من المستفيد من عسكرة العلاقات الدولية ؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أحمد القديدى
"اني أسمع قعقعة سلاح الجنود المدججين وأرى أشباح المواجهات القادمة !"هذه الجملة المعبرة الواضحة ليست من قولي ولا من تخميني بل قالها لي الصديق الجنرال الفرنسي كريستيان كيسنو القائد العام للقوات الفرنسية الملحق بقصر الاليزيه سابقاً في عهد الرئيس فرنسوا ميتران والمسؤول الفعلي على مدى سنوات عديدة عن مفتاح السلاح النووي الفرنسي في أعلى قمة السلطة هنا في باريس، أي أن كلام الرجل يصدر عن خبير استراتيجي وعسكري وليس عربياً بالمرة حتى لا يقال لي: نحن العرب مصابون بعقدة التآمر، بل إنه كلام عريف بخفايا العلاقات الدولية وهو يرأس اليوم لجنة الدراسات للدفاع الوطني بباريس ونشارك معا في عديد المؤتمرات الأوروبية الباحثة في السياسات العالمية. والجنرال كيسنو سبق أن عمل في الشرق الأوسط وكان هو الوسيط عالي الرتبة في بيروت حين غادرها الزعيم ياسر عرفات طيب الله ثراه في سبتمبر 1982. وهو يدرك بثقافته الواسعة الشاملة وتجربته الميدانية الطويلة أن العالم في2008 ينذر بانفجارات متنوعة المنطلقات ومختلفة الأصناف سيعاني منها جيلنا على مدى عقود قادمة تحركها قوى خفية متسترة تعمل في الظل لاشعال فتيلها ولكنها هي المستفيدة الوحيدة من احراق الأخضر واليابس على الأرض.
ولتفكيك هذه الآلية الجهنمية التي تتحرك في مجال السياسة والاقتصاد والمالية والسلاح طالما تبادلت الرأي مع زملاء أوروبيين وأمريكيين تجمعني بهم علاقات جامعية وصداقات شخصية مثل الأستاذ فيليب جوليب أستاذ العلوم السياسية البارز في الجامعة الفرنسية وهو أمريكي الجنسية يدرس علم ادارة الأزمات السياسية هنا في باريس وجمع من المسؤولين وأصحاب القرار في الغرب وكذلك الصديق بيار شيكيه الذي يعتبر أب البرنامج الفضائي الأوروبي والمؤسس والمدير السابق لمركز اطلاق برنامج (أريان) في جزيرة كورو، والأستاذ باسكال بونيفاس مدير المركز الفرنسي للعلاقات الدولية. وقد لمست لدى هذه الشخصيات وبنسب متفاوتة لكن متقاربة شعورا بأن العالم ينزلق الى مواجهات غير محددة المعالم بين الأمم، وليس كما يتبادر الى الذهن بين الغرب والاسلام حصريا لأن الذين يستفيدون من اندلاع حرب محدودة أو كونية شرعوا مثلا يغذون العداء والجفوة بين الولايات المتحدة والصين من جهة، وبين الولايات المتحدة وروسيا من جهة ثانية الى جانب اذكاء الفتنة القديمة بين الغرب كله والعالم الاسلامي كله.
فباتجاه الصين نلاحظ التلاعب بملف مقاطعة (التيبت) لاحراج بكين وافشال الألعاب الأولمبية فيها، لأن الصين بدأت تنافس الأمبراطوريات التقليدية في عقر ديارها وتحرمها من مناطق نفوذها التقليدية في آسيا وافريقيا لا بالهيمنة السياسية بل بالفتوح الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية، أما باتجاه روسيا فالمناورة تقتضي بتر أطراف اتحاد الجمهوريات الروسية تدريجيا الى أن ثارت ثائرة بوتين حين بدأ حلف شمال الأطلسي يفتح الباب لعضوية جورجيا وأوكرانيا لتطويق روسيا القيصرية التاريخية بحبل من مسد لن تستطيع منه فكاكا، وقد وجه الجنرال الروسي (يوري بالينسكي) قائد الأركان يوم الجمعة11 أبريل انذارا مخيفا للغرب في حال انضمام جورجيا وأوكرانيا للناتو، حيث قال بوضوح إن روسيا ستلجأ للسلاح، والى وسائل أخرى أبعد لأن أمنها يصبح في خطر. والطبع فان المفهوم من الوسائل الأخرى هو السلاح النووي. وعن المواجهات العديدة مع العالم الاسلامي فحدث ولا حرج، فالقوى الانجيلية بجناحيها السياسي والكنائسي تشن ضد المسلمين حربا شعواء بلا هوادة يمتزج فيها الايهام بالتدجيل والباطل بالتهويل والتجني بالتنكيل، اعتمادا على تعلات مصنوعة على قياس فهم الرأي العام الغربي مثل الملف الايراني أو احتواء القران على بذور الارهاب. فنحن نقف حسب رأي هذه النخبة التي أتواصل معها أمام منعطف خطير يمكن أن يجر الانسانية الى بلاء عظيم وكرب مستديم. والسبب في تسارع مساعي الداعين للمواجهات هو اقتراب الموعد الدستوري الأمريكي لتغيير الرئيس بوش بمن يأتي به الشعب الأمريكي من بعده يوم الرابع من نوفمبر 2008. فهؤلاء بدأوا يشعرون بالخوف بل باليتم لو ابتعد الأنجيليون عن مواقع القرار في البيت الأبيض، وقد كتب أحد المتعصبين وهو المفكر الأمريكي الفرنسي (ألكسندر أدلر) في صحيفة (لوفيجارو) هذا الشهر مقالا بعنوان: (العالم بدون أمريكا) يطلق فيه صيحة فزع على اثر معارضة القائد الأمريكي العسكري الأميرال فالون للحرب في العراق وفي أفغانستان ورفته من الخدمة العسكرية من قبل الرئيس بوش، ويؤكد هذا المفكر المساند دوما لاسرائيل بأن العالم سيفقد توازنه ويفقد الغرب تفوقه اذا ما تخلت الولايات المتحدة عن المواجهة! والمواجهة التي يدعو اليها (أدلر) هي مع الاسلام والصين وروسيا لتحجيم أية قوة طموحة تنافس الغرب وتهدد اسرائيل! وهذا هو مربط الفرس في النفخ في صور الحرب. تقول النشرة الاستراتيجية الأمريكية الأسبوعية (ستراتيجيك ألرت) في عددها يوم10 أبريل الجاري بأن مؤتمر القمة لحلف شمال الأطلسي الذي انعقد في بوخارست مطلع الشهر في القصر الذي بناه الديكتاتور شاوشسكو أعاد تشكيل الحلف على أسس جديدة وغير مسبوقة بحيث فعليا يحل الحلف محل منظمة الأمم المتحدة وعوضها، فالقانون الدولي الذي أنجبته المنظمة الأممية بعد كارثة الحرب العالمية الثانية لم يعد هو المصدر الرئيسي لتنظيم العلاقات بين الدول وبالتالي لم تعد للدول الأعضاء في المنتظم الأممي أية كلمة وأي صوت أي في الواقع تصبح الولايات المتحدة رأس الحلف وجسمها الأوروبي هما أصحاب القرار الأخير في معالجة الأزمات الدولية حسب مصالح دول الحلف وحدها بدون الرجوع الى أي ميثاق مزعج ومعطل كانت الأمم المتحدة بالرغم من ضعف امكاناتها تصد به القوى العظمى وتحمي به الشعوب المستضعفة.
إن نذر المواجهات تتراكم في غرب تعصف به أزمة النظام النقدي العالمي المنهار، والتي ترافقها أزمة قيم حضارية مما جعل المراقبين النزهاء يتوقعون أن ينتفض هذا الأسد الأمبريالي الجريح الذي يحركه الثعلب الماكر الجاثم على فلسطين منذ ستين عاما. فلينهض العرب على الأقل بالحيرة والتناصح قبل فوات الأوان.