جريدة الجرائد

العرب وإيران ... تفاعل خلاّق أم صراع مفتوح؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عمار علي حسن

من يجيل النظر في ما أنتجته القريحة العلمية والأكاديمية العربية حيال الصيغة التي اتخذتها العلاقات العربية- الإيرانية يجد أنها دارت حول التفكير في ثلاثة أشكال هي: إما التعاون أو الصراع أو المزاوجة بين الاثنين، بحيث يتعايشان في الزمان والمكان. لكن هذه الصيغ لم تعد قادرة على النهوض بالعلاقات بين الطرفين بعد التطورات الفارقة التي جرت في الآونة الأخيرة، وفي مطلعها حضور الرئيس الإيراني أحمدي نجاد قمة مجلس التعاون الخليجي الأخيرة، وصدور تقرير الاستخبارات المركزية الأميركية الذي أكد أن طهران أوقفت برنامجها النووي عام 2003، ووجود بوادر على إمكانية عودة العلاقات الديبلوماسية الكاملة بين مصر وإيران، وتأكد رفض دول الخليج جميعاً لحل الولايات المتحدة خلافها مع إيران عسكريا، لأن مثل هذا التصرف غير المحسوب سيجر على المنطقة برمتها ويلات لا حدود لها.

وهذه الصيغ الثلاث تحمل قدراً هائلاً من "الإيجابية"، لكن العرب وقفوا عند حدود التفكير فيها، ولم يدخلوا بقوة إلى دائرة الفعل، واتخذوا موقفاً سلبيا من إيران قام على ثلاثة عناصر هي: أولا: ترك العرب فراغا إقليميا طمعت إيران في ملئه، ولم يقفوا على مسافة واحدة من طهران. ومثل هذا الأمر أوجد وضعا غير صحي استغلته طهران. ثانيا: تحولت بعض الدول العربية الرئيسية، أو كادت، إلى أداة من أدوات السياسة الخارجية الأميركية في "منطقة الشرق الأوسط" تجاه إيران، ورهنت هذه الدول مستوى تحسن العلاقات مع طهران بإرادة واشنطن، لا برغبة الشعوب العربية، ولا حتى بما تقتضيه المصالح الوطنية. ثالثاً: قدم العرب في علاقتهم بإيران النزال السياسي الحاد على التكامل، الذي يعني البحث عن نقاط التقاء مشتركة، سواء تجاه إسرائيل أو حيال حماية النفط العربي أو المصالح التي تتطلبها الروابط الإسلامية أو حتى همزات الوصل الثقافية والحضارية في المنطقة. وبدلاً من هذه المواقف السلبية التي تأسس على العناصر الثلاثة، سابقة الذكر، فإن العرب مطالبون في هذه اللحظة التاريخية أن يقيموا تفاعلا خلاقا مع إيران، يقوم على ستة عناصر هي:

1- تقريب مواقف الدول العربية بحيث تقف على مسافة واحدة من طهران، بما يحرم الأخيرة من اللعب على التناقضات بين العرب.

2- قيام العرب بهجوم ديبلوماسي على إيران، لا يقتصر على المستوى الرسمي، لكن يمتد إلى المستويات الأدنى، فليس من المعقول أن تتبع بعض الدول العربية هذا الأسلوب مع إسرائيل، مراهنة على مخاطبة "أنصار السلام" هناك، وتضن على إيران بهذه الطريقة، فداخل إيران نفسها جماعات وقوى تستحق أن نتواصل معها، حتى في ظل وجود قطيعة أو خصام أو جفاء مع النظام الرسمي، وذلك من أجل الدفاع عن المصالح العربية عند الخطوط الديبلوماسية الأمامية.

3- استقلال القرار العربي حيال إيران عن أي إرادة لطرف خارجي، سواء الولايات المتحدة الأميركية أم غيرها.

4- تقوية الذات العربية في مواجهة إيران، بدلا من الاعتماد على الغير، في إيجاد توازن إقليمي. وهذه التقوية لا تعني أبدا التجهيز للدخول في صراع سافر ضد طهران، بل ترمي إلى ردع الإيرانيين وجعلهم يحسبون للعرب ألف حساب، أو وقف أطماعهم والدخول في تفاعل إيجابي معهم.

5- احتواء أو تحييد الأوراق التي تمتلكها إيران في التعامل مع العرب، وفي مقدمتها قوى وتنظيمات المقاومة. فحين تهجر دول عربية مهمة المقاومة أو تتخلى عنها فإنها تفتح الطريق أمام إيران للدخول على الخط ومغازلة قوى الممانعة والمقاومة واستقطابها. كما يجب أن تستوعب الدول العربية الطوائف الشيعية المتواجدة في بعضها على أساس الوحدة الوطنية وإعلاء مبدأ المواطنة، لسد أي ثغرة يمكن أن تثقب جسد الدول العربية متعددة المذاهب، وتنفذ منها إيران أو غيرها للنيل من أمنها القومي.

6- يجب على العرب أن يستفيدوا من التجربة الإيرانية في أكثر من مجال، أولها: الحنكة الديبلوماسية الكبيرة التي أدارت بها إيران معركتها الديبلوماسية مع الولايات المتحدة، ووظفت فيها كافة الأوراق التي تمتلكها، وأفلتت من الخنق التام الذي فرض عليها بعد احتلال واشنطن للعراق وأفغانستان ودخولها القوى في القوقاز وآسيا الوسطى وتعزيز تواجدها في منطقة الخليج العربي، ونجحت في أن تحول الموقف لصالحها، بجعل احتلال العراق يصب في المصلحة الإيرانية، وخلق توازن في القوقاز بمساعدة أرمينيا ضد أذربيجان المنضوية تحت لواء الاستراتيجية الأميركية، وتحييد تركيا التي تربطها علاقات قوية بواشنطن، والهجوم الديبلوماسي على دول الخليج العربية، والاستفادة من إزاحة طالبان، السنية المتطرفة، عن السلطة، واستقطاب دولتين مشاطئتين لبحر قزوين وهما روسيا وتركمانستان، في مواجهة أذربيجان وكازاخستان اللتين تميلان إلى جانب التصور الأميركي حيال التعامل مع نفط بحر قزوين.

وثانيها: هو الاستفادة من التجربة الإيرانية في الاتجاه إلى تعزيز القدرات العسكرية والاقتصادية، بما يمكن الدولة من اتخاذ قرارات مستقلة في سياستها الخارجية.

وثالثها: هو الإيمان بأن مخالفة واشنطن لا تعني الوقوع في كارثة محققة، وأن ما قاله الرئيس المصري الراحل أنور السادات من أن 99 في المئة من أوراق اللعبة في المنطقة بيد الولايات المتحدة هو أمر مبالغ فيه، فإيران استطاعت أن تدخل في مواجهة ضد واشنطن على مستوى الخطاب والممارسة، مصحوبة بتحركات ديبلوماسية واعية، وبناء قنوات خلفية للتواصل، بما حسم النزال في خاتمة المطاف لصالحها، ولو موقتاً.

أما رابعها: فهو أن أفضل وسيلة للتعامل مع إسرائيل هي التحدي، وليس استجداء السلام، أو الاستكانة. فإسرائيل تحترم من يتحداها، وهو يقف على أرض صلبة، وستكون مجبرة على الدخول في تفاوض معه، وتقديم تنازلات، على غرار ما جرى مع حزب الله بخصوص قضية الأسرى. أما من يتوسل إليها أو يتراخى في مواجهتها فلن ينال شيئاً على الإطلاق.

والمجال الخامس: هو ضرورة أن يمعن العرب النظر في تجربة الإيرانيين في إدارة سياستهم الخارجية، بحيث يكون هناك اتفاق عليها بين الأطراف والقوى السياسية والاجتماعية داخل الدولة كافة، رغم الخلافات والاختلافات الداخلية، فالمحافظون والإصلاحيون في إيران يقفون موقفاً واحداً من قضية احتلال الجزر الإماراتية الثلاث، وهي مسألة جلية في تصريحاتهم وتحركاتهم، رغم علمهم التام بأحقية الإمارات في أرضها تلك، والمرونة الشديدة التي تبديها من أجل الحل العادل لهذه المشكلة، والحلم الأشد الذي تواجه به التهرب والتلكؤ الإيراني من هذا الوصول إلى هذه الغاية التي ينشدها العرب جميعاً.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
أساس جيد للعمل
مواطن عربي -

أوافق كاتب المقال على كل النقاط التي أوردهاوأحث بلادنا العربية أن تتلمس طرقا أخرى غير الخضوع والاستسلام لإملاءات الخارج الذي ثبت أنه لايرقب في مؤمن إلا ولا ذمة.لسنا مشلولين ولسنا ضعفاء ولكنها الإرادة الواهنة وحب الدنيا.

الفزاعة الايرانية
Ali M. -

ليت العرب يتعاملون مع ايران وفقا لمصالحهم حتى لو حاربوا ايران ولكن للاسف العلاقات العربية الايرانية خاضعة تماما للرغبات الامريكيةلقد خاض العرب حربا طويلة و مكلفة لحساب امريكا فماذا كان رد امريكا؟؟ وليتنا نستخدم الفزاعة الايرانية ضد اسرائيل في وجه امريكا لمصلحتنا

تفاعل خلاق يبنى على
اياد الجصاني -

غاب عن الكاتب للاسف الاشارة الى زيارة احمدي نجاد للعراق وترك البعد التاريخي في علاقات ايران بالعرب كمنطلق لمقالته قبل كل شئ وكان بالامكان التركيز اكثر على انواع التفاعل الخلاق بين الجارتين ايران والعراق او دول الخليج لابعاد شبح الحروب وبناء السلام في المنطقة.

تمدد طهران و محكه!.
الـــجـــعـــفـــــي -

ركز الكاتب على أكثر المواضيع السياسية حساسية في الوضع الخليجي الملتبس.و الحقيقة انه لم يعطنا الجردة الكاملة للنجاحات و الإخفاقات السياسية الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد إحتلال أفغانستان عام 2001 ,و العراق عام2003, مقارنة و قياسا بالعهد الأمبراطوري البهلوي البائد ,الذي كان يوصف بدركي الخليج,و النائب المعتمد للقوى الغربية في المنطقة العربية و الإسلامية.تميز العهد الشاهنشاهي البهلوي منذ حرب1967 و إنكسار و خبو مد القومية العربية إلى التطلع للعب الدور الأساسي السياسي و العسكري و الثقافي في منطقة الشرق الأوسط إلى جانب دولة إسرائيل حديثة النعمة,و إستثنيت منه تركيا لدورها الأساسي في الحلف الأطلسي المواجه للبطن الرخو في جنوب أراضي آسيا السوفياتية البائد.ورغم موجة تحديث الدولة الشاهنشاهية و إصلاحها و تطويرها على النمط الغربي عبر سياسة قسرية مفروضة من الشاه داخليا,لم تراع التوازنات الدقيقة و الإرث الحضاري للمجتمع الإيراني بكل مكوناته ,فهي التي في آخر الأمر أودت بالشاهنشاهية و إنقراضها.لم تكن حرب سنوات 1988/1980 بين عراق صدام و إيران الخميني,إلا فصلا لصراع بائس,إنخرط فيه بحماس عراق صدام و دول الخليج و كل منهم يرتجي تحقيق موقع سياسي محسن لدى القوى الغربية بزعامة و.م.أمريكية,و هذه الأخيرة كان همها,أولا و أخيرا إرجاع إيران الخمينية إلى بيت الطاعة الأمريكي عبثا.لدى تفكك الإتحاد السوفياتي البائد عام1991,و مغامرة صدام البائسة لإحتلال الكويت,أعاد الأمريكيون تقييم حساباتهم,و باشروا حماية مصالحهم بأنفسهم دون البحث عن وكلاء جدد, و قبيل غزو و إحتلال العراق ,.اليأس الأنجلوأمريكي من إستعادة نفط و غاز إيران تلاها البحث عن نقاط إلتقاء مصالح ظرفية مع نظام طهران, و كانت ساحته أفغانستان عام2001 في حدود سياسية و لوجستية ضيقة و العراق عام 2003 على نطاق سياسي واسع و لوجستي شامل,بحكم رعاية و عناية طهران بالمعارضة الشيعية العراقية منذ أوائل الثمانينيات من القرن الماضي و الجوار و الصلات التاريخية و الجغرافية مع العراق.و هذا يؤشر لنقاط إلتقاء ظرفية و ربما لإنتهازية سياسية ميكيافيلية متبادلة من الطرفين,أما نجاحات طهران في الجوار البعيد,فأبرزها تمتين التحالف السياسي و العسكري بينها و دمشق,على أسس إستراتيجية جديدة بعيدة عن المناكفات المعتادة بين جناحي حزب البعث في العراق و سوريا,و تحس

خلافات اقليميةمحلولة
أبو مالك -

ايران ليس لها القدرة (ولا يمكن اذن ان يكون لها نية)ان تمتد وراء حدودها في هذة المنطقة المحاطة والمحصنة سميكا بمصالح الدول الكبرى. يكفيها ويكفي المنطقة باسرها لو تمكنت من المحافطة على استقلالها - وهذه عملة نادرة في المنطقة - وان تتجنب النزاع العسكري مع الغرب فنكون لها جميعا من الشاكرين بوجه الغرب الذي لا يعجبه من احد ممارسة الاستقلاق الفعلي عن ارادته (الكونية). اما خلافاتنا معها - اقتسام شط العرب و واحتلالها للجزر الثلاث وعلاقتها بالعراق الشيعي؟ - فهذه ليست امورا تتوقف عندها الحياة اذا لم نصل لاتفاق عنها بين ليلة وضحاها، ويمكن اذا امكننا بعيدا عن توجيهات مستر دك تشيني ورهطه المكلفين بامر الالهة ان يحكموا الارض بجهاتها الاربعة - يمكننا حينئنذ ان نحلها معها بيسر وسهولة تحت مظلة قواعد حسن الجوار والمصالح المشتركة بين شعوب المنطقة.