جريدة الجرائد

حذار من النسيان

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

07/08/2009

حذار من النسيان


حسن مدن

في مكانٍ ما يقول غابرييل ماركيز إن الناس سريعو النسيان. مع ذلك يبدو أن هناك مفارقة من نوعٍ ما، كأن للإنسان نوعين من الذاكرة، واحدة قصيرة للغاية، بحيث إنك تنسى أن تنفذ في المساء التزاماً قطعته على نفسك في الصباح، أو لا تتذكر من حديث أحدهم معك سوى اللمم، أو لا يعلق في ذاكرتك من خبرٍ قرأته في جريدة الصباح سوى بدايته أو نهايته.


وذاكرة أخرى طويلة الأمد، بحيث إن أحداثاً وأشخاصاً شكلت أو شكلوا يوماً شيئاً من حياتك تظل أو يظلون مستقرين في ذاكرتك أبداً.

يقول فرويد إن ldquo;الذاكرة خوانةrdquo;، فهي لا تسعف صاحبها على تذكر ما يريد، ولا تحتفظ بكل التفاصيل التي مرت على المرء في حياته. مهما كان مقدار الصحة في هذا القول، يبدو من المناسب تأمل أن الناس ينسون فقط الأشياء التي لا يريدون أن يتذكروها.

فلا أحد يريد أن ينسى اللحظات السعيدة في حياته، ولا الأشخاص الرائعين الذين قابلهم يوماً، ولا الأماكن الجميلة التي له فيها ذكرى. يحدث أن تثير ذكرى جميلة غصة في النفس، لأنها أصبحت ذكرى فقط ولم تعد واقعاً.

هنا قد يصبح النسيان سلوى، وسيلة للانسلاخ عن ذكرى وعن أماكن وعن أشخاص، ولكن الأمور ليست بهذه البساطة، كأن يقرر الشخص النسيان فيكون له ما يريد، فالحادثة أو الشخص حين يستوليان على الجوارح لا يُفلت من ذكراهما أبداً، حتى وإن كانت هذه الذكرى مصدراً للألم.

هناك صنف نبيل من البشر يتقنون نوعاً واحداً من النسيان، هو نسيان ldquo;الأسيةrdquo;، أو الغفران عن أشخاص أساءوا إليهم أو سببوا لهم أذى أو جرحوا إحساساً. هذا النوع من النسيان هو دلالة النبل وسمو الروح ونقاء السريرة، ومن دون هذا الصنف من البشر كانت حياتنا ستتحول إلى غابة من الأحقاد والضغائن والثارات والحسد.

في إحدى قصائده يقول بابلونيرودا: ldquo;كثيرون قد نسوا / وكثيرون قد ماتوا / وآخرون لم يكونوا قد ولدوا بعد / أما أنا فلم أنس ولم أمتrdquo;.

النسيان الذي يعنيه الشاعر هنا نوع آخر من النسيان، إنه نسيان من النوع الفتاك، حين يصبح المطلوب هو تغييب الذاكرة الجمعية للناس، سلخهم عن تاريخهم وحملهم على نسيانه.

في هذه الحال: حذار من النسيان.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف