جريدة الجرائد

غزّة.. وضرورة تحقيق الاستقلال الثاني

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

بثينة شعبان

حين كتبتُ في الأسبوع الماضي عن الاستقلال الثاني وضروراته قبيل بدء المحرقة الإسرائيلية الحالية ضدّ المدنيين في غزّة، لم يكن ليخطر لي ببال أنني بعد أيام فقط سأكتشف أنّ الموقف الرسمي العربي المتّسم بالعجز الشامل تجاه غزّة سيقدّم دليلاً آخر وتأكيداً إضافياً على ضرورة العمل من أجل تحقيق الاستقلال الحقيقي للإرادة العربية الآن واليوم وليس بعد غد أو بعد ساعات. إذ أنّ قيام عصابة مجرمي الحرب الحاكمة في إسرائيل من قتلة المدنيين بشنّ هذه المحرقة الجديدة ضدّ الشعب الفلسطيني الأعزل من أيّ آلة ردع، بما فيها الدعم الرسمي العربي، قد أظهرت للعيان نقاط الضعف القاتلة في النظام العربي سياسياً وعسكرياً ودولياً. ففي الوقت الذي تناثرت فيه أشلاء الأطفال العرب التي مزّقتها صواريخ ليفني وباراك هذه المرة، وفي الوقت الذي يعلم فيه الجميع أنّ كلّ انتخابات إسرائيلية تقوم على سفك المزيد من الدم الفلسطيني، وفي الوقت الذي نعرف فيه أنّه يجب أن يكون لكل من زعماء إسرائيل مجزرته الخاصة، وهذه هي مجزرة ليفني الأولى، لم يستطع وزراء الخارجية العرب أن يلتقوا، والعديد منهم عندما فعل ذلك كان على مضض، حتى اليوم الخامس من العدوان، وحتى حين اجتمعوا لم يكن لذلك أيّ أثر، فقد تخلّوا رسمياً عن عرب غزّة، وأحالوا المسألة إلى مجلس الأمن الذي تركها، بدعم بوش وأعوانه، للتشاور من أجل منح إسرائيل الوقت الكافي لذبح المزيد من العرب انتقاماً لضحايا الحادي عشر من أيلول، فيما كان الوزراء الأوروبيون قد اجتمعوا في اليوم الرابع للعدوان لأنهم صُدموا بحجم المجزرة. ولنفس الأسباب أيضاً فإن اللجنة الرباعية لم تدع إلى وقف فوري لإطلاق النار إلى اليوم الرابع من العدوان إذ ربما كانوا ينتظرون إيفاء إسرائيل بوعودها باقتلاع المقاومة في غزّة خلال ساعات. ولكنّ ما فرزه هذا العدوان أيضاً عربياً وإقليمياً ودولياً هو حجم التعاطف الإنساني من الشعوب مع المدنيين في غزّه وحقهم في الحرية والكرامة، فقد خرجت شعوب الأرض إلى الشوارع في معظم مدن وعواصم العالم تطلق صيحتها دعماً للأبرياء الذين يذبحون وهم مهجّرون منذ ستين عاماً، ومحاصرون منذ تسع سنوات ضمن سجن إسرائيلي سُدَّت كلّ بواباته بأياد إسرائيلية وضغوط دولية، وفيما أخذ الرئيس بوش وبعض الأوروبيين من دعاة الديمقراطية والتحضّر يعبّرون جهاراً عن استرخاصهم للدم العربي، ويعلنون دعمهم لصواريخ العدوان الإسرائيلي، فيما هم يزعقون ضدّ صواريخ حماس الدفاعية.

ما أشبه الأمس باليوم، إذ أتذكر حين التقتني مراسلة البي بي سي بعد أسبوع من عدوان إسرائيل على لبنان في 12 تموز 2006، سألتني "كيف ستبدو المنطقة بعد حزب الله" إذ أنّ المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين رفضوا وقف قصف المدنيين العرب في بيروت والجنوب لأكثر من شهر على أمل إنهاء حزب الله، قلت لها "هم لا يعلمون عمّ يتحدثون، فلن تستطيع كلّ الهمجية الإسرائيلية اقتلاع الشعب اللبناني من الجنوب". واليوم تفتك آلة القتل الإسرائيلية بالمنازل المأهولة، وبالمدارس، وبالمساجد، والمداجن، والمزارع، والمعامل، والجامعات، وحتى المشافي وسيارات الإسعاف، تماماً كما فعلت في قانا، والضاحية، والجنوب، وتبيد الأسرة تلو الأسرة، والأطفال تلو الأطفال، والنساء تلو النساء آملةً في اجتثاث روح المقاومة من نفوس الشعب العربي المحاصر في غزّة، ولكن كلّ ما تفعله هو إقناع الملايين من شباب العرب وأطفالهم بأنّ نظام إسرائيل هو نظام إرهاب الدولة الصهيونية، تقوم سياسته على السفك الجبان للدماء العربية، وتقوم انتخاباته دائماً وأبداً على ارتكاب المجازر ضدّ المدنيين، وتقوم قوة الردع لدى جيشها على القصف الجبان للمدن العزلاء. ولكن ما هي الدروس التي يجب أن نتعلمها من هذه المحرقة الجديدة كي لا تتكرر أبداً في أيّ بقعة عربية أخرى، خاصّة بعد أن اتضح الأمر بأن آليات العمل العربية الرسمية غير صالحة لمواجهة تحديات اليوم والمستقبل، وبشكل يعتبر بعض العرب أنّ العدوّ هو الصديق وأنّ الشقيق هو العدوّ، فتراهم رحماء مع بوش وليفني وغيرهم من القتلة الذين تلطّخت أياديهم بالدم العربي، ويلتقونهم وأشلاء أطفال غزّة والفلوجة وقانا ما تزال تتدلى من أنيابهم المتوحّشة، وتراهم بالمقابل أشدّاء على أشقائهم من العرب المسلمين فيقاطعونهم، ويحاصرونهم، ويغمضون عيونهم، ويسدّون آذانهم، ويخرسون ألسنتهم، ويميتون قلوبهم عندما يناديهم الواجب تجاه مأساة أشقائهم. بل إنّ المسؤولين الإسرائيليين ما برحوا يشيدون "بالتفهّم العربي الذي مكّنهم من شنّ هذا العدوان على عرب غزّة".

أما العرب فقد فهموا الرسالة بأنّ حكام إسرائيل هم عصابة من القتلة يتنافسون على ارتكاب أبشع المجازر ليفاخروا بها أمام أقرانهم ولتسجّل في تاريخهم السياسي أنهم القتلة الأفضل للعرب، مستفيدين من انهيار النظام العربي، وعجز آليات عمله عن مواكبة التحديات الهائلة التي تواجه العرب، فيما العدوّ يغزو لبنان ثم العراق، ويدمّر الصومال، ويهدد السودان، ويعتدي على سورية، ويرتكب محرقة في غزّة وجرائم يومية ضدّ كلّ العرب هناك، ويتوعّد الحكام بمصير صدام إذا ما تداعوا لنصرة أشقائهم. إنّ الدرس الأول من محرقة غزّة يجب أن ينبع من حقيقة أنّ ما تفعله إسرائيل اليوم بالمدنيين العرب في غزّة يمكن أن تفعله بأيّ حيّ من أحياء المدن العربية، وفي أيّ دولة أخرى، وبأيّ ذريعة تختلقها، وأنّ الأسلحة التي يدفع البعض ثمنها وعمولاتها بالمليارات لن تردع إسرائيل من ارتكاب المجازر ضدّ المدنيين العرب إذا لم تستخدم، ولذلك يجب التفكير بالإعداد لنظام عربي يعتمد مبدأ أساسياً يتمثّل بواجب ردع العدوّ عن ارتكاب المجازر ضدّ المدنيين العرب، هذا المبدأ الأساسي يعني ضرورة امتلاك كلّ أنواع الأسلحة التي تمنع حكام إسرائيل من التفكير بضرب المدن العربية. فلو كان أهل غزّة يملكون كلّ أنواع السلاح الذي يمكّنهم من إنزال خسائر هائلة مماثلة بالإسرائيليين أنفسهم لما تجرّأ حكام إسرائيل على ذبحهم بهذه الوحشية السافرة. ولذلك يجب الكفّ بعد اليوم عن الحديث عن نزع سلاح المقاومة، بل يجب التفكير بتعزيز سلاح المقاومة الذي هو قوة الرّدع الوحيدة حالياً في وجه الاستباحة الإسرائيلية لكرامة العرب، وسلامة أوطانهم، ولحياة أطفالهم ونسائهم وشيوخهم. كما يجب التوقف بعد اليوم عن الحديث عن مجلس الأمن والأسرة الدولية ومنظمات حقوق الإنسان، فماذا فعلوا هؤلاء لحماية أطفال غزّة الذين تدفنهم صواريخ ليفني أحياء تحت أنقاض منازلهم وهم نيام؟ هل تمكّن مجلس الأمن من اتخاذ قرار لوقف محرقة تقع أمام أعين العالم "المتحضّر الديمقراطي" ضدّ سكان مدنيين عُزّل يقعون تحت احتلال غاشم؟ هذا يعني أنه من واجب العرب الوطني تجاه أنفسهم وشعوبهم أن يمتلكوا وسائل الردع التي تحمي حياة أطفالهم وسلامة أوطانهم، كما يجب أن يتوقف البعض عن اتهام هذا الفصيل أو ذاك بامتلاك السلاح بينما يستخدم عدوّنا كلّ أنواع الأسلحة المحرمة دولياً ضدّ المدنيين العرب بمباركة دعاة الديمقراطية الغربية، بوش وبراون وأعوانهم، للفتك بأهلنا من المدنيين العُزّل الذين يبغون العيش بأمان وسلام على أرضهم.

يجب أن يكون لدى كلّ الدول العربية أسلحة تدمّر ليس طائرات الموت الإسرائيلية وحسب، بل والمطارات التي تنطلق منها. ويجب أن نؤسس جيوشاً عربيةً قادرةً ليس على الاستعراض، بل الحرب على مبدأ العين بالعين، والمدينة بالمدينة، لكي نردع هؤلاء السفاحين المزوّدين بالسلاح والدعم الديمقراطي الغربي. ويجب أن نؤسس مؤسسات قادرة على جلب قتلة أطفالنا إلى المحاكم لكي ينالوا الحساب فنردع غيرهم من السفاحين "الديمقراطيين المتحضّرين" المتعطّشين لدماء العرب. هذه هي الدروس المهمة من هذه المجزرة المتواصلة منذ ستين عاماً ضدّ شعب فلسطين، وهذه هي خطة العمل لكلّ أحرار العرب، وعلينا جميعاً أن نعمل كي لا يقع أطفالنا مرةً أخرى تحت أنقاض منازلنا ضحيةً لشهية القتل الإسرائيلية أو لتحقيق رغبة رئيس أمريكي بالنصر في حرب خارجية. إنّ صمود أهلنا الصابرين في غزّة مقابل انهيار النظام الرسمي العربي، سيسرع دون شكّ باستبدال آليات العمل الرسمية المشلولة حالياً، وإرساء الأسس لآليات عمل فعالة جديدة تعبّر عن ضمير الأمة وتحفظ لها كرامتها وتدافع عن حياة أطفالها وأهلها، وتنتصر للمقاومة إلى حين دحر الاحتلال وبناء القوة الدفاعية الرادعة للعدوان، وذلك من أجل تحقيق حلم الخلاص من الوحشية الصهيونية، وحلم الخلاص من مجازرها المتواصلة، وحلم العيش بحرية وبكرامة على أرضنا.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
Israel And Arabs
Arabs -

Minister wants arab armies with long range missiles, whatabout many in Syria, Israel is not as savage as arab goverments. In June 1980, a group of military police tried to kill late Assad. The reply next day was to kill in cold blood 800 sunni political prisoners in Tadmur prison. We heard about it, we were not allowed to see it. Israel is the enemy but they ask people to evacute before their attack, what syrian regime did to Tadmur prisoners?, and we are all sure they were in prison when the attempt on Assad took place, can the minister compare.

الخطر السوري
said -

يا سيدتي ان نظامك السوري هو أحد أكبر المخططيين والمستفيدين من المجازر التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني وقد كان كذلك ولا يزال وإنهليبدو أن حماس لم تدرس التاريخ جيدا ولم تدقق بمراحل المعاناة التاريخية التي جلبها النظام السوري للشعب الفلسطيني بدءً من عام 1970 عهد الأب حافظ الاسدالذي أوقع الفرقة بين المنظمة و الاردن مروراً بالمجازر الكثيرة التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني على يديه ويدي حلفاءه في لبنان منذ مجزرة تل الزعتر مروراً بمجازر طرابلس في البارد و البداوي ومن ثم حرب المخيمات وما بعدها وإلى يومنا هذا ...هذه اليوم عندما ارتمت حماس في أحضان دمشق وصارت قياداتها تأتمر من أجهزة النظام الامنية من فرع الضابطة الفدائية إلى أعلى هرم في فرع الامن العسكري .. هذا اليوم الذي لم يك قبله دم الفلسطيني مباحاً للفلسطيني الآخر خاصة داخل الاراضي المحتلة ذلك لأنه لم يك للسوري من متاح قبل حماس أن يتلاعب بمصير ومقدرات الشعب الفلسطيني . نعم يا حماس إن السوري الذي يمسك زمام قيادتك في دمشق قد خبره و ذاق تآمره الكثير من قيادات الشعب القلسطيني من قبل ويدرك الكثير من الفلسطينين والعرب أنهم شركاء اسرائيل في كثير من المجازر التي كابدها الشعب الفلسطيني و لا يزال .. ولعل مجازر اليوم هي استحقاق السلام السوري مع اولمرت في انقرة .. ولعل ساركوزي هو ضمان المواثيق بين المتفاوضين سراً و المنقذ من المحكمة الدولية على حساب أشلاء أطفال غزة .. ولعل الحملة السورية على مصر هي قمة ذكاء البروبيغاندة الشمولية التي برع فيها النظام السوري و من ثم حلفائه الذين أتقنوا أيصاً فن التخوين ومهارة توجيه الرأي العام نحو متهم مفترض بالعمالة و ذلك بهدف ابعاد الأذهان عن ادراك ما حاكوا في ظلمة مفاوضاتهم السرية .

استقلال الارادة
Barjas Shwesh -

ان الاستقلال الحقيقي للإرادة العربية يبدأ من دمشق و المكبلة بالف كابل، لنبدأ من سوريا ونحررها من نظام قمعي و فردي وعائلي و طائفي وعنصري و تسويفي

...
Sara -

حكى بدري!

الحقيقة
mohd -

عجز وتخلف تحيط بجميع الدول العربية والكل يحمل الاخر ويبرئ نفسه وعندما نادت سوريا بالتوازن الاستراتيجي بعد هروب السادات بمعاهدة استرجاع سيناء هزا العرب من هذا الان نفهم ما معنى التوازن الاستراتيجي وعليه فان الايام قادمة عندما يجد المعتدلون انفسهم مكشوفين امام السيطرة الصهيونية ومايحصل اليوم هو حدودك يا اسرائيل من الفرات الى النيل من يستطيع نكران ذلك لذا فان دعوة سوريا الى التوازن الاستراتيجي هي مطلب قومي ومن هنا نقول بان لسوريا بعد نظر في تحليلها للقضايا العربيةوراجعوا تاريخيا ستكتشفون ذلكوتصبحون على خير يا عرب

سؤال للسيدة شعبان
ابو سامي -

سيدتي بثينة شعبان....لو تخلى نظام اسدكم و ملالي طهران (الحليف الاكبر لكم) عن دس انفيهما الكبيرين في شؤون الاخرين و دول المنطقة,صدقيني ستسير شؤون المنطقة كالساعة السويسرية وكالسكين الحار في الزبدة الدنماركية.لو يكف بعثك العربي الاشتراكي عن توفير الجحور الامنة لرؤوس الارهاب من حماس و الجهاد اللااسلامي وارهابيي حزب نصر الله و اذناب البعث العراقي لعاشت كل دول المنطقة بسلام و الفة وسكينة.ارجو ان تبلغي هذه الكلمات لاسدك (البطل) في دمشق وان تنصحيه ان يلتفت لتحسين ظروف معيشة وحياة الشعب السوري وصرف الاموال عليهم بدل ان يصرفها على الارهاب والارهابيين في المنطقة والعالم وشكرا مقدما لايصالك رسالتي للسيد الرئيس البطل وابن محرر الجولان ومن عائلة الاسود البرية الشجاعة