الثورة الخمينيّة... وميشال فوكو والآخرون
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بيروت - محمد الحجيري
قرب ضريح الخميني، احتفل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بالذكرى الثلاثين للثورة الخمينية. يقول إن الثورة "ليست محصورة في إيران" وإنها مستمرة "حتى إحلال العدل"، ويؤكد أنها "لا تزال حية". وموجز الرسالة أن قيام الدولة لم يطفئ جمر الثورة، وهو بمعنى آخر يطمح الى تصدير الثورة فيما يدعو رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما الى التراجع.
أحمدي نجاد نموذج لثقافة شعبوية في العالم، نموذج لتناقضات كثيرة راجت بفضل الخمينية والخميني الذي كان أمضى 15 عاماً في المنفى، وعاد الى إيران في الأول من فبراير (شباط) من عام 1979 من العاصمة الفرنسية باريس بعد عشرة أيام من تظاهرات أطاحت بحكم الشاه رضا بهلوي الذي كان يحظى بدعم أميركي فترة طويلة.
تحتفل إيران بالثورة الخمينية، وطبعاً سيحتفل كثر في لبنان (خصوصاً حزب الله) وفي بعض المناطق ذات النفوذ الإيراني. وليس هدفنا هنا التطرق الى واقع "الثورة الخمينية" ومراميها الفقهية والسياسية، فهي من دون شك قلبت موازين المنطقة الشرق أوسطية رأساً على عقب، ولم تساهم إلا في زيادة التوترات والعودة الى "ثقافة التشادور"، وإصدار فتاوى إهدار الدم كما حصل في فتوى إعدام الكاتب سلمان رشدي بسبب رواية سخيفة. ما نود التطرق إليه هو افتتان بعض أهل الثقافة (اللبنانية تحديداً) بظاهرة الخميني وثورته، ففي مطلع الثمانينات كان المحلل السياسي حازم صاغية واحداً من جمهرة شبان يافعين أطلقوا قبضاتهم في الهواء هاتفين بحياة ثورة إيران الخمينية وحياة قائدها الروحي روح الله الخميني. لكن زخم الهتاف لم يدم طويلاً، واجتماع العلم الشيوعي مع العلم الفقهي لم يدم طويلاً، لم تكد تنقضي أشهر قليلة حتى كانت القبضات تتراخى. الأمر نفسه كان من نصيب هتافات وقبضات حماسية لقائد شعبي يروح وقائد يجيء! وصاغية، من قلة، عاد وكتب عن ولائه للخميني وانفصاله عنه في مقال نشره في جريدة "الحياة" بعنوان "حين أصبحت خمينياً"، مستذكراً نفسه حين حمل صورة الخميني وأتى الى منزل حسن (قد يكون الروائي حسن داوود) قائلاً لقد انتصرنا!.
يروي الكاتب عبيدو باشا كثيراً عن الالتحاق بالخمينية بعد انكسار زعامة كمال جنبلاط و{الحركة الوطنية" اللبنانية، وثمة مقالات هنا وهناك تدل على تلك المرحلة، لكن يبدو أن معظم الكتاب يحاول حذف تلك المرحلة من سجله الثقافي، لأن "إغواء" الثورة الخمينية صار في الواقع كابوساً وكان المثقف أول الضحايا قبل أن يصبح المجتمع كله في السجن الكبير.
العلاقة بين المثقفين اللبنانيين والثورة الخمينية كانت أشبه بالعابرة، بينما كان تأييد المرشد الروحي لثقافة ما بعد الحداثة ميشال فوكو للثورة الخمينية أشبه بـ{الصدمة"، ففي خريف عام 1978، سافر فوكو إلى إيران لصالح صحيفة "كورير ديلا سيرا" الإيطالية ليكتب عن المظاهرات الشعبية المتزايدة ضد نظام رضا شاه بهلوي. ولم يكن فوكو، المعروف بتحليلاته النظرية للاتجاهات الأوروبية نحو الجنون والمستشفيات والسجون، يعرف إلا القليل، باعترافه هو، عن التاريخ الفارسي أو الإسلامي، بالإضافة إلى أنه لم يعمل كصحافي سابقاً، إلا أنه قال عبارته التالية: "لا بد من أن نتواجد حينما تولد الأفكار".
روحانية سياسية
في إيران حيث بدا ملايين المتظاهرين كأنما جمعت بين قلوبهم كراهيتهم للشاه الذي تدعمه أميركا وإعجابهم بالخميني، ذكر فوكو أنه رأى شكلاً جديداً من أشكال "الروحانية السياسية" شبيهة بما اكتسح أوروبا في عهدي الكالفينية وكرومويل، فكتب بإعجاب عن كيفية تحريك "آيات الله العظمى شعباً بأكمله ليخرج إلى الشارع" معبراً عن "إرادة شعبية واحدة تماماً"، كذلك ادعى أنه شاهد "أول تمرد كبير ضد النظم العالمية، إنه أكثر أشكال التمرد حداثة وجنوناً". ولم يتمكن المتظاهرون من إقناع فوكو، لكن الطلبة منهم أخذوا يشرحون له بالتفصيل عن "أحلامهم" حول الحكومة الإسلامية.
تعرض فوكو لانتقادات جارحة بسبب مقالاته عن إيران والخمينية. فقد قال المستعرب الراحل مكسيم رودنسون إن أي حكومة إسلامية محكوم عليها بالانزلاق نحو نوع ما من "فاشية متحجرة". فيما ادعت إيرانية منفية ناشطة في الحركة النسوية أن اهتمام فوكو بـ "الروحانية" أصابه بالعمى، مثلما أصاب غربيين كثيرين غيره.
لكن فوكو لم يرد على منتقديه آنذاك، لكن الأحداث اللاحقة بدت وكأنها أثبتت صواب نقدهم. فعندما عاد الخميني منتصراً، جابهت إيران انبعاثاً شعبوياً رجعياً تسلطياً، ما حدا بفوكو الى أن يكتب في أبريل (نيسان) رسالة مفتوحة الى رئيس الوزراء الإيراني السابق مهدي بزركان يعرب فيها عن خوفه من خطر سحق "حكومة الملالي" المقبلة الحقوق والحريات.
أدونيس والثورة
لم يكتب الشاعر أدونيس تغطية صحافية للثورة الخمينية، لكنه كتب قصيدة بعنوان "تحية لثورة إيران" نشرت في جريدة "السفير" على صدر الصفحة الأولى، اليوم ننظر الى القصيدة باعتبارها "صدمة"، حتى أن البعض لا يصدق أن أدونيس كتبها، تقول القصيدة التي يسميها هذا الشاعر مقطوعة:
أفقٌ ثورةٌ والطغاة شتات
كيف أروي لإيران حبّي
والذي في زفيري
والذي في شهيقي تعجز عنه قول الكلمات؟
سأغنّي لقمّ لكي تتحول في صبواتي
نار عصف، تطوف حول الخليج
وأقول: المدى، والنشيج
أرضي العربية - ها رعدها يتعالى
صاعقا خالقا
وحريقا
يرسم المشرق الجديد، ويستشرف الطريقا.
شعب إيران يكتب للشرق فاتحة الممكنات
شعب إيران يكتب للغرب:
وجهك يا غرب ينهار
وجهك يا غرب مات
شعب إيران شرق تأصّل في أرضنا، ونبيّ
إنه رفضنا المؤسس، ميثاقنا العربيّ.
القصيدة في نظر خصوم أدونيس أشبه بـ{خطيئة"، فكلما تحدث الشاعر عن موضوع جديد يذكّرونه بها، أو ينشرونها في كتب جديدة، وقد ردّ ذات مرة على بعض الكتاب السوريين قائلاً عن القصيدة التي أهداها الى الخميني: القصيدة - الخرافة لم يقرأها جميع الذين تكلموا عليها قراءة صحيحة، وإنما قرأوا rlm;rlm;{مواقفهم"، من صاحبها - الشخص، ومن الثورة الإيرانية. أما هي، بوصفها نصاً فقد غابت عنهم.rlm; وهي rlm;تدور، جوهرياً، على العلاقة بين "الغرب" و{الشرق". هذه المقطوعة (ولا أسميها قصيدة) إنما هي لحظة من الحماسة مرتبطة حصراً rlm;بظاهرة الثورة الإيرانية، الفريدة بين ثورات الشعوب. كما أرى: غير عنفية، وغير طبقية. غير أنني، مع ذلك، انتقدت مباشرة قيام هذه rlm;الثورة على الدين، وحذَّرت على نحو خاصّ ممن سميتُه بـ{الفقيه العسكري". وهو ما نراه، اليوم، بتنويعات مختلفة.rlm;
طبعاً علاقة المثقفين بالثورة الخمينية تحتاج دراسة عميقة، كما هي الحال بالنسبة إلى الستالينية أو الماوية أو الناصرية أو البعث أو صدام حسين أو حتى حزب الله.
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف