كلها نفاق وهذا لايخدم قضية! ينبغي أن يقال للمحسن أحسنت وللمسيء اسأت . اقول الربعي أفضى إلى ماقدم ونسأل الله أن يعفي عنا وعنه ,ونرجو للجميع أن يتولانا الله واياهم برحمته وأن يرزقنا جادة الصواب وأن يميتنا على الإسلام غير محرفين ولا ومبدلين إنه سميع مجيب .

تعزية
يحيى الخضر -

نعزي اهالي دولة الكويت بفقيدم الغالي الاستاذاحمد الربعي راجين من اللة الرحمة والغفران ويمنح اللة ذوية الصبر والسلوان ان للة وانا الية راجعون ( الفاتحة)

منزلة المرحوم
عبد البا سط البيك -

يعجب المسلمون مدح الميت و لا يرغبون بإنتقاده بعد أن أغلق ملك الموت كتابه و بقي على الله حسابه .و هذا أمر جميل بشرط أن لا يسرف الناس بالمديح حتى لا يضطر خصوم المرحوم بالرد مذكرين أهل المرحوم و من يمدحه بهنات و ثغرات و عيوب فقيدهم . لم يكن المرحوم الربعي كما يصوره البعض خاليا من الأخطاء و العيوب سواء في مرحلة إنتمائه لليسار أو في مرحلة إنقلابه الكبير على أفكاره السابقة التي هجر معظمها و بات خصما لها . يكفينا أن نقول أن المرحوم بدل مواقفه و تحصن لاحقا بحصن لا يليق به و لا بميراثه المعروف و إلتم على مجموعة مشبوة لا تكن لأمته الخير ..ألا يكفيه عيبا أنه هو الذي سمى تلك الفضائية بالعربية ..؟ معالي الشيخ وليد الإبراهيمسامحه الله أعطى القراء سببا سلبيا أضافيا يوضع في لوحة أعمال المرحوم الربعي . ليس في الموت شماته و لكن شهادة الأحياء ليست بالكافية عند رب العالمين لأن من كتب أعمال المخلوق ملكان لا يغشان و لا يكذبان و لا ينافقان ..و يا ليت المرحوم يكون من أهل اليمين في الآخرة.

شكرا لك
ماجد يعقوب -

لقد أنصفت فقيدنا

احمد الربعي يبقى علم
نبيل قريني -

رجل يستحق الاحترام ... . تحيه للاخوه في الكويت من اهل العراق. نبيل قريني

ماهذا
البندري -

المسلمون كما قال الأخ عبدالباسط لا يذكرون موتاهم إلا بالخير فقد أفضوا إلى ماقدموا ولكن أن نطري في المديح فهذا مزعج . ما قدمه من خير سيجده وماقدم من شر سيجده في كتاب لايضل ربي ولا ينسى . , . شكرا للجميع

رشيد وساره و باسط
خالد -

لا نستغرب هذا الكلام من هؤلاء الذين لامهنه لهم الا ذم الأموات قبل الأحياء ,لم تعرفوا الرجل جيدا كما عرفناه عن قرب ولكن ماذا نقول للذين في قلوبهم مرض؟ مساكين الله يعينكم على انفسكم , بس فالحين في النقد ليتكم لديكم 1% من انجازاته ورجاحه عقله .

علينا
محب للرياضة -

تذكرني حياة الكاتب والنائب والوزير الصديق الراحل أحمد الربعي بحياة الكبار في تاريخن ...