جريدة الجرائد

ماذا يعكر صفو دبي؟ ... نداء لأجل تحسين المناخ الاستثماري

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

نيويورك - أمار تور

أزمة الديون التي ضربت أضخم شركات دبي نوفمبر/تشرين ثانٍ الماضي لم تعرض النظام المالي العالمي، كما كان يخشى الكثيرون، لركود جديد. وفي حين تم احتواء الحادث على المدى القصير، ينبغي على دبي أن تتنبه إلى الأزمة وتعتبرها بمثابة نداء صحوة كانت هناك حاجة ماسة إليه، كما ينبغي عليها أن تبدأ من الآن في تصفية أجواء الاستثمار الملبدة بالغيوم.

عندما طلبت شركة دبي العالمية تجميد 60 مليار دولار أمريكي من ديونها المعلقة، حدثت حالة من الارتباك في أسواق الأسهم وطغت موجة عارمة من التكهنات السلبية بين عشية وضحاها. والآن، بعد مرور أكثر من شهر على أزمة ديون دبي، يعتبر معظم المحللين تلك الأزمة بمثابة حدث منفصل، لم يكن له سوى تأثير عابر على التعاملات المالية العالمية. وفي حين أن الأسواق تعافت بالفعل، فإن أزمة الديون تبرز مشكلات كبيرة قد يكون لها انعكاسات أعمق أثرًا في مناخ الاستثمار بدبي وتحتاج تلك المشكلات إلى مزيد من الاهتمام.

عندما بدأت شركة دبي العالمية نشاطها بموجب مرسوم حكومي صدر في عام 2006، سرعان ما أصبحت الشركة أكبر كيان استثماري في دولة الإمارات العربية المتحدة. ونمت الشركة الاستثمارية بقوة خلال ازدهار العقارات حيث إن شركة نخيل التابعة لها شهدت مشروعات تطوير عقاري متميزة مثل جزر النخيل وواجهة دبي المائية، وغير ذلك من المساعي الطموحة التي سرعان ما أصبحت تميز المنطقة. ولكنه مع بلوغ الأزمة الاقتصادية العالمية ذروتها في عام 2009، سرعان ما تبخر رأس المال وأصبح مصير السوق العقاري المزدهر الإخفاق التام مثل سابقيه.

وسرعان ما أوضح المحللون الماليون أن شركة دبي العالمية، على العكس من "ليمان براذرز" و"بير ستيرنز"، لم تكن وسيطًا ماليًا؛ فمشكلاتها الخاصة بالديون لم تكن مرتبطة بشكل جوهري بأي نوع من الأدوات المالية المعقدة أو بكم هائل من القروض التي يتم إعادة الاتفاق عليها. ومن ثم فإنه من غير المستغرب أن الأزمة لم تكن أكثر من مجرد إشارة تحذيرية بسيطة لا تنذر بدخول العالم في ركود جديد. وبالرغم من ذلك، فإنه من منظور إقليمي أوسع نطاقًا، يمكن أن نعتبر تلك الأزمة بمثابة تحذير من مستقبل مشئوم قد يكون بانتظار القطاع الاستثماري في دبي.

وعلى الرغم من أنه لم يكن هناك عقد أو اتفاق قانوني يلزم حكومة دبي بـ"إنقاذ" شركة دبي العالمية من عثرتها المالية، فإن رفضها تقديم المساعدة للشركة يعد دليلًا على عدم وجود بيئة استثمارية صالحة. فنظرًا لعلاقة الشركات العقارية المملوكة للحكومة، مثل شركتي نخيل وتطوير، بالعائلة المالكة في دبي ونظام الحكم، فإنهم كانوا قادرين، على مدى سنوات طويلة، على جذب تدفقات كبيرة من رءوس الأموال الأجنبية. حيث أعطى هذا الدعم الحكومي الضمني المستثمرين مستوى معينًا من الاطمئنان والثقة فيما يتعلق بالمشروعات عالية التكلفة، التي يساعدون في تمويلها، حتى لو كان دور الحكومة غير محدد بشكل دقيق. وعلى الرغم من أن ديون شركة دبي العالمية لم تكن، من الناحية التقنية، مضمونة من قبل الحكومة، فإن المقرضين الأجانب تعاملوا معها على هذا النحو، واستثمروا فيها بناء على ذلك. ولكن في مرحلة ما بعد عام 2009، من المرجح أن تجد دبي صعوبة في جذب نفس القدر من رءوس الأموال من المستثمرين، الذين أصبحوا الآن أكثر حذرًا في تعاملهم مع الشركات المملوكة للحكومة.

كما كشفت الأزمة أيضًا "كعب أخيل" الخاص بدبي من الناحية الجغرافية، فهي تفتقر للنفط، وتعانى من تبعيتها لأبو ظبي الناجمة عن ذلك. فعلى عكس دول الشرق الأوسط الأخرى، ليس لدى دبي مخزون من النفط أو الغاز الطبيعي يمكنها الاعتماد عليه إذا ما وجدت نفسها تفتقر إلى السيولة. وقد ظلت دبي حتى الآن تعتمد بشكل دائم على الأسعار المرتفعة للحفاظ على وجود تدفق مستمر لرءوس الأموال، مع الاعتماد على أبو ظبي في حالة احتياجها إلى دعم إضافي. وقد قدمت أبو ظبي لدبي في أوائل عام 2008، مبلغ 10 مليارات دولار أمريكي في شكل قروض منخفضة الفائدة. وفى أوائل نوفمبر/تشرين ثانٍ الماضي، أسهم اثنان من البنوك المملوكة للدولة بـ 5 مليارات من الدولارات في شكل مساعدات. ولكن في هذه المرة لم تتحرك أبو ظبي إلا بحلول الـ 14 من ديسمبر/كانون أول لتمد دبي بشريان حياة جديد بقيمة 10 مليارات دولار، مما ساعد شركة نخيل على سداد ديونها في آخر لحظة. وفي حين رأى الكثيرون أن هذه المساعدات ذات دلالة مشجعة على أن دولة الإمارات لن تترك إمارة دبي دون مساعدة، إلا أن هذه الخطوة، في نهاية المطاف، قد سلطت الضوء على مدى اعتمادية دبي والخلل المفاجئ الذي قد يصيب شبكة الأمان الموجودة بها نتيجة لهوى الآخرين. ومن ثم.. فإذا كانت دبي، كما يعتقد الكثيرون، تريد أن تقف جنبًا إلى جنب مع غيرها من المراكز المالية مثل هونج كونج ولندن، فإنها لا يمكنها أن تعتمد بهذا الشكل الكبير على مصادر دعم غير موثوق بها. ووفقًا لما قاله أحد كبار المسئولين في أبو ظبي لوكالة "رويترز" للأنباء بعد وقت قصير من ورود الأنباء عن اندلاع الأزمة، فإن إمارة أبو ظبي سوف "تنتقي الوقت والمكان المناسبين لتقديم المساعدة".

وربما سوف تولد الأزمة، كما يتوقع البعض، المزيد من الحذر بين الشركات عندما تفكر في الاستثمار في الاقتصادات الناشئة أو غيرها من أسواق الشرق الأوسط بصفة عامة. وبرغم ذلك فإن هذا الجمود سوف يكون، على الأقل، بمثابة دعوة ماسة للإمارة لكي تنهض من جديد. فقد استطاعت دبي خلال فترة الطفرة العقارية النمو بمعدلات فلكية عبر مزيج من إدارة تتميز بالتوقع الدقيق وبيئة صديقة للمستثمر تتسم بالحرص الشديد. غير أنه ـ كما أوضحت أزمة نهاية نوفمبر/تشرين ثانٍ ـ فإن الكثير من سحر دبي يعود إلى أنها كانت مجرد نموذج مالي مثالي تضخم نتيجة قوة عقلية القطيع المتراكمة، مما ساعد دبى، على الأقل حتى هذا الخريف، على النجاح فى إخفاء الثغرات الكامنة في الشفافية المالية. ولكي تتطلع إلى الإمام فمن الأهمية بمكان أن تعالج دبي ودولة الإمارات أزمة الديون لا بوصفها مجرد زوبعة، أو كناتج ثانوي طبيعي نتيجة تباطؤ الاقتصاد العالمي، ولكن بوصفها حقيقة واقعة ينبغي أن تؤخذ في الحسبان. لقد تغير المشهد، ولابد أن تتغير دبي أيضًا.

أمار تور - استشاري في وزارة التجارة والزراعة التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف