إيران: الثورة على الثورة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
26-06-2009
إيران: الثورة على الثورة
سعود البلوي
الصراع الانتخابي في إيران انتهى، من حيث النتيجة، لصالح الرئيس محمود أحمدي نجاد الذي فاز بفترة رئاسية ثانية، مؤيَداً بروح الولي الفقيه/خامنئي، ولكن على الرغم من هذا الدعم غير المحدود من قبل المرشد الأعلى، فإن تبعات هذه الانتخابات وإفرازاتها لم تنتهِ بعد، إذ خرج آلاف الإيرانيين إلى الساحات في طهران وغيرها معبّرين عن احتجاجهم على عدم احتساب فوز المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي، الذي صرّح بتزوير الانتخابات. وإيران لم تشهد مثل هذه الاحتجاجات والمظاهرات منذ زمن الشاه الذي أسقطته الثورة الخمينية في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، وهناك شبه كبير بين أحداث 1979 و2009 ففي عالم الفضاء المفتوح تكرست المقارنة بين الصورتين رغم محاولات السلطات الإيرانية قمع هذه الثورة الشعبية وإبعاد وسائل الإعلام الداخلية والعالمية عنها، إلا أن "جيل الديجتال" الإيراني أصبح أهم وسيلة إعلامية على الإطلاق.
ففي إيران ولدَ جيلٌ جديد بدأ بالتمرد على التعاليم الصارمة للثورة الخمينية التي استطاعت أن تخضع الشعب الإيراني تحت قبضتها الدينية خلال الثلاثين عاماً الماضية؛ ولذلك فإن "التغيير" في المجتمع الإيراني لن يأتي من الخارج بل يفترض أن ينبثق من رحم الثورة نفسها، وما نشاهده اليوم في الداخل الإيراني ليس أكثر من انعكاس لرغبة هذا الجيل بالتحرر من أغلال جمهورية الولي الفقيه الذي يحكم سياسياً بصبغة دينية تضفي عليه نوعاً من القداسة الإلهية المدّعاة، فلا تستطيع كل السلطات الاقتراب من قداسته ومن صلاحياته سوى "مجلس الخبراء" الذي يستطيع -بحسب الدستور - عزله لأسباب خاصة ومحددة، وإيران لديها نظام سياسي يقوم على نوع (خاص) من الديموقراطية يتيح حداً لا بأس به من المشاركة الشعبية، إلا أن السلطة السياسية المطلقة تبقى للولي الفقيه.
المرشح الإصلاحي للرئاسة الإيرانية (مير حسين موسوي) هو ابن الثورة طبعاً؛ فبعد قيام جمهورية إيران الإسلامية تولى منصب رئيس تحرير جريدة "جمهوري إسلامي" وشن هجوماً عنيفاً على معارضي الثورة مدافعاً عنها بمقالاته النارية، وسبق له أن تولى وزارة الخارجية ثم رئاسة الوزراء قبل أن يلغى هذا المنصب نهائياً نهاية الثمانينات الميلادية، ثم عمل مستشاراً للرئيس السابق الدكتور محمد خاتمي خلال ولايتين رئاسيتين، ثم منح نفسه إجازة من العمل السياسي المباشر وعاد بعدها كمرشح إصلاحي لن يرضى، لا هو ولا أنصاره ولا زعماء التيار الذي يمثله، بأقل من توليه منصب رئيس الجمهورية.
وعلى كل حال فإن هذه الأحداث هي بدايات تغيير حقيقي في إيران، اتسمت بمعارضة النظام بشكل وصريح ومعارضة سلطة الولي الفقيه ورجال الدين بشكل عام، بل إن الانقسام بات ظاهراً بين رجال الدين من جهة، ورجالات الحرس الثوري من جهة أخرى؛ مما يؤكد لنا أن الثورة ضد "الثورة" تنبع من الداخل في محاولة لفتح نافذة صغيرة على الحرية وحاجة الإنسان المستمرة لها، فالمعارضة وبوادر التغيير جاءت من الشعب نفسه، من الناس أنفسهم الذين طبلوا وزمروا للثورة فيما سبق معتقدين أنها الحل السحري لمشكلاتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، غير الشعارات التي يرفعها الشباب الإيراني الآن هي الشعارت نفسها التي رفعها أباؤهم ضد الشاه وتسلطه.
في إيران ظهرت الخلافات العميقة والفجوات الواسعة بين رجال الدين الذين يمسكون بزمام السياسة، مما خلق تحدياً واضحاً وصريحاً لمواقف وسياسات المرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي الذي صرّح بأن مرشحه (نجاد) قريب جداً من تفكيره، ويبدو أن أقطاب المعارضة الإصلاحيين ليسوا وحدهم في صفوف المعارضة، إذ ظهر بعض آيات الله العظام معلنين بيانات تعارض الممارسات القمعية التي يتبعها نظام الولي الفقيه بمخابراته المتغلغلة بقوة بين صفوف الشعب الإيراني.
ويمكن القول أن مأزق السلطة الدينية/السياسية في إيران اليوم هو مأزق واقعي عريض لأيديولوجيا "الإسلام السياسي" وأنصار فكرة "الدولة التي يديرها رجال الدين" وغالباً ما تكون شعاراتها زائفة وغير حقيقية، بل إنها تجسد ما يشبه القانون الفيزيائي المعروف (لكل فعل ردة فعل مساوية له بالقوة معاكسة له بالاتجاه) بمعنى أن السلطة تقوم بالضغط دينياً من الأعلى فيستجيب المجتمع لإنتاج العلمانية والتحرر من الأسفل، كتعبير عن رفض التسلط واكتساب الحرية كقيمة إنسانية لا يمكن الاستغناء عنها؛ مما خلق لدى الأجيال الإيرانية الجديدة إصراراً على التمرد على مبادئ الثورة وتعاليمها الديكتاتورية المتسلطة.