تداخل أصوات المساجد... إزعاج!

تركي الدخيل

جميل أن هذه الشهادة جاءت من وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ، عندما أكد أول من أمس أن مكبرات الصوت أصبحت مزعجة في المساجد، لأن بعض الأئمة يرفع الصوت أكثر من الحاجة مما يترتب عليه ألا يسمع حتى الذين في داخل المسجد أو خارجه صوت القرآن بوضوح، وحتى في بعض البيوت، فلا يتبين أي حرف من حروف القرآن وهذا ليس المقصود، فالقرآن تحول إلى أصوات متداخلة ولابد من مراجعة ذلك، مشيرا إلى أنه تم التأكيد على وجوب أن تكون الأجهزة على درجة تسمع من في المسجد، ومن حوله القريبين، لأن المساجد متقاربة، أما أن يسمع الصوت على بعد اثنين أو ثلاثة وخمسة كيلومترات ليس هذا هو الأصل في القراءة. (الوطن19/3/2009)
فلو قال ذلك الكلام المهم أحد من الكتاب، لكان فاسداً عند البعض، ولاتهمه البعض الآخر بأنه ممن يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم. ومع أني أعلم أن هناك من سيقول على كلام الوزير كلاماً مشابهاً، لكنه على الأقل لا يجرؤ على إعلان قوله.
إن إشكالية تداخل الأصوات المتعالية من المساجد في أذان أو قراءة، هي مشكلة حقيقية، تتجاوز الهدف من فكرة النداء إلى الصلاة في الأذان، أو إسماع الناس القراءة، إلى أصوات متعالية مزعجة تتداخل مع بعضها فتنتج كلاماً غير مفهوم.
منذ بضع سنوات، بدأت مدينة أبوظبي، عاصمة الإمارات، بتطبيق الأذان الموحد، فاختارت هيئة الأوقاف جملة من أجمل المؤذنين أصواتاً، ووزعت الأذان بينهم ليؤذن كل منهم في فرض، ويرفع الأذان من جامع الشيخ زايد الكبير، وربطت الأذان آلياً بكل مساجد أبوظبي. فأصبح سكان العاصمة يسمعون نداءً إلى الصلاة بأصوات ندية جميلة تحثك إلى الصلاة ونجت المدينة من تداخل أصوات مكبرات الصوت.
لم ينقطع الصوت عن مكان في المدينة، فالأذان الموحد، يصل إلى الجميع، والفارق أنه أذان واحد بصوت ندي جميل، يرتفع من كل المآذن في نفس الوقت.
بعد بضعة أشهر من تطبيق التجربة، ونجاحها في أبوظبي العاصمة عممت على أكثر من تسعين في المئة من مناطق الإمارات العربية المتحدة كلها. وأصبحت أصوات قراءة الأئمة مقتصرة على داخل المسجد، لا خارجه.
قبل أسابيع بدأت أبوظبي في تطبيق رفع الإقامة داخل المسجد، دون خارجه، فاحتج البعض، لكن رئيس الهيئة العامة لشؤون الأوقاف، قال لي إن الإحصائيات أثبتت بعد تطبيق هذا الإجراء، أن عدد الذين يتمون ما فاتهم من ركعات بعد تسليم الإمام قد تضاءل، وأصبح الذين يتأخرون عن الصلاة حتى الإقامة أكثر حرصاً على الصلاة.
إن ذلك يؤكد أن ثمة أوهاماً لا توجد إلا في أذهاننا، دون أن يكون لها وجود حقيقي على الأرض.