مالذي تغير في السياسة الأمريكية؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدعلي الغسرة
شاهد العالم وسمع تلك الخطابات الديمقراطية للرئيس الأمريكي أبان حملته الانتخابية لشغر مقعد الرئاسة الأمريكية، والتي انصبت حول الوعود الديمقراطية الأمريكية لتحقيق الأمن والاستقرار العالمي في ربوع الأرض، وتحرير الإنسان أينما كان من ظل عبودية أخيه الإنسان ووحشيته، وإنصاف المظلوم، وجرف الكرة، وتنمية اقتصادات الدول، وإعطاءها منحاً للتعليم، ومساعدات للصحة. وأغدق على سامعيه وعوداً بتصحيح النهج الأمريكي السالف بنهج أمريكي جديد، نهج حضاري إنساني، يليق بالإنسان أينما كان، في آسيا وأفريقيا، للأقطار العربية والإسلامية، النامية منها والمتقدمة. إنها وعوداً بيضاء لأول رئيس أمريكي أسود، ظاهرها براق وباطنها يختلف عن ذلك. السياسة الأمريكية واضحة المؤشرات ضد العرب، تمنع عنهم كل شيء، الديمقراطية والحرية، النهضة والتقدم، إنها السياسة التي تبعدهم عن الاستفادة الحقيقية من ثرواتهم الاقتصادية والبشرية، وتجعلهم واقعين في خنادق الفقر والجهل والتخلف التقني. في العام الأول من حُكم الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية لم يتغير شيئاً من السياسة الأمريكية، رؤية وهدف السياسة الأمريكية لم يتغير، بل لن تتغير، العرب هم هدفها، سواء كانوا مسلمين أم مسيح أم يهوداً؛؛ فاللوبي الأمريكي الصهيوني لا يُحيد عن هدفه، بل يُجدد أسلوبه، ويقترف جرائمه بأساليب جديدة، وبابتكارات عديدة، لديه المال والأعوان والأتباع، واستثماراته المالية والمصرفية تملأ الأرض من شمالها إلى جنوبها، وثرواته متعددة ومتنوعة في شرقها وغربها وأن هذا اللوبي يملك بوسائله الضخمة توجيه الصحافة والدعاية والتربية والتعليم بصورة خاصة لتحقيق أهدافه ومصالحه. هذا الرئيس في شهوره الرئاسية الأولى توجه إلى المملكة العربية السعودية ليعرض أحلاماً مخملية، وتالياً حط رحاله في القاهرة ليجدد وعوده الديمقراطية والإنسانية، واعداً الفلسطينيين بالدولة، والعرب بالعدالة، والمسلمين بالمودة، طالباً من العرب دون غيرهم بخطوات ''شجاعة'' باتجاه التطبيع مع من احتل أرضهم وقتل شعبهم وحرق ديارهم، وصولاً إلى فتح كامل آفاق التعاون معه، وإزالة كلمة العدو من قاموس الإعلام العربي، ومحو آثامه من سجله الدامي، مكافأة له وتشجيعاً له، في الوقت الذي تتجه حكومة العدو الصهيوني نحو تأجيج الموقف بعنصريتها ودمويتها في تحدٍ مستمر للإنسانية وللقانون الدولي. وهناك الكثير من الشواهد تؤكد هذا المسار، منها على سبيل المثال لا الحصر؛ إقرار قانون خصخصة الأراضي الذي يُكرس عملياً نهب الأراضي والأملاك الفلسطينية وأملاك اللاجئين الفلسطينيين، وسحب هوية المقدسيين وتهويد القدس، والقتل المبرمج واليومي لأبناء فلسطين، وغير ذلك من الإجراءات التعسفية العنصرية التي تدل على أن لا نية سلمية في النهج الصهيوني المدعوم أمريكياً، بجانب سحب العرب من مكان إلى مكان، ومن خداع إلى خداع وتضليل ومراوغات، ومن مفاوضات عبثية إلى أخرى أكثر ضبابية، ومن مطالبات بالتنازل إلى مزيد من اللعب السياسي المفضوح، لاستغلال الوقت لمصلحته ولأطماعه التي لا تنتهي إلا ببلوغ الدولة اليهودية احتلالاً وهوية. إن السياسة الأمريكية الحالية والمتوالية ليست وليدة اليوم والأمس القريب، بل هي حصاد بذور ''مبدأ أيزنهاور''، وهي المبادئ التي توجه السياسة الأمريكية الخارجية منذُ ذلك العهد وليومنا هذا، ومنها: .1 مناهضة استعمار الدول الغربية لدول الشرق الأوسط ومنها الأقطار العربية، فوجود هذا المستعمر يُعيق استعمار واشنطن لهذه الدول وتحقيق مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية، في هيئة شراكة وهمية وتعاون زائف. وبموجب ذلك استفردت واشنطن بدول العالم. .2 إبقاء منطقة الشرق الأوسط ومنها الأقطار العربية تابعة لواشنطن وللدول الغربية، وذلك من أجل السيطرة على منابع النفط، وأن لا تحصل الأقطار العربية على الاستقلال والسيادة الحقيقية حتى لا تستفيد استفادة حقيقية من ثرواتها النفطية. .3 أن يبقى الاحتلال الصهيوني لفلسطين مستمراً وإلى الأبد، وأن لا يكون هناك أي حل جذري لقضية فلسطين، واستثمار النزاع الصهيوني - العربي للاستيلاء على الثروات العربية الاقتصادية المعدنية والمائية والترابية، بجانب جعل العدو الصهيوني أكثر قوة من العرب من النواحي العسكرية والاقتصادية والنووية والسياسية. .4 بالأمس البعيد اعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية أن الارتباط مع الاتحاد السوفيتي مصدر خطر على دول الشرق الأوسط، واليوم تعتبر أن الارتباط بالقاعدة وبحركة الطالبان وبالمقاومة العربية في فلسطين والعراق ولبنان هي مصدر خطر يهدد هذه الدول، وينسف جهود السلام العالمي. .5 إن الولايات المتحدة الأمريكية تؤيد جهود الأمم المتحدة لإقامة السلم والاستقرار في دول العالم، واليوم هي الدولة الراعية للإرهاب، والتي تمنع هذه المنظمة من تأدية دورها السياسي والإنساني. .6 إن الولايات المتحدة مستعدة للتعاون مع شعوب العالم لتنمية التقدم الاقتصادي والاجتماعي، إلا أن التقارير التنموية الاقتصادية والاجتماعية تنفي حدوث ذلك. وبعد هذا التاريخ المضيء بالعدوانية والتلاعب بمقدرات الشعوب فهل هناك تفاؤل سياسي لمنطقتنا العربية؟ وهل يُبشر مبعوث السلام الأمريكي - الصهيوني للشرق الأوسط بتغيير أمريكي تجاه العرب وقضاياهم الوطنية والقومية؟ وكيف نحلل التناقض الأمريكي بين تأكيد واشنطن بأن أمن ومصلحة العدو الصهيوني هو أولاً؟ وبين الضغط على الحُكام العرب باتخاذ خطوات التطبيع معه؟ كيف تصمت إدارة البيت الأبيض عن العدوان المستمر على أبناء الشعب الفلسطيني وإخراجهم من منازلهم لاستخدام الأرض المغتصبة لبناء المستوطنات للصهاينة القادمين إلى فلسطين المحتلة؟ ومحاولتها عدم خلق صدام مباشر بين الأطراف العربية والعدو الصهيوني؟ وهل بهذه الأساليب تستطيع الإدارة الأمريكية أن تنظف تاريخ الرئاسة السابقة بعد ثماني سنوات عجاف من السياسة الرعناء؟ وما تكبدته هذه الرئاسة من خسائر عسكرية وبشرية هائلة في العراق وأفغانستان؟ وما تبعها من أزمة اقتصادية خانقة؟ إن جوهر السياسة الأمريكية في منطقتنا العربية هدفه تحقيق الأمن للعدو الصهيوني، من أجل تنفيذ المصالح الأمريكية السياسية والاقتصادية، دون الحصول على أية مكاسب عربية، ومناهضة استعادة كافة أراضيه المغتصبة. وأن يكون ولاء العرب للذين استباحوا أوطاننا وقتلوا شعبنا، وأن تكون ثرواتنا في خدمة الاقتصاد الأمريكي والصهيوني والغربي. فهل هذا الاتجاه تستطيع الولايات المتحدة أن تغير سياستها؟