جريدة الجرائد

أصرخوا ولا تُصرْوِخوا!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

سعد بن طفلة

تتسمر كالملايين أمام شاشة التلفزيون لساعات تتابع أخبار المجزرة. تستعرض العبارات، فتفيض العبرات، تغوص في المعنى، فيصبح الوصف بلا معنى، العلاقة بين العبارة والعبرة واضحة، سباق بينهما، يرتجف اللسان، فتسابقه العبرة، تسيل العبرة، فيتوقف اللسان.
غزو غزة! أي سريالية هذه التي جمعت بين الكلمتين، أو قل: غزوة غزة ـ مازالت العلاقة واضحة بينهما.
إطلاق حركة حماس الصواريخ على المناطق الجنوبية لإسرائيل هو الحجة التي ساقتها إسرائيل لهجمتها الدموية. تتمعن في المعنى فتجد أن كلمة صاروخ مشتقة من الصوت: صرخ! كانت صواريخ حماس صرخات مدوية ساقتها إسرائيل حجة لترتكب المجزرة. حماس تواصل "الصراخ بالصواريخ". أربعة آلاف صاروخ أطلقتها حماس منذ العام 2005. هكذا تقول الإحصائيات. الأرقام تتحدث عن أربعة آلاف قتيل وجريح منذ بدء الهجمة الإسرائيلية وحتى وقت كتابة هذه "التعابير". إنسان مقابل كل صرخة صاروخ!
صواريخ حماس لم تقتل كثيرا. يخجل الواحد من ذكر عدد من سقط من الإسرائيليين نتيجة صواريخ حماس! الخجل سببه هلع الفارق الرقمي حين المقارنة بعدد من سقط من أطفال ونساء وعُزل غزة مقارنة مع من مات من الإسرائيليين.
ورد في المنجد أن الصاروخ "سهم له ساق من قصب وفي أحد طرفيه أنبوبة صغيرة من المقوّى تحشى بارودا ولها فتيل من فتحتها السفلى فإذا أشعل الفتيل واحترق ما في مؤخرها من بارود تنطلق منها غازات تدفعها من الجهة المعاكسة". كان هذا تعريف الصاروخ في القديم من التاريخ!
تستعمل كلمة "صاروخ" في لهجة أهل الخليج بمعنى كذبة كبيرة! فيقال: فلان بدأ يرمي صواريخ ـ أي بدأ يكذب. سمعت فتاة تشتق منها فعلا وتقول لمستمعها: رجاء، لا تصَرْوخ ـ أي لا تكذب.
عبارة "مزايدة سياسية" تعتبر حديثة في استخدامها وليس في معناها. لم ترد في التراث إلا في سياق البيع والشراء، فيقال مزادة والجمع مزادٌ ومَزايد. الكتابات والحوارات التي تدور حول المجزرة في إعلامنا تعج بهذه العبارة.
لكن المزايدة السياسية في تاريخنا قديمة قدم معركة مؤتة. عاد جيش المسلمين منسحبا بعدما قتل قادته وبدت الهزيمة ماحقة إن استمرت المواجهة. فقام القائد التاريخي الفذ ـ خالد بن الوليد ـ بانسحاب مشرف حفظ ماء الوجه وحقن دماء البقية الباقية من الجيش. كان جيش الروم أضعافا مضاعفة لجيش المسلمين. عند عودة الجيش إلى المدينة استقبلهم "المزايدون السياسيون" صارخين: يا فُرار! يا فرار! فانتصر لهم الرسول، صلى الله عليه وسلم، قائلا: "إنهم كُرار وليسوا بفرار". تتأمل: إذن المزايدة السياسية قديمة قدم حروبنا وغزواتنا وفتوحاتنا!
"وقف العدوان" شعار سائد هذه الأيام. لا أظن أن الكلمتين ارتبطتا في أية لغة بالتاريخ سوى في لغتنا السياسية والإعلامية هذه الأيام. في الماضي القريب، ساد "دحر العدوان". وقف العدوان يكرره الفرقاء جميعا ـ بمن فيهم المزايدون من كل فريق. لا أدري إن كان استخدام هذه العبارة انعكاسا لواقعية جديدة أم أنه لغة "استسلامية خانعة خائنة"؟
من لا يصرخ في وجه العدوان فهو خائن! خائن لإنسانيته وآدميته وأبجدياته الأخلاقية! لكن ماذا بعد الصراخ؟ الصراخ للبعض مهنة، وهو للبعض الآخر تعبير عن اليأس، ولفريق آخر هو صراخ خوفا من الاتهام بالخيانة ولسان حالهم يقول: ما دام الصراخ صك براءة من الانحياز للغزاة، وشهادة انتماء لقومك ودينك وإنسانيتك، فلنصرخ مع الصارخين!
كمٌ هائلٌ من الكلمات يتراكم في إعلامنا وفي منتدياتنا ومظاهراتنا كغثاء السيل. قليله ذو معنى، وبعضه يقصد به غير المعنى، وكثيره "بلا طعم وبلا معنى".
اصرخوا ولا تُصرْوخوا! فلنصدق ولو في الصراخ، إنها مرحلة "الصواريخ"!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
أبشري اسرائيل
صابر -

نعم نبشر اسرائيل بالظفر و النصر المؤزر و نعتب عليها كل العتب على ما ارتكبته بحق نفسها من تشويه سمعتها و تلطيخ صورتها بمثل ما تأتي من الفعائل في غزة هذه الأيام اذ كيف تكلف نفسها و قد كفاها المؤونة جيش جرار من المرجفين و المخذلين من أمثال هذا الكاتب في مثل هذا الموقع/المنصة و غيره من المواقع الاعلامية العربية.

سعد الصارخ
عبد البا سط البيك -

لا تحزن يا سيد صابر صاحب التعليق رقم 1 من هذا الكاتب المبدع في مدح خصوم أمتنا .و ثمة كثيرون من أمثاله تراهم على موقع إيلاف يصولون و يجولون دفاعا عن حق إسرائيل المعتدى على أمنها و سلامتها من طرف إرهابي حماس الذين أزعجوا المواطنين الإسرائيلين المساكين الذين عانوا من الإضطهاد و الهولوكست . من سوء حظنا أنه علينا نحن دفع فواتير أخطاء غيرنا ممن أساؤوا معاملة الشعب المختار . و ما علينا الا أن نرضخ و نلاطف أولئك المساكين الذين إضطهدوا لقرون و أن نفتح لهم أوطاننا و بيوتنا ليسكنوا بها معززين مكرمين . الدكتور سعد بن طفلة العجمي رجل حاتمي الخصال كثير العاطفة و الحنان و الإيمان بالأخوة بين البشر , يتعاطف من كل من فقد وطنه نتيجة الغزو و العدوان لأنه مر بتلك الأزمة المقيتة .و لكنه يستثني أهل فلسطين من هذا التعاطف ربما لأن بعضهم أيد غزو بلده الحبيب من طرف أخ جار في مرحلة تاريخية سابقة . الدكتور سعد بن طفلة العجمي يتساهل في حقوق شعب فلسطين تكرما على الشعب اليهودي حتى لا يصرخ متألما من صواريخ حماس الزهيدة القيمة و الضعيفة التأثير , فقد طالت مدة صراخ الشعب المختار ثلاثة آلاف سنة منذ أن هدم الهيكل على رؤوس أجدادهم في قديم الزمان , و آن لهم أن يكفوا عن الصراخ و أن يصرخ أهل غزة ..و ما لهم الا الصبر و الصمود بعزة ...

باختصار شديد
محمد المصري -

من الآن فصاعدا كل قطرة دماء تهرق في غزة تتحمل مسؤليتها قيادة حماس وبشكل خاص اولئك القابعون في دمشق.

الإرهاب الصهيوني
نبيلة -

لا جديد الإرهاب الصهيوني مستمر برعاية الإرهابي الأول بوش وعصابته وألمرت وزمرته ... قتل للأبرياء والأطفال والنساء في كل مكان ..ماذا تنتظر ؟ أرى ان الخروج من الأزمة هو بالعودة الجادة الى الله تعالى وتوحيد الصف والكلمة تجاه قضايانا المصيرية .راجية المولى لهذا العالم أمنا وسلاما .

عن أي صمود تتكلمون
أحمد توفيق -

يا أخ عبد الباسط، لا أدري يا أخي عن أي صمود تتكلم، الذئاب تنهش في اللحوم البريئة، الأطفال يا أخي يتساقطون بالمئات والباقون حماهم الله خائفين يجفلون من النوم مرعوبين، يا أخي كلنا لدينا أطفال ولكن لا يعرف قيمة الولد إلا من فقد ولده، عن أي صمود تتكلم وليس هناك طعام ولا شراب لا يوجد سوى الدموع في المآقي والصرخات التي تنادي ألا من نهاية لهذه الفجيعة، نجتمع في الصباح ولا ندري إن نجتمع في الذي يليه لا نعلم إن عدنا وجدنا البيت أو ركامه.... الله أكبر على أمة تساق إلى الذبح بأولادها بأطفالها

....
فلسطيني -

صواريخ حماس ليست لقتل الاسرائيليين ولكن مخصصة لجعل الاسرائيليين يعيشون في الملاجئ فهل قليل أن يعيش مئات آلاف أتوا لينعموا في بلاد اللبن والعسل وإذا بهم يعيشوا في الملاجئ؟

....
Azar -

هنالك مجازر في المنطقه -العراق-فلسطين والهجمه الشرسه على أمتنا.

أمة مخجلة للعالم
بشير إبراهيم -

الشعوب العربية شعوب من الرقيق تباع وتشترى في المزاد الدولي من طرف قادتها. شعوب المظاهرات والصراخ شعوب أنصاف الرجال شعوب الشقاق والنفاق لا تستطيع أجبار قادتهالتنفيذ أرادتها ومطالبها فكيف تستطيع رد الأعتاء على أطفالها ونسائها . ألم ترى ماذا فعلت دول أوربا الشرقية بقادتها وإيران بالشاه في ثورتها. الحرية والديمقراطية لا تقدمان على طبق من ذهب كفى صراخا وهتافا .