جريدة الجرائد

«الراي» في جنوب لبنان: سياحة في «السكون المريب» على «الخط الأحمر»

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

إسرائيل و"حزب الله" وجهاً لوجه في لعبة "الاحتمالات الصعبة" (1 من 2)

جنوب لبنان - وسام أبو حرفوش

الحدث في غزة والعين على الجنوب... فمع الغارة الإسرائيلية الاولى على القطاع الذي اشهر دمه قبل 12 يومياً، حبس جنوب لبنان انفاسه، فمن عادة لبنان ان يكون له "في كل عرس قرص".
بدت "الجبهة المؤجلة" في جنوب لبنان وكأنها مربوطة بـ "صواعق" غزة... إسرائيل حشدت جيشها و"حزب الله" اعلن جهوزية المقاومة في "حرب احتمالات" من دون حرب، اقله حتى الآن.
خيط رمادي من الحرب واللا حرب على "الخط الازرق" بين لبنان وإسرائيل... هو الآن "خط احمر" يمنع تجاوزه "توازن الرعب"، وتحول دون "الضوء الاخضر" لانفجاره السيناريوات السود.
خليط متشابك على "الخط الشائك"... إسرائيل واليونيفيل والجيش اللبناني و"حزب الله". القرار 1071 وخلاصات حرب 2006 وكوابح على طرفي الحدود تصارع الرغبة في الهروب الى الامام.
"الراي" قصدت خط "التوتر المكتوم" على الجبهة المسترخية في الجنوب، في رحلة اشبه بـ "السياحة" في "السكون المريب"... جبهة مترامية كأنها في حرب "مع وقف التنفيذ" او احتراب في إجازة حتى إشعار آخر.
من اقرب نقطة مُطلة على مستعمرة المطلة وأكثرها "حرارة" الى اعلى نقطة في جبل الشيخ المطل بثلوجه و"المرصد" الذي لا يثلج الصدر، مروراً بالتضاريس الوعرة لخط التماس "المكهرب" بأجواء الحرب.
جولة بـ "العين المجردة" على مدى يوم طويل قادتنا من بوابة فاطمة الى الوزاني، ومن عين عرب الى تخوم الغجر، ومن بوابات مزارع شبعا الى كفرشوبا، ومن حلتا الى شبعا، ومن راشيا الفخار الى القليعة...
ذهبنا الى جنوب الجنوب وأمامنا مشهد من نصفين، اطمئنان الى موقف لبناني اجماعي على دعم "مفرط" لغزة بالديبلوماسية والمساعدات، في موازاة حرص على عدم "التفريط" بالاستقرار للحؤول دون جر لبنان الى الحرب.
قبل انفجار "طوفان النار" في غزة تم اخماد شرارة "مشبوهة" في الجنوب يوم ألقي القبض على ثمانية صواريخ كاتيوشا مزروعة في احد بساتين عاصمة "اليونيفيل" في الناقورة وجاهزة للانطلاق نحو إسرائيل على وقع "تكتكات" ساعة توقيت.
اكتشفت الصواريخ، لكن لم يكشف حتى الآن عن لغزها. رئيس الجمهورية ميشال سليمان أوحى انها قد تكون من تدبير إسرائيل، وقال الامين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله انها "مشبوهة"، وتعاملت معها قوى الغالبية في لبنان على انها من جهة ارادت توجيه "رسالة" الى إسرائيل.
ولأن "رب ضارة نافعة" اسست الهبة العارمة في مواجهة "الصواريخ المجهولة" لملاقاة الحرب على غزة بموقف صارم ضد توريط لبنان في الحرب والتحوط لمنع استدراجه اليها، وهو الموقف الذي ظلله تضامن وطني عام مع الفلسطينيين في مواجهة المجزرة المفتوحة.
غير ان الجنوب بدا ومنذ انفجار غزة تحت المجهر وسط تقديرات متفاوتة، استمرت على مدى دزينة ايام، للخيارات "المتقابلة" بين إسرائيل و"حزب الله"، في ظل الكلام عن مصير غامض لـ "جبهة ثانية" المربوطة بمسار الحرب على غزة وتداعياتها القريبة المدى والبعيدة على حد سواء.
فقبل ان تقلع الطائرة الاولى في الحرب المجنونة على غزة كانت إسرائيل اعدت العدة لحرب محتملة على "الجبهة الشمالية" مع لبنان وخرج وزير الدفاع ايهود باراك مع اطلاق "الحملة البرية" ليعلن ان لا نوايا لشن حرب على لبنان لكنه اعلن استعداد جيشه لـ "المفاجآت"، ثم توالت التقارير الاستخباراتية التي تراوح بين التحذيرات من مواجهة غير مستبعدة وايحاءات في اطار الحرب النفسية، وكان آخرها ما قاله رئيس "الموساد" عاموس بدلين عن "هجمات متوقعة قد ينفذها حزب الله ضد إسرائيل، من دون ان يظهر ان الحزب يقف وراء هجوم كهذا".
"حزب الله" الذي لم يتعود طمأنة إسرائيل تحدث على لسان امينه العام السيد حسن نصرالله عن فرضيتين يوم اعلانه جهوزية المقاومة: إما ان تكون الحشود الإسرائيلية ذات طابع احترازي في موازاة الحرب على غزة، وإما ان تكون توطئة لعدوان غادر، وهو ما يملي على المقاومة التأهب، من دون اي اشارات حاسمة الى ما سيكون عليه موقف الحزب اذا طال امد الحرب على "حماس" وصارت في موقع حرج.
وفي اختصار، انتقلنا من بيروت المسكونة بطوفان من تصريحات التنديد وتظاهرات التضامن، الى الجنوب المزروع بسكون مريب، وسط انطباع بأن إسرائيل في ذروة تأهبها و"حزب الله" يده على الزناد... وبعد ترتيبات لا بد منها كإبلاغ مديرية التوجيه في الجيش عزمنا القيام بجولة على الحدود والاستماع الى نصائح مخابرات الجيش ووصاياها بضرورة التحوط وعدم تصوير المراكز العسكرية وتفادي الاقتراب من "الخط الازرق" حرصاً علينا، توجهنا الى الجنوب القابع فوق "فوهة غزة"، في جولة استطلاعية لأحوال الناس ومزاجهم وسط اهوال "اللحظة"، ولـ "فحص" منسوب الاطمئنان والتوتر ومعاينة الوضع هناك بـ "ام العين"، والوقوف على ارض الاحتمالات الصعبة في حمى القرار 1071 وفي حمأة اطنان الحمم المتساقطة على غزة وأهلها.
بدا الجنوب، الذي لم يخلع المرقط منذ اواخر الستينات، في "استراحة محارب" بعد "أم الحروب" في يوليو 2006، استراحة صارت "غير مريحة" على وقع الاستعدادات المتقابلة بين إسرائيل و"حزب الله" والوقائع الجديدة المتطايرة من غزة. اعلام فلسطين التي نكست مع خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان وجنوبه بعيد اجتياح عام 1982 عادت لترتفع من جديد في الساحات وعلى المفترقات بدءاً من صيدا، بوابة الجنوب، وعلى طول الخط السريع بين بساتين الليمون وطفرة الاسمنت، في اتجاه النبطية التي تتحضر لـ "مسرحة" اليوم العاشر من محرم في ساحتها العامة.
كل شيء طبيعي في القرى المترامية على مد النظر، حركة عادية في شوارع البلدات المندفعة نحو الحداثة بـ "عشوائية"، اما في الجبال المرفوعة على اكف الجغرافيا الجميلة فـ "تتوارى" المقاومة وكذلك في الوديان، فـ "حزب الله" في الجنوب يشبه "الهواء" تشعر بوجوده لكن لا تراه. هكذا هي حال "جيش" المقاتلين وترسانته الصاروخية الأكثر "حضوراً" في غيابها عن الانظار.
كلما اقتربت من خط "النار المكتومة" على طرفي الحدود تزداد الاسئلة وطأة: هل تنفجر "الجبهة المؤجلة"؟ من يفتح النار اولاً؟ هل الاستعداد للحرب يلغي الحرب ام يستعجلها؟... علامات استفهام من الصعب حل لغزها، فحرب غزة ليست مجرد "معركة عسكرية" وتداعياتها لن تقتصر على القطاع، ما يفتح الباب اما سيناريوات تجعل الجنوب في قلبها. ثمة من يعتقد ان نجاح إسرائيل في تمرين "الرصاص المسكوب" ضد "حماس" قد يشجعها على الانتقام من "حزب الله" في اطار حرب بديلة على "اذرع" ايران بعدما كانت توعدت طهران طويلاً، وهناك من يرى ان الحزب الذي يراقب بالكثير من "المرارة" حرب الاجهاز على حليفه الفلسطيني قد لا يصمت طويلاً، خصوصاً مع تمادي العدوان البري الذي من شأنه قلب التوازنات الاقليمية.
هذه "الفرضيات" تخرج من خلف "الهدوء المخيف" على طول الحدود مع إسرائيل من الناقورة غرباً حتى جبل الشيخ شرقاً... فها هي إسرائيل على "مرمى حجر" لا يفصلنا عن مواقع جيشها وتحصيناته سوى "خط احمر" باللون الازرق ودوريات ارضية وجوية لـ "اليونيفيل" ومعادلات اقليمية ودولية شائكة كـ "الشريط" الذي يجعل المسافة بين الحرب والسلم اشبه بـ "خيط رفيع".
(يتبع)

جواد الأسدي في جنوب لبنان
مخرجاً لمسرح عاشوراء وشخصياته

جنوب لبنان - من كامل جابر

تقدم مدينة النبطية الجنوبية "مسرحة عاشوراء" اليوم وكما جرت العادة منذ نحو قرن من الزمن، لكن هذه المرة ستكون من "صنع" المخرج العراقي الفنان جواد الاسدي، الذي عكف على "بروفات" يومية في منتصف الليل، على مدى ايام.
فالعام 2004 شهد تحولاً في "مسرحة عاشوراء" التي تجسدها احتفالية تقام على بيدر المدينة المترامي على مساحة عشرة دونمات، عندما قام المخرج اللبناني رئيف كرم باخراجها ونفذها مع ممثلين محترفين، فأدى دور الامام الحسين الممثل اللبناني عمار شلق، ودور اخيه العباس علي طحان، ودور عمر بن سعد الممثل خالد السيد، فضلاً عن ممثلين محليين.
أدخلت على الاحتفالية المسرحية تعديلات مشهدية بصرية، فضلاً عن حوارات سمعية بحتة. والموسيقى التصويرية، من قرع للطبول وألحان عاشورائية للموسيقي المغربي المعروف نجيب شيرادي، نفذتها فرقة "وشم". إضافة إلى عناصر سينوغرافية ضخمة، تتألف من دمى كبيرة وشاشات بيضاء وجوقات "اللطم والندب". وتخللتها مبارزات من فوق ظهور الأحصنة ومشاهد تشخيصية مسجلة مسبقاً، وأدخل إليها ايضاً العنصر النسائي لأول مرة، منذ تاريخ تشخيص موقعة "الطف" في النبطية، لعقيلة بني هاشم، السيدة زينب وأدت دورها الممثلة وفاء شرارة.
بعد خمسة اعوام، يقف المخرج العراقي جواد الأسدي على مسرح أعد في مناسبة ذكرى عاشوراء ليخرج شخصية الإمام الحسين من الطقوس المحلية نحو العمل المسرحي الممتاز، الذي يمكن عرضه في أكثر من مكان وزمان.
يقول الاسدي "ان مسرحة هذا النوع من الطقوس الدينية التي لها وقع تقديسي عند الناس، فيه الكثير من الالتباسات والصعوبات والإشكالات في معنى ما، فشخصية الحسين، هي المادة المركز والعمود الأكثر أهمية لهذا النوع من المسرحة، وهي بالنسبة اليّ شخصية كونية وشمولية ومعرفية ثقافية، وليست شخصية دينية؛ أنا لا أريد أن آخذها من منطلق ديني بحت، فهي شخصية لا تمثل طائفة من الطوائف، وليست شخصية شيعية، هي شخصية جماعية وإنسانية شاملة؛ حتى تكون كذلك تحتاج إلى إعادة كتابة وإعادة تكوين ورسم، وهذه أول صعوبة في أن تخرج عن الاجماع التي تضع الشخصية في منطقة محددة من الوعي الجمعي والجمالي والإنساني، وخصوصاً ان التفاعل معها له علاقة بالموروث. المسرح بالنسبة اليّ، هو عمل يشبه فكرة الحلم، فأنا منذ زمن لديّ رغبة شديدة في أن أعد عملاً كبيراً عن شخصية الحسين، هي شخصية مثل المسيح والشخصيات الثائرة والإنسانية الضخمة الكبيرة في العالم التي قدمت وعياً جديداً معرفياً وفلسفياً وتأويلياً للوجود كله. عندما قبلت بالعمل هنا في النبطية، أولاً لاعتقادي الكبير أن أبناء المنطقة هم أناس متنورون ومنفتحون ويستطيعون استيعاب عملية إعادة كتابة هذه الشخصية بمعايير جديدة ومختلفة، فلا أريد أن أضع الشخصية نفسها تحت موضع البكاء والندب واللطم، بل إن هذه الشخصية كبعض الشخصيات القليلة في التاريخ الإنساني التي تحولت بالكتابة الفنية، او عبر النص والإخراج إلى طاقة خلاقة لكي تكون في متناول اليد في العالم، لذا يجب إعادة كتابة وقائعها وتاريخها ويومياتها لكي تدفع إلى الحياة، لذلك ينبغي أن تحمل مدلولات وإشارات وتفاصيل تعطي لها دينامية وديمومة وتمس الثقافة العالمية والأوروبية".
اضاف: "لا يكفي أن نعيد هذه الفكرة كل عام بالاسلوب النمطي السائد، فمن واجب المثقفين والثقافة الطليعية التجريبية التأملية الجديدة العمل على إعادة كتابة هذه الشخصية كتابة تقدم إلى العالم كما فعل بيتر بروك في إعادته للميثولوجيا الهندية بالمهابهاراتا وقدمها كمبتكر جمالي ومعرفي جديد. فالبيئة والشخصيات المحيطة بالحسين هي شخصيات ملتبسة دراماتيكية يمكن أخذها بمعايير كتابية جديدة وإطلاقها بمناخات عرض مسرحي يستطيع أن يمس العالم الذي يحتاج لمعرفة الميثولوجيا العربية والكونية الإنسانية التي تنبثق من تاريخنا نحن. هنا تمكن أهمية مسرحة هذا النوع من الشخصيات، وشخصية الحسين هي على رأس هذه الشخصيات التي تحتمل الكثير من التأويل ومن إعادة الكتابة ما يساعد على تكوين الشخصية تكويناً متنوعاً ومتناوباً وتكوينات فيها الكثير من الألوان والشخصيات".
واستعان الأسدي في عمله بالفنان العراقي الممثل المعروف جواد الشاكرجي بعدد من الفنانين المسرحيين اللبنانيين "المهم أن العمل يستقطب فنانين لبنانيين من مختلف الطوائف والمذاهب، وهذا أشد من رائع في الظرف السياسي الملتبس في لبنان، وكنت أتمنى وجود ممثلين سوريين لكن لم نوفق. هذا التماس بين الطوائف وفكرة التعدد تخرج ضيق الأفق وضيق الناس من فكرة التمترس والتخندق في الطائفة الواحدة للمناجاة نحو الشخصية الإنسانية. وفي اعتقادي هنا في لبنان وفي العراق كلما يعاد النظر بالخروج من فكرة الضيق الطائفي لسعة الصدر الشمولي الإنساني فأن الثقافة هنا ستلعب دوراً مهماً جداً وكذلك المسرح في تقديم الناس جميعهم كحالات إنسانية وليست كحالات طائفية".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف