جريدة الجرائد

مقتدى الصدر .. الثقل الإجتماعي والدور السياسي

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

محمد الدعمي

للمرء أن يفترض أن المعادلة الأصعب والأكثر إستعصاء على الحل في عراق اليوم تتمثل في الحركة الصدرية ، أي في دور أتباع عالم الدين الشاب مقتدى الصدر من هؤلاء الذين إئتلفوا في تنظيم نصف عسكري يؤدي دوراً حاسماً لا غبار عليه. وكي تكون الفرضية أعلاه ممكنة الفهم والبحث، فإن على المرء تعزيزها بفرضيتين أخريين يمكن إستمكانهما في قلب آليات الأحداث الجارية اليوم، تلك الأحداث التي تسبب إحراجاً وإضطراباً لدى الجهات الفاعلة من صناع القرار، على الجانبين العراقي والأميركي؛ الفرضيتان الأخريان هما: (1) إن الولايات المتحدة الأميركية لم تكن على علم بوجود حركة بهذا العيار الثقيل والواسع، أي أن ظهور الحركة الصدرية بعد سقوط النظام السابق كانت مفاجأة للإدارة الأميركية في كل من واشنطن وبغداد. لذا عاد الخبراء الأميركان إلى الخارطة السياسية العراقية التي جهزوا بها قبل الحرب لمراجعتها خشية عدم ملاحظة الصدريين بداخلها، فلم يجدوا للحركة أثراً يذكر ، كما أزعم. وأغلب الظن أن الذين رسموا الخارطة التي جُهز بها الأميركان قبل الحرب ظنوا، خاطئين، بإمكانية ضم الحركة الصدرية تحت أجنحة الأحزاب والحركات الأكثر شهرة في السابق ، كحزب الدعوة الإسلامية والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية. (2) إن النظرة الدونية التي خصت بها الحركة، بوصفها حركة "مشاكسة" ضعيفة يمكن القضاء عليها بعملية عسكرية مباغتة ومحكمة قادت إلى تقوية الحركة وتبلور أداتها العسكرية المسماة بـ"جيش الإمام المهدي"، الأمر الذي غدا واضحاً في الإخفاق بالقضاء على الصدريين في عملية النجف العسكرية الكبيرة على أيام رئيس الوزراء العراقي السابق، أياد علاوي.
وللمرء أن يتكهن بحجم الحركة وقدرتها على الحسم كذلك من خلال ملاحظة أن الهدوء الذي تميزت به الأوضاع الأمنية في العراق عبر الأشهر الماضية لا يمكن قط أن يحال إلى قدرات الجنرال بترايوس فقط، الذي حظي بـ"كأس البطولة" بسبب تمكنه من استمالة بعض القبائل لمقاومة القاعدة في مناطقها ، ولا يمكن أن تحال كذلك إلى زيادة عدد القوات الأميركية التي أمر بها الرئيس جورج بوش للسيطرة على البقاع الأكثر سخونة في العراق. ربما يكون قرار مقتدى الصدر المهم بتجميد أنشطة جيش المهدي أثناء تلك الأشهر هو الأكثر حسماً والأكثر فاعلية في تحقيق المنجزات التي كان الجنرال بترايوس يتفاخر بها: فبدون تحييد جيش المهدي والحركة الصدرية، بقرار من مقتدى الصدر شخصياً، ما كان بالإمكان بلوغ ما تحقق من تهدئة. والدليل يتشكل تلقائياً في دور الحركة بعد تفجير المرقدين المقدسين في سامراء، إذ تبلورت فاعلية الأداة العسكرية لجيش المهدي على الأرض، كما تجسدت أبعاد الحركة على نحو لا ريب فيه، الأمر الذي يعكس ثقلها وقدراتها الفاعلة.
أما الصدامات العسكرية الجارية هذه الأيام في البصرة والمدن الجنوبية الأخرى، فإنها تمثل فشل الحركات والأحزاب الدينية الرئيسية في ضم الحركة الصدرية تحت جناحها، الأمر الذي يمكن أن يفسر الصراعات الشيعية/الشيعية هناك حيث يستهدف الصدريون مقار حزب الدعوة الإسلامية والمجلس الإسلامي الأعلى وكوادرهما بشكل متواصل ، كناية عن الشعور بالخذلان وبخيبة الأمل، بإعتبار أن القضاء على الحركة الصدرية لا يمكن أن يفسر بدون رغبة أميركية تدفع نحو هذا الهدف. الأميركان، عملياً، يخشون تعاظم سطوة الحركة الصدرية في العراق، نظراً لأنهم قلقون من أن قوتها يمكن أن تقود إلى تأسيس نظام سياسي ثيوقراطي يسيطر عليه علماء الدين على نحو مقارب للنموذج الإيراني. كما أنهم يخشون تبلور سطوة الحركة بطريقة تجعلها هي المفتاح الوحيد والأوحد للإستقرار في العراق على نحو يذكرنا بسطوة حزب الله في لبنان ، إذ تدل الأحداث هناك بعدم إمكانية إستئصال شوكته وتجاوز دوره في اي ترتيب يهدف للإستقرار في لبنان.
إن مقتدى الصدر يعزز من قوته وقدراته بين فئات عريضة للغاية من الجمهور، خاصة في بغداد نزولاً نحو البصرة والفاو على رأس الخليج العربي. وهو ينجح بسرعة في هذا الإتجاه لعدد من الأسباب، وأهمها: (1) تراث عائلته الثر بالعقول الذكية ، مع إشارة خاصة لمحمد باقر الصدر الذي كان يملك عقلاً ذكياً ومتمرداً أهّله لتقديم مؤلفات محترمة من نوع (فلسفتنا) و(إقتصادنا) و(المصرف اللاربوي في الإسلام)، زد على ذلك دوره كمؤسس لحزب الدعوة الإسلامية، وهو الدور الذي قاده إلى الإعدام مع شقيقته. ثم تأتي ذكرى والده وأخوته الذين قتلوا على باب الجامع بعد سلسلة من الخطب الدينية التي شمت منها طموحات سياسية واسعة. (2) إن العقدة الأخطر تتمثل في هيمنة الحركة الصدرية وجيش المهدي على الأقاليم الأكثر أهمية إقتصادية في العراق ، حيث تتبلور هذه الهيمنة على شريان العراق الإقتصادي في المناطق الأكثر غنى بالنفط ، البصرة والعمارة، زيادة على بغداد، خاصة في مدينة الصدر التي تعد خزيناً مهولاً للطاقات العسكرية الشابة التي لو أرادت يمكن أن تفرض سيطرتها على بغداد بالكامل. (3) إعتماد مقتدى الصدر خطاباً مؤثراً يستنهض الروح المعنوية للفئات الأوسع من المجتمع العراقي، وهي الفئات التي كانت، طوال تاريخ الدولة العراقية الحديثة، ضحية للإستغلال والفقر والإضطهاد الطبقي والطائفي، الأمر الذي يبرر تقديمه نفسه في الأحداث الأخيرة كنصير للفقراء. إنه لا يتكلم عن أتباعه فقط ، وإنما يتكلم عن الفقراء والمحرومين والكادحين ، وهي لغة لا يمكن أن تذهب سدى دون أن تترك أثراً مدوياً في نفوس الغالبية العظمى من أتباعه ومؤيديه. وبذلك يفوز الصدر بحصة الشيوعيين في المجتمع العراقي، إذ كان الشيوعيون يوظفون هذا الخطاب لكسب الجماهير الفقيرة من المضطهدين ، خاصة على سنوات المد الشيوعي بين أواسط خمسينيات القرن الماضي حتى سنة 1963، حيث تعرض الحزب الشيوعي العراقي لحملة إبادة شاملة.
وبناء على ما تقدم، فإن للمرء أن يتكهن أن شيئاً من حل القضية العراقية لا يمكن أن يتحقق دون المرور بالحركة الصدرية وبأداتها المسلحة، جيش المهدي، علماً بأن هذه الحركة لم تزل لغزاً غامضاً بقدر تعلق الأمر بطبيعة تنظيمها وبطرائق تعريفها، فهل هي حزب سياسي سري أم أنها حركة سياسية يمكن أن تذوب بمجمل العملية الديمقراطية البرلمانية الجارية الآن. وهذه كذلك نقطة تثير الإهتمام، حيث أن هناك هواجس قوية في أن الإنتخابات البرلمانية، لو أجريت الآن، فإنها ستقود الحركة الصدرية إلى موقع أكثر أهمية مما يتوقعه الكثيرون.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لا فائدة من التلميع
ابو الوليد -

الكاتب يصوّر الحركة الصدرية وكإنها منبع ومفتاح الحل للعراق المضطرب..أخي أن الصدريين بصورة عامة هم من الطبقة المسحوقة الجاهلة في المجتمع ، ..وجيشها عميل لأيران ..وقد إنخرطوا تحت مايسمى اليوم التيار الصدري نتيجة لفقرهم المدقع..أن التيار الذي يقوده مقتدى الصدر لا يبني مجتمعا لأنه.... ولا يمتلك رؤى مستقبلية للعراق..إن مقتدى الصدر نفسه رجل مضطرب الأفكار ..لقد كان ينتقد رجل الدين السيد السيستاني كون أصوله فارسية..لقد نسي مقتدى الصدر إن سلمان كان فارسيا وكذلك الامام البخاري(فارسي أو تركي)..ثم يعود مقتدى ليكمل دراسته في إيران..أذا كان القائد مشتت الأفكار فكيف بالناس التابعين له..إني أرى التيار الصدري إالى زوال لإنه تيار عنف وظلم والله لا يحب الظالمين بل إن الله تعالى هو خصم الظالمين....

مقتدى الصدر
ابو على -

ان على مقتدى الصدر ان يترك هؤلاء الذين جائو مع الحتلال ويضع يده مع المقاومه الشريفه حيث على مقتدى ان يتذكر كيف وقف معه اهل الفلوجه البطال ولتكن البصره انطلاقه لمقاومه الشريف وان البصريون بسرعه سوف يرون ان المالكى وعصابته هم عملاء امريكيون وهاهى الطائرات المريكيه تقصف الناس العزل كيف يسمح المالكى قصف الناس بالطائرات اين تسقط هذه القنابل يامالكى اتقى لله

والله عيب
بيرس داوود سليمان -

الله يرحمك يا بو عداي والله كنت دواء للعراق

المقاومة واجب شرعي
ابن العراق المهجر -

اقول لمن لا يعلم ان التيار الصدري هم العراقيون العرب الاصلاء وهم المظلومون في زمن صدام وفي زمن بوش واعوانه من عملاء وخونة.ولا انكر ان للتيار اخطاء فادحة كاصراره على الاجتثاث واليوم وصلته نار الاجتثاث لان البعثيين هم عراقيين عرب ايضا.وليعلم الجميع ان العراق اليوم بيد الزعامات الكردية والزعامات من ما يسمى بالتبعية الايرانيه(وهم عراقيون من اصول ايرانيه ارتكب بحقهم صدام اعظم جريمة عرفها التاريخ واليوم همهم الانتقام وزعيمهم الحكيمين عبد وعمار)وحزب الدعوة الذي يلعب دور العميل الاول للامريكان بقيادة نوري.وعلى كل عربي ان ينصر التيار الصدري لان البديل امر وهو تقسيم العراق وتسلط المجلس التبعي على الشيعة العرب.

رد على من علق
علي الخفاجي -

ياابو الوليد انت الجاهل وربما انت من الذين كاموا في ملاهي لندن وجائوا من اجل المال والدولار الامريكي اكرمنا بسكوتك. الاخ ابو علي لم نرى مقاومة شريفة في العراق وهل تقصد القاعدة بالمقاومة الشريفة؟اكرمنا بسكوتك انت ايضا اما المدعو بيرس داوود فاقول له الله يحشرك مع صدام

تعليق على الاحداث
نزار العراقي -

ان ما يحدث في البصره الان هو اجتثاث لعصابات مجرمه عاثت في البصره فسادا ونهبا لثرواتها اللتي هي بالتالي اهم ثروات العراق فلماذا يتدخل التيار الصدري للدفاع عنها لو هي مثل ما يكول المثل العراقي (البعبه طلي ايمعمع)واخيرا اقول ان المخلص لوطنه لا يرفع السلاح بوجه اخوته وان يكون سندا للحكومه في محاربة الفساد