حماس وأنموذج حرب تموز 2006
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
سركيس أبو زيد
اتخذت اسرائيل قرار الحرب على غزة لتسترد قوة ردعها المكسورة ولتتخلص من حماس ولحشر قوى المقاومة والممانعة والدفع بها نحو تسويات مذلة. وعلى الرغم من ان مصادر تشير الى معارضة اوروبية وأخرى اميركية للعملية في أثناء فترة التحضير لها، نظرا لفشل أي نتيجة فعلية لها، ولقناعتهم بأن العملية ستفشل. فصحيح ان الدبابات الاسرائيلية ستنجح في الوصول الى ساحة غزة، لكنها لن تستطيع المكوث هناك، بل ستضطر للانسحاب سريعا مع جنح الظلام، كونها ستواجه حرب عصابات هي اضعف من الدخول فيها.
أصرت اسرائيل على عدوانها وبدأت بتنفيذه. فأي رسائل أرادت توجيهها؟ وما هو هدفها الحقيقي من عدوانها ومجازرها؟ وهل تستطيع حماس التصدي لها؟
إن الأهداف المباشرة للعملية الاسرائيلية حددت بشكل "مطاطي" بدءا من "وقف الصواريخ" مرورا بـ"تغيير قواعد اللعبة وشروط التهدئة"، وصولا الى "إنهاء حكم حماس والوضع القائم في غزة". ولكن العملية العسكرية"المتدرجة أو المتدحرجة" في مجرياتها تعكس قرارا بتصفية حركة حماس وتدمير بناها التحتية.
أما الأهداف غير المباشرة فيمكن تحديدها في ثلاثة أهداف أساسية:
- استعادة قوة الردع الاسرائيلية التي تضررت الى حد كبير في حرب لبنان العام ٢٠٠٦ الى درجة ان اسرائيل فقدت هيبتها ولم يعد في وسعها احتواء خطر حماس، فكيف بأخطار أشد وأدهى.
- احداث تغيير جذري على الأرض وفرض أمر واقع جديد قبل تسلم الرئيس الاميركي الجديد باراك أوباما ليكون هذا الواقع أساسا للسياسة الاميركية المقبلة ولأي مفاوضات فلسطينية - اسرائيلية يكون فيها الموقع التفاوضي لاسرائيل قويا ومعززا.
- تحسين وتعزيز فرص فوز تحالف ليفني (كاديما) باراك (العمل) في الانتخابات المقبلة، وحيث لم يكن من الممكن تعويم الوضع الشعبي للائتلاف الحاكم الا عن طريق هذه الحرب بعدما حقق بنيامين نتنياهو تقدما كبيرا وبات بحكم المؤكد ان اليمين المتطرف بزعامة الليكود سيتولى الحكم. من الواضح ان حرب غزة ٢٠٠٨ هي النسخة الفلسطينية لحرب لبنان ٢٠٠٦ من حيث الأهداف الاسرائيلية الموضوعة للعملية العسكرية (اخضاع حماس الآن وحزب الله من قبل)، ومن حيث الطريقة التدميرية المنهجية المتبعة في عمليات القصف الجوي. ولكن مع فارقين هما: أولا ، الغطاء العربي المفضوح للعملية الاسرائيلية على غزة، والموقف الدولي الأخرس والموقف الاميركي والرباعية الدولية المشجعة والمتفهمة للعدوانية الاسرائيلية.
في الواقع تتصرف اسرائيل في معركة غزة من خلفية انها تريد الخروج منها بانتصار واضح لا لبس فيه، ولا تريد حربا تنتهي الى "تقرير فينوغراد" جديد. وأكثر من ذلك تريد اسرائيل من خلال حرب غزة "الثأر" لحرب لبنان ورد الاعتبار واستعادة قوة الردع ومحو كل آثار "تموز ٢٠٠٦" السياسية والنفسية والمعنوية والعسكرية. يضاف الى كل ذلك العامل الانتخابي الذي يضغط على ليفني وباراك ولا يسمح لهما بأدنى خسارة في هذه المرحلة. اسرائيل تتصرف من خلفية انه لا يمكن لها ان تحتمل خسارة حربين في سنتين، فكيف اذا كانت الحرب الثانية تجري جغرافيا في عمقها وليس على حدودها وتقع سياسيا عشية انتخابات فاصلة في ظل أزمة قيادية سياسية تعانيها. اما الفارق الثاني فيتعلق بوضعية حماس والظروف الصعبة لأهل غزة وانكشافهم امام القوات الاسرائيلية وعدم توفر ملاجئ لهم. لكن تجدر الاشارة الى أن حماس عملت على الاقتداء بالنموذج اللبناني بكل أبعاده، في اعتماد المقاومة خيارا ونهجا، وفي امتلاك القدرات والتقنيات العسكرية والقتالية، لذلك، من المتوقع ان تستعيد مقاومة حماس المبادرة وتحقق اختراقات وضربات للجيش الاسرائيلي في الأيام المقبلة.
وسيناريوهات "حرب غزة"، وتحديدا لجهة كيف يمكن ان تنتهي والى أين يمكن ان تصل، تتوقف أولا على التطورات الميدانية وما سيؤول اليه الوضع في الميدان وعلى الأرض، اذ على ضوء ذلك تحدد التسوية السياسية ويفصل قياسها، وحيث ان نهايات أو مخارج هذه الحرب تتأرجح بين حدين:
- حد أدنى هو "التوصل الى اتفاق تهدئة جديدة" بشروط اسرائيلية وأولها شرط وقف نهائي للصواريخ في جنوب اسرائيل، يقابل ذلك الأخذ بمطلب حماس الداعي الى رفع الحصار وفتح المعابر نهائيا. وهذا المخرج الذي يعني تغيير قواعد اللعبة يتوقف أولا على صمود حماس وعدم قدرة اسرائيل على حسم عسكري واضح وكامل.
- حد أقصى هو انهاء حكم حماس في غزة. وهذا الأمر لا يمكن ان يحصل الا عبر الحسم العسكري والقيام بعملية اجتياح لقطاع غزة واعادة احتلاله. ومثل هذا الحسم يبدو مكلفا وباهظا جدا في الخسائر البشرية والمادية للجيش الاسرائيلي.
فلدى حماس قوة لا يستهان بها، وقد أثبتت حرب تموز 2006 أن صمود المقاومة وقدرتها على ضرب القوات الاسرائيلية في اطار حرب استنزاف طويلة غير متكافئة القوى بين الطرفين، هو أمر لا يمكن لاسرائيل احتماله. وقد قالت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية إن القوة الفلسطينية التي ستواجه الجيش الاسرائيلي، في حال أقدم على اجتياح غزة، تقدر بـ ١٥ ألف مقاتل من حماس موزعين على تشكيلات مختلفة، وسيساعدهم بضعة آلاف من المسلحين التابعين لفصائل فلسطينية مختلفة.
وبحسب "هآرتس" فإن هؤلاء تدربوا في العامين الماضيين مع متابعة حثيثة، في محاولة لبناء النموذج الذي طوره حزب الله. وباعتراف الصحيفة فإن كتائب القسام "نواة قوة حماس"، تتميز بالتدريب العالي والانضباط الكبير.
كذلك تمتلك حماس ألوف الصواريخ وقوات لديها دوافع قوية وجيدة التسليح. ويعتقد أن لديها ألوف الصواريخ قصيرة المدى، إضافة إلى العشرات من صواريخ غراد الأبعد مدى التي يمكن أن تضرب مراكز سكنية اسرائيلية على مسافة تصل إلى 40 كيلومترا من الحدود مع قطاع غزة.
كما يعتقد أن حماس تملك عددا محدودا من الصواريخ التي تطلق من الكتف ويمكن استخدامها ضد طائرات الهليكوبتر أو الطائرات التي تتحرك ببطء، ويصل عدد عناصر كتائب القسام الى ما يزيد على 25 ألف عضو. كذلك فان قوات حماس مسلحة بشكل جيد ولديها دوافع كبيرة ومجهزة ببنادق هجومية وقنابل. ويرتدي بعضهم دروعا واقية ويحملون أسلحة مضادة للدبابات جرى تهريبها أو تصنيعها في الداخل.
ولكن أيا يكن مسار الحرب والتغيير الذي سيدخل على واقع غزة وقواعد اللعبة فيها، فإن التداعيات والنتائج السياسية المرتقبة والتي تتجاوز غزة الى ما هو أبعد وأعمق تظل هي الأهم وأبرزها ما يتعلق بـ:
- المسار الفلسطيني ومصير المفاوضات العرجاء والمترنحة من الأساس بين السلطة وحكومة أولمرت.
- ميزان القوى على الساحة الفلسطينية في ضوء ما سيؤول اليه واقع ومستقبل "حماس" سلاحا ودورا.
- مستقبل الوضع السياسي والشعبي للسلطة الفلسطينية، رئاسة وحكومة.
- نتائج الانتخابات الاسرائيلية وأي تأثير سيكون لحرب غزة التي هي الناخب الأكبر في هذه الانتخابات.
- ميزان القوى الاقليمي في ضوء ما ستنتهي اليه احدى جولات الصراع بين محورين.
- السياسة الاميركية الجديدة التي ستنطلق مع ادارة أوباما من واقع جديد استبقها.
- الوضع العربي "الاعتدالي" في ضوء ما يشهده الشارع من ضغوط على الحكومات والأنظمة.
- مستقبل عملية السلام في ضوء ما تشهده "المبادرة العربية للسلام" من ضغوط وضربات اسرائيلية.
فكيف تختتم حرب غزة؟ وأي متغيرات مفصلية تخبئها للمنطقة؟