فايز قزي: تبعيّة حزب الله لـولاية الفقيه أخطر من سلاحه
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الكاتب السياسيّ فايز قزي: تبعيّة حزب الله لـولاية الفقيه أخطر من سلاحه
بيروت - محمد الحجيري
أصدر الكاتب السياسي اللبناني فايز قزي كتاباً بعنوان "قراءة سياسية لحزب الله من حسن نصر الله إلى ميشال عون" عن "دار رياض الريس"، لا ينتقد فيه الشريعة الدينية الشيعية، بل يغوص في مواقف الشخصيات السياسية والفقهية التي تقود "حزب الله وتتبع "الولي الفقيه" في إيران.
الكتاب بمثابة محاولة لتبيان أن "حزب الله" حركة جهادية تعتمد العقيدة الشيعية لتحقيق غايات سياسية، إذ يستنتج قزي أن عقيدة هذا الحزب تتناقض كلياً مع النظم الديمقراطية والكيان اللبناني، معتبراً أن دخوله في الحياة البرلمانية اللبنانية يخالف عقيدة الحزب الإلهية.
حول الديمقراطية ونظام الشورى وولاية الفقيه كان الحوار التالي مع قزي.
كيف تقرأ الديمقراطية في "الحركات الإسلامية" وإيران من خلال كتابك "من حسن نصر الله إلى ميشال عون"، هل ثمة ديمقراطية في الإسلام والتنظيمات الإسلامية؟
الموضوع معقد قليلاً، أريد أن أتحدث عن الشق السياسي المدني فيه وليس عن الشق العقائدي الشرعي، فالإسلام نظام ديني وسياسي وكياني، حتى القرآن فيه آيات مدينية وأخرى مكيّة، بعضها يتطرّق إلى العلاقة بين الإنسان والله، وبعضها الآخر يتعلق بالنظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
كان على الإسلام في مرحلة نشوئه أن ينظّم المجتمع أيضاً، لم يكن مجرد دعوة إلهية سماوية، إنما كان نظاماً إجتماعياً - سياسياً متكاملاً، يتعلق بنواحي الحياة السياسة والفكرية والثقافية، هذه هي النظرة التقليدية إلى الإسلام، في ما بعد طرأ بعض المذاهب.
تعرّض الظاهرة
الإيرانية الخمينية للتجربة الإسلام، كما تفهمه هي، للاحتكاك بالنظم المدنية الوضعية. ما هي نظرية الثورة الإسلامية في إيران كما أخذها "حزب الله" في لبنان وتبناها والتزم بها؟ قام "حزب الله" على ثلاثة مبادئ: الإسلام هو العقيدة الشاملة، المقاومة المسلحة هي الجهاد المطلوب، والتبعية المطلقة الشاملة الكاملة لـ"الولي الفقيه" في إيران... هذه المبادئ إذا بحثنا في الشكل الديمقراطي فيها كما يفهمه المواطن المدني وليس الرعايا والطوائف والمذاهب، خصوصاً رعايا الدين الإسلامي، نصل إلى أنها تتناقض بوضوح مع الديمقراطية، فالدين الإسلامي يقول إن ثمة آيات قرآنية منزلة تشرّع، والله أقدر من الشعوب على تبيان الحقيقة، أما الديمقراطية في التعريف الأساسي فهي الاقتراب قدر الإمكان من حكم الشعب المباشر، مباشرة أو بواسطة المؤسسات التي يعينها أو ينتدبها الناس.
تُقسم الديمقراطية إلى: مباشرة، برلمانية، ومركبة. إذاً في المعنى الدستوري أو القانوني ثمة مقارنة بين النظم المدنية والنظم الدينية، خصوصاً في الإسلام، لا سيما "الإسلام الخميني"، وكي نضع النقاط والفواصل بين الديمقراطية الدينية كما يراها الإسلام السياسي، والديمقراطية الوضعية كما تطورت عبر نضالات الشعوب وهي معروفة راهناً بالنظم الديمقراطية في العالم في أوروبا وأميركا، لا بد من الإشارة إلى فرق بنيوي وجوهري، مفاده أن السلطة في النظم الدينية تأتي من الله والملأ الأعلى، أي أن التشريع والتطويب إلهيان، أما في النظم الديمقراطية فالتطويب شعبي ينبع من القاعدة الشعبية والانتخابات.
ما الرابط بين نظام الشورى الإسلامي والديمقراطية بمعناها الغربي؟
نظام الشورى قائم في الإسلام، ويستمد أعضاؤه أحكامهم من النظرية الإلهية، من الارتباط بالفقه الشرعي، أما الديمقراطية فنظام شورى وشعبي في آن، وليس فوقياً وصادراً عن الآئمة أو العلماء، حتى "الإسلام الشورى"، خصوصاً في نظام الثورة الإسلامية الإيرانية، قضي عليه.
عندما تؤمن بنظرية ولاية الفقيه تلغي نظام الشوري الإسلامي، إذ تصبح الولاية المطلقة والشاملة والمعصومة للفقيه، وليس ولاية دينية فحسب كما كانت قبل الخميني الذي فرض الولاية الشاملة المطلقة في الشؤون كافة، ولم يعد أي شيء يخرج عن سلطته، وهو يقول: "صلاحيات النبي محمد وصلاحيات أمير المؤمنين، وصلاحيات الولي الفقيه متساوية"، يعني أن الولي الفقيه يتمتع بسلطة النبي محمد والإمام علي بن أبي طالب، وبسلطة الأئمة المعصومين.
أضاف الخميني إلى ولاية الفقيه الشيعي الولاية السياسة أي الحكم، فقبل ولايته كان الفقه الشيعي يعتبر أن تولي الحكم غير مقبول قبل عودة "الإمام المهدي الغائب"، لكن الخميني بدّل هذه النظرية وأصبح ولي الفقيه يتمتع بكامل الصلاحيات التي يتمتع بها "الإمام الغائب"، وهذا ما ورد في كتابه "الحكومة الإسلامية" المترجم إلى العربية والصادر عن "دار الطليعة" في بيروت. هذه النظرية، إضافة إلى التناقض الأساسي بينها والديمقراطية الشعبية المباشرة، جاء الخميني ليزيدها تناقضاً، من خلال إلغاء الشورى.
هل يمكن للإسلام إذ أجريت له "جراحات تجميلة" أو إصلاحية أن يتلاقى مع الديمقراطية الغربية؟
لا أعتقد ذلك، مهما حاولنا. جراحات التجميل النسائية تشكّل وجها جديداً، وهذا معلوم، لكن في النظام الإسلامي كيف يمكنك أن تفعل ذلك؟ الأمر يحتاج إلى تبديل في النظم الإسلامية وهذا أمر صعب، إن لم نقل مستحيلاً.
الآيات المدينية التي نزلت على النبي ونظمت المجتمع، نزلت في زمن وتاريخ معينين وعلى شعوب، بل قبائل وإثنيات معينة، لتنظيم الفتوحات والدولة الفتية الناشئة. الأسهل تشكيل نظام جديد بدل إهدار الوقت في أمر في غاية الصعوبة، وأنا أحد الداعين إلى ذلك وأميل إلى الخروج من القيد بما أنزل من فوق، وأحد المقتنعين بالاعتماد على النظرية البديلة. فمعظم الدول لديه شعوب مختلفة متنوعة، إسلامية ومسيحية وبوذية ويهودية، تريد التفاهم على حقوق أبنائها، وتوزيع الثروات والحكم. إزاء هذا، لنعد إلى الأنظمة الوضعية التي نضعها نحن كشعوب، ونطورها في الاتجاه الذي نريده، بدل الاختلاف حول تفسير النصوص المقدسة، في زمن تذهب فيه الصراعات الشرعية والدينية في اتجاه الغلو والتطرف والأصولية، وهذا التطرف سمة النشاط السياسي الديني الأساسية.
كيف تستطيع تبديل نظاماً يقول "للذكر مثل حظ الاثنيين"، هل من الممكن أن نتكلم عن المساواة بين الأنثى والرجل وقد فرض عليك الشرع نظاماً معيناً، لذلك لا يمكن أن تبدّل جراحات التجميل شيئاً في الدين. علينا الانتقال إلى النظام المدني كلياً. حين تلجأ البلدان ذات الأكثرية المسلمة إلى نظام مدني - علماني يؤمن الديمقراطية والمساواة والعدالة بين الإثنيات ويحل مشكلة الأقليات، في هذه الحالة نخرج من التمييز بين المسلم وغير المسلم، ولا نستطيع تحقيق ذلك إذا بقينا تحت حكم يعتمد آالنظام الإسلامي السياسي.
طبعاً، الإسلام يعامل غير المسلم معاملة جيدة جداً، أفضل مما تفعل الأديان الأخرى، لكن القضية الأهم هي أن نصبح مواطنين متساوين سواء كنا مسيحيين أو مسلمين.
ألا تجد في تبني بعض الأحزاب الإسلامية (مثل "حزب الله" اللبناني) الديمقراطية التوافقية حالة ظرفية مصلحية لخطوة أخرى مستقبلاً؟
بالنسبة إلى "حزب الله" ليس له علاقة بالديمقراطية في المعنى المدني، ولا يؤمن بها إطلاقاً، وعندما يتحدّث عنها يسميها توافقية أحياناً، و{الديمقراطية الأكثرية" أو العددية أحياناً أخرى. هذه تفسيرات مرحلية ظرفية، أو "حُكم الضرورة" أو "شرع الضرورة".
"حزب الله" وكلامي مسجل في كتاب "حزب الله/ المنهج التجربة المستقبل" لنائب أمين حزب الله نعيم قاسم، اتخذه هنا كمستند، يقول: "عندما عرض علينا (أو ضغط) من السوريين سنة 1992 لأن يساهم الحزب في الحياة السياسية في لبنان ويشارك في الانتخابات النيابية، أشكِل علينا الأمر، وعقدنا في مجلس شورى "حزب الله" اجتماعاً كي ندرس الموضوع، وكان الجواب هو التالي: "إن مشاركتنا في مجلس النواب تخالف عقيدتنا، نحن لا نستطيع أن نشرع، الله هو المشرع ونظامنا هو نظام الإسلام، فنحن هل نذهب إلى مجلس النواب لنشرّع، ونضع قوانين بديلة لقوانين الله، لم نستطع الاتفاق في مجلس شورى الحزب على قرار معين، حملنا خلافنا وذهبنا إلى طهران، عرضنا الأمر على الولي الفقية، وبعد الدرس أشار علينا بقبول الترشح إلى الانتخابات، قائلاً إنه أقل ضرراً من عدم الترشح".
هذا ما نسميه نحن "شرع الضرورة"، وليس الشرع الأساسي العقائدي. والحال أن "حزب الله" عندما يتحدث عن الديمقراطية التوافقية أو أي نوع من الديمقراطية يناقض شريعته الأساسية، فهو يتبع على نحو كامل ولاية الفقية، وهذا ما أوضحه أمين عام الحزب حسن نصر الله عندما أعلن افتخاره بأن يكون جندياً في ولاية الفقيه أي تابعاً لها.
ولاية الفقية شاملة للصلاحيات كافة، ومن المفترض أن يُطلع السيد نصر الله الناس على مضمونها. ليس صحيحاً أنها ولاية دينية فحسب، فقد تتضمن شقا دينياً والاعتراض ليس عليه، لأن المرء حر في معتقداته، المشكلة في الشق السياسي وتداعياته علينا في لبنان، فالفقيه في إيران هو ولي أمر "حزب الله" في كل شيء من الثقافة إلى الدين والسياسة والاقتصاد والجيش والأمن، وفي المذهب الشيعي ثمة نظرية التقليد، أو مرجعيات التقليد مثل العلامة محمد حسين فضل لله أو غيره، لكن في زمن الخميني حتى في الفقه الديني، القرار النهائي للولي الفقيه، فكيف في الشؤون السياسية التي لا تتعاطى فيها المرجعيات الفقهية؟
إذاًَ تبعية "حزب الله" لـ{الولي الفقيه" تسقط إمكان التحدث عن الديمقراطية، بل إن مطلب نزع سلاح "حزب الله" أقل أهمية وبقاءه أقل ضرراً من انتماء "حزب الله" وخضوعه لنظرية "الولي الفقيه"، فإذا كان الآمر الناهي هو الفقيه الإيراني، فهذا يعني أنه صاحب الرأي والمشورة، القرار الآمر، الطاعة والولاء لإيران وللولي الفقيه. عموماً، يأخذ "حزب الله" شكل فرقة إيرانية متقدمة في لبنان تتبع لرأس خارج النظام اللبناني ويناقضه في كل شيء.
الحال أن خطر الانتماء إلى الخارج أكبر بكثير من خطر وجود السلاح غير الشرعي. أتصور أن السلاح إذا كان في يد "حركة أمل"، صحيح أنه قد يحدث خطراً في التوزان السياسي الداخلي والديمقراطية، لكنه يبقى أقل خطراً منه في يد "حزب الله"، لأن "حركة أمل" في النهاية حزب لبناني، أما "حزب الله" فلا يعترف بالسلطة ولا بالدولة اللبنانية... على العرب اللبنانيين التنبه لهذا الأمر.
اللافت، عدم توافر ميثاق واضح لـ{حزب الله" لمعرفة على أي أسس ينتمي محازبوه إليه. نقرأ ملامح الميثاق في الرسالة المفتوحة إلى المستضعفين الصادرة في 16 فبراير (شباط) عام 1985، وفي كتاب الشيخ نعيم قاسم، كذلك يشير القيادي في الحزب غالب أبو زينب في محاضرة ألقاها في فندق "لورويال"- شمال بيروت، إلى أنه لحزب الله وثيقتين مكتوبتين هما "رسالة المستضعفين" و{ورقة التفاهم" بين "حزب الله" والتيار الوطني الحر (التابع لميشال عون)، وأنا استندت في كتابي إلى الوثيقيتن، إضافة إلى كتاب الشيخ قاسم الذي شرح العقيدة والرسالة وتأسيس الحزب... فأصدرت دراسة تفصيلية سميتها "قراءة سياسية لحزب الله من حسن نصر الله إلى ميشال عون" لأنني كنت أرى استحالة وليس صعوبة، التوصّل إلى "تفاهم" ما مع "حزب الله" الذي تتبع قيادته إيران في كل شيء.
المشكلة في الوصاية الإيرانية عبر الولي الفقيه على "حزب الله"، فقد أتفهم علاقة هذا الحزب مع أي دولة أخرى، لكن العلاقة العضوية مع إيران مشكلة، وأتأمل بنوع من العقل والشفافية أن يعطينا الحزب الضمانة وهو لا يستطيع ذلك إلا إذا بدل في عقيدته. شخصياً، أريد أن أقرأ الميثاق الذي على أساسه يتم الانتساب إلى هذا الحزب، والذي يرعى شؤون الحزبيين ويوضح هيلكية الحزب الحقيقية: نشاطه وتجاربه وعقيدته...
هل تستوعب الديمقراطية التوافقية "حزب الله" في لبنان؟
ليس في النظام الدستوري ما يدعى ديمقراطية توافقية، بل ديمقراطية فحسب. أما التوافقية فتعني كما نقصدها نحن في لبنان "الميثاقية"، و"التوافقية" بحسب منطق المعارضة اللبنانية تدخلنا في نظام فيدرالي، فالتوافق ينطلق من نظام جمهوري إلى نظام جمهوري مركزي، ثم نظام فيدرالي.
أليس النظام في لبنان فيدرالياً تقريباً؟
نحن نعيش عملياً في نظام فيدرالي - تقسيمي. شكّل "حزب الله" مناطق تابعة لدولته، في المجالات كافة تقريباً، حتى في القضاء. أعتقد بوجود مشكلة كبيرة في القضاء اللبناني سببها عناصر "حزب الله" من فئة معينة، خصوصاً أن أعضاء اللجان الأمنية فيه لا يخضعون للقضاء اللبناني ولا يحق للأخير استجوابهم، ولو تعرضوا لشبهة تستوجب استماعهم، ثمة عناصر ترفض الذهاب إلى التحقيق، على اعتبار أنها عناصر أمنية.
كلمة التوافق وردت مرة في الدستور اللبناني في نص المادة 65 وتتعلق بطريقة اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء. تؤخذ القرارات بالتوافق أو بالتصويت بأكثرية النصف زائد واحد، وثمة بنود تحتاج إلى أكثرية الثلثين. هذه المادة معروفة في دساتير العالم كافة، ولم توضع للنظام اللبناني فحسب كي نقول إنه ديمقراطية توافقية، ماذا نسمي النظام في فرنسا وانكلترا إذاً؟
يُقال إن لكل دولة ديمقراطيتها الخاصة؟
لا يغير التصويت في شكل الديمقراطية وجوهرها، وإذا اتخذت القرارات بالإجماع يبقى النظام ديمقراطياً وليس توافقياً. الإضافات التي يخترعها الأميون في الدستور يفرضونها على وسائل الإعلام والمواطنين، وتتكرر وتترسخ في أذهان البعض وكأنها ديمقراطية توافقية.
النظام التوافقي موجود في الفيدراليات في العالم، والشعوب تكون متفقة على نظام معين، ولا يحدث شيء إلا بموافقة كل اثنية، أما إذا زدنا على نسبة التصويت أو قللنا، فلا يتغير النظام. ويبقى القول إن النظام اللبناني جمهوري ديمقراطي برلماني، وكل إضافة إليه تصبح "فذلكة" ونوعاً من العرقلة، والثلث الضامن يعني إلغاء الدستور اللبناني.