جريدة الجرائد

قمة دمشق.. هل ترتقي بالعمل المؤسسي؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عدنان السيد حسين

تتعدد المبادرات العربية لتسوية النزاعات الداخلية أو القطرية قبيل انعقاد القمة العربية في دمشق. هذا عمل بديهي ينسجم مع هدف إنجاح القمة، ويحقق إضافة إيجابية جديدة للعمل العربي المشترك.

قد يُقال: ألم يتكرر هذ الأسلوب منذ مؤتمر القمة العربي الأول في القاهرة سنة 1964؟ مصالحات بين القادة تسبق هذا اللقاء الذي يُعدّ رأس الهرم في العمل العربي، ثم تتبعها نزاعات جديدة وهكذا..

هذا صحيح في سياق توصيف مسار العمل العربي. هذه هي حال الأمة العربية على المستوى السياسي القيادي، وكثيراً ما جرى توجيه النقد او اللوم دونما بلوغ مرحلة العمل المؤسسي.

اتفق القادة العرب في العام 2000 على قاعدة دورية القمة سنوياً. أي أن هذه المناسبة صارت بمثابة مؤسسة، أو هكذا يجب أن تصير، بمعزل عن الظروف الداخلية او الخارجية المحيطة ومن قدرتها على إطلاق العمل العربي المشترك. فالقمة يجب أن تعقد دورياً في دمشق، او في أي عاصمة عربية أخرى. ولهذه القمة صلاحيات واسعة كونها إطاراً يجمع القادة العرب، على مستوى الملوك والرؤساء والأمراء، أي انها قادرة على اتخاذ القرار السياسي. إنها المرجعية الأعلى في العمل العربي من خلال جامعة الدول العربية.

اليوم، تبرز مبادرات لتسوية نزاعات عربية-عربية، بصرف النظر عن العوامل الإقليمية والدولية المؤثرة فيها. هناك مبادرة الجامعة العربية لتسوية الأزمة اللبنانية التي يقوم بها الأمين العام عمرو موسى، وهناك المبادرة اليمنية لتسوية النزاع بين حركتي فتح وحماس في فلسطين، فضلاً عن وساطات مصرية وأردنية وسعودية وليبية في نزاعات أخرى ممتدة من الجهة الآسيوية إلى شواطئ الأطلسي مروراً بشمال أفريقيا..

في الأزمة اللبنانية، ما زالت التسوية صعبة المنال. وقبل توجيه اللوم إلى الأدوار الإيرانية والأميركية والفرنسية، يجب توجيهه نحو اللبنانيين المتنازعين في الداخل، ونحو الأدوار العربية المتعددة التي حوّلت الساحة اللبنانية إلى مواجهات سياسية ودبلوماسية تكاد تطيح بالأمن الوطني اللبناني، وتالياً بالأمن العربي.

وفي الساحة الفلسطينية، ما يزال هدف تجديد منظمة التحرير الفلسطينية المطروح منذ عشر سنوات او أكثر مجرد أمنيات. وهناك اصطفاف فلسطيني داخلي غير مسبوق في خندقين متقابلين، دون احترام خصوصية هذه الساحة الرازحة تحت الاحتلال الإسرائيلي بما ولّده من نزوح ولجوء واعتقالات تعسفية وهدر للإمكانات المادية والبشرية عند شعب فلسطين، فضلاً عن العبث بالمقدسات الإسلامية والمسيحية ذات الاعتبار السامي.

في هذه الساحة لا معنى للسلطة بدون سيادة، ولا تأسيس لدولة فلسطينية إذا كانت مقوماتها تُنسف كل يوم. هل يُعقل أن يُقدم أبناء القضية على تصفية ما تحقق من إيجابيات وبأيديهم؟

تأتي المبادرة اليمنية، وتقدّم أفكاراً واضحة للتسوية. ولا مبرر لطرفي النزاع الداخلي في رفضها، او الالتفاف عليها. إذا كان الهدف الفلسطيني هو مجرد قيام سلطة عاجزة ورازحة تحت الاحتلال، فإن الحال الراهنة ملائمة!

يبدو أن الثقة بآليات العمل العربي، سواء على مستوى جامعة الدول العربية، أو على مستوى تدخل هذه الدولة أو تلك، صارت واهية، او هي في تراجع مستمر. هذا ما يعيدنا إلى فكرة القمة العربية من أساسها، وعمّا إذا كانت قادرة على ابتداع آليات مؤسسية للعمل العربي بعيداً من الخلافات والنزاعات الرسمية، في الوقت الذي تشهد الإقليمية صعوداً تنظيمياً وسياسياً واقتصادياً في مناطق العالم كافة. يفترض إيجاد آليات للعمل العربي على مستوى القمة تسهل دور الرئاسة الدورية. هذه الرئاسة ليست قطرية، ولا يجب أن تعبّر عن سياسة هذه العاصمة او تلك بقدر ما تمثّل العمل العربي المشترك بين الدول العربية. فإدارة المفوضية الأوروبية- على سبيل المثال- لا تمثّل دولة معينة في الاتحاد الأوروبي، كبيرة او صغيرة، وإنما تمثّل مصالح الاتحاد وقراراته النافذة. لنعترف بأن هذه المسألة ما تزال مستعصية التنفيذ في العمل العربي، وكثيراً ما يجري تبديل مكان انعقاد القمة نظراً للخلافات الرسمية التي تتصاعد او تتراجع.

إلى ذلك، ثمة حاجة ماسّة لمراجعة قرارات القمة السابقة، وتبيان ما تحقق وما لم يتحقق. ما هي الأسباب التي وقفت وراء النجاح او الإخفاق؟ لا يوجد نقص في القرارات، او التقارير المتعلقة بالأزمات العربية والمطالب الضاغطة او العاجلة، وبعض هذه التقارير موجود في أدراج الجامعة وعلى مستوى عالٍ من الموضوعية.. لماذا لا تعود القمة إلى القرارات والتقارير بشكل دوري للمراجعة وإبداء الرأي في إطار تصويب الأداء؟

تحتاج القمة العربية، بل والعمل العربي المشترك برمته إلى تعزيز القدرة المالية للجامعة على الإنفاق. ان إخضاع هذه المؤسسة للقرارات السيادية الوطنية دون الأخذ في الاعتبار مصلحة العمل العربي المشترك والجامع من شأنه تعطيل هذا العمل وتبديد ما تحقق في العقود الماضية. كثيراً ما تشكو الجامعة من ضعف الميزانية السنوية، فتعمد إلى تأجيل أو ترحيل بعض أنشطتها، وربما أعمالها الروتينية، إلى وقت لاحق. هذه حال صعبة لا تنسجم مع متطلبات الإدارة المؤسسية.

هناك خلط أحياناً بين الهدف، والاستراتيجية، والسياسة. لايجوز للسياسة المتغيّرة أن تعطل تنفيذ الخطة والاستراتيجية المقررة سابقاً، او أن تعمد إلى تعليق العمل بها ريثما تنجلي الأجواء العربية ويتحقق التوافق السياسي! أما الخطة، او الاستراتيجية، فإنها قابلة للتعديل، خدمة للهدف الذي يجب أن يتصف بالثبات والاستمرار..

هذه من بديهيات الآليات المؤسسية، ولا نخال الدول العربية مهما كانت درجات الوعي والمسؤولية على المستويين الرسمي والشعبي غافلة عنها، او متنكرة لها. ما نحتاجه هو الالتزامية بالهدف، وبالعمل المؤسسي بعيداً من التنازع السياسي الذي يعلو ويهبط تبعاً للمصالح وللظروف الداخلية والخارجية. أما آن للمصلحة العربية العليا ان ترتقي فوق المصالح الفرعية على أهميتها؟ ولماذا نفترض التناقض بين المصلحة الوطنية (القطرية) والمصلحة العربية (الإقليمية)؟

تتجه الأنظار العربية إلى قمة دمشق، لتجاوز ما هو واقع من نزاعات عربية-عربية، ولتبيان المستقبل بالتبصر والحكمة والالتزام بالأهداف، ولمحاكاة التجمعات الإقليمية الأخرى التي صارت معلماً مهماً من معالم النظام الدولي الراهن.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف