جريدة الجرائد

خيار الدول الثلاث

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

جون بولتون - واشنطن بوست

تظهر الحرب على قطاع غزة ـ مرة أخرى ـ فشل نموذج الحكم الحالي للشعب الفلسطيني. فالإرهابيون الذين تدعمهم إيران يتحكمون في غزة، كما أن السلطة الفلسطينية منقسمة وربما لا يمكنها استعادة مكانتها، كما أن الأوضاع الاقتصادية منهارة في غزة والضفة الغربية. ويعاني الشعب الفلسطيني من نتائج الصراع بين القوى الإقليمية التي تتصارع من خلال القوى الموالية لها. كما أن إسرائيل لا تعتبر مكانا رائعا كذلك. كما إنها تتحمل الاحتقار من جانب النخبة المثقفة في العالم لدفاعها عن نفسها من الإرهاب، ومع ذلك فإنها ما زالت عرضة للهجمات الإرهابية من حماس والإرهابيين الذين يتخذون من سورية ولبنان قاعدة لهم. كما أن الحياة السياسية داخل إسرائيل مشوشة ويعاني مستقبلها من الغموض.

وتعاني الدول المجاورة كذلك. فقد أغلقت مصر حدودها مع غزة، وبقي لبنان تحت تهديد انقلاب حزب الله بمساعدة إيران، كما أن سورية تنزلق إلى التبعية الإيرانية، وليس الأردن ببعيد عن المأزق العام في المنطقة. وتبحث الدول العربية الأخرى عن الحلول، لكن انقسامها فيما بينها يزداد بسبب التهديد الإيراني المتزايد وانخفاض أسعار البترول.

وبالنظر إلى هذه الحال، فإننا نتساءل عن السبب في استمرار الإلحاح على "حل الدولتين" بين إسرائيل و"فلسطين" حيث يتعايشان جنبا إلى جنب في سلام، كما يقال دائما. من الواضح أننا لا نحرز أي تقدم، بل إننا ربما نتراجع. كما أننا نستمر في التحديق في "خارطة الطريق" الخاصة بالشرق الأوسط وكأن ذلك هو كل ما لدينا، أو هو أفضل ما في الإمكان، كما يقولون في وزارة الخارجية.

إن منطق هذه الرؤية قد أكل عليه الزمن وشرب. ولسوء الحظ، فمن الصعوبة بمكان تخيل توجه جديد توافق عليه جميع الأطراف الفاعلة. وعلى أية حال، فإنه إذا كان المخرج من هذه الأزمة واضحا، فربما كان قد تم اقتراحه بالفعل. ولذلك، يجب علينا أن نفكر فيما يلي، على الرغم من أنه لا يلقى ترحابا واسعا، كما أنه لا يسهل تطبيقه:

ولنبدأ بإدراك أن محاولة إنشاء سلطة فلسطينية على يد منظمة التحرير الفلسطينية القديمة قد فشلت وأن أي حل يرتكز على أساس الدولتين يقوم على السلطة الفلسطينية، هو حل محكوم عليه بالفشل. فقد قتلت حماس الفكرة، بل إنها ترى أن الأرض المقدسة لا تصلح إلا لبعث واحد فقط. وبدلا من ذلك الحل، فإن علينا أن نفكر في التوجه نحو حل "الدول الثلاث" حيث يتم إرجاع غزة إلى السيطرة المصرية، ويتم إرجاع الضفة الغربية إلى السيادة الأردنية.

ومن بين المفارقات العجيبة التي نشهدها، أن صراع اليوم يجري على حدود ثلاث دول من المفترض أنها تنعم بالسلام. وبعمل الدولتين العربيتين على إعادة تمديد سلطتهما السياسية السابقة، فإن ذلك من شأنه أن يمدد رقعة السلام، والأهم من ذلك أن يزيد من مكانة الدول التي تقدم السلام والاستقرار داخل حدودها. إن "المراقبين الدوليين" وما شابههم، لا يستطيعون تحقيق ما هو ضروري، فنحن نرغب في دول حقيقية لديها قوات أمن حقيقية.

من المؤكد أن تلك الفكرة لن تلقى تأييدا كبيرا في كل من دولتي مصر والأردن اللتين كانتا تسعيان إلى نفض أيديهما من القضية الفلسطينية. وبالتالي، لا يجب عليهما أن تضطلعا بهذه المسؤولية وحدهما، بل يجب عليهما تلقي الدعم المالي والسياسي من الجامعة العربية والغرب كما اعتادا على تلقي ذلك طوال سنوات من جانب الولايات المتحدة أيضا. ويجب على إسرائيل أن تقبل بأدوار إدارية وسياسية من قبل مصر والأردن ما لم تنو الاضطلاع بتلك المسؤوليات بمفردها (وهو ما اتضح بعدم قدرتها على ذلك).

ولا ترغب مصر هي الأخرى في تحمل تبعات التعامل مع حماس بقدر ما ترغب إسرائيل في ذلك، إذ تخشى القاهرة من متطرفي حماس واحتمال أن تزيد علاقتها بالإخوان المسلمين من التطرف في مصر، فالعلاقات بين حماس والإخوان المسلمين والتطرف تكتسب زخما، ولذا فإن المشكلة الأساسية بالنسبة إلى مصر تتمثل في محاولة إيجاد الحل الأمثل لمواجهة التهديد المتزامن في مصر وغزة.

إن إبقاء غزة بعيدة عن مصر سياسيا ربما يكون مرضيا إلى حد ما بالنسبة للبعض من الناحية النظرية، لكن القيام بذلك سوف يزيد التهديدات الموجهة ضد الاستقرار المصري، وهي خسارة يمكن أن تكون كارثية بالنسبة للمنطقة ككل. ولا يجب عليك إلا أن تسأل الملالي في إيران.

ولن تتمكن غزة من تحقيق أدنى استقرار مطلوب لتنميتها الاقتصادية دون اضطلاع مصر بدور سياسي أكبر. علاوة على ذلك، فإن الربط بين غزة والاقتصاد الحقيقي بدلاً من "اقتصاد فلسطيني وهمي"، هو الطريقة المثلى لتطوير حياة المواطنين الفلسطينيين. أما ربط الضفة الغربية الآن بالأردن فليس بالأمر العاجل في المرحلة الراهنة على الأقل، لكن لا يمكن تنحيته إلى ما لا نهاية، لأن الهواجس الأمنية الإسرائيلية بعيدة المدى تجاه الضفة أكثر تعقيدا من غزة.

ويعني هذا الخيار بالنسبة للفلسطينيين ـ المعترفين بإخفاق السلطة الفلسطينية الواضح، وعواقب اختيارهم لحماس ـ قبول الأمر الواقع، حتى وإن كان غير سار. ومع ذلك سيكون الفلسطينيون هم أكثر المستفيدين من هذا الاستقرار على وجه الخصوص. ولا تعتبر السلطة الفلسطينية ـ التي اعتراها الضعف، والتي يشوبها الفساد، فضلاً عن أنها مشوهة السمعة، ومشكوك فيها ـ دولة في أي تقييم واقعي، كما أن إسرائيل لن تقبلها طالما بقيت حماس أو الإرهاب يمثلان القوة السياسية الكبرى المسيطرة بصفة عامة بين الفلسطينيين.

وستكون الاعتراضات على تلك الفكرة متشعبة ومتنوعة، كما أن تنفيذها سيكون صعبا. وتتمثل إحدى طرق تفادي المشكلات في التخلي عن النقاشات المعقدة المتعلقة بالوضع القانوني القائم لغزة والضفة الغربية. فهاتان المنطقتان تشملهما الكثير من النظريات القانونية أكثر من الأرض ذاتها. وقد يكون أو لا يكون التخلي عنهما وإعادتهما إلى مصر والأردن أمرا دائما، ولكن لا أحد بحاجة إلى الدفع بأن هذا التوجه سيتم الشروع فيه على أنه لفترة مؤقتة.

إن الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي ينعمان بالقليل من الانفتاح، والشفافية، والإصلاحات الاقتصادية من جانب العالم الخارجي. وإما أن نقوم بذلك على النحو الأمثل ـ من الناحية النظرية أو العملية ـ وإما ستعمد إيران إلى ملء هذا الخواء.

* زميل بارز في أميركان إنتربرايز إنستيتيوت (معهد إنتربرايز الأميركي).. والسفير الأميركي لدى الأمم المتحدة في الفترة ما بين أغسطس (آب) 2005 ـ إلى ديسمبر (كانون الأول) 2006.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف