الأرشيف البريطاني: الأميركيون لعبوا دوراً بين الخميني وكبار الضباط! (10)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
لندن - رائد الخمار
بعد يومين من رحيل الشاه عن بلاده إلى الابد سارت في شوارع طهران مسيرة ضخمة دعا اليها رجال الدين لمناسبة اربعينية الحسين وكانت سلمية "على غير عادة" كما قال السفير البريطاني انتوني بارسنز في برقية إلى رئاسة الحكومة حملت الرقم 165 وتاريخ 18 يناير 1979.
وقدر السفير عدد المتظاهرين، وفق شهود عيان، بحوالى مليوني شخص ساروا في الشوارع باتجاه نصب شاميان وسط العاصمة الايرانية، وشهدت اعلان بيان من 9 نقاط اصدرته قيادة المعارضة (الثورة).
مسيرة المليونين
وقال السفير في البرقية، وهي احدى رسائله الاخيرة قبل مغادرته منصبه سفيراً لملكة بريطانيا في بلاط الشاهنشاه، ان مسيرة المليونين كانت منظمة حسب الفئات المشاركة في المعارضة، وحملت لافتات بعضها بالانكليزية غالبيتها كانت تطالب بجمهورية اسلامية، وترفع صور الخميني التي كانت الاكثر ظهورا وحملها اطفال وشبان وكهلة اضافة إلى آلاف النساء اللواتي كن يغطين رؤوسهن بالمناديل السوداء.
الأكثر سلمية وانضباطا
واشار السفير الى ان التظاهرة او المسيرة كانت جد منظمة اعدها رجال الدين في طهران عبر توجيهات اصدروها في المساجد والحسينيات ووصفها بانها الاكثر سلمية وانضباطا خلال احتفالات عاشوراء. كما شارك في التنظيم الجبهة الوطنية ولجنة حقوق الانسان.
وكانت المسيرة جدية واطلقت فيها نداءات ابرزها "الموت للشاه" و"يعيش الخميني" و"نريد جمهورية اسلامية".
ووصفت اللافتات حكومة بختيار بانها "امبريالية" و"شيوعية" و"اميركية" و"اسرائيلية" الخ. وخلافا للتظاهرات الماضية رفع "مجاهدو خلق"، لافتة ضخمة حملت عبارات التضامن مع الخميني.
والتقى المتظاهرون في ساحة الشهيد وسط طهران كلا من اية الله طالقاني وسنجابي وغيرهما من قيادات الحركة المعارضة للشاه.
عائلة غير شرعية
وقرأت قيادة المعارضة بيانا من تسع نقاط ابرز ما جاء فيه:
- اعلان عائلة بهلوي غير شرعية ومؤهلة لحكم ايران. وطرد الشاه من العرش بعدما اغتصب الحكم مثل ابيه قبله.
- نطالب باعلان ايران جمهورية اسلامية مستقلة.
- نؤيد تشكيل مجلس اسلامي ثوري وحكومة مؤقتة يعينها الامام (لم يحدد من هو الامام).
- لا نعترف بان حكومة بختيار شرعية.
- يجب على اعضاء المجلس ومجلس الشيوخ نبذ عضويتهم فورا.
- يجب على اعضاء مجلس الوصاية الاستقالة فورا.
وفي العشرين من يناير رفع السفير برقية الى الخارجية ورئاسة الحكومة بدأها بالقول "انها آخر رسائلي" قبل المغادرة و"انا لست متفائلا على الاطلاق".
واضاف "ان بختيار شكل حكومته قبل اسبوعين ونال الثقة قبل خمسة ايام، كما ان الشاه غادر البلاد ولا نلاحظ ان بختيار حصل على اي سلطة حتى من الجيش".
وفي البند الثالث من الرسالة شدد السفير على ان الخميني يحكم الآن بواسطة البيانات التي يصدرها من منفاه الباريسي وهو اعلن ان الحكومة ومجلس الوصاية لا يتمتعان باي مشروعية مما يجعل من الصعب على حكومة بختيار الحكم، او بدء تطبيق حزمة الاصلاحات التي وعد بها.
وتوقع السفير ان يُصدر للخميني بيانا بتشكيل "مجلس اسلامي" وحتى يُشكل حكومة مؤقتة خلال ايام مما سيُمهد لالغاء حكومة بختيار طهران خلال اسابيع، مما سيعني استقبال "وزراء الخميني" في الوزارات الرئيسية وتنفيذ قراراتهم في وقت سيُمنع وزراء بختيار من دخول مباني الوزارات.
ولاحظ السفير ان التظاهرات التي جرت منذ رحيل الشاه كانت جماهيرية منشرحة ولم تحدث اي اضطرابات على الاطلاق، مما يعني ان رحيل الشاه ادى الى عودة الهدوء نسبياً في وقت يتجاهل الجميع حكومة بختيار التي لا تعقد اي اجتماعات او تقوم باي نشاطات على الاطلاق.
القوات المسلحة
وشدد السفير على انه لا يعتقد ان القوات المسلحة الموالية للشاه يمكن ان تواجه الرأي العام الشعبي المؤيد للخميني او تُعارض قيام الجمهورية الاسلامية، مما يعني ان الفترة الانتقالية ستمر من دون اراقة دماء.
ولاحظ ان الجنرالات اقسموا امام الشاه على دعم حكومة بختيار طالما احترم دستور 1906 الذي ينص على ان الشاه وذريته في قمة هرم الدولة. وقال "لا اعرف ماذا سيكون الموقف فور عودة الخميني وما اذا كان الجنرالات سيخضعون للحكم الجديد او انه قد يحدث انشقاق في الجيش، لكنني اتوقع عقد صفقة بين الطرفين في المرحلة الاولى من قيام الجمهورية الاسلامية التي اصبح قيامها حتمياً".
ونقل عن احد النواب، الذي لم يسمّ.ه، قوله "من الافضل عقد الصفقة في وقت قريب لان ذلك هو الافضل للبلاد". وذكر ان جميع سفراء الدول الاوروبية يشاركونه الرأي في هذا الامر.
وتحدث عن ان تشكيل الحكومة الاسلامية "لن يحل مشكلة الاقتصاد الجامد حالياً على الفور".
ماذا في الأهواز؟!
وعلى رغم الهدوء في طهران الا ان مدناً مثل شيراز وتبريز ومشهد وقم تعيش حال فوضى ويحكم هناك رجال الدين في كل حي من الاحياء كما هو الحال في بعض احياء العاصمة.
والنقطة الملفتة للنظر في رسالة السفير كان حديثه عما يجري في الاهواز، حيث بدأت بوادر انشقاق يطلقها "العروبيون" للانفصال عن ايران، إذ راح ينادي السنة، الذين لا يناصرون الخميني، بدولة مستقلة عن الاراضي الايرانية. وتحدث السفير عن رفع العلم الكردي في مهاباد، والتركمان في الشمال بدأوا يتحدثون عن انفصال مع عودة ناصر خان كاجكاي الى ايران التي غادرها بعد عام 1963 اثر ثورته ضد الاصلاح الذي تناول اعادة توزيع الاراضي.
الأميركيون والخميني
وكان السفير بارسنز، بعد احتفال في السفارة البريطانية اقيم للديبلوماسيين الغربيين لوداعه، ابلغ الخارجية في برقية حملت تاريخ 29 يناير والرقم 167 ان "الاميركيين نشطون في لعب دور بين الخميني وكبار ضباط القوات المسلحة".
ونقل عن السفير الاميركي وليم سوليفان قوله "ان بعض البيانات التي اصدرها الخميني ضد اليساريين والشيوعيين تمت كتابتها في السفارة الاميركية في طهران".
واضاف السفير البريطاني ان الاميركيين يحاولون اقناع الجنرالات بان الدولة الاسلامية في ظل الخميني يمكن ان تنجح في منع اليسار من السيطرة على السلطة، ويمنع تقسيم ايران حتى اشعار آخر. واشار الى ان الخميني شكل لجنة لضرب المتطرفين.
في موازاة ذلك ارسل السفير البريطاني في واشنطن بيتر جاي (صهر رئيس الوزراء البريطاني جيمس كالاهان) برقية الى الخارجية في 25 يناير 1979 تحدث فيها عن مقابلته وزير الخارجية المساعد نيوسوم وقوله "ان الموقف في ايران يعتمد على ست مجموعات رئيسية: الاولى حكومة بختيار، والثانية القوات المسلحة، التي لم تخرج بعد من صدمة رحيل الشاه، والثالثة مجموعة الخميني الاقوى في ايران، ثم الجبهة الوطنية التي تؤيد الخميني وتناصره، وبعدها رجال الدين المعتدلون، ثم مجموعة اتحاد الطلبة".
وساطة أميركية
ووفق السفير جاي تنشط واشنطن بواسطة ملحقها العسكري في السفارة الاميركية في طهران بين هذه المجموعات وتلعب دور الوسيط بين انصار الخميني والجنرالات المعتدلين، وتستعين بخدمات الرئيس السابق لجهاز السافاك "مقدم" الذي انحاز الى الخميني ويقدم خدمات لمجموعته ومستشاريه.
وكانت واشنطن امرت سوليفان بتسليم بختيار كتاب تأييد على رغم طلب الاخير من وزير الخارجية سايروس فانس وقف التأييد العلني لحكومته منعا لاحراجها.
وقال نيوسوم ان واشنطن لا تستطيع الاكتفاء بموقف شبيه بالموقف البريطاني الذي تبين انه كان كالتالي: "ان لندن تؤيد ما يريده الشعب الايراني"، مشيرا الى اننا اذا اتخذنا هذا الخط فسيُنظر الينا اننا "تخلينا عن دعمنا الشرعية وحكم بختيار".
وذكر نيوسوم ان واشنطن تعتقد ان الخميني مصمم على العودة الى ايران بعد تشكيل المجلس الاسلامي الثوري والحكومة المؤقتة مما سيعني استقالة حكومة بختيار ومن ثم تتأمن الظروف لعودة الامام.
ويبدو ان الاميركيين طلبوا من خميني الاجابة بواسطة مساعديه في باريس وطهران عن اسئلة. وبدا من اجوبته انه يتفهم الموقف العالمي وانه لا يعادي الغرب بصورة كاملة وانه مستعد لمواصلة صادرات النفط الى العالم ما عدا اسرائيل وجنوب افريقيا. كما تعهد بان لا يبدأ اي حرب مع جيران ايران (العراق او غيره). وشدد مساعدو الخميني انه لن يعادي الولايات المتحدة الا اذا تدخلت في الشؤون الايرانية الداخلية.
وشدد نيوسوم على ان واشنطن قلقة من بعض المحيطين بالرجل المتقدم في السن الذين قد يستغلون جهله بالامور الدولية. وقال "ان الولايات المتحدة لا تؤيد على الاطلاق قيام انقلاب عسكري في ايران لانه سيؤدي الى حمام دم كبير".
واشار الى ان الازمة في ايران استدعت من واشنطن اعادة النظر في سياستها في المنطقة واعادة تقويم الانظمة في السعودية وباكستان وغيرها.
الحلقة المقبلة
التمهيد لعودة الخميني .. وفبراير الحاسم