في الخلاف الشيعي - السني

خليل علي حيدر

قرأت رد الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي حول القضايا المثارة بين السنة والشيعة، ورد الشيخ فضل الله والشيخ التسخيري ووكالة "مهر" الايرانية، واعتقد جازما ان الآراء التي عرضها الشيخ القرضاوي جاءت متزنة واضحة مقنعة صريحة، حول الخلاف المذهبي، ومسائل الاتفاق وعدم التوافق، وبخاصة اذا اخذنا في الاعتبار الجو الطائفي المريض الذي يعم المنطقة، حيث نجح الشيخ د.القرضاوي في اشهار موقف "سني" واضح خال من التهجم ومن المجاملة والمداراة في الوقت نفسه.

وبيان الشيخ القرضاوي موضع تقدير كذلك بسبب عنف الهجوم عليه والاتهامات التي رافقت هذا الهجوم التي لم تفقد د.القرضاوي موضوعيته الدقيقة في الرد وبيان جملة رؤية اهل السنة ومؤسساتها العريقة، وبخاصة الأزهر الشريف وشيوخه الكبار وعلى رأسهم المرحوم الشيخ محمود شلتوت، الذي بذل جهوداً كبرى في تجسير الخلاف الذهبي بين الجانبين، واصدر عام 1958 فتواه المعروفة بجواز التعبد بالمذهب الجعفري.

ان نصف قرن وازيد من محاولات "التقريب بين المذاهب" لم تحقق الكثير، وازداد الوضع تعقيداً بعد الثورة الايرانية عام 1979 والحرب العراقية الايرانية ثم سقوط النظام في العراق عام 2003، وما رافق ذلك كله من تنامي تسييس المذاهب وتزايد قوة ونفوذ الاحزاب الاسلامية وهو توجه لا يمكن الا ان يؤدي الى تزايد المخاوف المذهبية، بعد ان امتلأ المذهبان بالأهداف والشحنات السياسية، كما رأينا بوضوح في لبنان والعراق ودول اخرى.

لماذا تحمل المذاهب الاسلامية كل هذه المخاوف السياسية؟ لماذا يكمن الخلاف العربي - الايراني خلف هذا المذهب او ذاك؟

لماذا لا يكترث احد في البلدان المتقدمة كأوروبا وأمريكا بالقناعات والتحولات المذهبية، بينما تثير مثل هذه التحولات مخاوف لا حصر لها في بلاد المسلمين منذ قرون طويلة؟

الدقة والوضوح في رد الشيخ يوسف القرضاوي، القبس 2008/9/19، ينقل الخطوة القادمة الى الجانب الشيعي، ينبغي ان توضح المرجعيات الشيعية، المؤمنة بولاية الفقيه وغير المؤمنة بها العربية منها والايرانية، كيف تنظر لنفسها، وللعلاقات السنية - الشيعية، وللموقف من القضايا التي تثار دائما والتي اثار بعضها الشيخ د. القرضاوي. ولأوضاع السنة في ايران، ولحرية المسلمين في اختيار المذاهب، ولمسائل كثيرة اخرى.

الشيعة والسنة كلاهما في وضع جديد في هذه المرحلة، لدى اهل السنة في الخليج والعراق وايران وغيرها مخاوف من انتشار التشيع لما يتضمن ذلك من نتائج سياسية ولدى الشيعة مخاوف من نتائج حملة الكراهية والتكفير والمحاصرة المذهبية، والواضح من التهجم الجرح الذي تعرض له د. القرضاوي وردوده على النقاط المثارة ان المصارحة باتت ضرورية بين الطرفين.

بالمناسبة، هل من الحكمة تسليم ملف "التقريب بين المذاهب" الى رجال الدين وحدهم، اين رجال الفكر والسياسة والاقتصاد؟ اين دور الليبراليين؟