إسرائيل وأوباما إلى حيث ينفع الندم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سمير كرم
الآن هناك تصوران في ما يتعلق بالصفقة الممكنة بين اسرائيل وادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما.
تصور اسرائيلي بحت يعبر عن موقف حكومة بنيامين نتنياهو، وتصور للوبي الصهيوني في أميركا، باعتباره المعبر عن النقطة القصوى التي يمكن إسرائيل أن تهدف اليها بالضغط المباشر على إدارة أوباما.
التصوران يتعلقان بالحركة التالية، في ما يتعلق بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وهو يتحول بفعل الموقف الاسرائيلي وبعض الموقف العربي الى صراع فلسطيني إسرائيلي إيراني، باعتبار أن إيران تمثل القاسم المشترك في التصورين المذكورين.
ليس في الأمر لغز ...
التصور الاول الاسرائيلي، هو أن بالإمكان ان تصل اسرائيل الى اتفاق مع إدارة أوباما بشأن المعضلة الأكبر في الحالة الراهنة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وهي النقطة التي عندها توقفت عملية السلام عن الحركة: مشكلة المستوطنات اليهودية. وإسرائيل نتنياهو ووزير خارجيته ليبرمان لا تجد استحالة في إجبار إدارة أوباما على قبول شكل ما من أشكال التوسع في المستوطنات اليهودية، بما في ذلك ما رفضته إدارة أوباما حتى الآن، وهو السماح لإسرائيل بتوسيع المستوطنات في ما يسمى بالنمو الطبيعي لها، أي التوسع الذي يفرضه ازدياد أعداد المستوطنين اليهود بالتكاثر من ناحية وبزيادة الهجرة اليهودية الى اسرائيل من ناحية أخرى.
ويذهب هذا التصور الإسرائيلي الى انه ليس بإمكان مشكلة كهذه أن تعرقل جهود السلام، لأنها ليست مشكلة أمنية كبرى في نظر إسرائيل. وعلى الرغم من ان هذا القول يمكن أن يفسر بأنه درجة من المرونة تبديها إسرائيل في ما يتعلق بالنقطة الوحيدة التي تختلف فيها مع إدارة أوباما، وهي نفسها النقطة الوحيدة التي اختلفت فيها إدارة أوباما عن موقف سابقتها إدارة جورج بوش التي كانت تعارض استمرار التوسع في الاستيطان، لكنها كانت توافق إسرائيل على استمرار التوسع لاعتبارات النمو الطبيعي وتعتبره أمرا مقبولا، بل مشروعا. إلا أن اسرائيل لا تقول هذا على سبيل تقديم تنازل لإدارة أوباما أو للسلطة الفلسطينية ... بل تقوله لهما بمعنى أن عليهما ألا يعرقلا عملية السلام، التي يفترض أن تتوج بإقامة دولة فلسطينية، من أجل مسألة هينة الى هذا الحد (...)
ولهذا ظهر الاقتراح القائل بأن باستطاعة إسرائيل أن تبقي هذا التوسع "الطبيعي" للمستوطنات في حدود داخلية، فلا تحتاج الى أن تتسع للخارج .. أي لخارج حدود المستوطنات القائمة فعلا. وبتعبير آخر أن يكون التوسع في المستوطنات رأسيا لا أفقيا. والقصد النهائي من هذه الحيلة أن تجد السلطة الفلسطينية نفسها مجبرة على قبول ما أعلنت حتى الآن رفضها له، وهو كل ما أقيم من مستوطنات حتى الآن.
وحتى الآن فإن إدارة أوباما لم ترد على هذه النقطة الفرعية: توسع استيطان للداخل وليس للخارج.
لكن النظام العربي المعتدل لم ينتظر ليرى كيف سيكون موقف إدارة أوباما. فإن الأخبار الإسرائيلية ـ وهي الآن مصدر مهم لمعرفة مواقف واقتراحات النظام العربي المعتدل، لمعرفة ما أصبح يقبل وما لا يكاد يعارض ـ تفيد بأن دول هذا النظام وافقت على هذا الاقتراح .. أي انها أصبحت ترى أن على السلطة الفلسطينية، من أجل أن تنال الدولة، أن تقبل كل المستوطنات الإسرائيلية التي تكون قائمة وقت الاتفاق مع إسرائيل. وتفيد أخبار اسرائيلية ايضا بأن دول النظام العربي المعتدل تعرف لماذا وافقت اسرائيل على تجميد استيطان على هذا النحو، فهي ـ أي هذه الدول العربية ـ أبلغت إسرائيل أنها مستعدة لعدد من إجراءات التطبيع معها مقابل هذا الشكل من تجميد الاستيطان. ومن هذه الإجراءات الاتفاق على تبادل الزيارات الرسمية، في مجالات دبلوماسية وقانونية وعلمية وثقافية، قبل إقامة أية علاقات رسمية، ومن هذه الإجراءات ايضا ـ وربما أهمها ـ فتح المجالات الجوية لدول النظام العربي المعتدل أمام الطيران المدني الإسرائيلي.
فإذا أتينا الى التصور الثاني ـ المكمّل لا المناقض لهذا التصور الإسرائيلي ـ فإنه تصور يأخذ به اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة. ويعتبر هذا التصور أن الوقت الحالي برمته ليس وقتا لعملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، بل ليس وقت السلام والتطبيع بين إسرائيل والعرب، كما تريد إدارة أوباما أن يكون. ذلك أن المشكلة الراهنة والملحة هي مشكلة ايران والخطر النووي الذي تشكله على اسرائيل والعرب وأميركا والعالم بأسره.
تتبنى منظمات اللوبي الصهيوني في أميركا هذا التصور على أساس محدد هو أن الأمور ينبغي أن تقاس بما تعتبره إسرائيل خطرا على أمنها. أياً كان حجم مشكلة الاستيطان وتجميده أفقيا أو رأسيا فإنها لا تشكل خطرا على الأمن الاسرائيلي، بل الخطر الحقيقي على أمن إسرائيل هو خطر إيران ومشروعها النووي. ويذهب هذا التصور الى أن ما يهدد إسرائيل أمنيا يلغي الحاجة الى سلام مع الفلسطينيين والعرب .. وهؤلاء يعرفون أن خطر ايران لا يشمل إسرائيل وحدها، بل يشملهم جميعا.
ويذهب تصور اللوبي الصهيوني ايضا الى ان هذه المسألة المتعلقة بخطر ايران على إسرائيل والعرب وأميركا والعالم هي أهم النقاط وراء مشاعر الندم التي تستبد باليهود الأميركيين الذين كانوا قد صوتوا لمصلحة أوباما في انتخابات الرئاسة الأميركية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي ... وكانوا قد أيدوا أوباما بناء على ما قاله في حملته الانتخابية عن أهمية العلاقات الاستراتيجية مع إسرائيل، واعتبروا أن صداقته مع شخصيات "من نوع" الدكتور رشيد الخالدي المؤرخ والأكاديمي الفلسطيني والقس المسيحي الأميركي جيريميا رايت لن تكون ذات تأثير على سياسته تجاه الشرق الأوسط.
وتلعب مسألة ندم الناخبين اليهود الاميركيين على التصويت لأوباما في انتخابات الرئاسة دورا أساسيا في تكوين الخلفية السياسية والنفسية التي ينبني عليها تصور اللوبي الصهيوني لكيفية التأثير في مواقف وسياسات إدارة أوباما، بل في مواقف كل مسؤول فيها تربطه علاقة بالسياسة الأميركية في الشرق الاوسط. وقد كتب الان ديرشوفيتش، وهو محام أميركي يهودي اشتهر بعلاقته الوثيقة بإسرائيل والمنظمات الصهيونية، مقالا في صحيفة "وول ستريت جورنال" ( 2/7/2009) بدأه بقوله "ان مؤيدين أميركيين كثيرين لإسرائيل ممن صوتوا لباراك أوباما يشكون الآن أنهم كانوا ضحايا طعم وضع لهم وتسبب في تحول أغلبية ساحقة منهم الى التصويت لأوباما بدلا من جون ماكين، وهم يرجعون ذلك الى ان أوباما عمد بدرجة كبيرة الى التأكيد على انه سيؤيد إسرائيل".
وينقل ديرشوفيتش عن مسؤول بارز في اللوبي الصهيوني الأميركي ـ هو مالكولم هوهنلين نائب الرئيس التنفيذي لـ"مؤتمر المنظمات اليهودية الاميركية الكبرى" ـ قوله "إن المؤيدين الأقوياء للرئيس أوباما بين القادة اليهود يشعرون باضطراب عميق بسبب مبادراته الشرق أوسطية الاخيرة، ويتساءل بعضهم: ما الذي يعتقده (أوباما) فعلا".
وفي هذا الصدد فإن اللوبي الصهيوني لا يتردد في توجيه الانتقاد الى أي مسؤول في إدارة أوباما من اليهود الأميركيين المعروفين بولائهم التام لإسرائيل. وعلى سبيل المثال فإن أهم يهودي في إدارة أوباما، وهو رئيس أركان البيت الأبيض والكولونيل السابق في الجيش الإسرائيلي رام ايمانويل، تعرض لانتقاد شديد لأنه "أشاع خوفا شديدا بين كثيرين من مؤيدي إسرائيل عندما ربط ( في ايار / مايو الماضي) بين الجهود الأميركية لوقف إيران عن تطوير أسلحة نووية والإجراءات الإسرائيلية في ما يتعلق بالمستوطنات". وفي الوقت نفسه امتدح اللوبي دينيس روس المسؤول الأول في إدارة أوباما عن ملف العلاقات مع ايران حينما "لم يظهر أية علامات ضعف في معارضة أميركا لإيران مسلحة نوويا".
وهنا يتضح بجلاء مدى معارضة اللوبي الصهيوني الاميركي لأي إضعاف للموقف الذي تتخذه إدارة أوباما تجاه ايران، اذا اتخذ شكل الربط بين هذا الموقف ووجوب التزام اسرائيل بتجميد الاستيطان. ويتخذ اللوبي هذا الموقف حتى في الوقت الذي تعترف فيه الصحافة اليهودية الاميركية بأنه "ليس هناك أي دليل على أي ضعف في الدعم الأميركي لحق إسرائيل في الدفاع عن أطفالها ضد نوع الهجمات بالصواريخ التي كان المرشح أوباما قد علق عليها عندما زار مدينة سديروت الاسرائيلية أثناء حملته الانتخابية معلنا تأييده لكل ما يمكن أن تقوم به اسرائيل دفاعا عن أطفالها". (جويش ويك ـ نيويورك).
غير أن كتّاب اللوبي الصهيوني يفضلون أن يكون واضحا انه "قد تحدث تغيرات مقبلة في سياسات إدارة أوباما تضعف أمن الدولة اليهودية ... ذلك أن مرشحي الرئاسة الناجحين غالبا ما يلينون دعمهم لإسرائيل ما ان يتم انتخابهم".
نحن هنا بصدد توزيع أدوار يتسم بدقة عالية بين المواقف الاسرائيلية البحتة ومواقف منظمات اللوبي الصهيونية الاميركية ... حيث الهدف واحد وان ظهرت تباينات (لا تناقضات) بين هذه وتلك. فالجميع ـ في تل أبيب كما في واشنطن، وعلى الرغم من الاختلاف ـ يتوصلون الى أن المهم ألا يصيب الضعف موقف إدارة أوباما ضد ايران، مهما ظهر من جانبها من تشدد بشأن تجميد الاستيطان (...)
ان اللوبي الاميركي لا يقتصر على دور متابعة المواقف العربية من اسرائيل ـ وبالتالي من مسألة المستوطنات ومسألة الخطر الايراني ـ انه يتجاوز ذلك الى دور مواز لدور الادارة الاميركية ومبعوثيها .. دور يتجاوز المتابعة الى الضغط المباشر على الدول العربية بشأن سياساتها تجاه اسرائيل. وقد تمكن في الفترة الأخيرة من تحقيق تنازلات من دول نظام الاعتدال العربي .. ويعتبر ان اسرائيل ستحصل على هذه التنازلات بصرف النظر عن مواقف وسياسات ادارة اوباما.
واذا كان القول المأثور يذهب الى ان الندم لا ينفع لان الأوان يكون قد فات، فإن اسرائيل واللوبي الصهيوني في اميركا ينتهجان معا سياسة منسقة تجاه أوباما تهدف الى ان تجعل الندم ينفع النادمين بالتلويح باتجاه الناخبين اليهود بعيدا عما يسبب الندم عندما يأتي وقت معركة 2012 الرئاسية الاميركية. وأول النفع جاء مبكرا كثيرا عن المتوقع في تصريحات جوزيف بايدن نائب الرئيس أوباما التي فسرت بأنها حولت الضوء الاحمر الاميركي أمام نية اسرائيل القيام بهجوم عسكري على ايران الى ضوء أخضر.
المصادر الوثيقة الصلة بالموضوع في إدارة أوباما ترى الأمر من زاوية مختلفة. لا ليس هذا تراجعا مبكرا من الادارة الاميركية أمام النادمين على التصويت لأوباما في الانتخابات، بل هو اقرب الى إحراج لإسرائيل، لان معلومات المخابرات الاميركية تفيد بأن اسرائيل لا تنوي بالفعل شن هجوم على ايران ما لم يكن بمشاركة أميركية. وتصريحات بايدن في هذا الشأن انما منحت اسرائيل حقا لا تنوي أبداً استخدامه.