جريدة الجرائد

عبء المفاوضات وثمن التسوية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

عبدالوهاب بدرخان

من شبه المؤكد أن العودة الوشيكة للمبعوث الأمريكي الخاص جورج ميتشل إلى المنطقة باتت تعني أن المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية ستستأنف قريباً، وتفترض التطورات السابقة والاتصالات الحالية، أن تكون المفاوضات هذه المرة مختلفة، بمعنى أن تكون هادفة، أي أن يكون مفهوما أنها متى انطلقت لابد أن تتوصل إلى تسوية نهائية.
هذا هو المنطق، لكن هذه المفاوضات افتقدت منذ ولادتها إلى أي منطق، فما الذي تغير ليجعلها مختلفة؟.
هناك معطيات جديدة، لكنها لم تختبر بل كانت مجرد تحركات على الهامش، وعلى خلفية أزمات تمر بها الأطراف كافة، إدارة باراك أوباما دخلت في خلاف مع حكومة بنيامين نتنياهو حول "الثوابت"، الإسرائيلية في التفاوض، وساهمت واشنطن عن قصد أو عن غير قصد في تظهير السلبية الإسرائيلية خصوصا بإصرارها على وضع حد للاستيطان كشرط لابد منه لأي تفاوض جدي ومجد، مع ذلك ظل الخلاف الأمريكي-الإسرائيلي تكتيكيا، ولم يسجل أي تغيير جوهري في الحلف الاستراتيجي أو في الدعم الأمريكي لإسرائيل وحتى للصيغة التي تتصورها للتسوية، أما المنحى "الجديد" الذي اعتمده أوباما فيرتكز عموماً إلى كونه لا يؤيد التفاوض لمجرد التفاوض، كما فعل رؤساء سابقون، وإنما هو مستعد لتوفير الضمانات المطلوبة من أمريكا لأي تسوية يتفق عليها الطرفان.
حاول نتنياهو أن يتحدى الرئيس الأمريكي، وتمكن من إحراز نجاحات في التصدي للضغوط بشأن وقف الاستيطان، حتى إنه انتزع تراجعا من أوباما الذي ما لبث ان استدار نحو الجانب الفلسطيني طالبا العودة إلى التفاوض من دون اشتراط وقف الاستيطان، وللمرة الأولى أمكن للأمريكيين أن يتعرفوا إلى موقف فلسطيني غير راضخ، إذ لم يكن لدى السلطة الفلسطينية عمليا أي خيار آخر، وقبل أن تشتد الضغوط اضطر الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى استخدام "وسيلة المساعدة" الوحيدة التي بقيت لديه، إذ أعلن أنه لن يستمر في منصبه بعد انتهاء ولايته، وفهم الأمريكيون أنه لن يكون مجديا الضغط عليه بعد الآن، إلا إذا أمكن الاقتراب بشكل أو بآخر لتلبية مطالبه.
رغم أن إسرائيل دأبت على تهميش السلطة الفلسطينية، والتقليل من شأنها ورغم أن نتنياهو عاد إلى السلطة وفي نيته التخلص من المفاوضات أو الانقلاب عليها وتغيير الوجهة عبر رزمة إجراءات تجعل من السلطة نوعاً من إدارة حكم ذاتي، إلا أنه أدرك سريعاً أن الأمريكيين والأوروبيين الداعمين التقليديين لإسرائيل لا يؤيدون برنامجه بل يتعاملون معه على أنه متطرف، ثم انهم يعارضون بشدة تحجيم السلطة أو العبث بوضعها بغية تفكيكها، لذلك لم يجد نتنياهو مفراً من معاودة السعي إلى تفاهم مع واشنطن، على قاعدة التفكير في صيغة ما لوقف الاستيطان أو بالأحرى لتجميده.
أما الجانب العربي فكانت له مساهمة في المعطيات الجديدة الممهدة لاستئناف المفاوضات، فمن خلال اللجنة العربية لمتابعة مبادرة السلام أمكن بلورة مشروع تحرك لدى مجلس الأمن بهدف استصدار قرار يحدد حدود "الدولة الفلسطينية" المرتقبة ويؤكد أن القرارات الدولية هي المرجعية المعترف بها لأي مفاوضات ورغم هزال هذا التحرك العربي وبقائه في الكواليس، إلا أنه بدا ذا مغزى، بدليل أنه شكل الحافز لما عرف فيما بعد بـ"المبادرة السويدية" التي صيغت في قرار دعيت دول الاتحاد الأوروبي إلى اعتماده ومع أنها اعتمدت بعد تعديلات إلا أنه شكل ما يشبه "الإنذار" لحكومة نتنياهو التي اشتبهت بأن التحرك السويدي تم بإيحاء أمريكي أو على الأقل بعدم ممانعة.
بالنسبة إلى واشنطن شكل إعلان نتنياهو تجميد التوسع في المستوطنات لمدة عشرة شهور بداية لاستئناف التحرك وإن لم يبد كافيا لاستئناف المفاوضات على النحو الذي يعيد الاعتبار للسلطة الفلسطينية، لذلك انكب حوار ميتشل وفريقه مع مستشاري نتنياهو على استنباط نوع من الجدول الزمني للمفاوضات بحيث تسفر خلال سنتين عن تسوية نهائية تشكل أحد أبرز إنجازات أوباما الدولية في ولايته الأولى وبموازاة ذلك أخذ الأمريكيون في الاعتبار هواجس كل من الطرفين واستعدوا لصياغة رسالتي ضمانات يقدمها أوباما إليهما قبل استئناف التفاوض، أما العنصر الثالث فهو نظام رعاية جديد للمفاوضات يضم إلى الولايات المتحدة، مصر والأردن باعتبار أنهما قادران على التأثير في الجانب الفلسطيني.
استناداً إلى ما يتسرب عن الاتصالات الجارية حالياً، فُهِمَ أن المرحلة الأولى من التفاوض ستركز على الحدود، وإذا توصلت إلى اتفاق فإنه سينعكس بالضرورة على ملف الاستيطان وسيعني بالتالي أن قرار التجميد سيصبح دائما، وهو ما أوحى به مستشارو نتنياهو باعتبار أن "التجميد المؤقت" هو الممكن حاليا في التحالف الحكومي الراهن، ويفترض أيضا أن تعالج مسألة "مرجعية المفاوضات" على خطين، الأول هو الضمانات الأمريكية، والثاني من خلال المفاوضات نفسها والتغيير في نمطها ومنهجيتها، إذا صح أن هناك تغييرا.
ماذا يعني كل ذلك؟ المهم أولا وأخيراً أن تكون هناك شفافية، لأن الخداع الإسرائيلي-الأمريكي في المفاوضات له تاريخ أسود في الذاكرة الفلسطينية والعربية، والمهم أيضا ألا يترك أي ملف، خصوصا القدس واللاجئين، بحجة أن الأجندة تلح وأن الوقت ينفد.
والمهم كذلك ألا تهمل معطيات المفاوضات السابقة، لأن التفاوض من نقطة الصفر مجدداً سيعني أن مهلة السنتين لن تكفي لإنجاز ملف واحد، والمهم أخيراً أن أي تسوية تستحق أن تسمى عادلة لابد أن تتم برضا فلسطيني واضح وليس على مضض.
في اللحظة التي تستأنف فيها المفاوضات سيتضح ما إذا كان الإسرائيلي حسم أمره وأصبح مريدا للسلام، لكن، في تلك اللحظة أيضا سيبدأ الحراك الإسرائيلي لفرط الائتلاف الحكومي والاعداد لتغيير المشهد السياسي، إلا إذا كان ثمن التسوية أن يرضي نتنياهو متطرفيه بالذهاب إلى حرب أخرى في غزة أو في لبنان ويكون متحققا هذه المرة بدرجة أكبر من الصمت العربي الرسمي.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
nero
nerop -

عبء المفاوضات على الموظف ان يذاكر و مجلس الامن الامم المتحده الهيئات الدوليه تتابع رخصه الموظف يعنى مذاكر القانون مثل ضابط الاسلكى معه رخصه و ايضا الجهاز مرخص و ايضا غرفه الاسلكى مرخصه مؤهل و نحن لسنا فى غابه

nero
nerop -

عبء المفاوضات على الموظف ان يذاكر و مجلس الامن الامم المتحده الهيئات الدوليه تتابع رخصه الموظف يعنى مذاكر القانون مثل ضابط الاسلكى معه رخصه و ايضا الجهاز مرخص و ايضا غرفه الاسلكى مرخصه مؤهل و نحن لسنا فى غابه

المفاوضات
د محمود الدراويش -

الاستاذ بدرخان يقدم تحليلا رائعا للمفاوضات , ولكن قادم الايام ربما نحتاج الى عشرات المفاوضات لحل مشاكل تتصل بحروب اهليةودعوات ومحاولات للانفصال ,ان عالمنا العربي كما يبدو يلعب في الوقت الضائع , وان بقاء الامور على ما هي عليه ضرب من الخيال والاماني والامال . ومنذ ان تسلل علي بابا وحراميته الى مخادعنا ,فقد انهالت علينا الحمم والمحن والويلات ,فقد قادنا هؤلاء الى سوق النخاسة عبيدا مذلون مهانون وقبعوا في مستنقع الرذيلة والفساد والجشع والانانية , وتجردوا من الوطنية والكرامة والشرف والنخوة تماما ,وسرقوا لقمة العيش من افواه اطفالنا وحرموا المرضى من حبة الدواء ونهشوا اجسادنا وصادروا امجادنا وتاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا, والعالم العربي مقبل على دماء وقتل وتدمير لن تكون فيه الغلبة للعرب ان بقيت الامور على ما هي عليه ,فالعراق مقسم واليمن في طريقها للتقسيم والسودان في مراحل التقسيم ودولة الاقباط قادمة ودولة الامازيغ والموارنة والعلويين والمسيحيين والدروز والشيعة والتركمان والاكراد والفرس والافارقة , كل هذا سيحدث عاجلا ام آجلا , لقد امتهنا الذل والجبن والاستسلام والركوع لعلي بابا وحراميته , وان المخرج من مستقبل مظلم قاتم لا احد يعرف كيف سيكون , ان الامة في حالة غيبوبة وضياع وان الخروج من غيبوبتها وموتها السريري ضربة قدر ومسالة حظ ,

المفاوضات
د محمود الدراويش -

الاستاذ بدرخان يقدم تحليلا رائعا للمفاوضات , ولكن قادم الايام ربما نحتاج الى عشرات المفاوضات لحل مشاكل تتصل بحروب اهليةودعوات ومحاولات للانفصال ,ان عالمنا العربي كما يبدو يلعب في الوقت الضائع , وان بقاء الامور على ما هي عليه ضرب من الخيال والاماني والامال . ومنذ ان تسلل علي بابا وحراميته الى مخادعنا ,فقد انهالت علينا الحمم والمحن والويلات ,فقد قادنا هؤلاء الى سوق النخاسة عبيدا مذلون مهانون وقبعوا في مستنقع الرذيلة والفساد والجشع والانانية , وتجردوا من الوطنية والكرامة والشرف والنخوة تماما ,وسرقوا لقمة العيش من افواه اطفالنا وحرموا المرضى من حبة الدواء ونهشوا اجسادنا وصادروا امجادنا وتاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا, والعالم العربي مقبل على دماء وقتل وتدمير لن تكون فيه الغلبة للعرب ان بقيت الامور على ما هي عليه ,فالعراق مقسم واليمن في طريقها للتقسيم والسودان في مراحل التقسيم ودولة الاقباط قادمة ودولة الامازيغ والموارنة والعلويين والمسيحيين والدروز والشيعة والتركمان والاكراد والفرس والافارقة , كل هذا سيحدث عاجلا ام آجلا , لقد امتهنا الذل والجبن والاستسلام والركوع لعلي بابا وحراميته , وان المخرج من مستقبل مظلم قاتم لا احد يعرف كيف سيكون , ان الامة في حالة غيبوبة وضياع وان الخروج من غيبوبتها وموتها السريري ضربة قدر ومسالة حظ ,