جريدة الجرائد

الباب الشرقــي ببغداد: أقــراص إباحيــة وحبــوب مخــدّرة وشهادات مزورة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

بغداد -المدى

تختفي بسطيات او كما تسمى( جنابر) باب الشرقي خلف الجدران الكونكريتية، حماية لحياة الباعة والمتبضعين الذين يجدون في هذه البسطيات ما لا يجدونه في الاسواق الاعتيادية، يمكنك أن تعثر على الملابس بموديلاتها القديمة والحديثة والأجهزة الكهربائيِة بمختلف مناشئها، وساعات وأقراص ليزرية، وأجهزة الكترونية إضافة الى باعة الأطعمة والاشربة، وهناك أيضاً صيدليات الرصيف التي تجد لديها من الدواء ما لاتجده في صيدليات المستشفيات، بل وحتى الصيدليات الخاصة ،فضلا عن انك تستطيع ان تدخل السوق شحاذا لتخرج منه ضابطا برتبة كبيرة لتمر على أي سيطرة امنية دون ان تثير شكوكا!

عباس كاظم شاب يقف خلف عربة لبيع عصير البرتقال الذي يصنعه بنفسه امام الزبون، هو في الثلاثين من عمره، قدم من مدينة العمارة قبل عشر سنوات.
يقول عباس ان العربة ليست ملكه، فهو يعمل اجيرا باجرة يومية مقدارها 12 الف دينار، مقابل أن يأتي الى السوق في الساعة السابعة صباحا. وينتهي عمله مع خروج آخر المتبضعين وعندها تكون الساعة قد شارفت على الخامسة بعد الظهر. وعباس متزوج ولدية طفل يبلغ من العمر خمس سنوات، وبرغم دخله القليل ولكنه ينظر الى الامور بايجابية فهو يرى ان الحال افضل بعد ان كانت الظروف الأمنية صعبة جدا، ولا يستطيع الخروج من المنزل والذهاب الى العمل دون ان يكون قلقا وخائفا من ان لايعود ليرى زوجته وابنه.

مكان في الوطن

محمد بائع الاحذية، او كما يطلقون عليه (الرياضي) لانه لا يرتدي غير الملابس الرياضية ، في الخامسة والثلاثين من العمر، وهو واحد من قدماء باعة هذا السوق.
فمنذ عام 1988 وحتى اليوم لم يترك مكانه تحت وزارة الاعلام القديمة ، ولا مهنته المحببة وهي بيع الاحذية، دخله اليومي يكون بين 15 -20 الف دينار يعيل بها زوجته وأطفاله الأربعة، وهو مقتنع في عمله لانه لا يعرف عملا آخر غيره. يرى محمد بأن العمل الآن افضل من السابق بعد ان كانت العصابات والميليشيات تعبث بالسوق وبالباعة، وبعد ان قتلت التفجيرات الكثير من الناس في هذا السوق. الجدران الكونكريتية هي افضل لنا لانها تحمينا من الانفجارات، وهي ليست عائقا أمامنا ولا تمنع عنا الزبائن بل ان نفعها اكثر بكثير من اضرارها.
شاركنا الحديث ابو سارة وهو رجل في العقد الخامس من عمره، ولدية (جنبر) لبيع الاجهزة الالكترونية، فهو يفضل ان تبقى الجدران الكونكريتية المحيطة بالسوق لانها غير مضرة ، وقد انقذتنا اكثر من مرة وفي اكثر من تفجير ارهابي.
ويتساءل ابو سارة ان كان الباعة هنا من الأمريكان او عملاء لامريكا لكي يستهدفونهم بشكل مستمر !! ويضيف ابو سارة: اعتقد بان هذه الجدران ستكون آخر جدران بغداد التي سترفع بسبب المواكب الحكومية التي تمرمن هنا. الشارع مهم جدا وتمر فيه الوفود القادمة من وزارة الداخلية والذاهبة الى وزارة الخارجية وبالعكس. وأبو سارة يسكن منطقة الدورة يحمل شهادة دبلوم و يعمل موظفا في احدى دوائر وزارة النفط، وهو يعمل على هذه البسطية بعد الدوام.
الباعة في هذا السوق يخشون حملات امانة العاصمة فيما لو اعتبرتهم متجاوزين.
وعن ذلك يقول عويد جاسم، وهو في العقد الرابع من عمره ان بسطيات الباب الشرقي قديمة ونحن غير متجاوزين على الشارع. وقد اتفقنا على عدم التجاوز لنبقى خارج قرارات التجاوز وفق ماتراه امانة بغداد ، ولكننا نخشى حقيقة ان يأتي اليوم الذي نفقد فيه فرصة العمل في هذا السوق.

أقراص إباحية

تنتشر في هذا السوق، وبصورة واضحة وعشوائية بسطيات فرش عليها أصحابها أقراصاً ليزرية اعتيادية، اذا نظرت لها من بعيد. ولكن عند الاقتراب من هذه البسطيات فأنك سوف تفاجأ بأن هذه الأقراص قد كتب عليها عبارات وأسماء مخجلة، تدل وبكل وضوح على انها افلام إباحية، ولم يفت اصحاب هذه البسطيات شيئا، فمن لا يعرف ان يقرأ فلا حاجة لذلك لان هذه الأقراص قد طبع عليها صور تدل على مضمونها والاكثر من ذلك ان أصحاب هذه البسطيات يروجون لبضاعتهم بأصوات عالية كمن يروج للفواكه والخضر ويصفون بضاعتهم بالنظيفة والجيدة. وعبارات مخجلة لا تصح ان تقال في الشارع. والطامة الكبرى في هذا الموضوع أن من يبيع هذه الأقراص هم من المراهقين، وبعضهم حتى اطفال، ,ويتجمع حول هذه البسطيات عدد من المراهقين ممن تجذبهم الاسماء المثيرة التي تصف الفيلم بالصاعقة والجبار وغيرها من الاسماء التي لايمكن ذكرها. وتجذبهم أيضا الصور المثيرة.
أمير فاضل احد المراهقين (15سنة) الذين اشتروا عددا من أقراص الأفلام الإباحية وهو يحملها بيديه بكل سرور يقول انه ياتي بشكل مستمرالى هنا لكي يشتري هذا النوع من الأفلام، لانها منعت في اماكن كثيرة من بغداد، بعد ان كان يستطيع ان يشتريها من اكثر من محل، اما في منطقة الباب الشرقي وعلى بسطياتها فيوجد الكثير من الأفلام.
حسين عدنان وهو مراهق اخر لا يكبر امير سوى سنة واحدة، يعمل بأحد المطاعم في شارع السعدون، ترك المدرسة في سن مبكرة للعمل وهو يقف مندهشاً من اسماء الأفلام يقول: كل يومين او ثلاثة ايام اشتري فلما من هذه الأفلام وخصوصا انها رخيصة ولايتجاوز اسعارها1000 و1500 دينار لانها نسخ مطبوعة .

اما سؤال أصحاب هذه البسطيات عن اضرار عملهم هذا من الناحية الاجتماعية ، فقد يكلفك بعض اللكمات والضربات التي قد تتلقاها لانهم يكرهون الصحافة. وذلك لانهم يزعمون بانهم يتكلمون مع الصحافة بكل صدق ومن ثم يذهب الصحفيون ويكتبون حول بيع الأقراص الإباحية والحبوب المخدرة! (وكأن هذا لايحدث فعلا ).
احد بائعي هذه الأقراص وهو مهند جابر يبلغ من العمر 17 سنة ترك المدرسة في الصف الخامس الابتدائي بعد ان اجبرته ظروف الحياة الصعبة على العمل في السوق. سألناه عن مصدر هذه الأقراص، فقال: انها تحمل عن طريق الانترنيت وتطبع على الأقراص، بينما رفض البوح بالمكان الذي يجلب منه الأقراص. واضاف انه يعمل بهذه الأقراص لان مردودها المالي اكثر. هي تباع بشكل سريع جدا وبكميات كبيرة، ولا تكلفنا الكثير. وهو يرى أن بيع هذه الأقراص ليست فيها مخالفة اخلاقية او قانونية على اعتبار أن الستلايت يحمل اكثر من هذا، وكذلك الانترنيت والموبايل. ويضيف مهند: نتعرض للمشاكل من الأمن الاقتصادي الذي دائما ياتي ويأخذ كل الأقراص ولا يرجعون منها اي شيء، حتى الأقراص الاعتيادية. يأخذون اي قرص يعجبهم دون ان يدفعوا ثمنه ، فمنهم من يأخذ قرص مسلسل مهند ونور ويتركنا دون أن يحاسبنا على سعر القرص، ومنهم من يرغب بالأفلام الإباحية فيأخذ مايكفيه ويتركنا.
أما المشهد الاخر المكمل لبيع الأقراص الإباحية فهو البسطيات التي تبيع المنشطات الجنسية، والمثير في الامر ان الباعة أيضاً من الأطفال .ورفض معظمهم الكلام، حتى بادرنا هيثم عبد الرحمن، وهو في منتصف العقد الرابع من العمر (متزوج من امرأتين ولديه 4 اطفال) الذي افترش بسطيته الحاوية مستحضرات تجميل من شامبو وكريمات وصابون ومعها ايضا مجموعة منشطات جنسية. كان المارة يقفون ويشترون هذه الحبوب، ويشترون ايضا الواقيات الذكرية. يقول هيث ان معظم زبائني هم من الرجال الذين تتراوح اعمارهم من 40 الى 60 سنة. الشباب والمراهقون زبائن جدد، اما بسبب الظروف الصعبة التي مرت على المجتمع وادت الى اضطرابات نفسية اثرت على القدرات الجنسية لدى الشباب ، او ان بعض الشباب يأخذون هذه الحبوب لاجل التباهي حتى يظهر بانه اكثر فحولة. وعن سؤالنا عن اضرار هذه الحبوب اوضح ان هناك اضرارا صحية ولكن هذه ليست مسؤوليتي. فمن يأخذها هو المسؤول فأنا أبيعها فقط.gt; وعن دور الرقابة من وزارة الصحة والامن الاقتصادي قال هيثم : وزارة الصحة منصفة فهي تأخذ فقط الادوية او المقويات الجنسية، ليس لانها ممنوعة وانما لاننا لانملك اجازة صحية ولايمكن بيع هذه الادوية بدون اجازة صحية.

الجانب الآخر من المشكلة

الوجه الآخر لهذه المشكلة يعرضه اصحاب بسطيات اخرى تسببت هذه (التجارة ) في قطع ارزاقهم .يقول عدنان( 40 عاما) ان الذين يبيعون الأقراص الإباحية قد اثروا سلبا على السوق، خصوصا وأن عملي يعتمد كثيرا على بيع الساعات النسائية. ولكن الموظفات أصبحن لا يدخلن السوق بسبب بسطيات الأفلام الإباحية لانهم ينادون بأصوات عالية وبكلمات مخجلة للترويج عن بضاعتهم. ومن جانب اخر فأني اشفق على الشباب والمراهقين والأطفال الذين ينجرون وراء هذه الأفلام التي تفسد اخلاقهم. وطالب السلطات المختصة ان تتخذ إجراءاتها للحد من هذه الظاهرة. اصحاب بسطيات الأقراص الإباحية قد كونوا علاقات مع الامن الاقتصادي لذلك يغضون النظر عنهم.
وحسين ابو علي الذي يسكن مدينة الصدر واب لطفلين وهو يبيع كما يسميها الحلي الكاذبه من (زناجيل ومحابس)، كان يعمل في بيع وشراء الساعات، ولكن بعد دخول الساعات الصينية الرخيصة الثمن، اصبح بيعها اقل فائدة. ولذلك كما يقول غيرت البضاعة التي ابيعها لاكسب رزق اطفالي. وحول كيفية الحفاظ على مكان الجنبر قال بأني قد وضعت هذا الجنبر بدون موافقة اي احد. جلبته واخترت هذا المكان وقمت بوضع مسقف له بعد ان كنت اضع شمسية. ولكن لا احد يستطيع ان يأخذ مكاني لاننا متفقون على هذا، فلا احد يتعدى على مكان الاخر. انا شخصيا لم اتعرض لاي مشكلة مع اجهزة الدولة لان بضاعتي سليمة وقانونية. والذي يتعرض للمشاكل هم من يبيع الأقراص الإباحية والأدوية غير المرخصة و الحبوب المخدرة. ويضيف بان الأمانة لها دور ايجابي في تنظيم السوق وتنظيفه، فانها تعمل بنشاط وبشكل يومي، واكثر من قبل اصبحت سيطرة القوات الحكومية. كانت مجموعات مسلحة تأخذ منا مبالغ نقدية بحجة الحراسة، كل بسطية كانت تدفع 1000 دينار والمحال 5000 دينار. ولكن بعد استتباب الأمن وسيطرة الحكومة اختفت هذه المظاهر.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف