جريدة الجرائد

هل يكون الاسلام شرطا للنهضة؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

محمد عبدالجبار الشبوط

تتأجج العواطف والمشاعر الدينية الاسلامية بحلول شهر محرم بالترابط مع ذكرى استشهاد الامام الحسين، وتملك هذه المشاعر قوة هائلة في تجييش الناس، وتحشيدهم في مسيرات طوعية نحو كربلاء او في اداء شعائر المناسبة، او حضور مجالس الوعظ الحسيني. يجري هذا بينما يتواصل الكلام عن اعادة البناء والاعمار ومكافحة الفساد وضرورة المشروع النهضوي العراقي الشامل، ما يشكل ظرفا مناسبا لطرح السؤال عن مدى العلاقة بين الاسلام والمشروع النهضوي.
ثمة موقفان من هذا السؤال:
الموقف الاول يدعو الى مشروع نهضوي بمعزل عن الاسلام، بل ربما يعتبر القطيعة معه، بوصفه جزءاً من تاريخ مضى، شرطا من شروط النهضة، تأسيا بما مضت عليه سنة الاوروبيين، الذين كانت قطيعتهم مع الدين مقدمة لنهضتهم.
وثمة تجارب في العالم الاسلامي سارت على هذا النهج، في بيئات ذات مشاعر اسلامية قوية، انتهت الى ما يشبه الغربة عن هذه البيئات والعجز عن تحقيق انخراط الانسان فيها بمشروعها النهضوي، الامر الذي قاد في نهاية المطاف الى انبعاث اسلامي جديد دأبت بعض الادبيات على تسميته بالصحوة الاسلامية.
الموقف الثاني، يرى ان الاسلام يمثل شرطا من شروط النهضة في بلدان العالم الاسلامي. وعلى الصعيد العراقي تحدث المفكر الراحل محمد باقر الصدر عن الاسلام، بوصفه المبدأ الصالح، كشرط للنهضة، موضحا ان شرطية المبدأ الصالح تعني ثلاثة امور هي: (1) ايمان الناس به، و (2) فهمهم له، ثم (3) تطبيقهم له. غير انه لاحظ ان الناس في المجتمع العراقي، يوم طرح فيه هذه الفكرة في اوائل الستينيات من القرن الماضي، كانوا يتوافرون على الامر الاول، دون الامرين الثاني والثالث، ما يعني عمليا تعطيل المبدأ الصالح من الاشتغال كشرط للنهضة ما لم يتم توفيرهما.
اغفل الدستور العراقي الدائم الحديث عن مشروع للنهضة واعادة البناء والاعمار، لكنه تحدث عن الاسلام في موضعين مهمين جاء كِلاهما في المادة الثانية منه، حيث نص في الموضع الاول على ان "الاسلام دين الدولة الرسمي"، مفرعا عن ذلك قاعدة دستورية تنص على عدم جواز "سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام"، فيما ثبت في الموضع الثاني مفهوم "الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي" مؤكدا على ضمان "الحفاظ" عليها من قبل الدستور، دون ان يشرح مفهوم المحافظة والياتها. مع ملاحظة ان "الهوية" مفهوم حضاري وثقافي، اكثر من كونه سياسيا او دينيا، ما يمكن معه القول ان الدستور يتحدث هنا عن الاسلام بوصفه معطى حضاريا-ثقافيا اكثر من كونه معطى دينيا او مشروعا سياسيا.
لا يصعب على المراقب للممارسات التي تتم في اطار مناسبة عاشوراء بما في ذلك الكم الهائل من الخطب والكلمات والشعارات، ان يلاحظ انها بعيدة عن مفهوم توظيف الاسلام في مشروع النهضة، بل هي ابعد ما يكون عن مشروع النهضة نفسه. وهذا يؤدي، عن وعي او او بدونه، الى فصل الاسلام عن مشروع النهضة والبناء ومكافحة الفساد.
لا يصعب على المراقب ان يلاحظ ان "الخطاب الحسيني"، او على الاقل ما تمكنت من متابعته في العشر الاوائل من محرم، مازال يدور في الدائرة نفسها التي كانت تحبسه في العقود الطويلة الماضية، دون التفاعل مع المتغيرات الهائلة التي شهدها البلد في السنوات الخمس الماضية، ودون بذل جهد كبير لاستلهام القيم العليا الاسلامية لحشد المؤمنين للقيام بدور ايجابي فعال في بناء المجتمع والدولة على اسس الديمقراطية والتعايش والمواطنة.

- رئيس تحرير مجلة " الاسبوعية " العراقية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
توليف
خوليو -

إن لم بفصلوا الدين عن الدولة وبفسحوا المجال للعقل العلمي أن يدخل لدائرة الفعل واللإبداع سيبقون راكبين في العربة الأخيرة لقطار التقدم، التجربة الوحيدة في العالم العربي التي ابتعدت قليلاً عن سلاسل الدين هي تونس، وتجربتها أوصلتها لتتقدم عن باقي القافلة فانتقلت للعربة قبل الأخيرة في قطار التقدم، إلا أن عشاق الكهوف يحاولون دائماً مهاجمتها لإرجاعها للعربة الأخيرة، هذه التجربة التونسية بالابتعاد عن السلاسل هي السبب في تقدم تونس البسيط، أي أن شرط الابتعاد ضروري للتقدم وليس العكس . إن لم يفصلوا الدين عن الدولة سيبقون يجلدون ظهورهم إلى يوم انطفاء الشمس.في الجانب الآخر، أي في جانب الذين لايجلدون ظهورهم، يغسلون أدمغتهم، يتمسكون بكتاب ذكر كلمة علم فاعتقدوا أنهم أهل علم، وكل جهدهم يسخرونه في البحث على الإنجاوات العلمية الحقيقية ليعودوا لكتابهم بحثاً عن جملة دلالية توحي لهم بأن الاكتشاف مدون في الكناب، فيتبنوه ويظنوا بأنهم علماء ويموتون وهم على هذه الفكرة ، الاكتشافات للذين فصلوا الدين عن الدولة والتبني لهم،المهم هو ذكر كلمة علم حتى ولو كان علم غيبي.

اي دولة هذه
هاني -

أنا أسأل الاستاذ شبوط والكثير من الأخوة الاسلاميين، ماذا كانوا سيقولون لو كان المسلمون في العراق أقلية، وكان كُتب بالدستور ان دين الدولة الرسمي هو الدين المسيحي؟بربك هل يوجد في دولة تحترم نفسها في هذا الزمن وتقول ان لها دين؟؟ الدين لله والوطن للجميع.متى نفهم ان الدولة لايجب ان يكون لها دين، سواء كان دينا اسلاميا ام مسيحيا، الدولة يجب ان تضمن حرية الاديان للجميع ولايكن لها اي دين.

اي دولة هذه
هاني -

أنا أسأل الاستاذ شبوط والكثير من الأخوة الاسلاميين، ماذا كانوا سيقولون لو كان المسلمون في العراق أقلية، وكان كُتب بالدستور ان دين الدولة الرسمي هو الدين المسيحي؟بربك هل يوجد في دولة تحترم نفسها في هذا الزمن وتقول ان لها دين؟؟ الدين لله والوطن للجميع.متى نفهم ان الدولة لايجب ان يكون لها دين، سواء كان دينا اسلاميا ام مسيحيا، الدولة يجب ان تضمن حرية الاديان للجميع ولايكن لها اي دين.

الدستور والاسلام
د.عبد الجبار الغبيدي -

اقول للاخ العزيز السيد الشبوط ان تثبيت النص الدستوري في الدستور العراقي(الاسلام دين الدولة الرسمي) يعتبر تجاوزا على الحرية العامة للمواطن العراقي،لسببين :اولهما ليس العراق كله من المسلمين حتى لو كان عددهم اكثر من الاخرين،والثاني ان الكثير من العراقيين المسلمين علمانيين لا يريدون ان يرتبط دستورهم بالنص الديني الثابت ،ففي كلا الحالتين انه خروج على الارادة الشعبية.لكن النقطة التي اريد ان ألفت نظر الاخ الكاتب المحترم لهاان دستور المدينة الذي كتبه الرسول(ص) بيده الشريفة في السنة الخامسة للهجرة خالٍ من مثل هذا النص،وأنما فيه نص في الفقرة الاولى منه بقول:ان المؤمنين يكونون امة الاسلام دون تحديد الشرط وهذا يعني ان النص ثابت والمحتوى متحرك(انظر دائرة المعارف الاسلامية)،لكن الرسول الكريم حين كتب الدستور كان منفتحا على كل الناس لا منغلقا عليهم.وليس لديه مصلحة في سلطة او منصب.