جريدة الجرائد

عن دلال المغربي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الياس خوري

امس انتهت حرب تموز (يوليو) 2006، مع اقرار الحكومة الاسرائيلية صفقة التبادل مع حزب الله ، التي وصفها رئيس الوزراء الاسرائيلي اولمرت بالكلمات التالية: اسرائيل ستعرف حزنا لا يوازيه سوي الاحساس بالذل، نظرا للاحتفالات التي ستقام في الطرف الآخر .
الحزن والذل، هذا هو حصاد الغطرسة التي وسمت السياسة الاسرائيلية، منذ تأسيس الكيان الصهيوني علي ارض فلسطين عام 1948. غطرسة قادت الي حرب تموز (يوليو)، حيث اعتقد الاسرائيليون ان التفوق الجوي يسمح لهم باستباحة الأرض، وان الجبروت العسكري يسمح لهم بفرض مقاييسهم العنصرية علي الآخرين.
امس انتهت حرب تموز بالخزي، مقدمة درسا بليغا عن اهمية الصمود، وقدرة الفلاحين المتمسكين بأرضهم علي اذاقة اكبر جيش في الشرق الأوسط الهوان.
الفرحة بعودة الأسري يجب ان لا توازيها سوي الفرحة بعودة الذاكرة. اذ سوف تقوم اسرائيل باقفال مقبرة الأعداء وتسليم جثث الفدائيين والمقاومين.
من بين جميع الاسماء استوقفني اسمها، دلال المغربي، وردة فلسطين. ابنة اللد التي كانت اول قائدة عسكرية في تاريخ النضال الفلسطيني المعاصر، والتي قادت اجرأ عملية فدائية في تاريخنا. الفتاة التي ولدت في مخيم صبرا عام 1958، وسقطت شهيدة في الطريق الساحلي بين حيفا وتل ابيب يوم السبت 11 آذار (مارس) 1978، بعد واحدة من اروع مغامرات البطولة في تاريخ المقاومة.
قبل ان تقود مجموعة مؤلفة من احد عشر فدائيا الي ارض الوطن، من خلال زوارق مطاطية، تم اتلافها وتدميرها لحظة الوصول الي الشاطئ الفلسطيني، كتبت دلال المغربي وصيتها، التي تقول:
وصيتي لكم جميعا ايها الاخوة حملة البنادق، تبدأ بتجميد التناقضات الثانوية، وتصعيد التناقض الرئيسي ضد العدو الصهيوني، وتوجيه البنادق كل البنادق نحو العدو. استقلالية القرار الفلسطيني تحميه بنادق الثوار ...
ابنة العشرين، التي لم ترَ فلسطين الا لحظة الموت، قادت مجموعة من الفدائيين تضم: محمود علي ابو منيف (نابلس)، يحيي محمد سكاف (طرابلس- لبنان)، خالد محمد ابراهيم (فلسطين)، خالد عبدالفتاح يوسف (طولكرم)، محمد مسامح (طولكرم)، محمد حسين الشمري (اليمن)، محمد الشرعان (لوبيا- فلسطين)، محمد فضل اسعد (حيفا)، عبدالرؤوف عبدالسلام (اليمن)، عامر عامرية (المنية- طرابلس)، حسين ابراهيم فياض(خان يونس)، علي حسين مراد (صيدا).
فتاة في العشرين، سافرة الملامح، سمراء، واسعة العينين، تقود عشرة شبان في مثل عمرها، ينتمون الي فلسطين ولبنان واليمن، لا هدف لهم سوي الوصول الي الأرض، واعلان هويتها بدمهم المسفوك. ركبوا باخرة تجارية، وعندما وصلوا الي محاذاة الساحل الفلسطيني رموا زورقيهم المطاطيين في البحر، ثم رموا انفسهم وتسلقوا الزورقين، وعندما وصلوا الي شاطئ حيفا، اتلفوا الزورقين، معلنين ان العائد الي وطنه لا يعود من عودته، ومضوا الي موتهم في باص اسرائيلي مليء بالركاب. اعلن مناحيم بيغن، رئيس وزراء اسرائيل ان الشرطة الاسرائيلية احرقته، وقتلت من فيه، لأنه لم يتوقف عن اطلاق النار.
تعالوا نتأمل اليوم، ونحن نستعد لاستقبال رفات دلال المغربي ويحيي سكاف ورفاقهما، دلالات تلك العملية البطولية، كي نقرأ من خلالها جزءا من تاريخنا الذي يجب ان يبقي حيا في الذاكرة، ودرسا نتعلم منه، ونستلهمه.
اطلق ابو جهاد الوزير، القائد الاسطوري لفتح علي المجموعة اسم مجموعة دير ياسين، كما اطلق علي العملية اسم عملية الشهيد كمال عدوان. وفي الاسمين دلالات كبري. دير ياسين سوف تبقي محفورة في ذاكرة الدم والألم، وكمال عدوان، الذي كان قبل ابي جهاد، المسؤول عن القطاع الغربي في فتح، (اي عن العمليات العسكرية في الارض المحتلة)، سوف يلاحق دمه المراق القتلة الي نهاية الاحتلال.
جاءت العملية وسط شعور المقاومة الفلسطينية بما يشبه الحصار في لبنان، علي اثر دخول الجيش السوري الي البلد المنكوب بالحرب الأهلية، فأعادت الأمور الي نصابها، اي الي التناقض الرئيسي، الذي لا يستطيع النظام العربي مصادرة او ابتلاع المقاومة، اذا تمسكت به. هكذا استعادت الثورة قدرتها علي المبادرة، وكسرت الحصار.
كما ان العملية جاءت لتذكر العدو الصهيوني ان اي اتفاق مع النظام العربي من دون استعادة الحقوق الفلسطينية سوف يتمزق. فقامت دلال المغربي ورفاقها بتمزيق اتفاق كامب دايفيد قبل ان يوقع، واعلنت ان فلسطين ملك لابنائها وللمقاتلين في سبيلها.
تألفت المجموعة من مقاتلين فلسطينيين ولبنانيين ويمنيين، اي ان الوحدة بين العرب تصنعها فلسطين، وان هذا الأفق الفلسطيني كان وسيبقي هو الأفق العربي الوحيد.
واخيرا تأتي المرأة، امرأة تقود المعركة، وبذا تعلن الثورة المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، وتسقط المحرمات كلها.
في الوصية التي كتبتها دلال درس بليغ لرفاقنا واخوتنا في فتح وفي بقية المنظمات الفلسطينية، انه درس المقاومة والوحدة، والتركيز علي التناقض الرئيسي مع الاحتلال، وان البنادق كل البنادق يجب ان توجه نحو العدو. البندقية التي ترتفع في غير مكانها تخون عهد الدم وعهد الأرض.
بعد استشهاد دلال المغربي، التي اتخذت لنفسها اسم جهاد، وبعد الصورة التي نشرها الاسرائيليون لدلال شهيدة في ارض المعركة، اعلنــــــت والدتها انها تريد لابنتها ان تدفـــن في فلســــــطين. وضع الاسرائيليون جثة دلال ورفاقها في مقبرة اطلقوا عليها اسم مقبرة الأعداء في شمال فلسطين.
واليوم سوف تعود دلال الي المخيم المدمر، ولن تجد قبرا سوي في المسجد الصغير داخل مخيم شاتيلا الذي حوله الفدائيون خلال حرب المخيمات الاجرامية مقبرة. سوف تنام مؤقتا الي جانب علي ابوطوق ورفاقه، قبل ان يجيء الزمن، وهو آت لا ريب في ذلك، حيث ستجد رفاتها الراحة الأبدية في مدينتها الصغيرة اللد.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
amazing dalal-hero
aallaaho akkbbarr -

my tears are washing my sins now

في القلب انت يادلال
سليم المغربي -

في القلب انت يااخت الرجال يا من سطرت انت والاحدى عشر شهيد بدمائكم سطور المجد والكرامة يامن قدمت روحك فدا الدين وفدا تراب فلسطين

لا تنس
عقله -

لا تنس يا إلياس أن لبنان دفع غالياً ثمن هذه الرفات . 10 مليار دولار و 1200 قتيل. أليس عيباً أن تنسى كل هذا وأنت من يأنف العيوب ؟

شكرا
alsa -

شكرا يا الياس اللبناني ، ارجو لن يقرأ مقالك ذوو الرؤوس الحامية في غزة ورام اللة .

شكراً لك
فاتن خالد -

شكراً لك أيها الأديب والمناضل والمفكر الإنسان العربي اللبناني على حفظك لذاكرتنا الحرة. ما زلت أذكر كلماتك حول معسكر أنصار. كانت الحرية آنذاك لا تتجزأ والفكر حصيف والإرادة صلبة والأفق أوسع والأبطال حقيقيون. كما قال محمود درويش اقرأ باسم الفدائي الذي صنع من جزمته أفق. أظن أن جيل الكاتب عاش تجربة قلما يحدث مثلها في التاريخ، ولا يبقى له ولنا سوى أن نحدث الجيل الجديد عن هذا الزمن الرائع، زمن الحرية الكاملة والرموز. لدلال ورفاقها وردة وقبلة.

شكرا الياس خوري
ام ادهم-فلسطين -

كتاباتك التي اقراها باستمرار تحيي في قلوبنا نحن الشعب الفلسطيني بعض الامل00وتذكرنا وتعلمنا عن شخصيات وطنية جميلة00بعد ان كدنا نغرق في الياس من انفسنا ومن اي حل00بعد ان اختلف زعماؤنا على كرسي لا يملكونه00وعلى معابر مفاتيحها ليست بايديهم000وبعد ان اقسم المثقفون هذا يناصر فتح والاخر يناصر حماس ذات اللعبة التي لعبتها الانظمة معنا ولعبها العالم (الحر)على حساب امننا وتعليمنا ولقمة عيشنا00000شكرا لمقالك الذي احزنني جدا على حالنا الان بعد ان اصبحت المقاومة لها الف اب واب00وبعد ان اصبحت المقاومة الف فصيل وفصيل دون ان يتفقوا على شئ000

ما أروعك...
نابلسي بجد -

ما أروعها من سيرة... و ما أشجعها من قائدة ميدانية... رحمك الله تعالى يا وردة فلسطين... و جمعك بالصديقين و الشهداء... شكراً لك أ. الياس...

وردة فلسطين
علي حسين -

فلسطين تجري بدمائنا نحن العراقيين كقضية عادلة لبلد مسروق من اهله بغض النظر عن مواقف بعض الفلسطينيين الذين ينتصرون لجلادنا ويرقصون لمآسينا,نجن شعب يعشق الحق والعدل ويكره الظلم وهذا ديدينا على طول التاريخ ويفسره الجهلة بالشقاق والنفاق ويفسره العارفون بحب هذا الشعب للحق وعنفوان ابناءه وكبريائهم مما يجعلهم يثورون على الحاكم اذا كان لا يستحق ان يحكم شعبا عريقا مثل الشعب العراقي, نحن مع قضية فلسطين ونؤمن بان الصح هو الذي يصح في النهاية وتحية لروح دلال مغربي وردة فلسطين الندية.

Dalal
Hassan -

This is a wonderful article. I love it. Ilias, you are a very very good writer...Good luck. Dalal El-makhribi and all martyrs will stay in our minds and our kid’s minds

ألف تحية لدلال
عائشة المغربية -

ألف تحية لدلال ؤ كل المقاومين الشرفاء