جريدة الجرائد

أكبر انخراط تركي في الشرق الأوسط منذ 1923

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الكويت - محمد ابو خميرة


حافظت تركيا على علاقات وطيدة مع إسرائيل والغرب على مدى عقود طويلة، حيث وصل التعاون مع إسرائيل مستويات متقدمة على الصعيد العسكري والسياسي والاقتصادي، ومع الغرب، وصل درجة ترشيح تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي.
لكن تقرير سبتمبر 2010 لمجموعة الأزمات الدولية يشير إلى أن فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية في فلسطين عام 2006 والحرب الإسرائيلية على غزة في ديسمبر 2008 وما تلاها من تلاسن بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس على هامش منتدى دافوس الاقتصادي في مطلع عام 2009، وانتهاء باقتحام الجيش الإسرائيلي لقافلة الحرية الذي أسفر عن مقتل تسعة نشطاء سلام أتراك... كلها أحداث تسببت في تدهور دراماتيكي في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب.
ويورد التقرير ان تحسن العلاقات بين تركيا في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية وإيران أثار المخاوف في الغرب من أن أنقرة بدأت تدير ظهرها لحلفائها وشركائها التقليديين في الغرب، وانها تحاول إقامة تحالف مع ملالي طهران، وان كان تقييم معدّي التقرير يذهب إلى أن التاريخ لم يشهد قيام مثل هذه التحالفات من قبل، فضلاً عن اختلاف مصالح البلدين في الكثير من الميادين ومن بينها العراق.

الانخراط التركي في شؤون الشرق الاوسط الان هو اكبر مما كان عليه في اي وقت منذ نشوء تركيا الحديثة في عام 1923، وكما اوجزت "مجموعة الازمات" في تقرير سابق لها، فإن القوى الاقليمية والدولية كان لها تقييم ايجابي لهذا الانخراط التركي، فقد وصف تقرير للاتحاد الاوروبي صدر عام 2009 الدور التركي الجديد في الشرق الاوسط بأنه "بنّاء".
واختار الرئيس اوباما تركيا محطة اسلامية اولى له بعد توليه الرئاسة ووصف علاقات بلاده بتركيا بــ "النموذجية". ويمثل تنامي الدور التركي في المنطقة كنتاج طبيعي للتقدم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي احرزته تركيا ذات الثلاثة وسبعين مليون نسمة، على مدى العقد المنصرم، فقد بدأت انقرة بعد قبول ترشيحها لعضوية الاتحاد الاوروبي عام 99، مفاوضات الانضمام في عام 2005.
وجاء ذلك بعد ان ادخلت الحكومة الائتلافية خلال سنوات 99ــ2002 مجموعة من الاصلاحات لتلبية المعايير الاوروبية، تلك الاصلاحات التي تعززت في عهد حكومة حزب العدالة والتنمية التي انتخبت في عام 2002 كأول حكومة اغلبية مستقرة منذ الثمانينات، وقد واجه طريق تركيا الى الاتحاد الاوروبي عراقيل تتمثل في الشكوك الفرنسية والالمانية، فضلا عن القضية القبرصية، لكن انقرة ظلت على التزاماتها بتلبية الشروط الاوروبية.

القوة الناعمة
اما في المنطقة الشرق الاوسط، فكان التركيز على الرخاء الذي تشهده تركيا وقبولها من قبل الاتحاد الاوروبي وانتقاداتها للحكومة الاسرائيلية لقمع الفلسطينيين وكذلك ابداء الاعجاب بالتجارة الحرة وحرية التنقل والسياسات التركية الاخرى على اكثر من صعيد، والتي وصفها احد المعلقين الاردنيين بالقول انه "يبدو ان الجميع معجبون بتركيا.. على العكس من ايران. فالنموذج التركي المبني على القوة الناعمة يحظى بمصداقية بين شن الحرب والاستسلام الكامل. وعلينا ان نأخذ الالهام من الاسلام المدني والديموقراطي الذي تجسده تركيا".
ولكن التطورات منذ ابريل 2010 وخاصة الازمات ذات الصلة بالسياسة التركية تجاه اسرائيل وايران اثارت جدلا في كل من الشرق الاوسط والعواصم الغربية حول ما اذا كانت الفترة قد تحولت بشكلل دراماتيكي نحو الشرق او ما اذا كانت تبني سياساتها على ايديولوجية اسلامية.
ويستكشف هذا التقرير آفاق السياسة التركية في ظل حزب العدالة والتمنية، مفترضا انه حتى في مثل هذه الازمات، فان تركيا تتصرف كقوة اقليمية بارزة وواثقة بالنفس، وان هذه التصرفات تلقى الترحيب من البعض والقلق من البعض الآخر، لكن حين يتعلق الامر بالقيمة والاهداف، فان ما تفعله تركيا يلقى القبول عموما من شركائها الغربيين.

تركيا وإسرائيل
بعد الشراكة التجارية والسياحية والعسكرية الوثيقة في التسعينات، دخلت العلاقة التركية - الاسرائيلية منعطفاً جديداً، وكان الهجوم الاسرائيلي على قافلة الحرية في شهر مايو الماضي، والذي اسفر عن مقتل تسعة نشطاء سلام اتراك، قد اوصل العلاقة بين البلدين التي بدأت تتدهور منذ عام 2009 الى الحضيض، ويرى الاتراك ان اساس المشكلة يتمثل في رفض اسرائيل الانسحاب من الاراضي المحتلة، وصنع السلام مع الفلسطينيين، اما بالنسبة للاسرائيليين فان المشكلة هي ميل حكومة حزب العدالة والتنمية المتزايد للوقوف الى جانب الاعداء سياسيا وايديولوجيا.

إسرائيل وحزب العدالة والتنمية
الكثير من قادة حزب العدالة والتنمية ينحدورن من مجموعة من السياسيين الاتراك الذين يكنّون عداءً شديداً لاسرائيل، ولكن رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان ينتمي الى مجموعة من المحافظين المتشددين، وفاز حزب العدالة والتنمية بزعامة اردوغان في الانتخابات عام 2002، بشعارات تحسين الحكم ومكافحة الفساد، ولم تكن العلاقة مع اسرائيل مطروحة في ذلك الوقت.
وحقق الحزب فوزاً كاسحاً في انتخابات 2007 بسبب الحكم النظيف وتحقيق الرخاء ومواصلة السير في طريق الديموقراطية ورفض هيمنة الجيش على السياسة بما يتلاءم مع معايير الانضمام للاتحاد الاوروبي.

استياء شديد
ومن المؤكد ان الناخب التركي كان يدرك ان اردوغان قد يشعر باستياء شديد وينتقد اسرائيل بحدة، وانه قد يستغل ذلك داخليا ولاغراض سياسية اخرى، وفي ظل اية حكومة تركية تخضع العلاقة مع اسرائيل الى ردود الفعل الشعبية تجاه معاملة اسرائيل للفلسطينيين، وفي الوقت ذاته زار اردوغان ومسؤولون اتراك آخرون اسرائيل في ولايته الاولى، وقامت علاقات تجارية كبيرة بين شركات مقربة من حزب العدالة والتنمية واسرائيل، كما وقعّت اتفاقيات تعاون بين اسرائيل وحكومة العدالة والتنمية اكثر مما وقعته أية حكومة تركية سابقة، وتوسطت تركيا في عهد اردوغان لصنع السلام بين اسرائيل وسوريا.
ويرى مراقب عربي ان "اردوغان يميل الى حركة حماس، لكنه يريدها طرفا ايجابيا وان تلبي مطالب المجتمع الدولي"، كما قال دبلوماسي غربي عن علاقة اردوغان بالحركة "يمكن النظر الى الموضوع من زاوية الالتزام بالاسلام او مناصرة الطرف الضعيف، وما من شك في ارتباط اردوغان العاطفي بالقضية الفلسطينية، وهو يعتقد حقا انه يجب اشراك الحركة في جهود السلام، ولا اظن ان ايا من الساعين لصنع السلام في الشرق الاوسط يعتقد ان ثمة امكانية لنجاح هذه الجهود من دون مشاركة حماس".

بداية التدهور
وفي الواقع، لم يبدأ تدهور العلاقات التركية - الاسرائيلية الا بعد فوز "حماس" في الانتخابات التشريعية عام 2006 وشعر حزب العدالة والتنمية ان اسرائيل خذلته بشن الحرب على غزة في ديسمبر 2008، وبعد ايام من مأدبة عشاء اقامها اردوغان على شرف رئيس الوزراء آنذاك ايهود اولمرت في انقرة، والتي يقول الاتراك ان اولمرت لم يتطرق فيها ابدا الى الحرب، ويرى معظم الاسرائيليين وبعض المسؤولين الاميركيين ان التغير الدراماتيكي الكبير حدث بعد ثلاثة اسابيع، حين انتقد اردوغان الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريس بشدة في منتدى دافوس الاقتصادي بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة.

قطيعة شبه كاملة
واستمر التدهور في العلاقات، فقد بثت محطة تلفزيون تركية مسلسلا يصور الجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، وتعمد نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي داني ايالون إهانة السفير التركي في تل أبيب لدى استدعائه للاحتجاج. وتبيّن ان الاهانة كانت مقصودة حين عُلم انه استدعى فريقا تلفزيونيا لتصوير المقابلة التي أُجلس فيها السفير التركي على كرسي منخفض. لقد اعتذرت إسرائيل عن الحادثة، لكن استياء الرأي العام التركي لم يهدأ.
ويشعر بعض الاسرائيليين ان علاقات حزب العدالة والتنمية مع بعض "الأعداء" (لاسرائيل)، مثل إيران وسوريا والسودان وحزب الله وحماس، تمثل عملا عدائيا من جانب تركيا، لكن المسؤولين الأتراك يدافعون عن هذه الصلات باعتبار انها تهدف الى تعزيز الاستقرار في المنطقة.
ويشير بعض الاسرائيليين الى وجود تناقض في السياسة التركية التي تزعم الاهتمام بحقوق الإنسان الفلسطيني وتتجاهل حقوق الإنسان في سوريا وإيران والسودان.
وتستند تركيا في تحركها على منطق امبريالي تهدف من خلاله الى استعادة موقع مهم على المستويين الإقليمي والدولي، ومنطق عام يقوم على الأخلاق والعدالة. اما هذه المعادلة المستحيلة ــــ رياضيا ــــ بأن هذا العالم خالٍ من المشكلات، فتعكس نوعا من السذاجة وغياب الخبرة، فلا يمكن للسياسة الخارجية للدول ان تُبنى على المثاليات والقيم الأخلاقية، يجب ان تكون ثابتة حتى تكون حقيقية.

سفينة مرمرة
كانت سفينة مرمرة هي الأكبر في أسطول من السفن التي أبحرت باتجاه غزة في نهاية شهر مايو الماضي، وهي تحمل المساعدات الإنسانية لسكان القطاع، وكان حجم هذا الأسطول وعدد المشاركين فيه، والذي ناهز الـ 600 شخص، قد ميّز هذه المحاولة عن كل المحاولات السابقة لفك الحصار عن غزة الذي تفرضه إسرائيل منذ عام 2007.
وفي يوم الحادي والثلاثين من مايو، اعترضت القوات الاسرائيلية الاسطول في المياه الدولية، مما أدى الى مقتل تسعة أشخاص من نشطاء السلام الأتراك وجرح العشرات الآخرين، مما فجر أزمة بين الحكومتين الاسرائيلية والتركية.

إسرائيل وIHH
نظمت مؤسسة حقوق الإنسان والحريات والإغاثة الإنسانية IHH، التي تمتلك سفينة مرمرة، تلك القافلة بالتعاون مع ست منظمات غير حكومية أخرى من مختلف أنحاء العالم، منها السويد واليونان.
وبعد اقتحام السفينة ومقتل النشطاء الأتراك، اتهمت اسرائيل المنظمة التركية التي نظمت أسطول الحرية بأنها إرهابية لها صلات بتنظيم القاعدة، لكن الولايات المتحدة قالت ان لا أدلة لديها تثبت الاتهامات الإسرائيلية، ونفت تركيا هذه الاتهامات بشدة، وقالت انهم مجموعة من المتعاطفين مع معاناة الشعب الفلسطيني فحسب، واتضح ان إسرائيل لم تضع تلك المنظمة على قائمة الإرهاب سوى في يونيو 2010 (!!).
وقد تأسست هذه المجموعة التي تعمل بصورة مشروعة في أكثر من 120 دولة في خضم حرب البلقان عام 1992 وتم الترخيص الرسمي لها في عام 1995 وتتخذ من أسطنبول مقراً لها وترفع شعار ان "العمل الطيب يفتح كل الأبواب" ورسالتها إنسانية عالمية.
وربما كان لدعم المنظمة للفلسطينيين صلة بانحيازها لحركة حماس والخطاب الراديكالي حيال المشكلة الفلسطينية، وكان رئيسها بولنت يلدريم قد ألقى خطاباً نارياً في غزة في يناير 2009 ورفع شعارات إسلامية وأثنى على حركة حماس وانتقد "اليهود" وليس الإسرائيليين، وقد منحت المنظمة في عام 2009، حوالي عشرين مليون دولار للفلسطينيين من أصل إجمالي مساعداتها الدولية في ذلك العام التي بلغت 50 مليوناً، وكان نصيب غزة 10 ملايين منها.
ورداً على الاتهامات الإسرائيلية لبعض النشطاء على متن قافلة الحرية بأنهم إرهابيون قالت المنظمة التركية IHH إنه تم اختيار النشطاء بالقرعة من مختلف المنظمات التركية غير الحكومية في 81 محافظة تركية، وتساءل أحد مسؤولي المنظمة: "إذا كانت إسرائيل تعرف اننا إرهابيون فلماذا لم تطالب الحكومة التركية باعتقالنا؟".

تركيا وإيران
علاقة تركيا بالجمهورية الإسلامية تراوحت بين الانسجام وعدم الانسجام مع مواقف شركائها الأوربيين من الجمهورية. ولكن الانتقادات لمواقف تركيا من إيران بلغت ذروتها في العام الماضي بسبب تهنئة أحمدي نجاد بإعادة انتخابه رئيساً لإيران. كما ان توقيع تركيا في مايو الماضي إلى جانب البرازيل على اتفاق يُلزم إيران بالتخلص من اليورانيوم منخفض التخصيب مقابل الحصول على مفاعل نووي للأبحاث لأغراض طبية وتصويتها في يونيو 2010 ضد قرار لمجلس الأمن بفرض عقوبات جديدة على إيران، أوسعت هوة الخلاف بين أنقرة وكل من الغرب وإسرائيل.
وجاءت الانتقادات الأوروبية لتركيا في وقت تشهد فيه العلاقات التركية الإسرائيلية مزيداً من التدهور، وتنامي الشعور في الغرب بأن تركيا ربما بدأت تدير ظهرها لحلفائها وشركائها التقليديين. ويعتقد بعض منتقدي سياسة تركيا تجاه إيران وإسرائيل ان ذلك يرتبط بشخصية أردوغان الذي مال إلى التشدد خلال العامين الماضيين، ويرى آخرون ان علاقة تركيا بهذين البلدين هي وفق اعتماد كل منهما على الآخر.
ويخشى منتقدو تركيا من أنها تسعى إلى إقامة تحالف مع إيران أو على الأقل الانضمام إليها في تشكيل تكتل إسلامي، ومع ذلك، فإن التاريخ يُظهر ان من النادر إن حدث تحالف سياسي بين إيران وتركيا. ولا تمثل تصريحات حزب العدالة والتنمية حول الصداقة مع إيران أو تحركاتهم تأييداً لتشويه دبلوماسية للبرنامج النووي الإيراني، أي إشارة على نيتهم التحالف مع إيران، كما لم تبد إيران أي رغبة في إقامة مثل هذا التحالف، على الرغم من مزاعم المسؤولين الإيرانيين ان الدور الذي يقوم به زعماء حزب العدالة والتنمية يؤكد حقيقة ان برنامجهم (اي الايرانيين) النووي هو لأغراض سلمية فحسب.

تنافس تقليدي
رغم التنافس التقليدي بين البلدين، لكن ثمة مصالح سياسية وتجارية تجمعهما، ومع وجود الاختلافات بين المجتمعين، لكن هناك قواسم مشتركة بينهما ويؤثر قادة البلدين في سلوك الآخر. وهناك تعاون قائم بين البلدين في مجال التعامل مع القضية الكردية، لكن مصالحهما ليست واحدة في العراق، ربما لأن الأتراك مسلمون سنة بينما الايرانيون شيعة، ولأن تركيا تسعى الى احتواء تنامي النفوذ الايراني في العراق.
وفي ما يتعلق بالبرنامج النووي الايراني، فان تركيا تتفق مع شركائها الاميركيين والاوروبيين بهدف منع ايران من امتلاك السلاح النووي، ولا يشك الدبلوماسيون الغربيون في انقرة في صدق نوايا الاتراك في هذا الشأن، بل ان المسؤولين الأتراك يعبرون - في المجالس الخاصة - عن مخاوفهم من سعي ايران لامتلاك هذه الاسلحة، ومع ذلك يرون ضرورة تغيير النهج الدولي المتبع حاليا مع طهران واعتماد الدبلوماسية والحوار بدلا من العقوبات والتهديد بالحرب. فأنقرة تعتقد ان العقوبات ستلحق الضرر بالأبرياء وليس في نظام الملالي في طهران، وان أي هجوم عسكري على المنشآت النووية الإيرانية ليس من شأنه سوى إرجاء انجاز هذا المشروع فقط، وان العقوبات أو العمل العسكري سيقويان عزيمة نظام طهران، وتخشى انقرة من ان أي مغامرة عسكرية في المنطقة ستزعزع استقرارها وسيكون لذلك اثره السلبي في الاقتصاد التركي.
وفي الوقت الذي لا تخرج سياسة تركية تجاه ايران واسرائيل عن اطار الأهداف الغربية، فان هناك مخاوف وتصورات لدى البعض بان تركيا ربما بدأت تدير ظهرها الى الغرب، ففيما يتعلق باسرائيل، ما تقوم به تركيا ينطوي على خطر انخراطها كطرف في الصراع الدائر مع العرب، ومع ذلك فان اقامة جسور اتصال مع جميع الأطراف يعتبر أمرا ضروريا لانقرة اذا أرادت الإسهام في تحقيق السلام في المنطقة، ولكن يرى البعض ان تركيا وسعت كثيرا من نطاق تدخلها في الصرع الاسرائيلي - الفلسطيني.

تغيير جوهري
ولكن معظم مصالح تركيا مرتبطة في النهاية بالولايات المتحدة والغرب، ونجاح سياستها الخارجية قد يساعدها في التغلب على تردد بعض الأطراف الاوروبية في قبول عضويتها في الاتحاد، فثلثا الاستثمارات الأجنبية في تركيا هي اوروبية على أساس انه لم يسبق لأي دولة دخلت في مفاوضات مع الاتحاد من اجل الانضمام و فشلت، كما ان نصف صادرات تركيا تذهب الى اوروبا، ويعيش 2.7 مليون تركي الآن في اوروبا، و56 في المائة من السياح الذين يزورون تركيا سنويا هم اوروبيون.
ويوفر الشرق الأوسط فرصا جيدة لتركيا لتوسيع تجارتها وتحقيق الاستقرار في هذه المنطقة من شأنه ان يعود بفائدة حقيقة عليها، وان كانت هذه المنطقة لا تستأثر سوى بربع صادراتها وعُشر صناعة السياحة فيها ولا يعيش في العالم العربي سوى 110آلاف تركيا. لقد وجه الكثير من المعلقين الاتهامات لتركيا على مدى العام ونصف العام الماضية بانها تقدم على تغيير جوهري في مسارها من الغرب الى الاسلام. وكتب أحد المعلقين في صحيفة ديلي تلغراف المحافظة يقول ان الدولة التي وصفت ذات يوم برجل اوروبا المريض اصبحت الان رجل الشرق الغاضب، وان الخشية الان هي ان تصبح مثل باكستان.
وتذهب تقارير الى ان الاتجاه الذي يتخذه رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ووزير خارجيته داود اوغلو تسبب ببعض القلق حتى داخل تركيا، وخاصة في اوساط الليبراليين والمثقفين، الذين يخشون من ان لغة الخطاب المتشدد التي يستخدمها اردوغان، جعلت تركيا تبدو وكأنها مناهضة للغرب.

تكتيكات مختلفة
والخلاصة انه على الرغم من بعض الجفاء والخلافات الآنية مع الغرب، فان تركيا تشارك معظم الدول الاوروبية الاهداف ذاتها ومنها ايجاد حل سلمي للطموحات النووية لايران وتخفيف المعاناة عن سكان غزة. لكنها تظل اقرب الى احداث الشرق الاوسط ولديها مصالح اكبر في استقرار المنطقة من بقية شركائها، ولذلك فانها تستخدم تكتيكات مختلفة، بما في ذلك التعاطي مع ايران وحركة حماس.
وقد اظهرت ازمة قافلة الحرية الصعوبات التي تواجه تركيا حين تفقد سمعتها كطرف محايد في نزاعات الشرق الاوسط، حتى لو كانت ضمن الطرف الخاسر.
ومن ناحية اخرى، يتعين على شركاء تركيا الاوروبيين التحلي بقدر اكبر من النزاهة عند الحكم على سياساتها تجاه ايران واسرائيل وما اذا كانت تنسجم مع الاهداف الاوروبية ام لا، وعليهم تشجيع تقاربها مع الاتحاد الاوروبي، ومحاولاتها بناء جسور مع ايران.
اما زعماء حزب العدالة والتنمية فلديهم حق في التذمر من تنكر بعض الاوروبيين ولا سيما المانيا وفرنسا للوعود التي قُطعت لتركيا بقبول عضويتها في الاتحاد الاوروبي. لكن الخطابة الغاضبة ليست هي الحل، بل عليهم مواصلة العمل على اقناع الجمهور التركي والاوروبي بجدوى الشراكة والثمار التي ستعود على الطرفين في حال اكتمالها.

تركيا - إسرائيل من الشراكة إلى "شبه القطيعة"
كان الهجوم الاسرائيلي على "قافلة الحرية" بمنزلة الشرارة التي فجرت الأزمة بين أنقرة وتل أبيب، وأدخلت العلاقات الثنائية منعطفاً بعيداً عن الشراكة التجارية والسياحية والعسكرية الوثيقة التي سادت في تسعينات القرن الماضي.
كانت الأجواء مهيأة لمثل هذا الانفجار. ففي ظل أي حكومة تركية فإن العلاقة مع اسرائيل تخضع الى ردود الفعل الشعبية تجاه معاملة اسرائيل للفلسطينيين. وهكذا بدأ تدهور العلاقة بين البلدين بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006، ووصل الى أوجه عام 2009 (بعد الاجتياح الاسرائيلي لغزة)، لتأتي بعد ذلك المشادة المتبادلة بين اردوغان وبيريس وأزمة المسلسل التلفزيوني التركي.. وأخيراً حادثة سفينة مرمرة (قافلة الحرية).

تركيا - إيران مصالح وتنافس
يظهر التاريخ أنه من النادر ان حدث تحالف سياسي بين تركيا وايران، ومع ذلك يخشى منتقدو انقرة من أنها تسعى الى اقامة مثل هذا التحالف.
فعندما هنأت الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد بمناسبة اعادة انتخابه 2009، لاقت انقرة انتقادات واسعة خصوصاً من الأوروبيين. ثم جاءت "الشراكة" مع البرازيل بخصوص موضوع "النووي الايراني" ليوسع الهوة مع كل من الغرب واسرائيل.
فعلى الرغم من التنافس التقليدي بين البلدين، الا أن ثمة مصالح سياسية وتجارية تجمعهما خصوصاً ما يتعلق بقضية الأكراد، ومع وجود اختلافات بين المجتمعين، هناك قواسم مشتركة بينهما ويؤثر قادة البلدين كل منهما في سلوك الآخر.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف