جريدة الجرائد

حروب غير مجدية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

خليل علي حيدر

ينبغي للعرب أن يعتمدوا على أنفسهم في التصدي لإسرائيل في غزة، كان ينبغي عليهم أن يطوروا قدراتهم العسكرية والاقتصادية والسياسية استعداداً لهذا اليوم. كان على سوريا ومصر والسعودية والدول العربية الأخرى أن تنسق سياساتها وتوحد جيوشها. كان على الفلسطينيين ألا ينقسموا إلى "فتح" و"حماس" وألا يرتبط كل طرف بأطراف. كان على العرب ألا يعتدي بعضهم على بعض كي لا يتم استدعاء الأجانب والكفار والصليبيين إلى المنطقة. كان على العرب أن تكون لهم أهداف واحدة وسياسة واحدة وصراع واحد ومخطط واحد.

يمكننا، هكذا، أن نكتب الكثير حول تمنيات العرب، فيما غزة تشتعل! فهكذا العالم العربي، لا يطلب الحل لمشاكله إلا في ظل قعقعة السيوف، أو انهمار الرصاص والقذائف.

تمنيات توحيد المجهود العربي، وخلق الجيش العربي الواحد، واجتماع "كلمة العرب" في سياسة خارجية واحدة، كلها أمان بعيدة التحقيق في المستقبل المنظور. وحتى لو "سقطت هذه الأنظمة العربية"، كما يطالب بذلك الكثير من المتحمسين والمتظاهرين والغاضبين، فإن الاختلافات بين الجماعات الإسلامية مثلاً، من إخوان وسلفيين وجهاديين، ومن سنة وشيعة، ومن متمهلين ومستعجلين، لن تكون أقل بروزاً وتأثيراً في الواقع العربي.

تَصوّر سوريا ومصر مثلاً بيد الإخوان المسلمين، ثم فكر بمصير الاقتصاد والديمقراطية والنفط والتعليم والاستقرار وحقوق المرأة والثقافة وحرية الإعلام، وبما يبقى من بقايا فلسطين إنْ اجتاحت مثل هذه الفوضى العارمة دول العالم العربي، وأمسك كل متطرف وكل متزمت وكل متدين حالم وكل إرهابي.. بخيط من خيوط المصير العربي!

لا حرب لبنان عام 2006 ولا حرب غزة عام 2009 كانتا بسبب "ضعف العرب"، بقدر ما كانتا بسبب قرارات فردية حزبية إقليمية، سمها ما شئت، لم يأخذ أحد فيهما رأي اللبنانيين أو الفلسطينيين أو العرب! ماذا حقق "حزب الله" من كارثة صيف 2006؟ لا شيء، سوى المزيد من الخسائر والدمار في لبنان، والمزيد من التفكك والطائفية وتردي مستوى الحياة هناك. ماذا حققت "حماس" في غزة، عندما ألغت التهدئة، وأشعلت حرب الصواريخ ضد المستوطنات؟ لا شيء سوى دمار شامل مماثل لدمار لبنان، وأعداد كبيرة من القتلى والجرحى والمشردين والبيوت المدمرة. غير أن الدمار والمغامرة في فلسطين وغزة بالذات، أشد إيلاماً وتأثيراً.

هل "الوطنية" و"الإسلام الحق" و"العروبة الناصعة"، في أن نؤيد حروب "حزب الله" و"حماس"، وربما حملات الإرهابيين في الجزائر والعراق، أو حتى تفجيرات تنظيم "القاعدة" داخل العالم العربي وخارجه؟!

هل من يخاطب الفلسطينيين والعرب والمسلمين، بأن مثل هذه الحروب مهما كانت مبرراتها، غير مجدية ومدمرة لنا، أكثر بل أضعاف ما هي مدمرة للعدو، يخرج بهذه المناصحة المخلصة من أطر الوطنية والدين؟

هل من يلهب حنجرته بالصراخ، أو يتظاهر تأييداً للقتال، أو يهاجم دعاة السلم، هو الوطني والمسلم الحق؟ هل ثمة أهداف حقيقية واضحة لكل هذه الحروب، أم أنها تنشب استجابة لأهداف لا علاقة لها بمصالح الشعب الفلسطيني والعالم العربي، ولتثبيت دول وزعامات وزعزعة أوضاع وقيادات منافسة؟

كان أقوى أسلحة الشعب الفلسطيني ولا يزال، كونه شعباً أعزل، مجرداً من السلاح، شعباً لا يمتلك قوة عسكرية تقارن بقوة إسرائيل ولا دولة ثابتة الأركان، فلا يمكن إذن لمثل هذه الحروب الطاحنة التي تفرض على الفلسطينيين بسبب قرارات "حماس" أو غيرها، أن تتناسب وقدراتهم، أو تحمل في عواقبها لهم بشائر النصر.

ومن المؤسف والغريب حقاً، أن كل العرب يعرفون هذه الحقيقة، ويجربون هذه المآسي منذ سنين طويلة، ولكن لا يزالون لا يطربهم شيء مثل هذا القتل والدمار الذي يتكرر في غزة وسائر المدن الفلسطينية منذ عقود.

القيادات والأحزاب الفلسطينية ومثقفوها وكتابها، للأسف الشديد لا ينقذون أنفسهم، ولا يعترفون بأخطائهم ولا يدرسون تاريخ حركتهم ولا يناقشون فكرهم السياسي، ولا يفرزون الممكن عن المستحيل. وعندما يتحرك الشعب الفلسطيني أو قواه السياسية في أي اتجاه، لا نجد من مثقفي فلسطين وكتابها من يعلن رأيه بصراحة، وينقذ مصالح شعبه من الضياع. خذ مثلاً ما جرى للانتفاضة الشعبية التي اشتعلت بشكل واسع بين الفلسطينيين، معتمدة على الشباب والحجر، واستقطبت عواطف الملايين حول العالم بل وأثارت حتى تعاطف قوى حركة "السلام الآن" الإسرائيلية. وقد تنامت قوة الانتفاضة بسبب المشاركة الشعبية وبساطة سلاحها وروحيتها المعبرة، ولكن سرعان ما تم تسييسها ثم عسكرتها، ثم تم تطوير "أساليب التصدي للعدو الصهيوني"، فدخلت "العمليات الاستشهادية" ميدان النضال والجهاد ضد الاحتلال الصهيوني، ورافقت هذا التحول حملة واسعة شاسعة من حملات الدعاية التضليلية بقيادة أحزاب "الإسلام السياسي" وجماعاته، ثم بدأت بعض الكوادر والقيادات الفلسطينية من "حماس" وغيرها تتدرب على وسائل الجهاد والاستعداد لمنازلة العدو، وإعداد ما يلزم هذا الجهاد من عدة ومن رباط الخيل!

وعندما وقعت أحداث 11 سبتمبر 2001 استمرت العمليات الاستشهادية، وترسخت مكانة "حماس" في قائمة الجماعات الإرهابية، وخسرت المقاومة الفلسطينية بريقها المحلي والدولي، وانقسم العرب أنفسهم على سياساتها المسلحة والتفجيرية، فيما راحت "حماس" تنغمس في علاقات سياسية وجهادية وتنظيمية.. بعيدة المدى!

ويقول قائل إن إسرائيل لا يجدي معها إلا العنف، وإن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وإن السلام لا يهزم الحرب والقتال. ولكن حتى لو كانت هذه الشعارات صحيحة، فهل ما يمارسه الفلسطينيون ومن يؤيد سياسات "حماس" مثلاً، هو عنف مدروس؟ هل الفلسطينيون جبهة متراصة وهل هم متفقون على الحرب والسلام؟ هل تتخذ "حماس" مثلاً قراراتها مستقلة أم أنها تستشير بقية العرب؟ هل الفلسطينيون عموماً يريدون للعرب أن يتدخلوا في قضاياهم السياسية والنضالية والجهادية أم أنهم يعتبرون العرب من أسباب مأساتهم؟ "حماس" تقول إنها غير معنية بقرار مجلس الأمن الأخير بشأن غزة، وأنها لم تُستشر بشأن أي وضع أو قرار، وأن ما لم تشارك في نقاشه لا ترغب في تبنيه والالتزام به. ومثل هذا الموقف عين العقل، ولكن لماذا لا تلزم "حماس" نفسها به؟ ولماذا تتخذ أخطر القرارات، وتتحالف مع من تشاء، وتخاصم من تشاء، وتنتقد من تشاء، ثم تطلب من المجتمع الدولي كله أن يستمزج رأيها لدى حل أي مشكلة؟ ولماذا رفست اتفاقية التهدئة مع إسرائيل، واستهانت بالوساطة المصرية والجهود السعودية، وتسببت بسياساتها المرتجلة في هذه المأساة الكبرى لسكان غزة، وفي هذه الإحراجات والآلام لكل العالم العربي، دون أن تستشير أحداً أو تنسق مع بقية الدول العربية.. التي تستنجد بها اليوم؟!

لماذا كل انتقادات "حماس" وأنصارها لمصر والأردن والسعودية؟ وأين تهديداتها لإسرائيل بالضربات "المزلزلة" التي تفقد إسرائيل توازنها لكثافة حجم هجومها على "الكيان الصهيوني" واليهود؟ أين اختفى ذلك القيادي الملثم، الذي خرج على شاشة التلفاز، يتوعد إسرائيل برد حماس "المزلزل"؟

وما سيكون موقف مؤيدي "حماس" إذا انتهت هذه المغامرة "الإسلامية" كذلك مثل سابقاتها، بالفشل؟ من المسؤول عن المزيد من الدمار واليأس والضياع؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف