لعنة عجز أم خيار سياسي؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
خالد الدخيل
كيف يمكن تفسير الموقف العربي المشلول حالياً أمام الهجمة الإسرائيلية الشرسة في غزة؟ هل هو عجز حقاً عن فعل شيء؟ عجز عن ابتكار خيارات ما لمواجهة موقف ينذر بمخاطر كبيرة؟ أم أن ما يبدو عجزاً عن المبادرة، هو في الواقع خيار سياسي؟ وإذا كان في الأمر خيار سياسي، فلماذا يتم تقديمه بهذا الشكل المهين للدولة أو الدول صاحبة الخيار قبل غيرها؟ يُقال إن السبب يعود إلى حقيقة أن العرب دائماً منقسمون. حالياً هم منقسمون إلى جبهة "اعتدال" وجبهة "ممانعة". وقبل ذلك كانوا منقسمين إلى دول "ثورية تقدمية" وأخرى "محافظة ورجعية". لكن اللافت أنه لا حالة الانقسام الأولى، ولا الثانية كان لها أي تأثير يذكر على مسار السياسة الخارجية العربية، وتحديداً على حالة العجز المزمنة. ظل العجز وقلة الحيلة سمة تتميز بها الدولة العربية بغض النظر عما إذا كانت دولة صغيرة أو كبيرة، وتنتمي إلى هذه الجبهة أو تلك. مما يعني أن الدول العربية تشترك فيما بينها في طبيعة الهيكل السياسي، والأساس الأيديولوجي الذي يرتكز إليه، وأخيرا في الهدف الاستراتيجي، الذي يوجه سياستها. لاحظ أن فكرة أو مبدأ تقسيم الدول العربية لم يختلف أبداً من حيث المضمون. كل ما هنالك أنه تمشياً مع متطلبات المرحلة، كما يبدو، تم تخفيف حدة معيار التقسيم، وتخفيف حمولته الأيديولوجية قليلاً. لم تعد هذه الدولة أو تلك دولة "ثورية أو تقدمية". أصبحت دولة "ممانعة". والممانعة هي حالة وسط بين القبول والرفض. قبول ماذا؟ ورفض ماذا؟ لا أحد يعرف على وجه التحديد. وحتى لو عرف، فالانتقال من الممانعة (وليس الرفض) إلى القبول يتطلب ثمناً غير معلن، وغير قابل للإعلان. الدولة "الرجعية" أصبحت دولة "معتدلة". والاعتدال أيضاً حالة وسط بين خيارين أو أكثر. ربما أن مصر الوحيدة التي انتقلت من معسكر "التقدميين" إلى معسكر "المعتدلين". الغريب أن التقسيم الحالي اختراع أميركي تم قبوله وانتشاره عربياً. أما التقسيم الأول فهو عربي، لكن جذوره ليست عربية.
بالتوازي مع التقسيم المذكور لم تكن حالة العجز العربي بهذا الوضوح الذي هي عليه الآن، والذي يبعث على الخجل، كما قال أمين الجامعة العربية. لكن ربما أن الأمر ليس كما يبدو تحت ضغوط الحرب على غزة. تنتمي هذه الحرب إلى ما بعد سبعينيات القرن الماضي من عمر الصراع العربي- الإسرائيلي. قبل حرب أكتوبر 1973كانت الدول العربية في حالة تسمى بالمواجهة الشاملة. كان خيار أو قدر الحرب يفرض نفسه على الدولة نفسها، وهي لا تعدم حلفاء يقفون معها. لم يكن هناك "حزب الله" مرتبط مع إيران، ويسرق المشهد بين حين وآخر. ولم تكن هناك "حماس" تحاول أن توظف المساحة التي تتيحها الخلافات العربية لفرض خياراتها ومصالحها. كانت الدولة تحتكر قرار الحرب والسلم. نعم كانت هناك منظمة التحرير، لكن فصائل المنظمة كانت موزعة بين الدول العربية. والمنظمة على أية حال هي النسخة غير الرسمية للدولة العربية. في هذا الإطار ربما ظن البعض بأن العجز العربي لم يكن بالوضوح المشار الذي يبدو عليه الآن. لكن مرة أخرى، قبل ثمانينيات القرن الماضي لم يدخل العالم بعد مرحلة الفضائيات والإنترنت.
الحقيقة المرة أن مؤشرات العجز العربي قديمة وكثيرة. بدأ أول هذه المؤشرات في الظهور على السطح تقريباً مع نهايات حرب أكتوبر 1973، وتحديداً مع ما يعرف في تاريخ هذه الحرب بثغرة الدفرسوار. حينها نجحت القوات الإسرائيلية في تطويق الجيش الثالث المصري داخل الثغرة، بهدف تغيير مسار الحرب الذي كان يؤشر إلى هزيمتها. بعد ذلك استخدمت إسرائيل هذه الثغرة في مفاوضات فصل القوات التي أعقبت وقف النار. انطلاقاً من هناك حط مسار الصراع رحاله عند محطة كامب ديفيد عام 1979. ثم جاء المؤشر الآخر عام 1981 عندما قامت الطائرات الإسرائيلية بتدمير مفاعل "تموز" النووي العراقي، وذلك في اليوم التالي لزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، مناحيم بيغن، لمصر. ربما أن توقيت الضربة لم يكن يقصد به إحراج مصر حينها، لكن تنفيذها بعد الزيارة مباشرة، مهما كانت المبررات، حمل رسالة واضحة: ليس أمام مصر غير قبول الأمر الواقع. الآن ربما يتكرر الأمر نفسه تقريباً في غزة، حديقة مصر الخلفية، وبوابتها على الشام. حالة العجز هذه ليست في الواقع مصرية، هي حالة عربية.
جاء المؤشر الأكبر، والأكثر وضوحاً عندما اجتاحت إسرائيل لبنان في صيف 1982 وضربت حصاراً على بيروت امتد لأكثر من ثلاثة أشهر. لأول مرة في تاريخ الصراع تتوغل القوات الإسرائيلية داخل حدود دولة عربية، وتحاصر عاصمتها. حينها لم يفعل العالم العربي شيئاً خارج حدود المناشدات، والمفاوضات السياسية، بما في ذلك سوريا وهي كانت ولا تزال دولة "ممانعة". وحتى هذه المفاوضات لم تؤدِ إلى شيء قبل الموافقة على تنفيذ الهدف الإسرائيلي للحرب، وهو إخراج منظمة التحرير بكل فصائلها وأسلحتها إلى خارج لبنان. ربما كان في ذلك مصلحة لبنانية، أو عربية. لماذا لم يتم ذلك بأيد عربية إذن؟ مع تقدير كل الفروقات الواضحة بين الحالتين، إلا أن المشهد نفسه تكرر عندما اجتاح العراق الكويت. كان إخراج القوات العراقية من الكويت مصلحة عربية عليا. كان هناك إجماع بين أكبر وأقوى الدول العربية على ذلك. لكن العالم العربي لم يكن في وضع يسمح بتحقيقه. الشاهد أن عدم استطاعة الدول العربية في حالة الكويت لم يكن حالة عسكرية، بل سياسية. ولذا كان لابد أن يقوم بالمهمة طرف غير عربي، أو الولايات المتحدة. في الحالة اللبنانية كان إخراج "منظمة التحرير" هدفا إسرائيليا. لكن كان فيه مصلحة لبنانية، وبالتالي عربية. إخراج القوات العراقية من الكويت كان هدفا عربيا استراتيجيا قبل أي شيء. في الحالة اللبنانية كان العجز عسكرياً في ظاهره على الأقل. في الحالة الكويتية كان العجز سياسياً بامتياز. في هذه الحالة يبرز السؤال مرة أخرى: هل العجز العربي قدر أم خيار؟
جاء بعد ذلك الاحتلال الأميركي للعراق في 2003. ومرة أخرى كان النظام الرسمي العربي في حالة شلل وارتباك لم يتخلص منها حتى الآن. بعد ثلاث سنوات كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان في مواجهة "حزب الله" عام 2006. وبعدها بسنتين تأتي الحرب الإسرائيلية الحالية على غزة، في مواجهة "حماس" الحرب على غزة تذكر كثيراً بالاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. الاختلاف أن إسرائيل حالياً لا تستطيع المطالبة بإخراج "حماس" من غزة. لكنها تستطيع المطالبة بتحجيمها عسكرياً، كمقدمة لترويضها للقبول في نهاية المطاف بالمطالب المعروفة: الاعتراف بإسرائيل، ونبذ الإرهاب، وبالاتفاقيات التي تربط السلطة الفلسطينية بالدولة العبرية. لا يقتصر العجز العربي في هذه الحالة على عدم القدرة على التفكير في خيار عسكري. أكثر ما يتبدى هذا العجز على المستوى السياسي. لأن الذي تطلبه إسرائيل من "حماس" سبق وأن طلبته من فتح ومنظمة التحرير من قبل. استجابت المنظمة وبضغوط عربية ودولية. لكنه في الأخير لم يفضِ إلى شيء غير الإيغال داخل الحلقة المفرغة والجهنمية للاستراتيجية الإسرائيلية: مزيد من الاستيطان، ومزيد من الاجتياحات، والقبضة الحديدية. بمثل هذه النتيجة الفاشلة من الطبيعي أن تخرج "حماس" بخياراتها، حتى ولو بدت في إطار المشهد أنها خيارات متطرفة. المشهد بحد ذاته متطرف وغير طبيعي. لم يتبقَ من خيار أمام هذا المشهد البائس غير خيار المقاومة. "حماس" منسجمة مع نفسها، ومع الواقع القائم. صحيح أنها تعمل لمصلحتها هي أولًا، وربما تعمل على أن تكون بديلاً لمنظمة التحرير. لكن ثم ماذا؟ هناك مثل نجدي يقول "هذا حوفك يالرفلا وكليه"، بمعنى أنه عندما تكون الطبخة سيئة فيجب على الطباخ أن يأكلها هو قبل غيره، لأنها من صنع يده.
المؤشرات السابقة تعني أن "حماس" ليست المشكلة، بل عَرَضٌ واحد للمشكلة. مشكلة الدول العربية مع نفسها أولًا، ومع إسرائيل ثانياً. فهذه دول بحكم بنيتها وأهدافها ليست مهيأة للصراع. من ناحيتها إسرائيل دولة غير طبيعية، وسيبقى هاجسها الأمني غير طبيعي، طالما تمسكت بهويتها اليهودية. ولأنها دولة غير طبيعية فهي لا تحتمل تبعات خيار السلام. الأسوأ أنها مع كونها دولة غير طبيعية، ولا تحتمل خيار السلام، تملك ترسانة نووية، يقال إنها تتجاوز المائتي قنبلة نووية. هل العجز العربي في هذه الحالة قدر طبيعي؟ أم خيار سياسي؟
التعليقات
ليس ضعفا بل تواطئا
باش -إسرائيل لم تكن ضد حماس إسترتتيجيا لأن إنقسام الفلسطنيين في صالحها وليست متضررة من صواريخ حماس كما تدعي ولكن ضرب حماس في هذه الفترة يخدم أهدافا كثيرة , خاصة انها تحصلت على الضوء الأخضر من الرئيس بوش الذي يرى أن أي عمل ضد الحركات الاسلامية في العالم الأسلامي يبرر حربه ضد الأرهاب . لاشك أن بوش كان يفكر في تشجيع أسرائيل لضرب مفاعل إيران النووية إلا أنه وجد إن ذلك قد يعرض القوات الامريكية في الخليج إلى خسائر في وقت يستعد فيه لمغادرة البيت الأبيض وليس لديه الوقت الكافي في فتح جبهة أخرى في إيران. ولهذا فإن أي إنتصار على حماس قد يضعف سمعة إيران في المنطقة كقوة عسكرية قادرة على مساعدة أصدقائها.كما أن الأطراف العربية المتضررة من وجود حماس كقوة في المنطقة وجدت أن الهجوم الأسرائيلي الأخير فرصة ذهبية لها للتخلص من وجود حماس التي تقع في صرة مصر المهددة بحركة الأخوان المسلمين , ومن المؤكد أن هذهالأطراف لوحوت لأسرائيل بالضوء الأخضر لتقوم ماقامت به مقابل وعد بتقديم التسهيلات الممكنة لقبول مشروع أسرائيل للسلام أو للتهدئة وكل الدلائل تدل على أن هدف المبادرة المصرية ورفض إجتماع القمة العربية هو أعطاء الوقت لأسرائيل لتصفية حماس وفرض الأستسلام عليهاوالسماح للسلطة الوطنية بتولي السلطة على المنافذ وحفظ الأمن في فترة التفاوض على جلاء الجيش الأسرائيلي بمساعدة قوات دولية .