جريدة الجرائد

إسرائيل تهزم إسرائيل !

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

راجح الخوري

الى أين يمكن أن يصل هذا الانقسام المريع، الذي يمكن أن يجعل من المنطقة العربية كلها ومن شعوبها ايضا هشيما أمام نيران النازيين الجدد في اسرائيل والحرائق السياسية المتأججة من المحيط الى الخليج؟
المأساة تضاعف المأساة. والنكبة تستولد النكبات، وللمرة الاولى في تاريخ القضية الفلسطينية التي أفعمت وجدان الأجيال العربية منذ ستة عقود بالاثم الناجم دائما عن إحساس عميق بالتقصير والخذلان، يذبح جزء من الشعب الفلسطيني وسط دوي الانقسامات التي لا تصدق، بما يفتح الباب لاتساع رقعة الذبح الصهيوني فلسطينيا وعربيا ايضا.
يشن الاسرائيليون حربين: حرب إبادة الناس في قطاع غزة وحرب إبادة الحد الادنى مما تبقى من الوحدة العربية. الحرب الاولى بالنار، والحرب الثانية، بالاكاذيب والخطط السخيفة والمكشوفة ولكن المأساة ان البعض في المنطقة يصدقها. فيفتح "النار" في اتجاهات مغايرة وخاطئة، أو لا يصدقها ولكنه يستعملها ذريعة لفتح هذه النيران الغشيمة.


❒ ❒ ❒

وهكذا، وبعد أقل من ثلاثة أيام على بداية المذبحة في غزة اندلعت معركة معبر رفح وصار مطلوبا رأس النظام المصري وكل رؤوس أنظمة الاعتدال في المنطقة من جبهة الممانعين الذين يملكون نارا فلا يستعملونها، ومعابر فلا يفتحونها، ومكاتب تمثيل اسرائيلية فلا يغلقونها، والذين يدعون الى محو اسرائيل من الوجود ولكنهم لا يكتبون ولا يمحون!
وسرعان ما تصبح غزة ودماء الشهداء فيها، مجرد نار تدس فيها المشاعل لإحراق دول وأنظمة وزعماء وشعوب. أما طبول التأجيج فقد استحضرت كل أكف الضرب في سياق أوبرا من التعمية لم يسبق لها مثيل، وصرنا نذرف الدموع على الاطفال يمزقون بالحديد والنار ونكزّ الاسنان غيظا من اخوة لنا في الاصل والفصل. نريدهم ان يسيروا في الخط الذي نرسمه وإلا فانهم شركاء في المذبحة!


❒ ❒ ❒

ويواصل القتلة في تل ابيب صب القذائف على غزة، وصب الزيت على نار الخلافات والانقسامات العربية. ولمجرد ان يقول شمعون بيريس او تسيبي ليفني ان ضرب "حماس" يلائم بعض الدول العربية، يصبح هذا الكلام المقصود بهدف ذر الفتنة والانقسام، حجة دامغة، وكل ما يفعله المعتدلون عارا وخذلانا!
ومنذ بداية المجزرة البربرية ضد أهلنا في غزة انطلقت حملات التأجيج والترويج والتحريض والتعميات لنسف آخر حجر في بناء التضامن العربي، على خلفية انها ليست معركة غزة و"حماس"، بل ايضا معركة حسم الامور في المنطقة لمصلحة تيار الممانعة والمقاومة عبر هزيمة تيار الاعتدال والتسوية.
في أقل من أسبوع عدنا نصف قرن الى الوراء، الى نظرية أن طريق فلسطين تمر في القاهرة، في عمان، في الرياض وفي كل دول الخليج وبعض دول المغرب العربي، تماما كما قيل ان هذه الطريق تمر بجونيه، وعيون السيمان، وبيروت، في أحد الأيام.


❒ ❒ ❒

واذا كان البعض يرى ان مثل هذا الامر قد يكون صحيحا في النهاية، فان الواقعية البسيطة وظروف المذبحة المتوحشة في غزة تفرضان الآن أولا تعاون الجميع لوقف المجزرة، وثانيا الاتعاظ من نصف قرن من رسم الطرق السياسية الى فلسطين وما ولدته من انقلابات وصراعات كانت دائما تجعل فلسطين أبعد وأبعد.
تغرق غزة في دماء أبنائها وأطفالها، ويغرق "العالم" العربي من المحيط الى الخليج في المأساة التي لا يصدقها عقل بعدما ذهب الانقسام بنا بعيدا جدا:
انقسام فلسطيني معروف بين السلطة و"حماس". و"انقسام" بين "حماس" الداخل و"حماس" الخارج. انقسام عربي يتسع ويتعمق. قمتان في وقت واحد تقريبا واحدة طارئة في الدوحة ولو بعد 18 يوما على المذبحة. وأخرى مقررة منذ آب الماضي في الكويت لهدف اقتصادي لا يلغي بالتأكيد تحوّل مأساة غزة محورا متقدما على الاقتصاد.
قمتان تكرسان الانقسام ربما الى زمن بعيد. واحدة تقطع الطريق على الاخرى ليس نكاية بالكويت، بل منعا للمبادرة المصرية من التقدم، رغم ان النار في غزة تتقدم والدبابات تتقدم.


❒ ❒ ❒

وفدان فلسطينيان الى القاهرة ووفدان فلسطينيان الى الرياض، وهو ما يذكّرنا بالوفدين اللبنانيين الى قمة الخرطوم.
مسيح غزة على الصليب بعد جلجلة طويلة بدأت منذ زمن بعيد والفريسية السياسية العربية في اقتسام ثيابه المحترقة والممزقة بقنابل النازيين.
أما النازيون الغارقون في دماء الاطفال الى رؤوسهم، فلا يدركون ان هذا الدم الذي سفحوه ويسفحونه هو الذي سسيسفح دمهم ولو بعد حين.
ويا أيها المنقسمون من المحيط الى الخليج، رجاء استريحوا. دعوا الشهداء يستريحون واطمئنوا إن كنتم قلقين فعلا، فاسرائيل هي التي ستهزم اسرائيل ومحرقة غزة وغيرها من قبل هي التي تؤسس لمحرقة تل أبيب.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف