صدام يتحدث عن قصوره وخطاباته .. ويسلم أخيرا بأنه لم يعد رئيسا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
"الشرق الأوسط" تواصل نشر محاضر الاستجواب الأميركي للرئيس العراقي الأسبق في السجن
لندن: "الشرق الأوسط"
يكشف الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، الذي أعدم نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2006، في وثائق سرية أفرج عنها الأرشيف القومي الأميركي أخيرا خفايا كثيرة عن حروبه وأيامه الأخيرة في الحكم وحتى اعتقاله وظروفه في السجن. وبعد نشرها محاضر 19 جلسة استجواب رسمي، تواصل "الشرق الأوسط" اليوم نشر محاضر حوارات عادية غير رسمية أجراها جورج بيرو، وهو محقق من مكتب المباحث الفيدرالي الأميركي "إف بي آي"، مع الرئيس الأسبق ما بين 1 مايو (أيار) و28 يونيو (حزيران) 2004. وحُجب نص محضر حوار جرى في 1 مايو (أيار)، فيما دار الحديث في الحوار التالي في 10 مايو (أيار) حول قصور صدام ونمط حياته. وسئل صدام عن عدد القصور الرئاسية وطبيعة البذخ فيها، فقال إن القصور ملك للدولة وليست لفرد بعينه. وأضاف أن تلك القصور منحت المهندسين العراقيين الفرصة لتنمية مهاراتهم التي يمكن أن تلاحظ في تطور المنازل العراقية. وفي جلسة في 11 يونيو (حزيران) قرأ صدام على بيرو قصيدة ألفها مؤخرا. واستغل بيرو هذه الفرصة للانتقال إلى مناقشة خطب صدام. وبدا واضحا لبيرو أن صدام تولى بنفسه صياغة خطبه، الأمر الذي أكده صدام، موضحا أن جميع كتاباته كانت نابعة من القلب. واعترف صدام بأنه لم يكن يستمتع بإلقاء خطبه، مفضلا بدلا من ذلك إلقاء آخرين لها. ووصف صدام شعوره عند كتابة خطبه وتسليمها لمن يلقونها بأنه كان أشبه بمن يخوض امتحانا. وعندما سأل صدام عن آخر المستجدات على الساحة العراقية، نقل إليه بيرو الإنجازات التي شهدها العراق، وكان من بينها التوقيع على الدستور الجديد والاستعدادات لنقل السيادة للعراقيين. وتساءل صدام بشأن فعالية مجلس الحكم الذي يعتقد بحسب وجهة نظره أنه قادر على التوصل إلى اتفاق مشترك لاتخاذ القرار. ونقل إليه بيرو أيضا الانتخابات العراقية التي سيمنح فيها العراقيون الفرصة لانتخاب قائد جديد بصورة ديمقراطية. وقال صدام إن الشعب لن يقبل برئيس منتخب أثناء الاحتلال وأنه عاصر ذلك في الماضي عندما ارتقى الملك فيصل السلطة في ظل الحماية البريطانية. وحسب صدام كان جدول عمله متخما لكنه كان يحتفظ لنفسه بوقت لقراءة القصص وهو أمر كان يسعد به كثيرا. كانت أجندة صدام تضم لقاءات مع كبار المسؤولين الآخرين في حزب البعث. وزعم صدام أنه كان يلتقي بانتظام مع الشعب العراقي لأنه كان يعتبرهم أدق مصادر المعلومات. كان صدام يلتقي بالموطنين يوميا أو من وقت لآخر. وعندما سئل عن كيفية تيقنه من أن المواطنين يصدقونه القول خلال لقاءاتهم معه نظرا لأن غالبيتهم سيكونون خائفين، رد بأن "ذلك يمكن أن يكون هو القضية لكن الشعب كان يعلم أنني أريد الحقيقة".
* القصور الرئاسية هي ملك للشعب.. وفضلت السكن في منزل بسيط ـ الرئيس السابق قال إن القصور كانت فرصة للمهندسين العراقيين لتطوير مهاراتهم ـ حوار غير رسمي مع صدام ـ 10 مايو (أيار) 2004 خلال حديث غير رسمي مع جورج بيرو في زنزانته أدلى صدام حسين بالمعلومات التالية:
سأل صدام حسين عن آخر المستجدات على الساحة العراقية، فنقل إليه بيرو الإنجازات التي شهدها العراق، والتي كان من بينها التوقيع على الدستور الجديد والاستعدادات لنقل السيادة للعراقيين. وتساءل صدام بشأن فاعلية مجلس الحكم الذي يعتقد بحسب وجهة نظره أنه قادر على التوصل إلى اتفاق مشترك لاتخاذ القرار. ونقل إليه أيضا الانتخابات العراقية التي سيمنح فيها العراقيون الفرصة لانتخاب قائد جديد بصورة ديمقراطية. وقال صدام إن الشعب لن يقبل برئيس منتخب في أثناء الاحتلال وأنه عاصر ذلك في الماضي عندما ارتقى الملك فيصل السلطة في ظل الحماية البريطانية. ونقل بيرو إلى صدام نتائج أحدث استطلاع رأي أظهر رغبة العراقيين في السيطرة على الحكومة ورغبتهم في بقاء القوات الأميركية.
وخلال الحديث عن تكييف الهواء في زنزانة صدام الذي كان يجري إصلاحه قال صدام إنه اعتاد على المعيشة البسيطة وإنه لا يحب عيشة البذخ. وسُئل صدام حينئذ عن عدد القصور الرئاسية وطبيعة البذخ فيها. قال إن القصور ملك للدولة وليست لفرد بعينه، وقبل عام 1968 كانت المنازل العراقية بدائية جدا ومصنوعة من الطين. وكما طور المهندسون المعماريون مهاراتهم وتصميماتهم في بناء القلاع في الدول الغربية، منحت تلك القصور المهندسين العراقيين الفرصة لتنمية مهاراتهم التي يمكن أن تلاحظ في تطور المنازل العراقية. إضافة إلى ذلك كان هناك خطر من الولايات المتحدة وإسرائيل خصوصا خلال السنوات العشر الأخيرة، وكان على الحكومة أن تؤدي عملها وعلى القيادة أن تجتمع وتناقش القضايا قبل الوصول إلى قرارات.
إذا كان هناك قصران فقط أو مواقع يمكن للقيادة الاجتماع بها فسيكون من السهل القضاء على القيادة العراقية، ولأن تلك القصور تعود إلى الشعب فإن صدام حسين لم يقطن فيها وفضل أن يقطن في منزل بسيط. كان صدام يتناول ما كان يعد له ولم يكن له الكثير من المطالب. ويعتقد أن الولايات المتحدة كانت تحمل فكرة خاطئة بأنه مبذّر مما أدّى إلى قدرته على المراوغة من الأسر. ويعتقد صدام أن أسره كان نتيجة للخيانة.
كان جدول عمل صدام متخما لكنه كان يحتفظ لنفسه بوقت لقراءة القصص وهو أمر كان يسعد به كثيرا. كانت أجندة صدام تضمّ لقاءات مع كبار المسؤولين الآخرين في حزب البعث. وزعم صدام أنه كان يلتقي بانتظام مع الشعب العراقي لأنه كان يعتبرهم أدق مصادر المعلومات. كان صدام يلتقي بالمواطنين يوميا أو من وقت إلى آخر. وعندما سُئل عن كيفية تيقنه من أن المواطنين يصْدقونه القول خلال لقاءاتهم معه نظرا إلى أن غالبيتهم سيكونون خائفين، رد بأن "ذلك يمكن أن يكون هو القضية لكن الشعب كان يعلم أنني أريد الحقيقة". وضرب صدام مثالا لأخيه غير الشقيق وطبان إبراهيم حسن المجيد وزير الداخلية آنذاك، حيث اشتكى مواطن لصدام أنه خلال توقفه في إشارة مرورية أطلق وضبان النار على إشارة المرور من مسدسه. اتصل صدام بوضبان ليتأكد من صحة ذلك، فأقر وطبان بالواقعة، وما كان من صدام إلا أن أمره بحزام أغراضه وجعله يعلم بنبأ إقالته من الوزارة ومن الإذاعة الرسمية. وقال صدام إنه ألزم عائلته بمعايير أعلى من الآخرين.
أشار صدام إلى اهتمامه بفهم الثقافة الأميركية وقام بذلك عبر مشاهدة الأفلام الأميركية. وبحسب ما ذكره صدام فإنه شاهد العديد من الأفلام الأميركية جعلته يكون رأيه حول الثقافة الأميركية.
* توليت بنفسي صياغة خطبي.. وجميع كتاباتي نابعة من القلب ـ أقر بأنه يعي أنه لم يعد رئيسا وتساءل ماذا يمكنه فعله فتلك مشيئة الله ـ حوار غير رسمي مع صدام ـ 11 يونيو (حزيران) 2004 خلال حديثه إلى المحقق جورج إل. بيرو في إطار محادثة تمت بينهما عن طريق المصادفة، أدلى صدام حسين بالمعلومات التالية بخصوص أسلحة الدمار الشامل: قرأ صدام على بيرو قصيدة ألفها مؤخرا. واستغل بيرو هذه الفرصة للانتقال إلى مناقشة خطب صدام. وبعد الاستماع إلى عدة قصائد صاغها صدام، اكتسب بيرو الآن القدرة على تحديد ملامح أسلوب صدام في الكتابة، الذي كان شائعا في واحدة من الخطب التي قرأها بيرو منذ وقت قريب. وبدا واضحا لبيرو أن صدام تولى بنفسه صياغة خطبه، الأمر الذي أكده صدام، موضحا أن جميع كتاباته نابعة من القلب. واعترف صدام بأنه لم يستمتع بإلقاء خطبه، مفضلا بدلا من ذلك إلقاء آخرين لها. ووصف صدام شعوره عند كتابة خطبه وتسليمها لمن يلقونها أنه كان أشبه بمن يخوض امتحان. بعد ذلك، سأل بيرو صدام حول إذا ما كان صاغ خطبه وأنها نبعت من صميم فؤاده، وعن المعنى وراء الخطاب الذي ألقاه في يونيو (حزيران) 2000. فأجاب صدام بأن هذا الخطاب كان يرمي لتحقيق هدفين؛ أحدهما إقليمي والآخر عملي. إقليميا، رمى الخطاب إلى الاستجابة للتهديدات الإقليمية التي يجابهها العراق. وأعرب صدام عن اعتقاده بأن العراق لم يكن بإمكانه الظهور بمظهر الضعف أمام أعدائه، خاصة إيران. وأشار إلى أن العراق تعرض لتهديدات من جانب دول أخرى بالمنطقة وكان يتحتم عليه الظهور في صورة القادر على الدفاع عن نفسه. عمليا، حاول صدام إظهار التزام بلاده بقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بتدمير أسلحة الدمار الشامل. وأشار صدام إلى أن إيران شكلت التهديد الأكبر لبلاده بالنظر إلى حدودهما المشتركة. ورأى أن طهران سعت لضم جنوب العراق إلى أراضيها. والواضح أن إمكانية إقدام إيران على محاولة ضم جزء من جنوب العراق إليها بدت من وجهة نظر صدام والعراق كأخطر تهديد تواجهه البلاد. ونظر صدام إلى الدول الأخرى في الشرق الأوسط باعتبارها ضعيفة وعاجزة عن الدفاع عن نفسها أو العراق ضد أي هجوم إيراني. وأعرب صدام عن اعتقاده بأن إسرائيل مصدر تهديد للعالم العربي بأكمله، وليس العراق على وجه الخصوص. ومضى صدام قدما في الحوار حول القضايا المتعلقة بخطورة التهديد الإيراني للعراق. على الرغم من ادعاء صدام بأن العراق لم يملك أسلحة دمار شامل، فإن التهديد الإيراني شكل عاملا كبيرا وراء رفضه عودة مفتشي الأمم المتحدة إلى العراق. واعترف صدام بأن قلقا أكبر ساوره حيال اكتشاف طهران نقاط ضعف بغداد من التداعيات المتمثلة في الإجراءات التي ستتخذها الولايات المتحدة لرفضه السماح بعودة مفتشي الأمم المتحدة إلى العراق. من وجهة نظره، اعتقد صدام أن مفتشي الأمم المتحدة سيكشفون مباشرة للإيرانيين نقاط الضعف التي يمكن من خلالها إلحاق الضرر الأكبر بالعراق. وضرب صدام مثالا على ذلك عن طريق مده ذراعه وشرحه أن ضرب شخص ما على مقدمة اليد لن يترك التأثير ذاته مثل ضربه عند المرفق أو الرسغ، الأمر الذي سيفقده القدرة على استخدام ذراعه. أشار صدام إلى شعوره بالغضب عندما ضربت واشنطن العراق عام 1998، مستطردا أن العراق كان قادرا على امتصاص ضربة أميركية أخرى لأنه اعتبر ذلك خطرا أقل من كشف ضعف البلاد أمام طهران. أضاف صدام أن قدرات الأسلحة لدى إيران زادت بصورة هائلة، بينما تقوضت قدرات العراق جراء العقوبات التي فرضتها عليه الأمم المتحدة. وشدد على أن تداعيات ذلك ستتجلى في المستقبل، مع تحول القدرات الإيرانية على صعيد التسليح إلى تهديد أكبر للعراق والمنطقة بأسرها. رأى صدام أن القدرات العراقية بمجال الأسلحة شكلت عاملا في النتيجة التي تمخضت عنها الحرب العراقية ـ الإيرانية. في بداية الحرب، امتلك العراق صواريخ ذات مدى محدود بلغ قرابة 270 كيلومترا، في الوقت الذي افتقرت إيران إلى قدرات صاروخية قوية. إلا أن الإيرانيين نجحوا في الحصول على صواريخ طويلة المدى من ليبيا كان بمقدورها ضرب أهداف في العمق العراقي. وكان الإيرانيون من بادروا باستخدام الصواريخ وقصفوا بغداد. وادعى صدام أنه حذر الإيرانيين عبر خطاب ألقاه بضرورة وقف مثل هذه الهجمات. إلا أنهم أقدموا مجددا على مهاجمة بغداد. وعليه، حضر إليه عدد من العلماء العراقيين وأشاروا عليه أن باستطاعتهم زيادة مدى الصواريخ العراقية، بحيث تضرب هي الأخرى العمق الإيراني. وبالفعل، أصدر صدام أوامره إليهم بالشروع في ذلك. ورد العراق على الهجمات الإيرانية بضرب العاصمة الإيرانية، طهران، بالصواريخ العراقية. وأكد صدام أن الإيرانيين انتابهم غضب عارم حيال الهجمات العراقية. وأشار إلى أن طهران كانت أكثر عرضة لخطر الضربات الصاروخية بسبب طبيعتها الجغرافية. على الجانب الآخر، تنتشر بغداد جغرافيا على مساحة واسعة ومقسمة إلى أحياء، ما يحد من فعالية الهجمات الإيرانية. ووصف صدام هذه الفترة بأنها "حرب المدن"، مستطردا أن الإجراءات العراقية جاءت استجابة للأفعال الإيرانية في ذلك الوقت. وشرح صدام أن إيران كانت في موقف أضعف، نظرا لامتلاك العراق التقنية اللازمة لتصميم وتطوير صواريخه، بينما اضطرت إيران إلى الحصول على صواريخها من ليبيا. وأوضح صدام أن القيد الوحيد على العراق كان قدرته الإنتاجية، في الوقت الذي كانت إيران مقيدة بالكمية التي يمكنها الحصول عليها. واعترف صدام بأن إيران استمرت في تطوير قدراتها بمجال الأسلحة، من أجل بناء أسلحة دمار شامل. في المقابل، خسر العراق قدراته المتعلقة بالأسلحة بسبب عقوبات الأمم المتحدة وعمليات التفتيش التي أجرتها المنظمة بالعراق. سئل صدام كيف كان يمكن للعراق التعامل مع التهديد الإيراني حال رفع عقوبات الأمم المتحدة. أجاب صدام بأن العراق كان سيصبح عرضة بدرجة بالغة لهجوم إيراني. لذا، كان سيسعى لإبرام اتفاق أمني مع الولايات المتحدة لحماية العراق من الأخطار الإقليمية. وأعرب صدام عن اعتقاده بأن مثل هذا الاتفاق لم يكن ليفيد العراق فحسب، وإنما أيضا جيرانه، مثل السعودية. واتفق بيرو معه في الرأي على أن مثل هذا الاتفاق كان سيساعد العراق بصورة هائلة. لكنه أشار إلى أنه بالنظر إلى تاريخ العلاقات بين البلدين، كان الأمر سيتطلب بعض الوقت قبل أن توافق واشنطن على الدخول في مثل هذا الاتفاق مع العراق. من ناحية أخرى، لفت بيرو انتباه صدام إلى أن الفقرة 14 من قرار الأمم المتحدة رقم 687 تنص على أن نزع تسليح العراق كان جزءا من عملية نزع تسليح شاملة للمنطقة بأسرها، لكن هذا الجزء من القرار تعذر تنفيذه. كان التهديد الإيراني سيلوح في الأفق بالنسبة للعراق، خاصة مع استمرار إيران في تطوير أسلحتها. وعلق بيرو بأنه في ظل مثل هذه الظروف، يبدو أن العراق كان سيصبح بحاجة إلى إعادة بناء برامجه المعنية بإنتاج الأسلحة استجابة لما يجابهه من أخطار. ورد صدام على ذلك بقوله إن العراق كان سيفعل ما يتوجب عليه فعله، منوها بأن قدرات العراق الفنية والعلمية فاقت قدرات الدول الإقليمية الأخرى. قال صدام إنه سمح بعودة مفتشي الأمم المتحدة إلى العراق في محاولة للتصدي لمزاعم الحكومة البريطانية. وأكد أنه كان من العسير للغاية اتخاذ مثل هذا القرار، لكن الحكومة البريطانية من جانبها كانت أعدت تقريرا يحوي معلومات استخباراتية غير دقيقة. وكانت تلك المعلومات الاستخباراتية غير الدقيقة الأساس الذي اعتمدت عليه واشنطن في قراراتها. إلا أن صدام اعترف بأنه عندما اتضح أن الحرب مع الولايات المتحدة وشيكة، سمح بعودة مفتشي الأمم المتحدة إلى العراق، أملا في تجنب الحرب. لكن بدا جليا أمامه قبل الحرب بأربعة أشهر أن الحرب واقعة لا محالة. أكد صدام مجددا أنه رغب في إقامة علاقات مع الولايات المتحدة، لكن لم تتسن له فرصة تحقيق ذلك لأن واشنطن لم تكن تنصت لأي شيء يقوله العراق. علاوة على ذلك، ساوره القلق إزاء القدرات والموارد التقنية المتطورة لواشنطن. على صعيد منفصل، قال صدام إنه يتذكر استخدامه الهاتف مرتين فحسب منذ مارس (آذار) عام 1990. إضافة إلى ذلك، لم يبق صدام في المكان واحد لمدة تزيد على يوم واحد، لإدراكه القدرات الأميركية بالغة التقدم. جرت اتصالات صدام بصورة رئيسة عبر استخدام أفراد لحمل الرسائل أو كان يلتقي شخصيا مع مسؤولي الحكومة لمناقشة القضايا المعنية. واعترف صدام بأن دولة نامية مثل العراق كانت عرضة لتهديد كبير من قبل الولايات المتحدة. ثم تحولت المناقشة باتجاه الرئيس العراقي المؤقت الجديد ـ الشيخ غازي الياور. قال صدام إن الياور ينتمي لعائلة طيبة وإن الدول الإقليمية الأخرى سترحب به، خاصة السعودية. وأعرب عن اعتقاده بأن الولايات المتحدة لا بد أنها أمعنت التفكير في تعيين الياور في هذا المنصب، لأن اختياره كان قرارا صائبا. من جهته، نوه بيرو بأن اختيار الياور لم يتم من جانب واشنطن وحدها، وإنما عاونتها الأمم المتحدة. وأضاف أن اختيار الحكومة العراقية الجديدة اعتمد على الاحتياجات التي أعرب عنها الشعب العراقي. قامت الحكومة العراقية على أساس متين تمكنت من الانطلاق منه في سعيها لخدمة الشعب العراقي. بعد ذلك، سأل بيرو صدام عن حقيقة شعوره الشخصي إزاء مناقشتهما حول رئيس عراقي وحكومة جديدة بالبلاد. وشرع صدام في الإجابة بالحديث عن الياور، لكن قاطعه بيرو وأعاد سؤاله عن شعوره الشخصي. وذكر بيرو صدام بأنه سبق أن أوضح أنه لا يزال يعتبر نفسه رئيس العراق. ومع ذلك، بات واضحا للجميع الآن أنه لم يعد رئيسا للبلاد، في ظل وجود رئيس آخر يمثل الدولة والشعب العراقيين. وأخبر بيرو صدام بأنه لم يعد رئيسا للعراق، وأن أمره انتهى. أجاب صدام بأنه يعي هذا الأمر، وتساءل ماذا يمكنه فعله حيال الأمر بالنظر إلى أن تلك مشيئة الله. وسأله بيرو ما إذا كانت لديه أي أفكار حيال مستقبله، ورد صدام بأنه مستقبله في يد الله. عندئذ، أخبره بيرو بأن حياته أشرفت على نهايتها، وسأله إذا ما كان يرغب في أن يكون للجزء المتبقي من حياته معنى. ورد صدام بالإيجاب. قال بيرو لصدام إنه أحاط نفسه بأفراد ضعفاء، يأبون الآن تحمل أي مسؤولية عن إجراءات الحكومة السابقة. وأضاف أن المحتجزين بالغي الأهمية الآخرين يلقون باللوم على صدام عن كل أخطاء العراق. وأجاب صدام متسائلا ماذا بوسعه فعله. واعترف صدام بأنه ربما يتحمل المسؤولية أو اللوم، في الوقت الذي يحاول آخرون إقصاء أنفسهم عن المسؤولية.